إسلام عشري's Blog: litfreak1234.wordpress, page 6

July 24, 2018

زيت الكلب- أمبروز بيرس

[image error]


 


أدعى بوفر بينجز.. ولدت لدى أكثر عائلة صالحة بإحدى نقلات الحياة المتواضعة. أبي مُصنِّع زيت كلاب، بينما تملك أمي إستديو صغير بظل أبرشية بلدتنا، حيث يتم التخلص من الأطفال غير المرحب بهم في البلدة. في طفولتي، تم تمريني لإهدائي لصناعتهما معا، لم أكن فقط أعمل يد بيد أبي بحصده للكلاب اللازمة لأحواضه، بل أيضا من وقت لآخر مكنت أمي من رمي رميم أعمالها الفاشلة بالإستديو.. بأثناء تأدية ذلك الغرض كنت أحتاج كل فرائسي لأتفادى كل الكونستابلات التي تعترض عملنا والذين لم يتم اختيارهم  خاصة لهذا الغرض.. لحظنا لم تصل المشكلة طرفا سياسيا بعد، هذا ما حدث لوقتها..


عَمْلُ والدي بصناعة زيت الكلاب، بطبيعته، عمل أقل صيتا رغم أن مالكي الكلاب كثيرا ما وضعوه بدائرة الاتهام والذي أثر بطريقة ما، عليّ..  كان لدى أبي شركاء بالفعل متخفين، كل صيادلة البلدة، والذي قلما كتب أحدهم روشتة لا تحوى بداخلها تشخيص ينصح بعبوة واحدة على الأقل من الزيت مع توصية أنه بالفعل أفضل دواء اكتشف، لكن كان معظم الناس غير مستعدين لعمل تضحيات للمصابين! كان هذا واضحا بعد أن منع العديد من أسمن الكلاب بالبلد من التسكع معي. تلك حقيقة آلمت حواسي المرهفة، وقادتني بنفس الوقت إلى اعتبار نفسي أقرب لقرصان.


بالنظر لتلكم الأيام، لا أملك إلا ندما حقيقيا لأني بطريقة ما قربت أبي وأمي إلى حتفهم، بل أصبحت الراوي لسوء الحظ الملازم الذي سيؤثر حتما على مستقبلي.


بمساء بينما أعبر إلى مصنع أبي بجسد لقيط من أستديو أمي، نبذت عيني شرطي يرقب تحركي. شاب مثلي. لحظت دوما أن تصرفات الضباط أو ما قد يبدو عليه ممن يتم توليته منهم رغبتهم البادية عليهم للتعنيف، لذلك تلافيته بأن زغت نحو الأوعية الحاوية للزيت بجوار الباب، والذي وقف فيما بيننا كحجر عثرة. أقفلته على الفور، وأنا صرت وحدي مع الميت.. انسحب أبي مبكرا هذه الليلة، وكان فقط الضوء الوحيد الصادر ينبح من الفرن، يفح بعمق تاركا ظلالا قرمزية ترقص على الحوائط، بينما يرقد قدر الزيت بفورانه المتراخي يدفع من حين لآخر قطعة من كلب لسطحه.. أجلست نفسي بانتظار حتى مُضِى الضابط بعيدا، حصرت الجسد العاري للقيط على وسطي، وبغير قصد صعقني شعره الحرائري، القصير، آها كم كان جميلا.. حتى في هذا العمر المبكر كنت والها بالأطفال، وزاد الطين بلة عندما نظرت لذلك الملاك الصغير، لأن الجرح الأحمر الذي بصدره -بيد والدتي العزيزة- لم يكن كافيا لقتله كليا.


 


كنت عادة ألقي الرُضَّع في النهر، طالما الطبيعة تقدم لي نفسها كَحَل.. لكن بهذه الليلة لم أجرؤ على مغادرة المصنع لخوفي من الشرطي “بعد كل هذا” قلت لنفسي:


“لن يصبح أمر جلل لو أنني وضعته بالقدر، فأبي لن يفُرق عظام كلب، وعظام الميتات لهفوة.. ولن تصنع فرقا خرافيا في علب الزيت المكرر”


” كذلك ليس الأمر مهم لتعداد السكان الآخذ في الاستطراد”


من الآخر.. أخذت أول خطوة بخطتي للجريمة وجلبت لنفسي حزن خفي لإلقاء جسد الطفل داخل القدر.


…………


باليوم التالي نتيجة مفاجأتي.. كان أبي يفرك يده جذلا، مُبْلِغا إياي وأمي أنه حاز بالأمس على أفضل عينات بالزيت قد حصل عليها من قبل، حتى أن الصيادلة أنفسهم شهدوا العينات وأبلغوه بذلك.. أضاف أنه لا علم له كيف حدث ذلك أو كيف حصل على هذه النتيجة.. كانت الكلاب تعامل كالعادة، نفس السلالات، ونفس الفصائل العادية!


افترضت لنفسي أنه من واجبي أن أشرح لهم فعلتي، وقد فعلت. وليت شلل ما أمسك لساني وسمح لي بتوقع النتائج.. متجاهلين فوائد مزج صناعتهما معا في الماضي، بدأوا على الفور بعمل احتياطاتهم لإصلاح الخطأ..


أمي نقلت الاستديو خاصتها إلى جناح بالمصنع، وعملي معها حفظ حيث لم أعد مطلوبا لإخفاء الأطفال الفائضة، لأنه لم يعد هناك حاجة لخديعة الكلاب إلى قدرهم المحتوم؛ حتى أن أبي أخرجهم معا واحتلوا مكانا لائقا لهم باسم الزيت.. لذا فجأة ألفيت نفسي بعطلة، بطبيعتي توقعت أن أصبح متشككا أو مجنونا، لكن هذا لم يحدث. حفظني دائما التأثير القاتل لأمي من الاغراءات المحدقة بشاب بعمري، وأبي أيضا لكونه شمَّاسا بالكنيسة.. للأسف أن تأتي نهاية هؤلاء الأشخاص المحترمين نهاية سيئة على يدي.


 


عصفورين بحجر واحد، وبعزيمة من حديد، لم تمتد يد أمي لأطفال غير مرغوب بهم وزائدين عن اللزوم بل امتد نشاطها بالطرق السريعة والساحات فجمعت الأطفال بأعداد أكبر حتى المراهقين لم يعتقوا من جيدها، أدخلوا جميعا المحرقة.. أبي بدوره افتتن بجودة الزيت المنتج، والذي مداده من الدهون السمينة بالأحواض والجهد..  وصار الحديث الأولى بالكلمات مع الأيام دوما عن زيت الكلاب، الشغف الظاهر بحياتهم صب في قدح جشعهم آخذا العهد منهما على أرواحهم بمكان بالجنة إذا ما استمروا على حماستهما.


مقاطعين من العامة، مقابلة عامة قد عقدت، وألمح رئيس البلدة أن أي إغارات أخرى على سكان بلدته ستقابل بمزيد من العداء، غادرا أبويَّ “الفقر” الاجتماع محزوني القلب، ليسا بكامل عقليهما. ورأيت من الحكمة عدم دخول المحرقة معهم بهذه الليلة، وأثرت النوم بمكان آخر ساكن.


بمنتصف الليل نشبت حركة خفيفة وظهرت عبر شباك الصهير، حيث أبي ينام بها، اندلعت النار بوضوح كما لو أنها تذر دهرا من الحصاد . كان أحد القدور يجلجل بثقة عارمة كما لو انتظر طويلا ليعمل بطاقته الكاملة، أبي لم يكن بفرشته، كان قد ارتفع للسقف يعلق مشنقة بسلك متين. ومن نظرة على باب غرفة والدتي، كنت أعرف نيتها بدون كلام، وبدون حركة، برعب تام .لم أملك شيء لأمنع شيء سيحدث.


فجأة فُتِحَ باب غرفة أمي، بصمت .. اثنان بمواجهة بعضهما، السيدة ببيجامة النوم وبيدها آداة تلوح بحدها، خنجر بنصل ضيق..


هي، أيضا، لم تنكر لنفسها هذا النفع الأخير من فعلها غير المحبب من العامة وغيابها عني!


بلحظة واحدة كانت النار تولع بعينهما، دارا حول بعضهما البعض، يسب الرجل، السيدة تنبح، كما شيطانان دخلا في شباط، هي تطعنه وهو يخنقها بيده العارية، لا أدرى كم مضى وأنا أتابع هذه المشاجرة البغيضة، وأنا بحالة من التعاسة الأليفة..  ولكن بالأخير بعد انتهاء شباطهم تفرقا عن بعضهما البعض.


توقف صدر أبي و سلاح أمي  لبرهة قبل الاتصال. للحظة وقفا يرمقا بعضهما بتشتت، كان أبي الحبيب الفقير قد شعر بيد الموت حتى عبرته، مال للأمام من المقاومة جاذبا أمي العزيزة نحو ذراعيه إلى القدر معا، جامعا كل قوته المتهاوية دافعا بها للقدر المغلي، كلاهما اختفيا وأضيفا لزيتهما قبل اليوم الذي قرر مجلس البدة استدعائهما..


نظرا لهذه الأحداث غير سعيدة، بعد أن أغلقت أمامي كل السبل الشريفة للعمل بالبلدة. انتقلت إلى جحر بالمدينة الشهيرة أوتاما** الآن حيث أكتب هذه الذكريات مع قلب ينصع بالندم لعمل غير مخطط جيدا ولخطأ جسيم من الناحية التجارية.


…………………


أوتوما : بلدة بمقاطعة كنساس الأمريكية


 


 


 


 


أمبروز بيرس*


ولد سنة 1842 وانقطعت أخباره سنة 1914. تلقى دراسته في المعهد الحربي بولاية كنتاكي، وعمل بسلاح المشاه بالفرقة التاسعة ” بانديانا ” . عمل بالصحافة بعد ذلك محررا بمجلة ” أرجونوت ” بمدينة “سان فرانسيسكو ” حتى أصبح رئيسا لتحريرها سنة 1868. أصدر مجلة “اليعسوب” من 1880 إلى 1886 ثم استأنف في إحدى صحف ” هيرست “بابا كان قد بدأه في مجلة ” أرجونوت”.


تمتاز كتاباته بالسخرية اللاذعة، وبالرعب والوحشية التي تتسم بها قصصه القصيرة. هاجر إلى المكسيك سنة 1913 وهناك انقطعت كل أخباره.


 


 


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 24, 2018 17:14

July 22, 2018

فراشات- باتريشيا جريس

ضفرت الجدة شعر حفيدتها بعدها قالت “احضري غذاءك، وضعيه بالشنطة..احضري تفاحتك. تحضرين على الفور بعد المدرسة، لحالك. استمعي إلى المدرسة” وأتبعت “افعلي ما تقوله”


كان جدها على الدرج. تمشى إلى الحمام معها وخارجا منه إلى الممشى. وقال إلى جار” حفيدتنا تذهب إلى المدرسة، فهي تسكن معنا للحين”


“إنها بأفضل حال” وأتبع الجار” إنها رائعة بضفيرتيها على شعرها”


“وماهرة” أكمل الجد “تكتب كل يوم في كتابها”


“إنها بخير” قالها الجار.


انتظر الجد مع حفيدته عبر الممشى ثم قال ” اذهبي إلى المَدرسة. استمعي إلى المُدرسة. افعلي ما تقوله”


وبينما أتت الحفيدة من المدرسة، كانت جدها يحوم حول الملفوف. وجدتها تنتقي الفول. وتوقفوا عن العمل.


سألت الجدة”أجلبتِ كتابك اليوم للبيت؟”


-نعم


“هلا كتبتِ قصتك؟”


-نعم.


“عما كانت؟”


-عن الفراشات.


“حسنا، اجلبي كتابك، واقرأي قصتك”


أخذت الحفيدة الكتاب من حقيبتها المدرسية، وفتحته.


وقرأت -أنا قتلت كل الفراشات..


-هذه أنا، وهذه كل الفراشات..


“والمدرسة، أعجبها قصتك؟ هل فعلت؟”


-أنا لا أعرف..


“ماذا قالت؟”


-قالت: الفراشات كائنات جميلة. يفقسون، ويحلقون نحو الشمس. والفراشات تزور كل الزهور الجميلة. وقالت: إنهم يضعون بيضهم وبعدها يموتون. ولا يجب عليكِ قتل الفراشات؛ وهذا كل ما قالته.


سكن الجد، والجدة لفترة، والحفيدة ممسكة الكتاب، وواقفة ساكنة في الحديقة الدافئة.


قال الجد “لأن كما تعلمين..” ثم قال “مُدرستك، تشتري كل الملفوف خاصتها من السوبر ماركت، وقالت ذلك لذلك السبب”[image error]

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 22, 2018 04:37

فراشات- باتريشا جريس

ضفرت الجدة شعر حفيدتها بعدها قالت “احضري غذاءك، وضعيه بالشنطة..احضري تفاحتك. تحضرين على الفور بعد المدرسة، لحالك. استمعي إلى المدرسة” وأتبعت “افعلي ما تقوله”


كان جدها على الدرج. تمشى إلى الحمام معها وخارجا منه إلى الممشى. وقال إلى جار” حفيدتنا تذهب إلى المدرسة، فهي تسكن معنا للحين”


“إنها بأفضل حال” وأتبع الجار” إنها رائعة بضفيرتيها على شعرها”


“وماهرة” أكمل الجد “تكتب كل يوم في كتابها”


“إنها بخير” قالها الجار.


انتظر الجد مع حفيدته عبر الممشى ثم قال ” اذهبي إلى المَدرسة. استمعي إلى المُدرسة. افعلي ما تقوله”


وبينما أتت الحفيدة من المدرسة، كانت جدها يحوم حول الملفوف. وجدتها تنتقي الفول. وتوقفوا عن العمل.


سألت الجدة”أجلبتِ كتابك اليوم للبيت؟”


-نعم


“هلا كتبتِ قصتك؟”


-نعم.


“عما كانت؟”


-عن الفراشات.


“حسنا، اجلبي كتابك، واقرأي قصتك”


أخذت الحفيدة الكتاب من حقيبتها المدرسية، وفتحته.


وقرأت -أنا قتلت كل الفراشات..


-هذه أنا، وهذه كل الفراشات..


“والمدرسة، أعجبها قصتك؟ هل فعلت؟”


-أنا لا أعرف..


“ماذا قالت؟”


-قالت: الفراشات كائنات جميلة. يفقسون، ويحلقون نحو الشمس. والفراشات تزور كل الزهور الجميلة. وقالت: إنهم يضعون بيضهم وبعدها يموتون. ولا يجب عليكِ قتل الفراشات؛ وهذا كل ما قالته.


سكن الجد، والجدة لفترة، والحفيدة ممسكة الكتاب، وواقفة ساكنة في الحديقة الدافئة.


قال الجد “لأن كما تعلمين..” ثم قال “مُدرستك، تشتري كل الملفوف خاصتها من السوبر ماركت، وقالت ذلك لذلك السبب”[image error]

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 22, 2018 04:37

July 20, 2018

الناس يمكنهم الطيران

أخبرت بواسطة فيرجينيا هاملتون


 


إنهم يقولون “الناس يمكنهم الطيران”..


قيل ذلك قبل أمد بعيد بأفريقيا، عندما علم العديد من الناس السحر. وكان بإمكانهم المشي في الهواء كما تسلق البوابة، وطاروا مثل العصافير السوداء فوق الحقول. أجنحة، مضيئة، بالسواد، ترفرف، تخفق ضد الزرقة، هاهنا..


بعدها، العديد من الناس أسروا لأجل السخرة..الذين يقدرون فيهم على الطيران طرحوا عنهم أجنحتهم. لم يكن يمكنهم أخذ أجنحتهم عبر الماء، بسفن العبيد، فهي جدا مزدحمة، إذ كنت لا تعلم.


كان القوم ممتلئين بالبؤس، لذا، أصابهم البحر بدواره، بصعوده وهبوطه..فلهذا نسوا شأن الطيران وقتما لم يعدوا قادرين على تنفس العبق الحلو لأفريقيا..


قيل، بأن الأشخاص الذين أمكنهم الطيران أبقوا على قدرتهم، على الرغم من أنهم طرحوا أجنحتهم وأنهم أبقوا سر سحرهم بأرض السخرة..بدوا مثل القادمين من أفريقيا، والذين توافدوا قبلهم ولديهم بشرة غامقة..ويمكنك القول أنك لا تستطيع بعد الآن التفرقة بين من يستطيع الطيران ومن لا..


واحد ممن يستطيع، كان رجل عجوز يدعى”توبي” وسيدة لافتة الطول، ورغمها خائفة. كان لديها جناحان تدعى سارة..سارة الآن تحمل رضيعا مربوطا لظهرها..خافت لأن أصبحت تعمل بجهد، وتزدرى.


كان العبيد يكدحون بالحقول من طلعة الشمس إلى المغرب. كان مالك العبيد يدعو نفسه(السيد). ويمكن القول بأنه كتلة صلبة من الطين. فحمة متأنقة صلبة.. كومة من الصخور الصلدة التي لا تتزحزح. ملاحظه، على ظهر حصانه أشار إلى العبيد الذين كانوا يتلكأون، لأجل أن يشق بسوطه نحوهم ليجعلهم يتحركون أسرع. ولذا كانوا يعدون أسرع، اضطروا.


عزقت سارة، وشقت طريقها بينما الرضيع باق على ظهرها نائم. قيل أن الطفل تنامى جوعه. بدأ الرضيع بالزعيق عاليا، ولم تتوقف سارة لإرضاعه. لم تقدر على أن تتوقف لتسكنه، أو تسكته. لم يعد لديها حيلا لتهنهنه.


“ابقي هذا الشيء ساكتا” لفظها الملاحظ. وأشار بإصبعه ناحية الرضيع. المرأة انزوت لأسفل. وكان الحوذي قد طرقع بسوطه نحو الرضيع على أي حال. بكى الصغير كما أي طفل مجروح، ووقعت السيدة إلى الأرض.


 


أتى توبي، الرجل العجوز الذي كان بهناك، وساعدها لتقف على قدميها.


“أنا يجب أن أمضي قريبا” أخبرته.


“قريبا” قالها..


لم تقدر سارة على الوقوف ثابتة أكثر من ذلك، كانت جدا ضعيفة. والشمس حرقت وجهها. بكى الرضيع وبكى “حني عليَّ..حني عليَّ” بدا صوته هكذا.


كانت سارة حزينة، وميتة جوعا. جلست أسفل بالصف.


“انهضي أيتها البقرة السوداء” دعاها الملاحظ. وجه يده، وسوطه زمجر حول قدمي سارة..


مُزق ثوبها الثخين إلى خرق. نزفت قدماها إلى الأرض، لم تقو على النهوض..


توبي كان هناك بينما لم يكن هناك أحد للمساعدة لها ولوليدها. الآن..قبل أن يصبح ذلك متأخرا.. نهجت سارة” أبت..الآن”..


“نعم، يا بنتي، الوقت قد أزف” أجابها توبي..


“امضي، كما تعرفين كيف تمضي” رفع ذراعيه، مطوقا بهما إياها


“كيم..يالي وكيم بوبا تامبي” والعديد من الكلمات السحرية، قالها بسرعة، بدت مثل همسات، تنهدات.


المرآة الشابة، رفعت قدما واحدة في الهواء،  بعدها الثانية. طفت بتخبط في البداية، مع الطفل المحمول بقوة بين ذراعيها. من بعدها شعرت بالسحر، الغموض الأفريقي المبهم. قيل أنها ارتفعت كما طير حر، بخفة ريشة.


تسارع الملاحظ على إثرها، وكانت سارة قد طفت مثل النسر الآن حتى غابت عن النظر. لا أحد جرؤ أن يتحدث بعدها عن ذلك. لم يصدقوا. لكنه كان، ولأنهم ما حدث بالفعل رأوا أمامهم أنهم حدث.


قيل باليوم التالي بأن الجو كان بالفعل حارا واقعا في الحقول. ووقع شاب صغير من الحرارة. الحوذي قدم وساطه، أتى توبي وتحدث. بكلمات إلى الشاب الواقع. كلمات من أفريقيا القديمة وقتما تسمع لا تذكرها ثانية. بسرعة نسيهم الشاب الصغير كما سمعهم. ولكنهم وجدت طريقا بداخله، نهض وتقلب في الهواء. لهنيئة توقف.. وطفا مبتعدا.


واحد فآخر تساقطوا من الحر، كان توبي هناك. صاح للواقعين، وبلغ بذراعيه نحوهم.. همسات وتنهدات ويصبحون عاليا جدا في الهواء. امتطوا نسماتهم الحارة، كل الطافين سود، عيدانا مضيئة، يدورون تباعا فوق رأس الملاحظ، عبروا الصفوف، والحقول، والأسيجة.


“اقبضوا على هذا العجوز” نادى الملاحظ “سمعته يقول كلمات سحرية..اقبضوا عليه”


الرجل الذي كان يدعو نفسه(السيد) أتى يجري..بينما أجهز الحوذي سوطه ليتموج حول توبي العجوز ويقيده. وكان قد أخذ مالك العبيد بندقية الجانب خاصته من مكانها، قصد ليقتل توبي، الأسود العجوز.


لكن توبي ابتسم. وقيل أنه أرجع رأسه إلى الوراء وقال “هيه..هيه..”


“ألا تعلم من أنا؟ ألا تعلم بعضا منا بالحقل؟” قالها بوجوههم “نحن الذين يمكننا الطيران”


ولفظ الكلمات القديمة كما لفظ قديم، قالها لكل الآخرين بالحقل العاملين تحت السوط


“بوبا يالي..بوبا تامبي”


كان هناك صياحا. واستقامت الظهور المحنية، والشباب والكبار ممن كانوا يدعون عبيدا- ويمكنهم الطيران- عقدوا أيديهم معا.. يمكن القول أنهم كانوا مثل عقد موسيقي، لكنهم لم يمكنهم التقلب بدائرة. لم يغنوا.


لأنهم ارتفعوا عبر الهواء. كانوا يطفون في سرب. أسود ضد ثقل الزرقة. غربان سوداء، أو ظلال سوداء. هذا لا يهم، عاليا قد ذهبوا فوق المزرعة، بعيدا فوق، أرض العبودية.. يمكن القول أنهم طفوا عبورا للحرية.


والرجل العجوز، توبي، طفا خلفهم، يرعاهم. لم يكن يبكي، لم يكن يضحك.


كان بصارهم الخاص. ووقعت نظرته الثاقبة على المزرعة، حيثما كان العبيد ممن لا يمكنهم الطيران ينتظرون.


“خذنا معك” أخبرته نظراتهم بذلك.


لكنهم كانوا خائفين جدا ليهتفوا بها. لم يمكن لتوبي أخذهم معه. ليس لديه وقتا ليعلمهم الطيران. يجب عليهم انتظار فرصتهم للهرب.


“الوداع” قالها الرجل العجوز الذي يدعى توبي لهم..أرواح مسكينة، واختفى.


هذا ما قالوا، وأخبر الملاحظ ذلك، والسيد أدعى بأن الأمر كذبة، خدعة بصرية. بينما أبقى السائق فمه مغلقا.


العبيد ممن لا يمكنهم الطيران، أخبروا عن الناس ممن يمكنهم، لأطفالهم. وقتما كانوا طلقاء وكانوا يجلسون قبل معرفة النار بالأرض الحرة. قالوا ذلك بينهم.  أيام ما كانوا  يحبون خبو النار والحرية والحكي.


قالوا أن الأطفال ممن لا يمكنهم الطيران قد أخبروا أولادهم بالطبع، والآن، أنا، قد أخبرتها إليك.. [image error]

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 20, 2018 09:30

July 6, 2018

نافذة- ماريك هواسكو

لا يأتي إليّ أحد تقريبا. أعيش وحيدا، لسنوات في نفس المنزل القذر والقبيح في أحد الشوارع الجانبية لمدينتنا. لا ينظر القمر على نافذة غرفتي. أنا أيضا لا أرى أبداً من هنا لا السماء ولا النجوم، لا أستطيع إلا أن أرى قطعة من الفناء والجدار المقابل- طويل جداً،ربما متضخم جزئياً بالنبيذ- للمنزل الثاني. هناك نوعان من النوافذ. في واحدة -كما استنتجت مع مرور الوقت- يعيش منجد. في الأخرى زوجان شابان مع طفل. من وقت لآخر رأيت الرأس المشرق لهذا الطفل، وأنا لا أعرف حتى اليوم ما إذا كان صبيا أم فتاة. ثم علمت أن الطفل قد مات. وفقدت الرغبة في رؤية الجدار المقابل؛ عندما أدركت أنني لن أرى هذا الطفل مرة أخرى. لاحظت كيف أن هذا الجدار حقا شنيع.


عشت في الطابق الأرضي. وكان نادرا ما زارني أحد من الطابق الأول.. عدا واحد من الذين يفعلون تلك الحركات الحسنة للقلب، التي بطياتها حتى لعنات الشياطين تبدو غير ضارة وفقدت لونها، من أولئك الذين يضربوننا بين الحين والآخر في الركبة، ويسأل: “حسنا ، كيف أحببت ذلك؟”


منذ البداية كرهت هذا الرجل وقصصه الخسيسة. بدا لي مقرفا وغبيا على كل شيء. مع بعض الاعتياد اعتقدت أنها عادته، كانت نكاته على الأرجح في أيام(*) فرانسيس جوزيف. لكنه توقف عن إزعاجي بل واحتاج لي بعدها، لأنني فهمت أن هذا الرجل، الذي يعيش في الطابق الأول، هو نفسه الرجل الفقير الوحيد الذي في الطابق الأرضي. أردت أن أدخل السرور به: مع قليل من الجهد تعلمت بعض النكات وعندما جاء لي قلتها له مرة أخرى. أتذكر أنه كان صامتا ولم يقل أي شيء هذا المساء. وتوقف عن زيارتي. وحقا، أنا لا أعرف لماذا.


نمت شجرة من الأكاسيا أمام نافذتي. كانت قديمة جدا وذبلت: أتذكر أن فرعًا واحدًا ازدهر في الربيع الماضي. كانت المرة الأولى التي رأيت فيها هذا الصبي: كنت جالسا بالقرب من النافذة ورأيت في إحدى المراحل أن الرأس الأحمر كان يحاول النظر إلى غرفتي. في البداية شعرت بالخوف. لكن بعد ذلك بقليل، فهمت أنه رأس الطفل، وقررت الانتظار. شاهدت حبسي أنفاسي. الرجل الفقير، أراد أن ينظر إلى أبعد قليلا، لكنه لا يستطيع الصعود. فكرت: “أساعده؟ اسأله ماذا يريد؟” لكن بعد فترة شعرت بالخوف: حدثتني أن ذلك سيثبطه ويخيفه.


بعد ظهيرة اليوم التالي، لاحظت مرة أخرى أن صاحب الشعر الأحمر يريد الصعود والنظر في غرفتي. من الواضح أنه كان صغيراً جداً ولم يتمكن من فعل ما يريد. ثم قررت أنا نفسي النظر ورؤيته. نعم ، كان في الواقع أحمر صغير مضحك جدا. ووراءه، كان لديه مطواة قوية. حتى أتذكر ذلك، فوجئت أن مثل هذا الصبي الصغير لديه مثل هذا النطاق الواسع. لقد تجرأت وناديته:


-أنت. يا صغير!


التفت بعيدا ولكن ركض. فكرت بحزن أنني أخفته ولا يريد أن أنظر مرة أخرى. لكن، لا في المساء، رأيت رأسه الأحمر مرة أخرى. حتى أعلى قليلا. ثم فهمت ما جذبه: الصورة على حائطي. لقد كانت بائسة بائسة، تصور معركة بحرية: سفن ذات أشرعة ممزقة، وأمواج راغية ، وناجين ، إلخ…


نظر المرء الصغير إلى هذه الصورة من الفناء وشاهد فقط القليل، لذلك كانت أمامه الصواري واللون الحقيقي للسماء، التي لم أندم عليها كثيرا رغم أن الرسام غير معروف لي. قررت أن أساعد الصبي وعندما جاء في المساء، فجأة أخرجت رأسي وصرخت.


– أنت تريد أن ترى صورتي.. أليس كذلك؟


نظر إليّ للحظة ثم ابتلعها بقوة وقال بشجاعة: نعم


وأعطيته يدي. جلس على حافة النافذة ببراعة القرد: أتذكر بريق البهجة القصير في عينيه. ولكن بعد لحظة لاحظت أنه لم يكن ينظر إلى الصورة بعد الآن: كان ينظر حولها باهتمام في غرفتي. رأيت فرحة في وجهه للخروج. رأيت أنه كان حزينًا: لقد كان جادًا ومركّزًا الآن ، كما لو أنه في لحظات كان يجلس فيها على حافة النافذة، ولديه الكثير من السنوات والقلق. وكان قد ظل صامتا لفترة طويلة وترك الرأس الأحمر نفسه. ثم قال:


– كل شيء هو ذاته..


“نعم!”  قلت: “هو نفسه في كل مكان”


-لا شيء مختلف؟  سأل.


“بلى ” أجبته.


– ماذا لو كان بعيدا جدا؟ نفس الشيء؟


“نعم. وهناك أيضا غرف هناك. هناك غرف مثل هذه في جميع أنحاء العالم. العالم هو مجرد العديد من هذه الغرف.”


وقال


-سأراه مرة أخرى.


قفز وهرب. في اليوم التالي، عدت إلى المنزل في وقت لاحق. أول شيء رأيته عندما دخلت الغرفة كان كائنًا ملقى تحت النافذة. التقطته كان هو كتلك السطور التي أثارت دهشتي. لكن الصبي لم ينظر إلي بعد الآن.


 


(*) فرانسيس جوزيف: إمبراطور النمسا وملك المجر، اعتلى العرش في الثاني من ديسمبر عام 1848، وتوفي في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 1916، بعد حكم دام ثمانيةً وستين عاماً تقريباً


[image error]

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 06, 2018 04:10

March 6, 2018

العنقاء

أدريان إجوني باريت – كاتب من نيجيريا


 


 


بين مصبي نهري النيجر والبينو العظيمين يرقد مرتفع؛ مسكون من ممالك من القرى والعديد من القبائل . وإلى أي مدى يمكن للعين أن تسافره تسري بعيدا هذه التلال الخضراء على هذه الأرض،و تنبسط عليها بنعومة. لذلك لا تجد تلك الشلالات المائية لها منحدرا لكي تجري. أيضا  يشق الجهة الشرقية لأرض الوادي الخصيب عقد من التلال. و تتوه قممها الشاهقة يوميا بغيوم الصباح.


كانت تقع بين التلال نتوءات عملاقة عظيمة من الرخام الأزرق والأسود  مثل قشر البيض المكسر. وبذلك النسيم الدائم لهذه المرتفعات المتشققة؛ كانت سجادة عطرة من عشب الأفيال اليانع ترقص في هدوء.  وتفصل فراسخ الشجيرات المتناثرة والتي نبتت عن الأرض، كل شجيرة أقصر من رجل، بلا أغصان وارفة مما جعل الأفاعي تتدلى منها كما زهور المقابر، كأشراك منصوبة. وبسبب التيارات الغادرة من (مادا ) النهر الطيني، الممر الرفيع بين تعرجات التلال البعيدة إلى هذه الأرض أصبح ممرا موحلا. وبين هذه الفخاخ المنثورة ذيل حفرية من العصر الديناصوري، ربما فيل ما دهم هذه الممرات، ربما أيضا الغوريلات، أو النعام، أو تبشيرون بيض ، ما بقى من الذيل فقط: عظمة كالحة.


هذه هي الأرض التي شهدت ميلاد تارتيوس فاقد الذراعين، الشجاري لا(*)؛ والذي تملكته بشغف همجي واستحوذت حياته، حتى فقد كلتي ذراعيه لخبطتين بساطور.


كان محظوظا –كان الناجي الوحيد من حفنة من أطفال المدارس الذي يتلألأ- لتوقفه عن الضحك بكمين شنه مقاتلو قبيلة مجاورة.وقد قصمت تلك المذبحة  رحى الموت- لعقود من الهدنة- بين الأعداء القدامى. تبعتها أعمال انتقامية لا حد لها، وبالوقت الذي انفلت الصراع واستنفدت وقودها من الشبان الغاضب، كان تارتيوس –فاقد الذراعين- في مقتبل عمره.


وبالرغم من الإعاقة -والتي كانت ترزح ثقيلا فوقه، وقد كسرت عزيمته تقريبا، فكلتا ذراعيه قطعوا من الكوع – تارتيوس فاقد الذراعين رفض لنفسه مصير هيئة المتعطف، والمعتمد على شفقة الغرباء..


نفض المخاوف عن كتفه، بشأن العائلة والأصدقاء، واختار التجارة، تعلمها جيدا، وعوضت حيلته نقائصه الجسدية، تارتيوس فاقد الذراعين أصبح خياط المتجولين.


بعد يومين من إتمامه لمهنة الخياطة، ازدرى تارتيوس فاقد الذراعين مجددا النصيحة السهلة القادمة من كيث وكِن، وهي التخلي عن مشاهدة بلائه. لم يكن قرارا سهلا له؛ فجمال السهول الخضراء المجرور بها كما الحبل السري هي ما جعلته يتقبل ذكرى خسارته.


مبحرا بتجارته في المدينة الكبيرة، تارتيوس فاقد الذراعين، الذي بدا طُرفة و بقوة هذه الحقيقة جذب زبائنه، فمرأى هذا الرجل الفاقد الذراعين بماكينة الخياطة والتي تشبه رأس الحصان المقطوعة على كتفه، وغطاء الرأس الذي خاطه بيده المستقر على رأسه بزاوية غير معهودة-كما لو كان لديه يدان مدسوستان في جيوبه- جعل منظره مريبا، قزم قصير ورفيع مثل النمس، وملامحه الرقيقة غير المتأثرة لعاهته، ووقع خطواته كذلك لا يبعث على القلق. والذي سرعان ما أن يشاهدنه ربات البيوت حتى يتخلين عن أشغالهن؛ ويتقاطرن من بيوتهن مع أذرع من الملابس والتي، فجأة تحتاج للمسته الحانية.


وبينما هو يقصقص ويخيط، كانت هذه الأجساد الممتلئة تحمحم بشأنه، بشكل ظاهر. لم تكن النميمة تحبطه، بل أمتعهن بحكايات فضفاضة معاديه لجنسه، وجذب انتباههم بنفس السهولة التي يدفق بها قدمه مع فكي المقص وخيوط الإبر.


بمرور الوقت، ونظرا لجوده شغله، ومقدم بعضهن للتمتع بصحبته هربا من الرتابة الساكنة. أصبح المفضل بين ربات بيوت أوكوبابا وماكوكو  (**) واكتسب لقمته جيدا من وحدتهن.


في الانفصال الثاني قبلما يفقد تارتيوس ذراعيه، والتي كانتا ممدوتين بعد رمية تماس تخيلية، هذه النقاط الدقيقة لا تَلقى بالا إلا لدى لاعب كرة رشيق. كان مدمن كرة. وبينما كان أقرانه يحلمون بأن يصبحوا شخصيات كرتونية لا أكثر. كان بالفعل قد وضع اللمسات الأخيرة لخطه عمله لتحقيق هدفه، ولكنها نفسها كانت السنة التي وقف فيها له القدر. وحيث أنه لا توجد خطة طوارئ لانقاذ الحلم الذي تنكرت له الأقدار، شاهد طموحه وهو يتغضن ويموت.


تارتيوس بآلة الخياطة على كتفه وتلكؤه حتى في حرارة اليوم، رفع يده ليهرش أنفه، ولكنه رأى الختم.


جعد أنفه وابتسم بامتعاض، حتى بعد مرور كل هذا الوقت، لم يكن قد اعتاد على فقد يديه، والموقف كذلك لم يساعده على الإطلاق لإحساسه الدائم بهما يتأرجحان بنهاية العدم. كان يستطيع الشعور بكل تشنج لعضلة، بكل رعشة لإصبع، وبوزن الأظافر المتنامية غير المقلمة، وحكة المال ببطن كفه. نخز أنفه بضربة  وحول خواطره لكرة القدم.


 


حلمه الميت منذ سنين، الآن قد تجلى من قبره، وطرح نفسه مجددا إلى وعيه. تدحرج كما حجر من باب الضريح إذا جاز التعبير، فقد تعثر بمبارة قدم وقتئذ.


السيد أكوي صديق وزبون، والذي فقد ابنته الصغرى. وبينما كان تارتيوس بطريقه لمنزلها القديم لتقديم العزاء له، والذي كان عبر واحة من العشب في صحراء من الطوب والحديد المموج،  سنحت له فرصة للتمتع بالمنظر.


كانت مجموعة من الرجال المعوقين تتشارك في لعبة جميلة. فور رؤيته سمحوا له أن يصبح في الأخوة وطلبوه للمشاركة، ولكنه بهذا اليوم رفض بمحرد رؤية هذا المنزل الأرمل على مرأى من الحقل.


ولكن بعد تأكده أنهم يشكلون ناديا، وأن بالفعل أفراده يلعبون باحترافية، وأنهم يعقدون أحلامهم على هذا الملعب، بذات اليوم من كل إسبوع، وعدهم بالظهور بالموعد القادم، وذلك كان اليوم.


ارتعدت قدم تارتيوس عند تفكيره بتقبيل كرة جلدية. مرت بالفعل سنوات من السكون، سنوات من انعدام الشغف، ولكن بعد رؤية كثيرين مثله في اللعبة يعيشون الحلم. قال أنه يمكنه، ربما ليس المشاركة بالبطولات الكبرى، ولا الأندية الكبيرة، ولما ليس هذا؟ ربما أمكنه الاشتراك بالبارالمبياد، وربما أصبح أول فاقد ذراعين يلعب في الدوري الإسباني، كتاب جينيس كمجمل نعمة أيضا.. ولكن الشيء الأهم له كان لعب الكرة.


“السارق.. راقبه ..أنت” مضى مقذوف بسرعة لجوار تارتيوس…


كانت تجري نحوه، المرأة التي دقت الجرس، الضحية التي ظنها ..تعرقلت جهودها بوزنها الزائد، وأبقاها قادمة مراوغة، ولكن مع ذلك صراخها أطُلق بعض المارة بمطاردة الجاني، والذي سرعان ما انضم إليهم الكثيرون، بينما لا تزال المرأة تصرخ، تتوسل، وتقلب شفتها على وجهها.


“أنا لست معاق..أنا فقط ليس لدي ذراعين” هكذا همس لنفسه تارتيوس، ثم قذف عنه آلة الخياطة بعدما تشكل خيط الحشد بذيل السارق.


بعد خطوته الأولى، كان هنالك انفجار بعقله، تبعه هدوء ثم سكن..وعندئذ بدون ذراعين لتسيره، جرى بغرابة مثل طائر لا يطير، وارتسمت معنوياته كعلم، وقد ضربت عضلة سمانته في استعدادها للارتفاع. تذكر لعبة الكرة، وانفجر للأمام.


ضد الريح بوجهه، تارتيوس استدعى صورة الحقول من طفولته، النعومة المخملية، والشذى من سحق العشب، وطموحاته، وركض.


وكانت دمكت قدماه كما لو كانتا فرحتين، لا تعانيان من أي ثغرة، عصر من زوايا عينيه الدموع، و التي شفطت بالوشيش النابع من انصهاره.. واستمر في الركض.


الحشد أمامه مثل الغوغاء. ولكن الشاردون، سمعوا النار المستعرة لرطمة قدمه من ورائهم، فتفرقوا ليد تارتيوس عديم الذراعين تعبرهم..


وبينما هو يشق مركزهم كما قطار طَلقْ عبر نفق، أفلتوا هديرا من الاحتفال وتبعوه، تارتيوس الراكض كشيطان منفي، غادر صيحاتهم خلفه. وتبرق أمام رأسه صورا له في الدوري الأسباني، هو يمرمغ آخر مدافع، ويقترب من حارس المرمى، جرى تارتيوس كما لو أن حياته  متوقفة على ذلك.


المحجر، أبعد بخطوات منه، ومن ورائه الغوغاء، الذين ألقوا نظرة من فوق كتفه، ورأوا أنه كسب بلا عودة..  حجب وجهه إيماءة، تارتيوس الأعمى لحساب الجلم الذي حمحم أمام عينيه،كانت الحقيقة الغاشية قد أُدمغت بذقنه وجلبته مسافة. اجتر الرجل خطواته عند مفترق الطرق، وتمزق به.. تارتيوس ركض، دار بالمفرق بالوقت المناسب ليرى الرجل المائل عبر العطفة .. ركض كما لم يركض من قبل، ركض ليلتقط حلما..


آن وصل لمدخل العطفة، شيء ما على الأرض حاذ عينه ولكن سماع الصيحات القادمة النكيرة من الطريق المقابل –ليسلبوه جائزته- جعلته يزيد سرعته بجهد من أدخل صدره بكماشة، جرى بتهور ليلقى نفسه في أحضان الحشد الثاني..


“السارق” زركشة الوجوه المضيئة اشتبكت مع تارتيوس فاثد الذراعين، حينئذ طحن في حيرة لاهثة، راسما ابتسامة عريضة، وغير قادر على النطق عن الألم الذي في صدره..قبعوا إلى صفين فوق رأسه وسكبوا فوقه بنزينا، وأشعلوه بالنار.


“خياط” هكذا صاح قبل أن تبتلعه ألسنة اللهب.


وصل الحشد الأول كما كتلة متفحمة، لحظتها كان تارتيوس بآخر حلقة من رقصة الموت، هوى إلى الأرض، فعلا غير قادر على النهوض مجددا، لضموا صيحاتهم لهؤلاء الذين قابلوهم.. عندئذ فقط السيدة التي دقت جرس البدء ظهرت وشنطتها المسروقة مدسوسة بيدها، وجدوها حيث وجدوا السارق.


“ولكن هذا ليس السارق” قالتها وهي تنظر برعشة.


“ليس هو –كيف تعرفين – لا.. انظري لوجهه مجددا” هكذا أتت الإجابات الغاضبة..


“ولكن هذا الشخص ليس له ذراعين، اللص لديه ذراعيه وإلا كيف أمسك بحقيبتي؟” السيدة لديها وجهة نظر لا يمكن دحضها.


خيم الحشد بالصمت، محدقين بالجثة المدخنة في تهوع، واندفع شخص ما في التجشؤ. تذكر أحدهم أنه ترك دكانه بلا أحد، وكما حبوب صغيرة، تفكك الحشد، تاركين وراءهم تارتيوس فاقد الذراعين برماد أحلامه.


 


 


(*)ShangriLa


مكان تخيلي ذكر برواية الأفق المفقود للكاتب البريطاني جيمس هيلتون صدرت في عام 1933.


(**) بلدتين بلاجوس بنيجيريا[image error]

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 06, 2018 16:01

إنجلترا وعشيرتي يان ليانكي

[image error]


للقوم من عشيرتي، كانت الإمبراطورية الإنجليزية بمثابة دفقة من البلغم، كتلة من اللعاب والذي لا يمكن بصقه.


كنت قد شهدت جدي لأبي. حتى مات في الثانية والتسعين. والذي كان مجرد ذكر إنجلترا، تلك الجزيرة الغربية البعيدة، بمثابة نتانة كريهة عند باب مرحاض عام. كل مرة ذكر اسمها، كان يود أن يدير رأسه ويطلق لعنة ..باه! ويبصق بشراسة على الأرض.


وقبل قيامي برحلتي الأولى إلى إنجلترا، قررت العودة إلى مسقط  رأسي، لزيارة جدي الكبير. والدي كان يعمل في المدينة، بينما والدتي أمضت كامل حياتها بقريتنا الساحلية الصغيرة، ترعى الأرض، وتهتم لجدي. وحتى بطفولتي بدا جدي قديما، كشجرة عالمة(*) معقودة معوجة الفروع، انحنيت من الوقفة، وتجعدت بفعل السنين. كل يوم كنت أجده يعرج عبر شوارع القرية على عصا مشيه الملتوية. محوط بهواء البحر البارد وثرثرته إلى القرويين الآخرين. كان  أشبه بعينة متحف ومستودع للذاكرة، أو بتاريخ محلي مصور بُعث للحياة. جدي كان بإمكانه التحدث بشأن أي شيء تحت الشمس طالما هناك شخص لديه رغبة بالسماع. وكان يستمتع تحديدا بالتحدث عن إنجلترا والذي لا أحد من هؤلاء القرويين قد رآها، أو رأى الأعين الزرق للإنجليز والذي لا أحد بالقرية – على الأقل ليس على قيد الحياة – قد صادفها.


بصغري عندما كنت طفلا، كان جدي يربت على رأسي، ويشير إلى الجبال الممتدة البعيدة، ويخبرني عن القطارات وهي تشق طريقها عبر الجبال إلى أرصفة القرية. محملة بالذهب وخام النحاس من مناجم قديمة باعثة بانتفاخات من الدخان الأبيض، القطارات بدورها تجلب حمولتها للسفن التي ترسو في المرفأ، تنتظر.. جدي قال: كي تعبر بكنزنا القومي إلى الأركان البعيدة لهذه الإمبراطورية الملعونة التعسة. وزعم كذلك بأن المداخن المقذوفة من البواخر البريطانية كانت عالية لدرجة أن النوارس، غير الآلفة للصناعة الأجنبية، كانت غالبا تطير لداخلها، محطمة جماجمها بها.


قال جدي “هناك نزاهة بالطريقة التي ماتت بها تلك الطيور” عبرة لكل الصينين.


ولكن عندما وصل جدي لعبرة القصة، بدا فاقدا للعزم . وبحزن تذكر جده والذي كان تاجرا شماليا مدفن أفيون ومن وجد أول منجم نحاس، والذي بالأخير باعه لتاجر بريطاني لتمويل عادته. بعد هذا، واصل جدي الأكبر تبديد ثروة العائلة، وذلك بالتخلي عن عقود المنازل، والمحال التي اصطفت على جانبي شارعنا. واحدا تلو الآخر، وقعت مفاتيح ممتلكاتنا بأيدي الآخرين. ومع توسع الميناء،  كان بطن الجبل قد أفرغ من خامته. وما زال جدي الأكبر بناياته تواصل تقلصها حتى أن عائلتنا اللامعة الثرية -والتي كانت عشيرة فخرا لأسلافها- اضطرت للعيش في فناء آيل للسقوط. وبعد بيع عربة الحصان الأخيرة، والتي كان يستخدمها لنقل خام النحاس من المناجم لعقود، ارتحل جدي الأكبر إلى أقرب قن أفيون ليدخن ما بقى من روحه وجسده. وعند عودته للبيت، شنق نفسه من العارضة الخاصة لبوابته الأمامية.


………………………………………


 


وعبر عقدين من الزمان، قبل أن أمضي إلى الجامعة في بكين، أخذني الجد من يدي وقادني عبر الشارع خارج منزلنا. مشيرا إلى مبنى كان يضم في السابق أعمالا للصباغة، وقال لي: “لو أن جدك الأكبر لم يكن مدمنا للأفيون، لكان هذا المكان لا يزال لنا”. وبعد ذلك، لوح إلى ما كان يوما مخزنا عاما : ” وإذا لم يأت البريطانيون إلى الصين لبيع أفيونهم، لكان هذا المبنى ملكا لنا” ثم لوح يده إلى الطريق الذي كان مرة واحدة مجد عائلتنا.. ولعن، “اللعنة على هؤلاء الأوغاد كبيري الأنوف، أولاد الزواني” ثم خبط بقدمه، وأدار رأسه وبصق.


بوقت لاحق، كما قد وقفنا فوق جسر حجري قديم، وأشار جدي إلى مجموعة من الجبال بالكاد مرئية من هذه المسافة. “هناك، حيث كانت المناجم، أترى.. أعلى قمة؟  القضبان الحديدية  كانت تمر أسفلها هناك ”


حدقت نحو ما أشار إليه الجد، ولم أجد سوى حقول، وجبال، ووديان، وهواء البحر الراكد. وغير مدركٍ لما  أقول سألته بحماقة ” هل أنت..تكره إنجلترا؟ ”


نظر لي جدي باستغراب، وأبدى بصيصا من الأمل.


” أتعلم ما هو ندم عائلتي الأكبر؟ ” سألني بضحكة مريرة ” “لا ليس أن جدك الأكبر كان يدخن الأفيون، أو أن الإنجليز نقلوا كل ما لدينا من الذهب والنحاس. فقط  إنه لم يتح لدينا أي فرصة لطعن رجل إنجليزي بقلبه”.


…………………………………..


 


عدت بعدها إلى مسقط رأسي، قبيل ثلاث أيام من إقلاع الطائرة إلى إنجلترا. ولأن صيد اليوم تم جلبه حيا، كانت الشوارع في القرية مصطفة بأحواض من المأكولات البحرية الطازجة والسمك في قلبها، ولكن الرائحة في الهواء كانت لواحدة فقط من تلك الأسماك المتعفنة، رائحة الموت والتفسخ. فعلى مدار العقدين الماضيين تم هدم معظم المباني والمستودعات القديمة التي تعود ملكيتها لعائلتنا منذ قرن من الزمان، جرفت عبر رياح التغيير. وقد تفاخرت بدائلها -كتل خرسانية عالية الارتفاع ومراكز للتسوق حديثة- بواجهات متطابقة تقريبا من الزجاج وبلاط السيراميك الأبيض. بدا كما لو أن قريتنا القديمة، موطننا القديم، قد أعيد تجميعه بالكامل في ألواح من الزجاج والبورسلين الصحي.


لحسن حظنا، كان بيتنا الفناء  المكون من الصخور غير المصقولة والمعالجة كذلك لا يزال على حاله. صمد، مثل أثر ثقافي، بين ظلال الأشجار الضخمة العديدة من نهاية شرق قريتنا. جدي صاحب الاثنين وتسعين عاما والذي أصبح الآن أثرا ثقافيا هو الآخر، حجز مقعدا شرفيا بفنائنا، بالغرفة التي ظل طريحا بها لمدة ثلاث سنوات.


عندما أبلغته بأني ذاهب إلى إنجلترا، بدا لو أن عيونه المظلمة سطعت، ورغم ذلك استمر في التحديق في وجهي كما لو كنت غريبا. بالأخير، وبمساعدة أشعة الشمس الساطعة المتدفقة عبر النافذة، بدا كما لو تعرف بالرجل الذي يقف على سريره كحفيده الأكبر، والذي ذهب إلى بكين وظل هناك، وقضى أيامه هناك في كتابة قصص الخيال.


“إلى أين ستمضي ؟” سألني جدي.


-إلى إنجلترا


استغرق الأمر جولة أخرى من السؤال والإجابة لإقناع الجد بإني كنت أقول الحقيقة، وحقا ذاهب الى إنجلترا. وبانتهاء التحقيق،انسحب اللون من وجهه، وملامحه تحولت جامدة مثل الموتى. بدا الأمر كما لو أن الرجل العجوز المسنود أمام اللوح الأمامي لم يكن شخصا على الإطلاق، ولكن تمثال شاحب من الشمع. جلس طويلا على هذا الوضع، بلا حركة. واللحظات تمضي.


وببطء، أدار جسده إلى الرف فوق سريره. كان بإمكاني سماع مفاصله وهي تطرقع، كما لو كانت آلة صدئة كانت خاملة لفترة طويلة جدا. أخذ صندوقا من خشب الصندل الأحمر على الرف، وانتزع منه علبة أصغر مصنوعة من نفس المادة. كان حوالي ثمان بوصات طولا، وبوصتين ارتفاع وبوصتين كذلك للعرض.


قبض على يدي ووضعها فوق الصندوق. وعيناه تومض وشفتاه ترجف، وقال”وأخيرا، شخص في العشيرة لدينا هو ذاهب الى إنجلترا، لأجيال، مررنا نفس الطلب الأخير: أنه في يوم من الأيام، واحد منا سوف تتاح له الفرصة لطعن رجل إنجليزي في القلب.”


جدي عانى من الرعشات، وانتفضت يداه مثل الشموع الذائبة، وعروقه القديمة على ظهر يده بدت مثل أوتار القانون. حتى هذه اللحظة سمعت له صدى أصوات أجدادنا. مورثا حقدا بي تم دفنه لأكثر من قرن كامل. “أنت ذاهب إلى بلادهم..إلى إنجلترا.. واجبك، إيصال هذا الخنجر بداخل قلوب هؤلاء الإنجليز”


…………………………………………


استمرت زيارتي لإنجلترا أولا عن آخر لعشر أيام.


بخلاف خطبة بمهرجان الصين الآن بحديقة جنوب لندن، ومحاضرة ومائدة مستديرة أدبية، نظمت بواسطة قسم جامعة كامبريدج  لدراسات شرق آسيا، فإن معظم أنشطتي بلندن دارت حول التبادل الثقافي ومشاهدة المعالم السياحية. تذوقت أجود الأطعمة البريطانية الأصيلة منها، أقمت بنزل ثلاث نجوم، ومضيت بنزهات مع مترجم محترف، مترجمي الأدبي المبجل،  وناشري والمصحح كذلك. قابلت أيضا زوجين بريطانين موهوبين، شاعر وروائية –على التوالي- وقد عاشا مع طفليهما بعزبة ريفية قرب “ستونهينج “(**) .. وبينما يمضي ضيفهما بين الآثار الحجرية الواقفة تعرفت بأثر مادي وثقافي ليس كأي أثر عرفته في الصين. لاحقا، أخذوني في جولة إرشادية لمتاحف لندن والمعارض الفنية والكاتدرائيات ثم توقفنا في الحي الصيني، وعند قبر كارل ماركس والمقر السابق لصديق ماركس المقرب ورفيقه فريدريك إنجلز. باختصار، لقد فعلت كل الأشياء التقليدية لزائر صيني أول مرة إلى لندن يزور لندن: تأوهت وتعجبت ، والتقطت الصور واشتريت الهدايا التذكارية. الفارق الوحيد كان صوت جدي، يتردد دائما في مؤخرة ذهني: “أنت ذاهب إلى بلادهم الآن، إلى إنجلترا، وإنه من واجبك أن …”


هذه هي الكلمات التي حثتني إلى التسحب من الفندق، وحيدا، وغير مرئي في الليلة الأخيرة قبيل مغادرتي. كانت المدينة ترقد في ظلمة، وسكانهم رقدوا نائمين. تجولت بالشوارع، متأملا المباني التي توحي بقرون بل بآلاف السنين من الرهبة والاحترام.


عبرت خلال حجارة الرصيف، المعالجة، والمهترئة بمرور عديد الأرجل فوقها. والتي صنعت طريقي إلى نهر التيمز. لم يكن لدى طرقات لندن الواسعة أي من تلك الرائحة الزفرة النتنة  لبلدتي، ولا ذلك العطر الأرضي للحقول والأشجار مقارنة بالصين الشمالية. بين الهواء البحري الراكد والرطوبة الصاعدة من التيمز اعتقدت أني استشقت نفحة من الطوب المتحلل، والحجر المحفور، المرسوم عبر العصور. من آن لآخر سيارة أجرة كانت تعبر بطول الشارع، أو جمع من المراهقين بعد ليلة من الصخب أو الرومانسية. أكان ذلك من خيالي؛ أم أنهم أبطئوا بينما اقتربوا ورمقوني بعدائية، كما لو كانت أجنبيتي، وعدائيتي،  استدعيا عدم الثقة؟


وهكذا مضيت، حتى وصلت إلى جسر حجري قديم يمتد  عبر نهر التايمز. من وقفتي على الدرابزين، كان بإمكاني رؤية عجلة الملاهي العملاقة – التي قيل لي أنها كانت تعرف باسم عين لندن – على الضفة المقابلة. من المؤكد إني جلست هكذا لوقت طويل ، أحدق في العين وأفكر، حتى تم قطع أفكاري من قبل فتاة شرق أوسطية الشباب تبيع الزهور. بدت لو أنها خرجت من العدم. لوحت أمام وجهي بواحد من آخر الباقات التي معها وسألتني عما إذا كنت أرغب في شرائها. ببطء وقفت من على الترابزين.


 


هناك، وفي ضوء مصباح الشارع، مواصلا مع الإشارات. قلت للفتاة أني أريد شراء جميع الزهور المتبقية معها. وعندما كنت قد دفعت لها وغادرت، وقفت فوق أعلى الجسر وبدأت قذف الزهور، واحدة تلو الأخرى، في المياه المظلمة أدناي. انحنيت عبر الترابزين وشاهدت الزهور تطفو بعيدا، وتختفي في نهر التايمز، عبيرها لا يزال ناضجا في أنفاسي. وبينما محيطها يصبح أضعف، البتلات حمراء استحالت إلى الأسود، ويبدو لي أنها مثل قوارب صغيرة مغطاة على نهر صيني متناثر المطر.


 


……………………


بوقت قصير بعدما غادرت لإنجلترا. توفى جدي.


 


توفي في سن الثانية والتسعين؛ بسلام، في نومه. وبحلول الوقت الذي عدت فيه إلى بكين ورتبت رحلة إلى مسقط رأسي، كان جدي قد دفن بالفعل على قمة جبلية عالية، نفسها الذي أشار إليها لي وأنا صبي. الجبال كانت تتلوى على طول الساحل في سلسلة طويلة، دون انقطاع. إلى الغرب يرقد المحيط الواسع اللا محدود وفي الشرق تقبع قريتنا النابضة بالحياة. وعميقا بين تلك الجبال الوعرة؛ الممرات الجوفية البريطانية التي بنيت، مناجم النحاس قد جردت عارية وهجرت.


 


ووسط هذا التضاريس الجبلية، وهذه المناظر المخزنة، كان قبر الجد. قبرا عاديا، متواضعا، كومة من التربة الصفراء فوقه والتي لم يتح للعشب الوقت للنمو بعد.


 


جلست على سفح قبر جدي، ممسكا بصندوق خشب الصندل الضيق الذي أعطاني إياه عشية رحلتي إلى إنجلترا. داخل هذا الصندوق بهيئة نعش كان خنجر مغطى في غمده الجلدي. قيل لي إنه بعد انتحار –جدي الأكبر- والده، كان جد جدي يجوب القرية والمناجم والأرصفة مع هذا الخنجر نفسه، عاقدا العزم على قتل رجل إنجليزي أو اثنين. في النهاية، رجع صفر اليدين، إما لأنه لم يتمكن من العثور على أي من الرجال الإنجليز، أو لأنه لم يقدر بنفسه على الوفاء بدينه. بعد سنوات، على فراش الموت، كان جده قد ترك السلاح والعداء في يد ابنه، جدي.


 


بعد عقود من الزمن، سوف يمررهم الجد لي، مع عبارة: “أنت ذاهب إلى بلادهم الآن، إنجلترا، ومن واجبك …” ولكن بدلا من الإبقاء على الخنجر، سأخبئه في زاوية من منزل الأسرة القديم وسأكذب على الجد. “لا تقلق،” وأخبره: “سآخذه معي إلى إنجلترا، ولن أدع هذه الرحلة  تذهب عبثا”. على إثر هذه الكلمات، الجد قرص يدي بمودة وأغلق عينيه.


 


في الليلة التي غادرت فيها إلى إنجلترا، توفي في نومه.


ترك هذا العالم راض وهادئ.


وعندما جلست عند قبر جدي – أتنفس من رائحة البحرالقادمة  من الأميال بعيدا، وأحدق في القرية التي كانت تحتوي مرة واحدة على الكثير من ثروات عائلتنا، وأحمل صندوق خشب الصندل الأحمر الذي يحمل الخنجر القديم والعداوة الصدأة. شعرت أنني يجب أن أكتب قصة. عمل من الخيال التاريخي، حكاية من العداوة والحميمية بين عائلتي وبلد بعيد. حتى أنني أعطيتها عنوانا: “إنجلترا وعشيرتي”.


 


 


 


(*) شجرة العلماء الصينية أو الباغودا وهي شجرة تعتبر مقدسة في العقيدة البوذية.


(**) : Stonehenge


نصب تاريخي بإنجلترا بويلتشير تحديدا. تبعد ميلين غرب أميسبوري.


قامت بترجمة القصة للإنجليزية: سيندي إم كارتر.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 06, 2018 15:53

February 13, 2018

أغاني مترجمة لبوب ديلان – متجدد

[image error]1-


Bob Dylan – A Hard Rain’s A-Gonna Fall

أوه ..أين كنت؟ يا ابني ذو العين الزرقاء؟


أوه ..أين كنت ؟ حبيبي يا ابني الأصغر؟


أنا كنت أتعثر على حافة إثني عشر جبل مضببة


كنت أتمشى، وأصعد تبة ستة مرتفعات


وتوقفت بمنتصف سبع غابات حزينة


ووجهي يصادف درزينات من المحيطات الميتة


أنا وقفت مائة ألف عام في فم المقبرة


وإنه لثقيل ..ثقيل ..ثقيل ..مطر ثقيل على وشك الهطول


 


أوه ..ماذا رأيت ؟يا ابني ذو العين الزرقاء؟


أوه ..ماذا رأيت ؟ حبيبي يا ابني الأصغر؟


رأيت ..رضيع صغير محاط بالذئاب


رأيت طريق مرصع بالماس ولا أحد حوله


رأيت فرعا أسود والدم ينبثق منه


وغرفة من الرجال ومطرقاتهم تقطر بالدم


وسلما مغطى لحافته بالماء


وألف متحدث معا بألسنة مكسورة


بنادق وسيوف حادة بأيدي الأولاد الصغار


وإنه لثقيل ..ثقيل ..ثقيل ..مطر ثقيل على وشك الهطول


 


أوه ..ماذا سمعت ؟ يا ابني ذو العين الزرقاء ؟


أوه .. ماذا سمعت ؟ يا فتاي الصغير ؟


سمعت الرعد، كان يزأر كتحذير


سمعت رعدة موجة بامكانها اغراق العالم بأسره


قرع ألف عازف طبول أيديهم تلهب


مائة ألف همسة ولم يكن أحد يسمع


سمعت صوت جائع يتمزق ولم يكن ع\غيري يسمع


سمعت أغنية شاعر مات في الشارع


سمعت صوت مهرج يبكي في زقاق


وإنه لثقيل ..ثقيل ..ثقيل ..مطر ثقيل على وشك الهطول


 


أه ..من قابلت أيضا ؟يا ابني ذو العين الزرقاء ؟


من قابلت ؟.يا بني الصغير ؟


قابلت فتى صغير بجوار مهر صغير


ورجل أبيض يمضي مع كلب أسود


وسيدة صغيرة جسدها كان يحترق


قابلت رجل قلبه يوغل في الحب


ورجلا آخر كان يقطر بالكره


وإنه لثقيل ..ثقيل ..ثقيل ..مطر ثقيل على وشك الهطول


 


والآن ..والآن ماذا تنوي فعله ؟يا ابني ذو العين الزرقاء ؟


والآن ..والآن ماذا تنوي فعله؟ يا فتاي الصغير ؟


 


سوى أعود رجوعا طالما المطر على وشك الهطول


سوف أمضي عبر أطلم الغابات السوداء


حيث يوجد الكثير من البشر ولا يملكون بأيدهم شيء


حيث كريات من السم تغرق ماءهم


حيث في أرض الوديان ترزع بالسجن المظلم الموحل


حيث دائما وجه ملاك الموت مواربا


حيث الجوع قبيح، وأرواح كاملة منسية


والسواد لون، وليس له عدد


وسوف أخبر الجميع ذلك..وأتحدث وأتنفس ذلك


وأعكس ذلك من الجبل حتى كل الأرواح ترى ذلك


وأقف قبالة المحيط حتى أغرق


ولكني بالفعل أعرف كل الأغنية قبل أن أبدأ بالغناء


 


وإنه لثقيل ..ثقيل ..ثقيل ..مطر ثقيل على وشك الهطول


2-


Don’t Think Twice It’s All Right

 


حسنا، لا فائدة من الجلوس والتساؤل : لماذا؟


إذا كنتِ لا تعلمين للآن..حبيبتي


حيث أن لا فائدة من الجلوس والتساؤل : لماذا؟


حبيبتي..حتى بطريقة ما لا تعلمي


عندما ينعق الديك عند منبلج الفجر


انظري إلى نافذتك.. سوف أمضي


أنتِ السبب لم أستمر راحلا


لكن أريدكِ ألا تفكري ثانية، كل شيء بخير


 


أنا لستُ بحاجة إلى فتح نورك، حبيبتي


نور لم أعرفه


حيث أن لا فائدة من نورك، حبيبة


أنا بالجانب المظلم من الطريق


وإني أتمنى لو كان هنالك شيئا قد تفعلينه أو تقوليه


لكي تغيرين رأيي وأبقى


لكننا لم نعد نتكلم الكثير على أي حال


لذا لا تفكري ثانية، كل شيء بخير


 


لذا لا حاجة لمناداتي باسمي، فتاتي


كما كنتِ تفعلين بالسابق


حيث أنه لا فائدة من مناداتي باسمي، فتاتي


أنا لم أعد أطيق ذلك بعد الآن


 


فوداعا، حبيبتي الغالية


أنا لا أستطيع إخبارك من مكاني


أن ” إلى اللقاء ” كلمة جيدة جدا


لهذا أراكِ على خير


لن أقل أنكِ عاملتيني بغير رفق


كان بامكانك فعل الأحسن لكن لا يفرق معي


أنتِ فقط بطريقة ما أضعتي وقتي الثمين


لكن أريدكِ ألا تفكري ثانية، فكل شيء بخير


 


3-


It’s Alright, Ma (I’m Only Bleeding)



 


العتمة في انتصاف الظهيرة(*)، الظلال تغطى الملعقة الفضية، النصل اليدوي، بالون الصبي، كسوف لكل من الشمس والقمر، لفهم أنك ستعرف قريبا، لا يوجد جدوى من المحاولة..


تهديدات ملمحة، يعبثون بازدراء..علامات الانتحار ممزقة من الحمقى ذوي الملاعق الذهبية، بوق الخواء يعبث بالكلمات الضائعة، المزمعة للتحذير، بأن الإنسان لا ينشغل بكونه ولد، بل ينشغل بكونه ميت..


صفحة الاغراء تهفو من الباب، لو تبعتها، تجد نفسك في حرب، تشاهد شلالات من هدير شفقة، ستجد أنك ترغب في المواء، لكن ليس كالسابق، لأنك اكتشفت أنك مجرد شخص آخر سيبكي..


لذا لا تخف..لو سمعت صوت غريب..عن أذنيك..كل شيء على مايرام ماما ..أنا فقط أنتحب..


بينما البعض يروج بالانتصار، والبعض بالهزيمة، لأسبابهم الخاصة.العظيمة أو الضئيلة..والتي تراها بأعين من ينادون، ليجعلوا كل من سيقتلوا للزحف، بينما الأخرون االذين يقولون أنهم لا يكرهون شيئا بخلاف الكراهية..


الكلمات الخداعة مثل الطلقات النبَّاحة، يطلقها الآلهة الآدميون إلى علامتها، يجعلون أي شيء من بنادقهم اللعبة التي تلمع إلى قديسين ملونة مكسوة باللحم تجلو في العتمة.، الآن من السهل الرؤية من غير النظر بعيدا، هذا كثير بالفعل، بالفعل مقدس.


بينما المبشرون يبشرون بالشر يتفادهم، المدرسون أيضا بأن المعرفة تنتظر، وأنه يؤدي إلى أطباق من فئة المئة دولار، الطيبة تختفي خلف أبوابها، ولكن حتى رئيس الولايات المتحدة


يجب عليه أن يكون في بعض الأحيان الوقوف عاريا(**)


وبالرغم من أن قواعد الطريق قد أدخلت خارجه، الألعاب البشرية فقط هي فقط أدخلت..أنا على مايرام يا أمي ..أستطيع العبور


اللافتات الدعائية التي تخدعك، لاقناعك أنك الأوحد، التي تخبرك أنك يمكنك فعل ما لم تفعل قبلا..التي تخبرك أنك يمكنك ربح مالم تربح قط، بهذا الوقت ..الحياة خارجك تستمر دائرة حولك..


تخسر نفسك، تعاود الظهور، يتضح فجأة أنه لم يكن هنالك شيئا لتخافه..لوحدك تقف بلا أحد بجانبك، مع صوت بعيد متعثر، غير واضح، كما لو أن أحد قد وجدك حقيقة..


سؤال في أوصالك مضاء، لكنك تعرف أن لا إجابة سوف تلائمه، لارضاء نفسك، لتؤكد أنك لن تنسحب، تبقيه في عقلك، ولا تفلته، هذا ليس “هو أو هي أو هم أو شيء” الذين تنتمي لهم..


الأساتذة يعدون القواعد للحكماء والحمقى، أنا ليس لدي شيء ..أمي لأتطلع إليه..


لهم الذين يطيعون السلطة، الذين لا يعرفون ما يفوتون لأي درجة، الذين يحتقرون وظائفهم ومصائرهم، يتحدثون بغيرة عمن هم أحرار، يعفلون ما يفترض به أن يفعلون، لا يفعلون شيء أكثر مما يفعلوه..


 


البعض على المبادئ عامدين(***)، بخنق أعناق أسطح الحفلات، الحلقات الاجتماعية في تخبط ، ومن خارجها لا يمكنهم انتقادها، لا يوجد غير من يتم تلمعيهم وتكتفي بالقول ” يرحمه الله ”


بينما من يغني ولسانه في النار يجلجل في حلقة الفأر السريعة (***) يستأصل من قبل فكي المجمتع.العطايا لا تهب ممن أعلى، ولكن يمكنك الوصول للحفرة حيث يوجد هو لتحصل عليها. لكن لا يمكن القاء الخطأ ولا الضرر على شخص يعيش بالخطأ، كل شيء سيكون على مايرام يا أمي حتى لو لم أستطع اسعاده ..


القاضيات تشاهد البشر في أزواج، محددين في الجنس، يكتفون بدفع الأخلاق الزائفة، الاهانة والتحديق، بينما المال يقف صامتا ولا يتحدث ..أقسم بذلك، بالكذب، من يهتم بالفعل، بروباجندا زائفة بغير طائل .


بينما هم يدافعون عما لا يمكنهم رؤيته. بفخر قاتل، وبأمان، يفجرون العقول بمرارة، هم يظنون أنهم بموتهم بصدق لن يحدث طبيعية، الحياة أحيانا يجب أن تمضي بمفردها..


عيني تصطدم بالمقابر المحشوة ” أهداف زائفة ” أنا أكح، كيف لصغائر الأمور أن تصير عنيفة، أمشي مقلوبا داخل أصفاد، أرفس بقدمي لأكسرها، أنا بخير ..أنا رأيت بما يكفي.ماذا أيضا يمكنني أن تريني


وإذا كان بامكاني روؤية أفكاري – أحلامي سوف يضعوا رأسي تحت المقصلة..


لكن لا بأس يا أمي ..أنها فقط الحياة..الحياة ..فقط


 


(*) إشارة لكتاب لأرثر كوليستر كاتب مجري


(**) ‘شارة لقصة الامبراطور لا يجد له ملابس لهانز أندرسن


(***) إشارة لتعميد القساوسة


(***) الدائرة التي يتم تسريح فيها الفئران الهامستر


 


4-


Bob Dylan – It’s All Over Now, Baby Blue

 


يجب أن تغادري، خذي ما تحتاجين، كل شيء كنتِ تعتقدي أنه سيدوم


..أي شيء قد تريدين الاحتفاظ به ولكن بأسرع وقت باستطاعتكِ


البعد يقف يتيما ببندقيته يبكي كما نار بقلب الشمس


انتبهي ها هي الملائكة تمضي مبتعدة


كل شيء انتهى ..حبيبتي الزرقاء ..


 


الطريق السريع للمقامرين، يجب أن تستدعي الحذر


خذي ما قد كسبتيه عند طريق الصُدف


الرسام خالي الوفاض من شارعك الآن


يرسم أشكالا عجيبة على شراشفك


السماء أيضا التي تغلفك


كل شيء انتهى.. حبيبتي الزرقاء…


 


كل البحارة السكرى الآن هجعوا الآن


كل الجيوش المحتشدة تعود


حتى حبيبك العائد الذي مضى لتوه من الباب


أخذ كل السجاد الذي يخصه من الارضية


السجادة التي تتحرك أسفلك .,أيضا


كل شيء انتهى.. حبيبتي الزرقاء…


 


تاركا معابرا لك كشيء يذكره به


متناسية القتل التي خلفته بتركك، والذي لن يتبعك


الشريد الذي كان يرن على بابك


الآن يقف في الثياب التي أعطيته إياها


اشعلي عود ثقاب(*) وأبدأي من جديد


الآن ..كل شيء انتهى.. حبيبتي الزرقاء…


 


(*) إشارة إلى قصة بائعة الثقاب الصغيرة لهانز أندرسن


 




نَفسكِ حلوُ


عيناكِ كجوهرتين في السماء


ظهرك منسرح، وشعرك يموج


عبر الوسادة حيثما ترقدين


أنا لا أشعر بأي عاطفة


لا امتنان، لا حب


وفاءك ليس لي


بل إلى النجوم، التي فوقنا



كوب آخر من القهوة، لأجل الطريق


كوب قهوة آخر، قبل أن أمضي


للوادي أسفلنا



والدكِ، خارج عن القانون


ومتجول لأجل التجارة


سيعلمك كيف تنتقين، وتختارين


ويعلمك كيفما تلقين النصل



يرقب مملكته


لئلا يدلف أي غريب


صوته، يرتجف عندما يدعو


لطبق آخر من الطعام



كوب آخر من القهوة، لأجل الطريق


كوب قهوة آخر، قبل أن أمضي


للوادي أسفلنا



أختك ترى المستقبل


كما ترين، كما أمكِ


أنتِ أبدا لم تتعلمي لا القراءة، ولا الكتابة


لذا لا يوجد أي كتب عبر الرف



سروركِ لا يعرف أي حدود


صوتكِ أشبه بالمروج


لكن قلبك مثل المحيط


غامض، ومظلم



كوب آخر من القهوة، لأجل الطريق


كوب قهوة آخر، قبل أن أمضي


للوادي أسفلنا



https://www.youtube.com/watch?v=QXCN31OcNh8&feature=youtu.be

أحيانا أتساءل

لماذا أقضي لياليَّ وحيدا

أطارد غنوة

النغمات تسكن خاطري

وأنا معكِ مرة أخرى

عندما كان حبنا جديدا

كل قبلة منكِ مصدر إلهامي

آه..كان ذلك من مدة بعيدة

لكن عزائي الآن في غبار أغنية

إلى سور الحديقة، كانت النجوم بارقة

وأنتِ بين ذراعيَّ

وعندليب يخبرني رؤيته للنعيم

حيث نمت الزهور

وبالرغم من أني أحلم لتيه

في قلبي، ستظل

نغمتي الخانقة

لامتناعك عن حبي..



https://www.youtube.com/watch?v=8qiO_DQgMAA



ويليام زانزنجر قتل المسكينة هاتي كارول


بعصاه، التي كان يديرها حول خاتم إصبعه الماس


في تجمع مجتمع فندق بالتيمور


الشرطة استدعيت، وأخذ سلاحه منه


وأدخلوه للحجز في القسم


وأدين ويليام بالقتل من الدرجة الأولى


لكن لأجل من يفلسف العار، وينتقد كل المخاوف


ابعد هذه الخرقة عن وجهك


ليس هذا الوقت المناسب لكل دموعك


 


ويليام بعمره الرابع والعشرين


ويملك مزرعة تبغ من ستمائة فدان


مع والدين ثريين، يحفظانه، ويحميانه


ومع علاقات وثيقة بولاية ماريلاند


أبدى انفعالا لفعلته بهز كتفيه


يسب بالكلام، ويتهكم، ولسانه يتلوى


بغضون دقيقة، بكفالة كان مدفوعا


ولكَّ يا من تفلسف العار، وتنتقد كل المخاوف


ابعد هذه الخرقة عن وجهك


ليس هذا الوقت المناسب لكل دموعك


 


هاتي كارول والتي كانت خادمة بالمطبخ


وتبلغ من العمر واحد وخمسين عاما، وأنجبت عشر أطفال


وكانت تحمل الأطباق، وتخرج القمامة


ولم تجلس بمرة على رأس الطاولة


وحتى لم يحدث أن تحدثت إلى الرجال ممن على الطاولة


فقط كانت تنظف كل الطعام عن الطاولة


وتفرغ المنافض من السجائر على صعيد آخر


جاء قتلها نتيجة لنفخة، استلقت بإثر عصا


اخترقت الهواء، وعبرت خلال الغرفة


أغرقت، ومصممة لتدمير كل هؤلاء الرجال


والتي لم تفعل شيئا إلى ويليام زانزنجر


ولكَّ يا من تفلسف العار، وتنتقد كل المخاوف


ابعد هذه الخرقة عن وجهك


الآن، ليس هذا الوقت المناسب لكل دموعك


 


بقاعة المحكمة، أطاح القاضي بمطرقته


ليخبر بأن الكل سواء، وأن المحكمة على المستوى


وأن كل الأوتار بالكتب ليست مشدودة، ومقنعة


وأنه حتى مع النبلاء، يتم التعامل بشكل صحيح


بمجرد ما تبدأ الشرطة بأن تطاردهم وتمسكهم


وأن سلم العدالة ليس به، قمة ولا قاع


القاضي حدق بالرجل الذي قتل دونما سبب


وتحدث عبر عباءته، العميقة والمميزة


وأعلنها قوية، للجزاء والتوبة


ويليانم زانزنجر حكم عليه بعقوبة ست أشهر حبس


والآن لك، يا من تفلسف العار، وتنتقد كل المخاوف


ادفن الخرقة عميقا بوجهك


لقد حان الوقت لكل هذه الدموع.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 13, 2018 12:40

litfreak1234.wordpress

إسلام عشري
مدونة خاصة بالأدب
Follow إسلام عشري's blog with rss.