رأفت رحيم's Blog, page 10

June 12, 2023

"لقد مارست الجنس في كثير من الأحيان لإجبار نفسي على الكتابة": آني إرنو الحائزة على جائزة نوبل تتحدث عن علاقتها الملهمة مع رجل يصغرها ب 30 عام


ترجمة: رأفت رحيم

----------------

 

كانت أدبية فرنسيةمحبوبة وكان هو طالبا يصغرها ب 30 عاما. تتذكر الكاتبة الحائزة على جائزةنوبل آني إرنو أكثر علاقاتها إثارة.

 

 

الصورة من مقتنيات آني إرنو

 

 

 

ذات مرة، قضيت ليلة محرجة مع طالب كان يراسلني لمدة عاموأراد مقابلتي.

في كثير من الأحيانكنت أمارس الجنس لإجبار نفسي على الكتابة. كنت آمل أن أجد في التعب، والتقصير الذييأتي بعد ذلك، أسبابا لعدم توقع أي شيء أكثر من الحياة. كنت آمل أن تجعلني النشوة الجنسية،وهي أعنف نهاية للانتظار، أشعر باليقين من أنه لا توجد متعة أكبر من كتابة كتاب.ربما كانت الرغبة في إثارة الشعلة لكتابة كتاب - وهي مهمة ترددت في القيام بهابسبب ضخامتها - هي التي دفعتني إلى أخذ A إلى المنزل لتناول مشروب بعد العشاء في مطعم ، حيث ظل، من خلال الخجل،عاجزا عن الكلام. كان أصغر مني بحوالي 30 عاما.

 

كنا نتقابل في عطلات نهايةالأسبوع، وبين هذه اللقاءات، افتقدنا بعضنا البعض أكثر فأكثر. كان يتصل بي يوميامن هاتف عام حتى لا يثير شكوك الفتاة التي كان يعيش معها. لم تتخيل هي ولا هو،المحاصران في روتين زوجين يعيشان معا في سن مبكرة جدا، ويقلقان بشأن الامتحانات،أن ممارسة الحب يمكن أن تكون أي شيء آخر غير إشباع الرغبة بالحركة البطيئة إلى حدما، وأنه يمكن أن يكون نوعا من الإبداع المستمر. الحماس الذي أظهره في مواجهة هذاالاكتشاف الجديد ربطني به أكثر فأكثر. شيئا فشيئا، أصبحت العلاقة علاقة كنا نتوقإلى أخذها إلى أقصى حد، دون أن نعرف حقا ما يعنيه ذلك.

 

شعرت بالرضاوالارتياح، عندما انفصل عن صديقته التي غادرت الشقة. اعتدت على البقاء في شقته منليلة الجمعة إلى صباح الاثنين. عاش في روان، المدينة التي عشت فيها أيضا كطالبة،في الستينات، ولكن لسنوات أقود سيارتي فقط لزيارة قبور والديّ. بمجرد وصولي، تاركةفي المطبخ، أكياس المؤن التي أحضرتها ولم يتم تفريغها بعد، مارسنا الحب. سيكونهناك بالفعل قرص سي دي في المشغل، عادة يكون فريق الروك الموسيقى (The Doors)،والذي بدأ تشغيله بمجرد دخولنا غرفة النوم. في مرحلة ما، توقفت عن سماع الموسيقى.

 

دخلت النغمات القويةلأغنية "شارع الحب" وصوت "جيم موريسون" وعيي مرة أخرى. بقينامستلقين فوق المرتبة على الأرض. كانت حركة المرور كثيفة في تلك الساعة. تومض عوارضالمصابيح الأمامية على جدران الغرفة من خلال النوافذ العارية العالية. شعرت كما لوكنت مستلقية على سرير منذ سن 18 عاما ولم أنهض منه أبدا - نفس السرير ولكن فيأماكن مختلفة، مع رجال مختلفين، لا يمكن تمييزهم عن بعضهم البعض.

 

 

"كان يتصل بي يوميا من هاتف عام حتى لا يثير شكوك الفتاة التيكان يعيش معها."

 تطل شقته على فندق (Hôtel-Dieu)،الذي توقف عن العمل في العام السابق ويعاد تطويره، وسرعان ما يصبح مقر المحافظة الرئيسي. في المساء، كانت نوافذ المبنى مضاءةوغالبا ما ظلت على هذا النحو طوال الليل. كان الفناء المربع الكبير في المقدمةعبارة عن مساحة من الظل الفارغ الشاحب خلف البوابات الحديدية المغلقة. نظرت إلىالأسطح السوداء، قبة الكنيسة التي تلوح في الخلفية. بصرف النظر عن حراس الأمن، لميعد هناك أي شخص هناك. كان ذلك المكان، ذلك المستشفى، الذي تم نقلي، كطالبة، فيإحدى ليالي يناير، بسبب نزيف ناتج عن إجهاض في الشارع الخلفي. لم أعد أعرف في أيجناح تقع الغرفة التي شغلتها لمدة ستة أيام. كان هناك، في هذه المصادفة المدهشةوالغريبة تقريبا، علامة على لقاء غامض وقصة حب كان لا بد من عيشها على أكمل وجه.

 بعد ظهر يوم الأحدعندما كان الجو ممطرا في الخارج، بقينا في السرير، وفي النهاية نزلنا، أو تلاشينافي النوم وخارجه. من الشارع الصامت جاءت أصوات المارة النادرين، وعادة ما يكونونأجانب من نزل قريب. بعد ذلك، شعرت كما لو أنني عدت إلى Y، حيثكنت أقرأ، عندما كنت طفلة، بجانب والدتي، التي نامت من الإرهاق على سريرها، مرتديةملابسها بالكامل، بعد غداء الأحد، عندما كان المتجر مغلقا. أصبحت شابة وانجرفت بينوقت وآخر في حالة شبه واعية.

 

في شقة A، رجعتُمرة أخرى إلى الانزعاج ووسائل الراحة المؤقتة التي عرفتها أيضا عندما بدأت أنا وزوجي،كطلاب. على لوح التسخين الكهربائي، الذي لم يعد منظم الحرارة يعمل، كل ما يمكنطهيه هو شرائح اللحم، المعرضة دائما لخطر الالتصاق بالمقلاة لحظة وضعها فيها، أوأواني المعكرونة والأرز التي فاضت في فيضانات لا يمكن السيطرة عليها من الماءالمغلي. الثلاجة القديمة التي لا يمكن ضبط درجة حرارتها جمدت الخس في درج السلطة.كان عليك ارتداء ثلاث صداري لتحمل البرد الرطب للغرف ذات السقف العالي بنوافذهاالمغلقة بشكل سيئ، ومن المستحيل تسخينها حتى مع السخانات الكهربائية التي كانتمكلفة للغاية في التشغيل.

 

أخذني إلى Le Bureauو Big Ben ، المقاهي التي يرتادها الشباب. لقد أهداني بوجبات الطعام في مطعم (جامبو).كانت محطته الإذاعية المفضلة هي أوروبا 2. كل مساء يشاهد Nulle Part Ailleurs.الأشخاص الذين يحييهم في الشارع دائما من الشباب، وغالبا ما كانوا طلابا. عندماكان يقف للحديث، كنتُ أقف جانبًا. شاهدوني على الجانب. بعد ذلك، يروي الخلفيةالأكاديمية للرجل الذي كان يتحدث معه للتو، مع كل تفاصيل نجاحاته وإخفاقاته.  في بعض الأحيان، من مسافة بعيدة، وبتكتم شديد،كان يطلب مني عدم الالتفاف وهو يشير إلى أستاذ من قسم الأدب حيث يرس. لقد مزقنيبعيدا عن جيلي، لكنني لم أكن جزءا من جيله.

------------------------------------------------------

نُشر هذا المقال على موقع فوج البريطاني.

"الشاب" من تأليف آني إرنو ، ترجمة إلى الأنجليزية "أليسون إلستراير" ، تم نشره في 20 سبتمبر في المملكة المتحدة من قبل إصدارات"فيتزكارالدو" و 12 سبتمبر في الولايات المتحدة من قبل دار نشر" سبع قصص"

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 12, 2023 05:28

June 1, 2023

ما هو دور الحكومة وعلاقتها بالمواطن في رأي أحمد فتحي زغلول باشا - شقيق سعد زغلول



وقد وصف الحالة التي صار إِليها الإنسان الشرقي الأستاذ أحمد فتحي زغلول باشا بقوله: 


"....ضعفنا حتى أصبحنا نرجو كل شيء من الحكومة، فهي التي نطالبها بحفظ حياتنا، وخصب أرضنا، وترويج تجارتنا، وتحسين صناعتنا، هي التي نطلب منها أن تربي الأبناءَ، وتطعم الفقراء، وترزق العجزة، وتنفي أسباب البطالة، وتحفظ الأخلاق، وتلم شعث العائلات، وتجمع أشتات القلوب، هي التي نطالبها بتعويض ما نقص من إِرادتنا، وتقويم ما اعوجَّ من سيرنا وسيرتنا، وردِّ هجمات المزاحمين عنا، والسهر على مصالح كل واحد منا؛ فإِذا تأخرنا في عمل من تلك الأعمال بإِهمالنا رميناها بسوء الإِدارة، واتهمناها بحب الأثرة، وألقينا عليها تَبِعة خمولنا كلَّها، لا ريب أننا بهذا الزعم قد ضَلَلْنا السبيل؛ فإِنما الحكومة وازع لا يكلَّف إِلا ما اقتضته طبيعته، وشأن  الحكومات في الأمم تأييد النظام، وحفظ الأمن، وإِقامة العدل، وتسهيل سبل الزراعة، ومعاهدة بعضهم بعضًا على ما يضمن حرية التجارة، ويشجع أهل الصنائع والحِرف كما تقتضيه المصالح  المشتركة، وعلى قدْر ما تسمح به الممكنات، وبالجملة، فالحكومة وازع عام لا واجب عليه إِلا الأمر العام مما يدخل تحته جميع الناس، ولا ينفرد بالاستفادة منه واحد بخصوصه، وعلى الأُمة بعد ذلك أن تستفيد من هذا النظام، وتنتهز فرصة الأمن والطمأنينة لتسعى وراء منافعها، وتطلب الكمال في زراعتها وصناعتها وتجارتها، وفي نشر المعارف وإِحياء العلوم، وفي أداء الواجب  والمحافظة على الحقوق، وهذا هو الذي أهملناه حتى أضعناه.”


- آراء حرة

طه حسين ومحمد كرد علي وعلي مصطفى مشرفة.

-------------------------------------------------------------

من ويكيبيديا فلا تثق بصحة هذه المعلومات مائة في المائة:

كان بين أحمد فتحي زغلول والورد كرومر المعتمد السامي البريطاني في مصر علاقة قوية، وقد شارك كقاض في محكمة دنشواي سنة 1324هـ الموافق 1906م والتي قضت بإعدام عدد من الفلاحين أمام أهليهم، وهو ما هز الوجدان الشعبي المصري، وكان هو الذي صاغ حيثيات الحكم، وكان لهذه الحادثة المؤلمة أثرها القاتم على تاريخه وسيرته وأعماله، وإذا ذكر اسمه اقترن بما ارتكبه في دنشواي.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 01, 2023 13:35

May 30, 2023

بين مايا خليفة ولوري طالبة الحقوق التي تعمل في الدعارة ودكتورة براغ راقصة نادي العراة





مايا خلفيفة في طريقها للجلوس على طاولة اللقاء في أكسفورد

بمناسبة إلقاء - ممثلة أفلام البورنو المعتزلة - مايا خليفة محاضرة على طلبة أوكسفورد ورد فعل البعض  من حفاوة أوإستنكار 

——

في مسلسل the west wing قدم الكاتب (أرون سوركين) شخصية (لوري) فتاة تعمل (عاهرة) prostitute لكن في مستوى راقي. أي أنها لا تقف على نواصي الطرقات لاصطياد الزبائن. كانت تقوم أحيانا بمجرد الظهور في موعد مع أي شخص يحتاج فتاة  جميلة لحضور حدث ما مثل افتتاح فيلم أو متحف أو حفلة. هذاب الإضافة  طبعا إلى العلاقات الجنسية مدفوعة الأجر لكن مع شخصيات هامة ترغب في السرية.


الصحفي يأخذ صور ل سام ولوري في أحد لقائتهما

 ترتاد (لوري) إلى البارات والمطاعم الراقية في واشنطن العاصمة حيث الساسة وصفوة المجتمع. تعرفت في أحد المرات علي (سام سيبورن) الذي يعمل في البيت الأبيض مستشارًا سياسيا للرئيس. تعرف (سام )على (لوري) التي كانت تدرس القانون في جامعة جورج واشنطن! وكانت تصرف على نفسها وتعليمها غالي التكاليف من عملها. ولم يعرف سام أنها تعمل في الدعارة الراقية إلا بعد أن تتبع صحفي في الواشنطن بوست خطواتهما وكتب تقرير كبير عن مستشار الرئيس الذي يواعد فتاة دعارة! عندما انتشر الخبر صارحت الفتاة سام بعملها ولماذا تقوم به وانتهت علاقتهما، لكنه قابلها بعد شهور تحضر أحد حفلات الكونجرس مع عضو من أعضائه!


مشهد لقاء سام في أحد حفلات الكونجرس التي جاءت بصحبة أحد أعضائه

بعد ١٠ سنوات من عرض هذا المسلسل الجميل، ذهبت إلى براغ في زيارة عمل للترتيب للافتتاح الأول لفيلم شهير. بعد العمل كنا نذهب إلى المطاعم والبارات. ومن زار مدينة  براغ يعرف كثرة أماكن نوادي رقص العراة وتنوعها من أول الرقص، المساج إلي العلاقة الكاملة. التقينا في أحد البارات بفتاة راقصة من روسيا البيضاء. جلست الراقصة معنا وكانت حكايتها تشبه حكاية فتاة المسلسل مع الفارق أنها تدرس الطب! تأتي إلى براغ في فصل الصيف والأجازات وتعمل في نادي من نوادي العراة الصيف كله وتعود إلى الجامعة في فصل الخريف!

معلومات عن المنطقة الحمراء في مدينة براغ  في هذا اللينك 

لا أدري سبب دخول مايا خليفة إلى صناعة البورنو ولكني قرأت لها بعض التصريحات القديمة من أنها لم تجمع من هذه المهنة المهينة سوى ٦٠ ألف دولار، وهذا رقم ضعيف جدًا مقارنة بوظائف أخرى.

يعقد الإنسان صفقات خاسرة في بعض الأحيان.. يقع ثم يقف. والإنسان القوي هو الذي يتعلم من أخطائه وتطور أفكاره ويتسع أفق تفكيره.

لم أسمع نص خطاب مايا خليفة في أوكسفورد، لكن يجب أن تحثنا هذه المواقف وتشجعنا على التفكيروالتعلم من تجارب الأخريين. لا يجوز الحكم على اختيارات الغير طالما لم نمر بنفس تجربتهم في نفس الظروف.

والإنسان في نهاية الأمر حر. لك أن ترفض تقديم مايا خلفية على أنها ناشطة نسوية ولك أن تقبل أيضًا. المهم ألا نحجر على  فرصتها في الكلام وفرصتك أنت أيضا في التفكير!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 30, 2023 10:23

May 25, 2023

ضحكَةَ أُمِّهَا

 


بعد شهور من الصدمة ومحاولة فهم كيف تموت الأمهات. نعم.. مجرد الفهم لا التقبل. فهي رفضت قبول هذا الرحيل.. على الأقل في الوقت الراهن. تنتظر ما يقولونه عن الزمن وفعل النسيان. تُقسم أشياء أمها في صناديق ومجموعات تحتفظ ببعضها وتتبرع بالكثير.مع كل قطعة ملابس، حذاء، اكسسوارات، كانت تستدعي ذكرى وتبتسم. المهمة التي المفروض أن تستغرق عشر دقائق، أخذت أكثر من ساعة. تجلس على طرف السرير وفي يدها قطعة ملابس. تشم فيها رائحة أمها. للأمهات رائحة مميزة مكتسبة من الجدّات حتى وإن اختلفت الرائحة.انتهت في بداية المساء.. فتحت شباك الغرفة أملا في الخلاص من رائحة الموت ولزوجة الفراق. عندما ملأت صدرها بهواء الشتاء البارد، وقع نظرها على صورة قابعة على طاولة صغيرة بجوار السرير تتوسط الكثير من علب الأدوية التي نست أن تضعها مع الأدوية التي ستتخلص منها. تضحك أمها في الصورة وهي تضع ذراعها على كتفها.عادت مرة أخرى إلى حرف السرير الذي لا زال يحمل شكل ودفئ مؤخرتها . رأت في الصورة تفاصيل الضحكة لكنها لم تسمعها. اعتدلت في جلستها وتمللت محاولة مرة أخرى أن تستدعي من مقاعد الذاكرة نغمات هذه السعادة التي نطلقها عند الفرح.راحت تبكي.. تبكي ليس لأنها لم تبك عندما ماتت أمها، بل تبكي لأنها لا تتذكر صوت ضحكة أمها


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 25, 2023 14:00

May 18, 2023

مقابلة ملفقة: حوار جون أوبديك مع باريس رفيو في ١٩٦٧ (حوار مترجم)

 

نُشر هذا الحوار في باريس ريفيو
ترجمة: رأفت رحيم
---------------------------------

في عام 1966، عندماطلب من (جون أوبديك) لأول مرة إجراء مقابلة مع مجلة "باريس ريفيو"،رفض قائلا: "ربما كتبت خيالا لأن كل شيء تم التعبير عنه بشكل لا لبس فيه يبدوفظا إلى حد ما بالنسبة لي. وعندما يكون الموضوع هو أنا، أريد أن أسخر وأبكي. أيضا، ليس لدي الكثير لأخبرالمحاورين. القليل الذي تعلمته عن الحياة وفن الخيال الذي أحاول التعبير عنه فيعملي".

في العام التالي، تمقبول طلب ثان، لكن خوف (أوبديك) تسبب في مزيد من التأخير. هل ينبغي أن يكون هناكاجتماع يعقبه تبادل للأسئلة والأجوبة المكتوبة، أم ينبغي عكس هذا الإجراء؟ هلتحتاج إلى عقد أي اجتماع على الإطلاق؟ (يخشى أوبديك أن يصبح، ولو للحظة،"مونولوج آخر فارغ " في النهاية، خلال صيف عام 1967، تم تقديم أسئلةمكتوبة إليه، وبعد ذلك، تمت مقابلته في "مارثا فينيارد"، حيث يأخذ هووعائلته إجازتهم. 

كشفت النظرة الأولى ل(أوبديك) عن دهشة من النمط الذي ظهر عليه كاتب بهذه الحرفة والحساسية. بعد أن سارفي الشارع الرئيسي الضيق في "إدغارتاون"، ظهر الكاتب من سيارة كورفير قديمة- حافي القدمين وشعر أشعث مثل شاب صغير، يرتدي شورت كاكي وبلوفر

(أوبديك) هو متحدث بطلاقة، ولكن منالواضح أنه ليس الشخص الذي يتوقع منه أن يتحدثلملأ المسافة بين الأخرين وبين حياته الداخلية. لذلك، كانت المرحلة الأخيرة من هذهالمقابلة هي مراجعته للتعليقات المنطوقة لجعلها تتماشى مع أسلوب إجاباته المكتوبة.والنتيجة هي مقابلة ملفقة - بطريقتها المتواضعة، عمل فني، وبالتالي مناسبةلرجل يعتقد أن الفن فقط هو الذي يمكنه تتبع الفروق الدقيقة في التجربة.


المحاور
لقد تعاملت مع سنواتكالأولى بشكل خيالي وناقشتها في المقابلات، لكنك لم تقل الكثير عن وقتك في جامعةهارفارد. أتساءل ما هو التأثير الذي تعتقد أنه كان لهذا الوقت؟

أوبديك
بمجرد أن تجاوزتانحناءات الضغط في السنة الأولى، كان وقتي في جامعة هارفارد، شاعريا بما فيه الكفاية،وكما يقولون، كان ناجحا. لكنني شعرت تجاه تلك السنوات، بينما كانت تحدث، بالاستياءالذي يجب أن تشعر به اليرقة بينما تتحرك خلاياها الجسدية في كل مكان لجعلها فراشة. أتذكر وهج نوافذمتحف الضباب، وزوجة المستقبل التي تدفع دراجتها الغنائية عبر الفناء الثلجي،ورائحة المجلات القديمة الرطبة التي نشأت من قبو مجلة The Lampoon وضربت أنفك عندما دخلت البهو، والعديد منالاكتشافات الممتعة في الفصول الدراسية - كل ذلك مسكون، على الرغم من معرفة العديدمن الآخرين الذين مروا بهذه الطريقة، وشعرت بالمجد الموقر لكل ذلك أكثر حرصا مني،وكتبت عنه بما فيه الكفاية. كل ما يبدو أنني قادر على الحفاظ عليه من تجربةهارفارد هو في قصة قصيرة واحدة، "رفقاء السكن المسيحيون". كانت هناك واحدةأخرى، "تحية لبول كلي"، الذي طبعت في مجلة (ليبرال كونتست) السياق الليبراليولكن ليس في كتاب. فوكسي ويتمان، في(الأزواج) (بطلة رواية الأزواج التيكتبها أبديك)، تتذكر بعض الأشياء التي أقوم بها. مثلي، تشعر بأنها مخدوعة بشكلغامض، وهادئة، من خلال عملية أن تصبح لطيفة. أنا لا أثق، ربما، أماكن مقدسة، بخيرجدا. هارفارد لديها ما يكفي من المديح بدوني

المحاور
هل تعلمت الكثير منالكتابة أثناء الكتابة لمجلة Lampoon؟

أوبديك
Lampoon كانت لطيفا جدا معي. لقدأُعطيت، إلى جانب الملذات الدافئة للتضامن مع النادي، تفويضا مطلقا بخصوص المجلة -لقد بدأت كرسام كاريكاتير، وقمت بالكثير من الشعر الخفيف، والمزيد والمزيد منالنثر. كان هناك دائما الكثير من المساحة لملئها. أيضا، لدي ضعف رومانسي تجاه الهجاء والسخرية - أطلقنا علىأنفسنا، المصطلح نفسه الساخرون.كان تخصصي هو النكات الصينية. حفلة عيد ميلاد صغيرة، والأطفال يغنون لمركزالاهتمام الخجول، "عيد ميلاد سعيد، تو يوtu yu instead of toyou." أو يستمع أحد الحمقى(coolies) إلى محرض ويسأل كل منهماالآخر، "لماذا لا نعمل مقابل أجور coolie wages؟"(*) أو - رسم كاريكاتوري آخر - أميرة خرافية في برج، شعرها معلق على الأرض ومكتوبعليه fire exit مخرج الحرائق.  وأتذكر) بينك يونغ(، وهو الآن كاهن أسقفي، يخططرسميا، وحذاءه الرياضي الممزق على المكتب، كيف يسرق سفينة حربية من ميناء بوسطن. ربما، بصفتي يرقة متحولة بشكل غيركامل، كنت ممتنا لصحبة الفراشات الحقيقية.

المحاور
هل تخليت عن الرسمتماما؟ لقد لاحظت أن قصتك الأخيرة “رسالة من أنغيلا" قد قمت برسم الرسومبنفسك

أوبديك
لطيف منك أن تلاحظ ذلك،لسنوات كنت أرغب في الرسم في مجلة" نيويوركر"، وأخيرا فعلت ذلك.كان طموحي الأول أن أكون رسام رسوم متحركة لوالت ديزني. ثم أردت أن أصبح رسامكاريكاتير في مجلة. تزوجت حديثا، اعتدت أن أرسم ماري والأطفال، وقضيت تلك السنة فيمدرسة الفنون، لكنني في الآونة الأخيرة لا أرسم على الإطلاق، ولا أأشخبط حتى فيالأوراق جانب الهاتف. إنها خسارة، حزن بالنسبة لي. أنا مهتم بالشعر الملموس، فيمحاولة ما للعودة إلى صفحة المخطوطة، لاستخدام مساحة الصفحة، والإمكانيات التقنية.كتابي الجديد، قصيدة طويلة تسمى (نقطة المنتصف)، أحاول أن أفعل شيئا منهذا. بما أننا نكتب للعين، فلماذا لا نكتب لها حقا - أعطها متعة؟ الحروف هي فيالأصل صور صغيرة، لذلك دعونا نجمع بين الصور المرسومة والصور الفوتوغرافيةوالكلمات. أعني دمجهما. بقول هذا، أفكر في شخصيات باوند الصينية، وبالطبع "أبولينير".ومن قصائدي الخاصة، "كسارة البندق"، مع كلمة الجوز بالخط العريض،يبدو لي جيدا مثل أجنحة الملاك لجورج هربرت(**). 

المحاور
بعد تخرجك من جامعة هارفارد،عملت ككاتب في مجلة نيويوركر لمدة عامين. ما نوع العمل الذي قمت به؟

أوبديك
كنت كاتبا في قسم (حديثالمدينة)، مما يعني أنني قمت بالعمل البدني والمنتج النهائي. وظيفة جيدة. لقدكان عملا مرحا فتح المدينة أمامي. كنت الرجل الذي يذهب إلى ركوب القوارب أو يحضر المعارضالإلكترونية في مُدرّج المؤتمرات ويحاول كتابة قصائد انطباعية عنالأشياء والمحادثات المسموعة.

المحاور
لماذا استقلت؟

أوبديك
بعد عامين شككت فيأنني كنت أقوم بالإضافة إلى هذا النوع. عندما أنجبت أنا وزوجتي طفلنا الثاني وكنابحاجة إلى شقة أكبر، بدا أن أفضل مسار فجأة هو مغادرة المدينة، ومعها الوظيفة. مازالوا يحتفظون باسمي في ورقة الموظفين، وما زلت أساهم بالملاحظات والتعليقات،وأشعر براحة كبيرة من وجود نوع من المنزل المهني حيث يعتبرونني مؤهلا إلى حد ما.أمريكا بشكل عام لا تتوقع الكفاءة من الكتاّب. أشياء أخرى، نعم. الكفاءة، لا.

المحاور
ما هو شعورك حيال ارتباطك بهذه المجلة لسنوات عديدة؟

أوبديك
سعيد جدا. منذ سنالثانية عشرة عندما أعطتنا عمتي اشتراكا في الكريسماس، بدت لي مجلة نيويوركرأفضل المجلات الممكنة، ولا يزال قبولهم لقصيدة وقصة لي في يونيو من عام 1954بمثابة اختراق نشوة في حياتي الأدبية. رعايتهم التحريرية وامتنانهم لقطعة من العملالذي يحبونه لا تضاهى. وأنا أحب التنسيق والشكل - التوقيع في النهاية، والجميعبنفس الحجم، وشكل فونت العنوان، الذي يستحضر العشرينات وبلاد فارسوالمستقبل في وقت واحد

المحاور
يبدو أنك تتجنبالمجتمع الأدبي. لماذا؟

أوبديك
أنا لا، أليس كذلك؟ها أنا ذا أتحدث إليك. عندما غادرت نيويورك في عام 1957، غادرت دون ندم المجتمعالأدبي للوكلاء والمحتملين وغير المشاركين. بدا هذا العالم غير مغذي ومتدخل. وصفهمنغواي نيويورك الأدبية بأنها زجاجة مليئة بالديدان الشريطية التي تحاول أن تتغذىعلى بعضها البعض. عندما أكتب، لا أُوجه ذهني نحو نيويورك ولكن نحو بقعة غامضةقليلا إلى الشرق من كانساس. أفكر في الكتب الموجودة على أرفف المكتبات، بدونأغلفتها، وعمرها سنوات، وصبي مراهق ريفي يجدها، ويتحدث إليها. المراجعات، الأكوام من مؤلفات "برينتانو"،هي مجرد عقبات يجب تجاوزها، لوضع الكتب على هذا الرف. على أي حال، في عام 1957،كنت مليئا بشيء من بنسلفانيا أردت أن أقوله، والسكن في  pswichإبسويتش أعطاني المساحة التي أقولها ، والتي أعيش فيها بشكل متواضع ، وأربي أطفالي ،ويكون لدي أصدقاء على أساس ما فعلته شخصيا بدلا من ما فعلته في الطباعة.

المحاور
هل ينزعج جيرانك -الحاضرون في "إبسويتش" ، في الماضي في "شيلينجتون" - عندمايتوهمون أنهم وجدوا أنفسهم في صفحاتك؟

أوبديك
أود أن أقول لا. أنا أثق في الناس لمعرفة الفرق بين الحقيقي والورق، وهم يفعلون ذلك بشكل عام. 

في شيلينغتون كنت بعيدا عن المدينة، وهناك عنصر تشويه أو قمع أكبر مما قد يبدو. هناك عدد قليل من الشخصيات في قصص "أولينجر" التي يمكن أن تشعر بالإهانة عن بعد. لم أكتب الكثير عن إبسويتش  

إلى حد ما من جغرافية المستنقعات في قصة (الأزواج)، ولكن الأزواج أنفسهم هم أكثر أو أقل من البالغين الذين يمكن مواجهتهم في أي مكان في الشرق. المدينة، على الرغم من أنها كانت مذهولة قليلا في البداية من الكتاب، إلا أنها كانت مطمئنة، على ما أعتقد، من خلال قراءته

في الأسبوع التالي لنشرها، عندما كانت صحف بوسطن تصدح بأسلوب التابلويد العالي، وأطلقت "مجلة أتلانتيك" صرخة من التشاؤم الساخط من (ديانا تريلينج)، كان أشخاص مثل عامل محطة الوقود وامرأة غريبة في ملعب الجولف يوقفونني ويقولون لي مجاملة وشيئا مهدئا.

أعمل في وسط المدينة، فوق مطعم، ويمكن رؤيتي وأنا صاعد إلى مكتبي في معظم الصباحات، وأعتقد أن "إبسويتش" تشعر بالأسف إلى حد كبير تجاهي، في محاولة لكسب لقمة العيش في مثل هذا العمل الرتيب غير المربح بشكل واضح. 

أيضا، أنا أشارك في الشؤون المحلية - أنا عضو في لجنة بناء الكنيسة التجمعية ولجنة المدينة الديمقراطية، وبينما كانت ضجة (الأزواج) جارية، فقد تُوّجت بهذا الغلاف ذي الأسنان المتعثرة على (التايم)، كنت أكتب مسابقة ملكة جمال ليومنا في القرن السابع عشر. كلتا المدينتين في ذهني ليستا نفسيهما بقدر ما كنت أتواجد فيهما عندما كنت طفلا ثم بالغا. الفرق بين قصص( أولينجر وتاربوكس) هو الفرق بين الطفولة والبلوغ أكثر بكثير من الفرق بين موقعين جغرافيين. إنها مراحل على تقدم رحلتي، وليست نقاطا على الخريطة.

-------------------------------------------------------------

(*) (Colliesكلمة عنصرية جدًاتشير للهنود والصنين الذين كانوا يعملون في بناء الطرق والسكك الحديدية (

(**). (قصيدة تم كتابتها وطبعتنظيم الكلمات والأبيات لتشكل جناحين)




 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 18, 2023 12:38

May 15, 2023

لماذا نُفسّر الأشياء؟

 



الفشل أو الخوف أم الزهد في الحياة نفسها. والزهد غير اليأس حيث أنه نتاج تجارب عديدة، أما اليأس فهو عدم الرغبة في تجربة أي شيء.. أو المحاولة بلا أمل

وتلك المسافة التي نقعطها من نقطة اليأس التي نقف عندها  الآن إلى المحطة التي نعتقد أنها محطة سعيدة للوصول، هذا هو الأمل.. وهمّ وحتى سراب يجلعنا نتقدم للخف أو ندور حول نفس النقطة التي نصادفها فيما بعد تحت مسميات مغايرة.

عندما نصل إلى المحطة ننسى رحلة الأمل تلك التي قطعناها ونبدأ في البحث عن تعاريف جديدة للسعادة والفرح.. هذا الشعور.. الخفة والإحساس بعد الارتباط بأشياء تثقلنا. حتى وإن كانت الرحلة نفسها السبب في هذا الأشياء التي تعلقت بنا أو تعلقنا بها في سهوة عن العيش والاستمتاع بالحياة نفسها.

هذه الفترة المحددة ذات البداية والنهاية اللذان لم نختار أي منهما، والمطلوب منك أن تبني شيئًا بين هذين النقطتين أو العيش ملعونا في طرقاتهما الملتوية.

لا تملك حق ألا نرغب في أي من هذا.. أن نتخلى عن هذا كله.. التخلي هو الحرية .. وطبقًا لتعاريف العشاق الساذجة.. الحب تخليّ.. أو الحب أنانية.. متى بدأ الناس تحديدًا في تفسير الأشياء ومتى قدمنا تفسيرًا صحيحا لأي شيء.. لما نعاني أصلا في التفاسير.. لما لا نترك الأشياء على حالها.. راكدة..متحركة.. تفسرها ظروفها.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 15, 2023 08:02

May 12, 2023

مادلين لوكاس تتحدث عن كيفية كتابة قصة حب

 بقلم: مادلين لوكاسترجمة: رأفت رحيم 
--------------------


"منتصفالقصة - مثل منتصف الحب - هو المكان الذي يسكن فيه التعقيد والحميمية."



لقد سمعت أنه يقال إن القصص تشبه العلاقات: يتذكرالناس كيف تبدأ وكيف تنتهي. لكن على مدى السنوات القليلة الماضية التي قضيتها في تدريس الأدبوالعمل على روايتي الأولى، (العطش للملح )، شعرت أن التركيز على الافتتاحيات الواثقة والنهايات المفاجئة – رغم حتميتها - قدحجبت أن قلب السرد يكمن فيما يحدث بينهما، في الوسط. منتصف القصة - مثل منتصف الحب- هو المكان الذي يسكن فيه التعقيد والحميمية.

عندما بدأت أفكرلأول مرة في الشخصيات في روايتي (العطش للملح) قبل عقد من الزمان، كنت أعرفأن علاقة الحب بين الراوي و(جودي) - وهو رجل محلي تلتقي به أثناء إجازتها معوالدتها في بلدة شاطئية أسترالية صغيرة، يتراوح عمره ما بين 42 إلى 24 عاما - لنتدوم. كنت مهتمة بالحسرة كتجربة تشكل الذات ويمكن أن تضيء حقائق وجودية أكبر حولالذاكرة والحزن والشوق والرغبة والهجر. يمكن للمرء أن يتتبع هذا الانشغالبالنهايات إلى نشأتي الخاصة

انفصل والداي قبلعيد ميلادي الثالث، ونشأت في ظل حبهما الطويل، محاطة بأدلة على تاريخ لم أكنأتذكره. ظلت لوحات أمي وأغاني والدي، التي وثقت مراحل علاقتهما، مثل القطع الأثريةمن مدينة مهجورة الآن، شهادة على وقت لم أكن موجودة لأشهده. أول شيء تعلمته عنالحب الرومانسي هو أنه انتهى.

الفن الذي انجذبتإليه عندما كنت مراهقة وكاتبة شابة - كل شيء من روايات (غاتسبي العظيم) إلى(باريس)، (تكساس) - أكد لي أن هناك رومانسية في خراب الحب. لكن مع استمراري في العمل علىروايتي، وجدتني أقل اضطرارا بسبب حسرة النهايات وما بعدها وانجذبتبشكل متزايد نحو كتابة المشاهد من منتصف العلاقة. أنا كنت في منتصف علاقة: كنتمتزوجة لمدة ثلاث سنوات من رجل كنت معه بالفعل لمدة عقد من الزمان، بعد أن التقيتبه عندما كان عمري 19 عاما وكان عمره 21 عاما. بدأت في التشكيك في السلطة التي كان على التحدث عنها الرومانسية الجديدة أوالانفصال. ما عرفته عنالحب كان مرتبطا بالإيقاعات اليومية، واختلافات المزاج والشعور، ومراحل التوتر والحنان،ومشاركة المنزل مع شخص ما. هذا هو المكان الذي يوجد فيه الحب بالنسبة لي، واعتقدتأن هذا هو المكان الذي يمكن أن يوجد فيه لشخصياتي أيضا.

لقد علمني زواجي أن منتصف الحب ليس ثابتا، ولكنه منطقةعاطفية غنية تكشف عن تعقيد العلاقة الحميمة اليومية.

وهكذا، كما كتبت،أصبحت مستغرقة بشكل متزايد في التقاط التفاصيل التركيبية المحددة للحياة اليوميةللزوجين الخياليين معا: الإفطار في السرير، فتات الخبز المحمص الملتصق بالجلدالعاري. الراوي يجلس أمام متجر (جودي) العتيق، المدفأة عند قدميها للدفء، تستمعإلى الأصوات من ورشته في الخلف - الانجراف الثابت للراديو، همهمة المنشار الدائريعالية النبرة. أو العودة إلى المنزل، وتقص له شعره بمقص المطبخ تحت لمبة الحمامالمتضائلة. يمشون كلبهم على طول الشاطئ في المساء، وأيديهم في جيوب بعضهم البعضالمبطنة بالصوف. 

بدلا من لحظات العاطفة المتزايدة التي تميز بدايةعلاقة حب أو الحجج والخيانات التي تنذر بزوالها، كانت لحظات الوسط هذه هي التيشعرت بها أكثر صدى وحيوية. لقد انجذبت إلى هذه اللحظات في كتب أخرى أيضا. شخصية (إليزابيث) في رواية(Want) للكاتبة (لين ستيجر سترونج) رؤية زوجها "مجعدا، بدون حقيبة،ومعطف مفتوح" في مكان استلام الأمتعة في المطار بعد زيارة مؤلمة بشكل خاصلرؤية والديها. هي عرفت في تلك اللحظة، أنها كانت في المنزل.  أو بطلة رواية (Couplets) للكاتبة (ماجي ميلنر) التيتلعب لعبة (لمنزل) مع صديقتها الجديدة في رحلة إلى إسطبل تم تحويله في ولاية ماين:

"فردتالعجين بينما هي تعيد تزيينه،

تبديل الطاولة والقبو،

تغيير المصابيح الكهربائية،تبديل السجاد، ومن الخزانة

البحث عن الأطباقالتي تفضلها ".

في منتصف علاقةحبهما المستهلكة بالكامل، إنها لحظة نادرة من التوازن: قضاء أسبوع في تناول العشاءعلى ضوء مصباح الزيت، وقضاء الأمسيات في لعب الطبق الطائر وقراءة (ليندا جريج)بجانب النار ، معتقدان أن "الحياة يمكن أن تكون هكذا حقا".

أو استيقظ راوي كتاب (Cleanness) ل (غارث غرينويل) في صباح عيد الميلاد ليكتشف أن صديقه، (R)، قد أعادترتيب الأشياء في الليل: "لقد نقل الطاولة إلى منتصف الغرفة، ووضع حذائيالشتوي فوقها، بجانب الشجرة الصغيرة التي اشتريناها في وقت سابق من ذلك الأسبوع.كان يلتصق جوار الحذاء صندوق ملفوف بالصحف، هديته لي بمناسبةعيد الميلاد ... الهدايا ليست لفتة عظيمة أو يائسة - في الواقع، إنها بساطة هذاالتعبير عن الحب والاعتراف ب "شيوع" شعوره الذي يحرك الراوي أكثر:"شعرت ببعض الغرابة العنيدة في داخلي بسهولة، شعرت بأنني جزء من الجنسالبشري."
إذا تم بناءالعلاقة الحميمة من خلال تراكم اللحظات، فإن الاهتمام بالعادي وكذلك الدرامي هوالذي يعطي صورة عن التعقيد العاطفي للحب. تصبح هذه الإيماءات اليومية وأعمالالرعاية الصغيرة عميقة عند تقديمها على الصفحة في خصوصيتها.

يخطر ببالي أنمشاهد العلاقة الحميمة المعتادة هذه - سواء على الصفحة أو في حياتي - قد يكون لهاشحنة خاصة بالنسبة لي لأنني لا أتذكر العالم المنزلي المشترك لوالدي. الروتينوالطقوس التي شكلت مساحة منزلهم موجودة فقط في خيالي وستكون دائما مصدرا للغموض.

لقد علمني زواجيأن منتصف الحب ليس ثابتا، ولكنه منطقة عاطفية غنية تكشف عن تعقيد العلاقة الحميمةاليومية - لحظات الاتصال والانفصال، وانحسار وتدفق الشعور، والتحولات الدقيقة فيالديناميكية. عند فحصها عن كثب، تكتسب المشاهد الفاصلة بين الحب اليومي جاذبية،مما يستحضر قوام الحياة المشتركة بكل عزمها وجمالها.

--------------------------------------------------------------


 

مادلين لوكاس هي مؤلفة الرواية الأولى العطش للملح ومحرر أول في نون السنوي الأدبي. تدرس الخيالفي جامعة كولومبيا وتعيش في بروكلين مع زوجها وكلبها.




 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 12, 2023 12:22

April 27, 2023

(مترجم) كيف تعرف أن قصتك القصيرة يجب أن تكون رواية؟


يتصارع بيل كوتلر مع الطريقة الأمثل لرواية قصة




كتب: بيل كوتلرترجمة: رأفت رحيم-------------------------

قائمة الروايات التي بدأت حياتها كقصص قصيرة طويلة ومعروفة. 

• جيفري يوجينيدس: The Virgin Suicides
• يودورا ويلتي The Optimist's Daughter 
• جومبا لاهيري The Namesake (التي بدأت كقصة قصيرة بعنوان "Gogol") 
• فيرجينيا وولف Mrs. Dalloway (توسعت من قصتها عام 1923، "السيدة Dalloway في شارع بوند") 
• تصحيحات جوناثان فرانزين (التي نشأت من قصته عام 1996 "Chez Lambert") 

هذه مجرد أمثلة قليلة من أكثر الأمثلة التي يتم الاستشهاد بها في اللغة الإنجليزية. بالطبع، هناك الآلاف من الأمثلة الأخرى في كل لغة، من قبل كتّاب من كل جيل منذ وصول القصة القصيرة الحديثة كقوة أدبية في أوائل القرن التاسع عشر. إنه نوع أدبي في حد ذاته تقريبًا: "الرواية التي ولدت قصة قصيرة."

لماذا يقرر الكاتب توسيع القصة إلى رواية؟ ستختلف الإجابة من شخص لآخر، على الرغم من أنني أعتقد أنه من الآمن القول إن التحول يجب أن ينبع بالضرورة من فجوة فوق الوصف. إحساس أو شعور بأن القصة التي كتبها المرء تريد بطريقة ما، أو ربما تنتمي إلى شيء أكبر. أتخيل أن هذا الشعور قد يكون إلى حد ما مثل الحنين إلى الوطن، وعدم تنظيم فطري للمكان - أو بأي شكل - القصة لتكون أكثر راحة. إذا كانت القصة بحاجة إلى قلب أو موقد، فإن هذا سيكشف عن نفسه للكاتب في نهاية المطاف. تتطلب القصة أحيانًا تغييرًا جذريًا حتى تأتي إلى شكلها الصحيح.

التحول إلى سيناريو، قصيدة، أوبرا، تمثيلية. التبلور لوميض من الخيال أو الهايكو. هذه تحولات حقيقية، لكن نحن مهتمون هنا بشكل أساسي بنوع من التوسيع الخطي العام: من الروايات القصيرة إلى الروائية الطويلة.




"إذا كانت القصة بحاجة إلى قلب أو موقد، فإن هذا سيكشف عن نفسه للكاتب في نهاية المطاف."




كان لديّ صديقة في نيو أورلينز في منتصف التسعينيات لها ابنة ذكية في الخامسة من العمر أو نحو ذلك، مهتمة بطقوس وزخارف عيد الهالوين. خرجت في إحدى السنوات *((trick or treatingوهي ترتدي زيّ (كاستوم) على شكل هيكل عظمي. 

تحداها شقيقها الأكبر وهو يصرخ من تحت قناع سلاحف النينجا:

"أنتِ لا تعرفين حتى ما هو الهيكل العظمي!" 


صرخت بدورها من تحت قناع الجمجمة:

"نعم أعرف! هذا ما ربطه الله باللحم!"


ظلت هذه الصورة المتدفقة، وبنائها (الغولي ال **(Art-Linkletterian في ذهني لسنوات، ووجدت أنه من المفيد أحيانًا توضيح نقطة أو أخرى. يبدو من المناسب التفكير في توسيع الرواية القصيرة. لديك قصة، سرد جيد؛ هيكل عظمي به بعض الشعيرات الضامة وربما شبكة من الأعصاب والأوعية. شرارة أساسية - خافتة، ربما، لكنها واضحة. وقد قررت أنها بحاجة إلى المزيد.. بعض اللحوم. رواية قيّمة تحتاج ربطها باللحوم لتصل إلى الهيكل العظمي الخاص بك. عليك فقط أن تكتشف كيف سيبدو إبداعك القاحل في النهاية: 

نحيفة، مغرورة، لا تقهر، رواية من نوعية جيم ثورب***((Jim Thorpe؟ هل تكون مثل ثور، ملطخ بالدماء لكنه ما زال عنيف الغضب ضد الجدران والبيكادور (مصارع الثيران)؟ أم أنها حيوان أسطوري مخبأ في الحشائش على جانب الطريق؟


حتى لا نخاطر بالتعمق في هذا التشبيه الفيسالي****، هناك طريقة أخرى للتفكير في القصة مقابل التوسع: ليس كإطار عمل، ولكن كعنصر منفصل - فصل - تم تشكيله بالكامل بالفعل. عضو حي من أعضاء الجسم. شيء لا يمكن أن يعيش طويلا بدون وجود جسم حوله. يموت الفصل الوحيد دون الرواية المحيطة به.

لا بأس في التفكير في التوسع من قصة إلى رواية بهذه الطرق، ولكن لا يساعد كثيرًا إذا كان لديك بالفعل قصة تتطلب أن تكون شيئًا أكثر. من الأفضل أن يكون لديك صندوق أدوات وخارطة طريق.


قد يكون هذا مكانًا جيدًا لفتح أقواس سياقية مختصرة. لقد وسعّت قصة قصيرة واحدة بالضبط إلى رواية واحدة، لذا فإن تجربتي محدودة. القصة كُتبت قبل عشر سنوات. لقد ربطت الكثير من اللحم بها، ثم قطعت بعضًا منه. تحولت تلك القصة المكونة من 3000 كلمة، على مدار عامين، إلى عمل شبيه بالرواية مكون من 135000 كلمة، وا تم اختصارها بعد ذلك إلى 80 ألف كلمة. لقد حصلت على الكثير من المساعدة على طول الطريق. إليكم ما وجدته مفيدًا في هذه العملية.

للبدء، فكر فيما إذا كانت قصتك هيكلًا عظميًا أم عضوًا حيًا.

بعد ذلك، أعد قراءة قصتك. بصوت عال إذا استطعت. ضع في اعتبارك أن القراءة ليست بعين ناقدة، بل كنوع من كاشف الكذب، جهاز تنتفخ إبرته عندما تصادف مطبات في السرد. أي شيء يجعلك تتوقف، أو يجعلك تتعثر، أو يمنحك شعورًا خفيًا بالذنب، وكأن هناك كذبة تقصير. ضع علامة على هذه المقاطع. هذه البقع جاهزة للفحص والتوسع.


اقرأ القصة مرة أخرى، هذه المرة مع التركيز بدقة على الشخصية. الأشخاص الذين يملئون قصتك لديهم خلفيات وأصدقاء وأعداء وأسرار ومستقبل. ليس للقصص القصيرة مساحة لكل هذا، لكن الروايات بها. من الأسهل أن تبدأ بشخصيات ثانوية. تخيل من أين جاءوا، وإلى من أساءوا، وكيف يبدو المكان تحت حوض المطبخ*****.

فكر في المكان. إذا كانت قصتك بأكملها تدور في مخزن بار في جنوب بوسطن، فافتح الأبواب. انطلق في شارع D، وتجول في بوسطن، وانطلق بالسيارة إلى مناطق Berkshires، وسافر إلى مقاطعة Cork



"فكر فيما إذا كانت قصتك هيكلًا عظميًا أم عضوًا حيًا."



التسلسل الزمني والفترات. تتم معظم القصص القصيرة على فترات قصيرة نسبيًا - بضع لحظات أو ساعات أو ربما أسبوع. تميل تلك التي تحدث على مدى فترات أطول إلى أن تكون عرضية، مع مشاهد قصيرة مفصولة بملخصات الأجزاء المفقودة من الوقت. "خورخي ابتعد عن ابنته. عندما عاد، ذهبت. بعد أربع سنوات ... "، وما إلى ذلك. عند توسيع قصة إلى رواية، فإن هذه الكتل الزمنية الملخصة هي التي تنزلق تحت المجهر، وتتلاشى التفاصيل المتقلبة.

السمة أو تيمة القصة. هل تتعامل قصتك مع الإدمان والخسارة والفرصة الضائعة والغش؟ هل يوجد مثلث حب؟ هل يمكن توسيع هذه الموضوعات لتشكل خيوطًا تتجاذب عبر رواية كاملة؟ هل يمكن أن يصبح مثلث الحب شبه منحرف؟ هل يمكن أن تبدأ بهذه الطريقة ويموت شخص ما؟

"ليست كل قصة يمكن لها أن تصبح رواية"

الصراع. قصتك بها نوع من الصراع المُكثف الذي يهدد بالانفجار. نحن نشعر بالغبطة، ونقرأ حتى النهاية لنكتشف من يدوس على الفتيل أو تلتهمهُ كرة النار. ينتشر الصراع الأول في الرواية بشكل أبطأ. وتشتعل صراعات أخرى. يتصاعد التوتر في ازدياد صفحة بصفحة. السرد مقسم إلى فصول، ينتهي كل منها ببعض التطور غير المتوقع ولكن الحتمي تمامًا والذي سيمنعنا من وضع البوك مارك ((Bookmark في جلدة الكتاب، وإغلاقه، وإطفاء مصباح السرير.


تذكر أنه عند كتابة رواية (أو أي شيء، حقًا)، يمكنك البدء من منتصف الأحداث. اكتب بشغف ذلك المشهد الذي يأكل فيك. اكتب الجزء الذي تخشى كتابته. اكتب الفصول التي تسبق وتتبع قصتك القصيرة. 


الحبكات الفرعية. ربما يكون الاختلاف الأساسي بين القصة القصيرة والرواية هو أن الأخيرة لديها مجال لسرد ثانوي منسوج في القصة الرئيسية. من المفيد أحيانًا التفكير في الحبكات الفرعية على أنها موجودة أعلى أو أسفل السرد الرئيسي. قد تكون الحبكة الفرعية الموجودة أسفل قصة ما هي صراع الشخصية مع الإدمان السري للعب القمار. قد تكون الحبكة الفرعية الموجودة أعلاه عبارة عن انتخابات خبيثة، أو علاقة عن بعد حيث نادرا ما يلتقي فيها الطرفين وجها لوجه مثل مجرم مختفي يمر بالطريق كل بضعة سنوات كي يراه، أو جائحة، أو المساعدة في البحث عن طفل مفقود أو مختطف. يمكن بالطبع أن تتعايش الحبكات الفرعية مع السرد الرئيسي أيضًا. الشخصية الرئيسية، بالإضافة إلى أن حبيبته السابقة تطارده، فهو أيضًا يتلاعب بالأوراق الخاصة بأعمال حماته، ويؤجل عملية حشو التسوس في جذور أسنانه التي هو في أشد الحاجة إليها، ويسرق بكل هدوء أسماك الكوي الملونة من بركة المياه الخاصة بجاره.


التجريب التحضيري. إذا كان لديك بعض القلق بشأن بدء عملية تحويل قصتك إلى رواية، فحاول إنشاء لوحة عمل (ستوري بورد) لقصة مشهورة أو مفضلة لديك. قصة (The Ledge) لستيفن كينج، تحكي عن رجل أُجبر على السير على طول الحافة الصغيرة حول طابق علوي من ناطحة سحاب، بدت القصة دائمًا وكأنها فصل منفرد - عضو حي من أعضاء الجسم- وقد تخيلت كيف يمكن أن تكون ملفوفة برواية. نفس الشيء مع (A Find) لنادين جورديمر، وهي صورة مروعة لرجل غاضب وجد خاتمًا من الألماس على الشاطئ ويخطط لاستخدامه للعثور على رفيقه. هذه القصة هي من مجموعة متنوعة من الهياكل العظمية، حيث تتطلب اللحوم التي تربطها. أحب أن أفكر في حياة هذا الرجل الغاضب، قصة ما وراء الشاطئ، الخلفية الدرامية للخاتم، موضوعات الغضب واليأس والأمواج المتآكلة والخالدة.


أهم شيء يجب تذكره هو أنه ليست كل قصة يمكن لها أن تصبح رواية. بعض القصص التي كتبتها هي بالفعل في مكانها الصحيح، قائمة بذاتها ومتينة أدبيًا. اختر قصة كتبتها تدعوك للمزيد، وتتوسل إلى جسد سردي للعيش فيه. قد لا تبدو النتيجة مثل القصة الأصلية، بعد أن تم تقسيمها وتسويتها، كما قال ******Ocean Vuong، "سلك واحد أحمر لتفجير اللغم". أو قد تكون بدون تغيير تمامًا، متداخلة بشكل مريح كفصل منفصل، دافئ ومريح في مكانها وفي علاقة متناغمة مع الرواية المحيطة بها.

-----------------------------------------------------------------------------

* trick-or-treating يتنكر الأطفال في عيد الهالوين حيث يرتدون أزياء وأقنعة مختلفة وينتقلون من باب إلى باب في الحي الذين يعيشون فيه ويطلبون الحلوى من جيرانهم بقولهم.  Trick or trat= 
** Art Linkletterian = نسبة إلى المذيع الكندي الشهير Art Linkletter الذي اشتهر بطيبته الشهيرة وقدرته على تهدئة كل ما يقوم بعمل مقابلات معهم خصوصا الأطفال. وكاتب المقال يقصد هنا الصورة التي رسمتها في عقلة الطفلة ابنة صديقته التي كانت ترتدي الزي المخيف للهالوين وتجيب على أخيها بكل طيبة. أي تناقض الموقف نفسه
***Jim Thorpe أول عداء أمريكي (من الأمريكيين الأصليين) يفوز بميدالية ذهبية أولمبية للولايات المتحدة حيث اكتسح الخماسي في دورة الألعاب الأولمبية في ستكهولم ١٩١٢. وكاتب المقال يقصد هنا أن تكون الرواية شبه جيم ثورب أي انها استثنائية  
****  نسبة إلى أندرياس فيزاليوس (١٥١٤-١٥٦٤) عالم التشريح الفلمنكي ومؤسس علم التشريح الحديث
مصطلح يتم استخدامه للدلالة على أدق التفاصيل مثل النظافة، الإهمال إلخ *****
****** Ocean Nuong شاعر وروائي أمريكي فيتنامي



 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 27, 2023 14:49

April 20, 2023

(مُترجم)- الرجل الذي حاول قراءة جميع الكتب في العالم


 نُشرت في موقع الميزان


(RR من ترجمتي)--------------------
 قبل 500 عام من تصميم كتب Google، سعي رجل واحد لإنشاء مكتبة لكل شيء. وهو عمل ينذر بتحديات "البيانات الضخمة" واعتمادنا على خوارزميات البحث لفهم كل شيء. “
"في بعض النواحي، كانت مكتبة Biblioteca Hernandina ، كما كانت يطلق عليه آنذاك ، أول محرك بحث في العالم. "
إدوارد ويلسون - لي

129,864,880. هذا هو عدد الكتب في العالم، وفقا لتقدير كتب Google، التي تحاول منذ إطلاقها في عام 2005 مسحها ضوئيا جميعا، وتحويلها إلى نص قابل للبحث باستخدام التعرف الضوئي على الأحرف ثم إتاحتها للجمهور عبر الإنترنت. على الرغم من أن آمال كتب Google قد تباطأت بسبب الخلافات حول حقوق الطبع والنشر والاستخدام العادل، إلا أنها إذا نجحت، فقد تصبح أكبر مجموعة متاحة على الإنترنت للمعرفة البشرية على الإطلاق.قبل نصف ألف عام في إشبيلية، إسبانيا، كان لدى (هيرناندو كولون) (1488-1539) نفس الهدف الطموح: إنشاء مكتبة عالمية بطريقة لم يتخيلها أحد من قبل لأنها ستحتوي على كل شيء. وقد حاول كولون حقا جمع كل شيء: من المخطوطات الثمينة إلى الكتب التي كتبها مؤلفون مجهولون، ومن الكتيبات الواهية إلى ملصقات الحانات، ومن المجلدات الثقيلة إلى مطبوعات الإعلانات التي يتم رميها فيما بعد.
أخذه هوس (كولون) بالكتب ذهابا وإيابا عبر أوروبا لمدة ثلاثة عقود. وفقا للدكتور (إدوارد ويلسون – لي)، من كلية "سيدني ساسكس في كامبريدج" وكلية اللغة الإنجليزية، فقد اشترى 700 كتاب في "نورمبرغ" خلال عيد الميلاد في عام 1521، قبل أن ينتقل إلى "ماينز" حيث اشترى ألف كتاب آخر في غضون شهر. في عام واحد في عام 1530، زار "روما وبولونيا ومودينا وبارما وتورينو وميلانو والبندقية وبادوفا وإنسبروك وأوغسبورغ وكونستانس وبازل وفريبورغ وكولونيا وماستريخت وأنتويرب وباريس وبواتييه وبورغوس"، واشترى بنهم كل ما يمكنه وضع يديه عليه.
يعمل (ويلسون-لي) مع الدكتور (خوسيه ماريا بيريز فرنانديز) من جامعة غرناطة للبحث في حياة (كولون)، الابن الشرعي للملاح الإيطالي العظيم (كريستوفر كولومبوس). بالإضافة إلى إنشاء مكتبته، رافق (كولون) والده في استكشافات العالم الجديد وكتب أول سيرة ذاتية ل(كولومبوس). كان أيضا رسام خرائط رائدا وجمع مجموعات لا مثيل لها من الموسيقى والصور والنباتات.
"كان لدى (كولون) ذاكرة غير عادية وهوس بالقوائم"، كما يقول (ويلسون- لي)، الذي تم تمويل أبحاثه حول (كولون) من قبل الأكاديمية البريطانية. "في كل مرة يشتري فيها كتابا، كان يسجل بدقة أين ومتى اشتراه، وكم يكلف وسعر صرف العملات في ذلك اليوم. في بعض الأحيان كان يلاحظ أين كان عندما قرأه، وما هو رأيه في الكتاب وما إذا كان قد التقى بالمؤلف. كقطع من الثقافة المادية، كل منها هو سرد رائع لكيفية ارتباط رجل واحد بالكتب واستخدامها وتغييرها ".
هذا النشاط المهووس تقريبا يجعل ما تبقى الآن من مكتبته - مكتبة كولومبيا، الموجودة في جناح كاتدرائية إشبيلية - موردا ماديا مهما للغاية لاستكشاف تاريخ الكتاب والسفر والشبكات الفكرية. ويضيف: "عندما يتم تجميعها معا، فإنها تقدم سردا لواحدة من أكثر الأرواح استثنائية في فترة مليئة بالشخصيات الجذابة".
يصف (ويلسون – لي) (كولون) بأنه عاش في وقت "ذروة الحدث" للتغيير المتسارع، بنفس الطريقة التي كان بها ظهور الإنترنت بالنسبة لنا اليوم. فقط في حالة (كولون) كان الانتقال من مخطوطة مكتوبة إلى كتاب مطبوع.
لقد أصبح من المستحيل ببساطة على رجل واحد قراءة كل شيء، "يقول (ويلسون- لي). "ربما في شبابه، كان ذلك ممكنا - كان هناك عدد قليل من الكتب المطبوعة الكافية. ولكن مع نمو مكتبته، أدرك أنه بحاجة إلى توظيف القراء للعمل من خلال كل كتاب وتزويده بملخص – متاثرًا فيما بعد بمجلة ريدرز دايجست ".مع نمو رؤية (كولون) لجمع كل المعرفة، نما شيء آخر: الحاجة إلى إضافة بنية إلى المعلومات التي جمعها. يقول (ويلسون-لي): "لقد كان أحد تحديات "البيانات الضخمة" الأولى". "قد تكون لديك المعلومات ولكن كيف تستوعبها كلها؟
"أحد الجوانب الرائعة في المكتبة هو أنه يبدو في بعض الأحيان ألا تكون الطريقة التي يتم بها تقسيم المعرفة استجابة لنوع من التفكير التجريدي الكبير، أو لحظة من لحظات الاكتشاف المفاجئ، بل في بعض الأحيان استجابة لمشكلة عملية. في هذه الحالة، "لدي 15000 كتاب، أين أضعها؟" يبدو معقولا على الرف، ولكن حتى في هذا الصدد كان (كولون) رائدا، كما يقول (ويلسون – لي). Hernando Colón. Credit: Wikipedia 
"في جوهرها، يخترع رف الكتب الحديث: صف على صف من الكتب التي تقف منتصبة عموديا، مكدسة في صناديق خشبية مصممة خصيصا."
وتتحول المشكلة المادية لكيفية تخزين الأشياء بسرعة كبيرة إلى مشكلة فكرية تنتمي إليها الأشياء معا. تقوم بفرض قرارات معينة. "كما يعلم أي شخص سار في المكتبة، فإن النظام هو كل شيء"، يوضح ـويلسون -لي). "تتضاعف الطرق التي يمكن بها ترتيب الكتب بسرعة مع نمو المجموعة، وكل من هذه الطلبات تظهر الكون في ضوء مختلف قليلا - هل ترتب أبجديا أو حسب الحجم أو حسب الموضوع؟"كان (كولون) مدركا تماما لهذا الأمر. وأشار إلى المجموعات غير المرتبة أو "غير المحددة" على أنها "ميتة".
ويضيف أنه أراد أن تحتوي مكتبته ليس فقط على كل شيء ولكن أيضا "لتقديم مجموعة من المقترحات حول كيفية توافق الكون معا". "لقد نظر إلى المكتبة العالمية على أنها النظير الفكري - الدماغ - للإمبراطورية العالمية التي كانت إسبانيا تهدف إليها في القرن 16th. لقد كان امتدادا مناسبا لطموحات والده الكبرى لاستكشاف العالم ".
كان أحد ابتكارات (كولون) لفهم مكتبته عبارة عن خلاصة وافية من ملخصات الكتب، تسمى "Libro "de Epitomes. لإنشاء هذا، قام بتعيين فريق من "sumistas"- هضم آلاف الكتب في المكتبة - للعمل على تقطير كل مجلد، مما أدى إلى رؤيته النهائية بأن كل المعرفة في العالم يمكن اختزالها في بضع مجلدات فقط: واحد للطب، وواحد لقواعد اللغة، وهلم جرا.
وكان آخر مخططا للمكتبة باستخدام عشرة آلاف قصاصة من الورق تحمل رموزا هيروغليفية. "كل طريقة من الطرق التي لا تعد ولا تحصى التي يمكن تجميعها معا اقترحت مسارا مختلفا عبر المكتبة، تماما كما ستؤدي مجموعة مختلفة من مصطلحات البحث على الإنترنت إلى ظهور معلومات مختلفة. في بعض النواحي، كانت Biblioteca Hernandina ، كما كانت تسمى آنذاك، أول محرك بحث في العالم ".
سيتم الكشف عن كيفية عمل هذه الأنظمة في الكتب التي يكتبها (ويلسون – لي) و(بيريز فرنانديز) عن الرجل ومكتبته، وأيضا عن كيفية صدى إنجازاته مع عالمنا الشبكي سريع التغير.يقول (ويلسون-لي): "على الرغم من كل ما مات منذ ما يقرب من خمسة قرون، فإن اكتشاف (هيرناندو كولون) للعالم من حوله يحمل تشابها مذهلا، وأحيانا غريبا، مع العالم الذي نكتشفه اليوم". "لقد زادت الثورة الرقمية من كمية المعلومات المتاحة ولكن كيف يمكنك تمييز ما هو مفيد وما هو عديم الفائدة؟ نحن نعتمد كليا على خوارزميات البحث لطلباتنا على الإنترنت. كان (هيرناندو) مدركا تماما أن الطريقة التي تختارها لتصنيف المعلومات وترتيبها لها عواقب وخيمة. من السهل علينا أن ننسى هذا في بعض الأحيان - أن نسير نائمين في طريقنا إلى جمع المعرفة وتوزيعها ".اليوم، لا يزال هناك ما يزيد قليلا عن 3000 كتاب من مكتبة (كولون). حتى الآن، أفلتت حياة هذا الرجل الاستثنائي إلى حد كبير من الملاحظة. لقد استغرق الأمر ثورة أخرى لفهم مدى رؤيته في التعرف على قوة الأدوات لتنظيم عالم المعلومات.-------------------------------------------------------------------------------تم نشر سيرة إدوارد ويلسون لي لهيرناندو كولون، "كتالوج الكتب الغارقة" من قبل HarperCollins في عام 2018، وسيتم نشر دراسة المكتبة، التي شارك في تأليفها مع خوسيه ماريا بيريز فرنانديز، في وقت لاحق من قبل مطبعة جامعة ييل.تم نشر هذا البحث على موقع جامعة كمبيردج 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 20, 2023 06:58

April 13, 2023

عطارة الدكتور مصطفى محمود في الدين والفلسفة والطب

مصطفى محمود بين الماركسية والاسلام - عطارة الفكر





بعد أن نشر الدكتور مصطفى محمود كتابه ( الماركسية والإسلام) والذي لاقى رواجًا كبيرًا، كتب الدكتور فؤاد زكريا الفصل التالي ردًا على ما كتب الدكتور مصطفى محمود. 

(من المؤكد أن الدكتور مصطفي محمود انسان سعيد الحظ، فهو، بوصفه كاتبا ومفكرا، قد اكتسب شعبية واسعة أتاحت لكتبه أن تكون من أوسع الكتب انتشاراً على مستوى العالم العربي كله

وهو في شعبيته هذه يتخذ امام الجماهير الواسعة مظهر المفسر الديني، والحكيم الفيلسوف، والعالم المطلع. صحيح أنه، في مجال التفسير، لا يرضي معظم رجال الدين المتخصصين، سواء منهم أصحاب وجهة النظر المحافظة أو المتحررة، وأنه في مجال الفلسفة هنا ويسهل على أي مشتغل في هذا الميدان أن يكتشف نقص معلوماته وضعف منطقه، وأنه في ميدان العلم قد توقف على ما يبدو عند السنوات الأولى من فترة دراسته الطبية، مضافا إليها قراءات سريعة لكتب مفرطة في التبسيط

أي أنه بالاختصار لا يرضي المتخصصين في أي ميدان من هذه الميادين الثلاثة. ولكن فيم يهم رضاء المتخصصين إذا كانت الجماهير الواسعة قد أصدرت حكمها لصالحه، تتخذ منه مصدرها الأوثق، وربما الأوحد، في فهم حقائق الفلسفة والدين والعلم؟

إن القارئ المتدين ينبهر حين يقرأ لدى الدكتور مصطفى محمود تفسيرا دينيا مطعما بعبارات فلسفية ومصطلحات علمية. والقارئ الباحث عن حكمة ينبهر حين تقدّم إليه الفلسفة في إطار ديني وعلمي. والقارئ الذي يستهدف حقائق العلم ينبهر حين تعرض عليه هذه الحقائق مرصعة بحكم ومؤيدة بنصوص دينية. وهكذا يقدم الدكتور مصطفى محمود إلى قرائه خلطة فكرية ترضي جميع الأذواق.

وآخر ما طلعت به علينا “عطارة الفكر” هذه هو كتاب عن (الماركسية والإسلام).. ظل فترة طويلة يحتل المكانة الأولى بين الكتب الأوسع انتشارا في القوائم التي تنشرها صحف هللت لهذا الكتاب وتلقفت ظهوره بالترحيب وزُینت صفحاتها مرارا بمتقطفات منه. وأنا لا أشك لحظة واحدة في أن هذا الانتشار الواسع حقيقة مؤكدة، ولكن هل يعبر هذا الانتشار عن قيمة حقيقية الكتاب، أم أنه من نوع انتشار فيلم “بمبة كشر “على “حساب المومياء” او انتشار روايات أجاثا كريستي: البوليسية بالقياس إلى روائع شيكسبير؟ هذا ما سأحاول الاجابة عنه في السطور القادمة 

من كلمة للدكتور مصطفى محمود نفسه ستكون نقطة بدايتي. انه يقول: (لم يكن ضعفا في القرآن أنه لم يحدد منهجا سياسيا، ولم يرسم دستورا محددا وإنما كان ذلك أحد أدلة قوته واعجازه. فقد أراد الله أن يفتح سبيل الاجتهاد والأخذ بالعلوم واستنباط المناهج والأحكام من الظروف المتغيرة دون تكبيل بمنهج سماوي جامد محدد، واكتفى القرآن في موضوع السياسة والحكم بإصدار. توصيات عامة لها صفة الأزلية وعدم التغير عبر العصور، وقال ان هذه التوصيات يكون بها الحكم مثاليا: (ص ۱۸)

هذا ما قاله الدكتور مصطفى محمود في فقرة اقتبستها كاملة حتى لا يقال قد اقتطعت أقواله من سياقها، ومن هذه الفقرة أود أن أبدأ مناقشتي لكتابه، وهي كما سيرى القارئ مناقشة مستمدة من منطق الكتاب نفسه، فلست أود أن أقدم إلى القارئ رأيا خاصاً لي في الموضوع، وإنما تنحصر مهمتي في كشف ما قد يكون في الكتاب من جوانب التناقض والضعف.

إن أي كاتب يذهب إلى أن القرآن لم يحدد منجها سياسيا ولم يرسم دستورا محددا، يقف معارضا لرأي آخر يؤكد أصحابه - وهم في بلا كثيرون - أن في القرآن دستورا مفصلا، ومنهجا سليما كاملا، ومذهباً اقتصاديا شاملا، وأنا لا أود أن أفاضل بين الرأيين، وإنما رأيت أن أسجل، في البدء، معارضة الدكتور مصطفى محمود لهذا الأخير والحيازة إلى القائلين بأن النص الديني يحتوي على مبادى، عامة على حين أن تفاصيل أمور الدنيا والسياسة والاقتصاد متروكة لاجتهاد البشر

ويترتب على ما يقوله المؤلف في الفقرة السابقة نتيجة لا مفر منها: وهي أن تفاصيل الأحكام الدينية نسبية الطابع، وأن ما هو أزلي هو المبادئ العامة فقط، وأن من الضروري أن تتغير تلك التفاصيل بتغير العصور والبيئات، مع الاحتفاظ بالإطار الذي تشكله المبادئ العامة. وهذا ما جعل الكاتب يؤكد اهمية “الاجتهاد والأخذ بالعلوم واستنباط المناهج والأحكام من الظروف المتغيرة"، بل انه حمل على الفكرة القائلة بثبات الأحكام السماوية في الأمور التفصيلية حملة قاسية، تجلت في استخدامه عبارات شديدة اللهجة.. مثل وصف المنهج السماوي الثابت بأنه “جامد”. ووصف التقيد بتفاصيله بأنه “تكبيل”.

هذا هو رأي الدكتور مصطفى محمود نفسه، لم أرد عليه أو أنقص منه شيئاً. ولكن مثل هذا الرأي لا بد أن يثير سؤالا هو: إذا كانت الأحكام الدينية تقتصر على العموميات، وتترك التفاصيل والجزئيات لاجتهاد العقل البشري وفقا لظروف الانسان المتغيرة، فمن أي مصدر تستمد هذه التفاصيل؟ لا بد أن يكون ذلك من مصدر دنيوي، ولا بد أن يملأ الناس ذلك الإطار العام الذي تحدده الأحكام الدينية بمضمون أو محتوى من واقع حياتهم المتغيرة، ومستلهم من فكر إنساني واجتهاد بشري.


وبعبارة أخرى فان نص كلام الدكتور مصطفى محمود نفسه يؤدي إلى القبول بأن العقيدة الدينية.. من حيث هي مصدر التشريع الاجتماعي لیست مكتفية بذاتها بل هي في حاجة مستمرة إلى مذهب إنساني يكملها ويملأ ما تتركه من فراغات. وهذه نتيجة ثانية لا مفر منها تترتب على كلام المؤلف

فإذا كانت الماركسية لا ترضي الدكتور مصطفى محمود كمذهب اجتماعي سياسي، وإذا كان الاسلام، كما يؤدي اليه كلامه، في حاجة إلى تكملة بشرية نملأ بها التفاصيل التي لا ينبغي للنص الديني أن يشغل نفسه بها.. فمن أين نأتي بهذه التكملة؟ وما هو المذهب الذي نستطيع، وفقا له، أن نستنبط الجزئيات التي لا ينبغي أن (يكبلنا) فيها (منهج سماوي جامد محدد)؟ هذا ما لم يجب عنه مؤلف الكتاب، بل ترك في تلك المسألة الحيوية فراغا ضخما، لا يدري القارئ كيف يملأه، ولا في أية وجهة يسير او باي مذهب يسترشد، إذا شاء أن ينظم شؤون حياته جملة وتفصيلاً

 ولقد أفاض الدكتور مصطفى محمود في نقد الماركسية وصوب اليها كل ما يملك من أسلحته الهجومية.. واستخدم في وصفها أقوى الألفاظ تعبيرا الكراهية.. وإذا كان ذلك رأيه في الماركسية فان احدا لن يستطيع أن ينكر عليه حقه في مهاجمتها، بشرط ألا يتناقض مع نفسه في هذا الهجوم، وإلا يرتكب أخطاء فادحة في فهم ذلك المذهب. ولكني أزعم، بعد قراءتي للكتاب الذي اكتسح الأسواق العربية، أن مؤلفه وقع في تناقض شديد من جهة ، وأساء فهم الماركسية بطريقة مؤسفة من جهة أخرى

 ولتبدأ أولا بالتناقض

ففي الوقت الذي يصب الدكتور مصطفي محمود نقمته على المذهب الماركسي في جميع جوانبه، نراه يبذل جهدا مضنيا لكي يثبت أن الإسلام يتضمن كل المبادئ التي يدعو إليها الماركسيون. ولنستمع إليه وهو يقول:

 (ولو نظرتنا إلى الاسلام لوجدنا فيه نبعا من الأفكار والحقائق تسبق النظامين تقدها ومعاصرة.. ولوجدنا كل ما حسبناه جديدا في الاشتراكية العلمية هو أمر قديم قدم ثلاثة عشر قرنا في الاسلام فقد جاء الاسلام من البداية مقررا مبدأ المساواة في الفرص، وضمان حد الكفاية للفرد وتحقيق التوازن بين حرية الفرد في الربح وحقوق المجتمع، ومبدأ الملكية الخاصة والملكية العامة (القطاع العام والقطاع الخاص) ، ومبدأ تدخل الدولة في الاقتصاد، وهو ما تسمية اليوم بالاقتصاد الموجه ، ومبدأ مصادرة أموال المستغلين لصالح الفقراء والمظلومين). (ص ٦٧)

ثم يعدد الدكتور مصطفى محمود ما يتضمنه الاسلام من مبادئ نظن في عصرنا الحاضر أنها من ابتداع الاشتراكية العلمية: فالإسلام لا يسمح بالطبقية، والاسلام يرفض التفاوت الفاحش في الثروات، وثروة الغني لا تكون مشروعة إذا كان في المجتمع فقير واحد لا يجد القوت، بل ان الاسلام، في رأي الكاتب، قد عرف المنطق الجدلي أو الديالكتيكي واستخـدمـه (ص ٧ - ٧١)

كل هذا كلام جميل. ولكن ألم يفكر الدكتور مصطفى محمود أبدا فيما.. يؤدي إليه كلامه هذا؟ انه يجعل جملته الضارية على الماركسية أمراً لا معنى له بل أمراً متناقضاً مع ايمانه الديني الذي يتدفق على صفحات كتبه ومقالاته، ذلك لأنه إذا كان الإسلام قد تضمن كل هذه المبادئ، التي دعت إليها الماركسية بعده بزمان طويل، فلا معنى للحملة على الماركسية ووصفها بأقبح الصفات، بل إن. أقصى ما يمكن أن تتهم به في هذه الحالة هو أنها ليست مذهباً جديداً كما تتصوره: وإنما سبقها الإسلام في كثير من مبادئها الأساسية. وهذه كما نرى - هفوة لا تستحق أقذع الشتائم.

بل إنه إذا صح ما يقوله الدكتور مصطفى محمود فإن مهاجمته الماركسية تصبح مظهرا من مظاهر ضعف الإيمان وتزعزع العقيدة، إذ أن المذهب الذي يتضمن كثيرا من المبادئ الدينية السامية لا يصح أن يهاجم، بل أن من

الواجب - عند أي متدين سليم العقيدة - أن يشفع للماركسية وجود هذه المبادئ، فيها، لأنها اتفقت مع الاسلام في نقاط أساسية، ثم اختلفت معه بعد ذلك في نقاط أخرى. وما دام الكاتب قد أثبت أن القضايا الرئيسية في الماركسية قد سبق أن دعا إليها الإسلام، فإن هذا وحده كان لأن يبعث في نفسه احتراما لها ما دامت قد اقتربت إلى هذا الحد من عقيدته التي يؤمن بها من أعماق قلبه


ولننتقل في المناقشة خطوة أخرى، ونتساءل: أكان من الممكن للدكتور مصطفى محمود أو أي كاتب آخر يسلك هذا الطريق أن يكتشف في الاسلام إلى مبادئ مثل: عدم السماح بالتفاوت الطبقي، أو تدخل الدولة في الاقتصاد، لو لم يكن ماركس نفسه، وغيره من المفكرين الذين دعوا إلى هذه المبادئ. قد. ظهروا بالفعل؟ لقد اهتدى اليها الدكتور مصطفى محمود وبأثر رجعي وبدا له أنها كانت موجودة هناك.. في انتظار من يكتشفها. غير أن وقت اكتشافها لم يحن إلا بعد أن توصل اليها مفكر عادي من عباد الله الفقراء أمثالي وأمثالك، وعندئذ فقط وجدها الدكتور مصطفى محمود وأمثاله من الكتاب في النص الديني. والدليل على ذلك أن احدا لم يتحدث عن الاشتراكية في الاسلام

إلا بعد أن ظهرت الاشتراكية بالفعل، وبالطريقة العادية، كما أن النص الديني، في المجتمعات الاسلامية التي تكره الاشتراكية لأسباب ودنيوية) خالصة، لا يفسر أبدا على أنه يحمل معنى الغاء الطبقات أو مصادرة أموال الاغنياء لصالح الفقراء أو تدخل الدولة وتوجيهها للاقتصاد

 إننا لا نقول جديدا إذا ذهبنا إلى أن كل عصر «يقرأ النص الديني بروح مختلفة مستمدة من ظروفه ومن المرحلة التي وصل اليها تطوره. ولو كان النص الديني قد أودع كل شيء، من ماضي البشر وحاضرهم ومستقبلهم، لما عاد البشر في حاجة إلى جهد أو فكر أو علم، واكتفوا بقراءة النص وتطبيقه حرفيا. ولذلك فان الاعتقاد بوجود كل ما يحتاج إليه الانسان حاضرا ومستقبلا في النص الديني معناه قعود الانسان عن الحركة وعن التطور والتطلع إلى المستقبل.

وأنا في هذه النقطة اتفق كل الاتفاق مع ما قاله الدكتور مصطفى محمود في أول فقرة اقتبستها من كتابه في هذا المقال.. ولكن الذي أؤكده، واختلف فيه معه ومع أصحاب المحاولات الكثيرة التي تسير في هذا الطريق نفسه هو أنه، ما دامت الحكمة الالهية قد أرادت من النص الديني أن يكون حافزا للإنسان إلى العمل وإلى المزيد من الارتقاء، فان الاجتهاد البشري في كل عصر من العصور هو الذي يمكن الانسان من أن يهتدي إلى معان متغيرة ومتطورة في النص الديني الواحد، ومن ثم فان وجود النص لا يحول دون سير البشر في تفكيرهم سيرا مستقلا. وبالاختصار فان الدكتور مصطفى محمود يستحق الثناء على الجهد الذي بذله، والذي سبق أن بذله عشرات غيره، لكي يهتدي النص الديني إلى مبادئ أساسية في الاشتراكية، ولكنه لا هو ولا غيره كان يتمكن من تفسير هذا النصر بطريقة اشتراكية لو لم تكن الاشتراكية قد ظهرت بالفعل في مكان ما من العالم، وعلى يد انسان عادي مثلي ومثلك

وأخيراً، أصل إلى الملاحظة التي ربما كانت أهم ما استلفتت نظري في هذا الكتاب، وهي هبوط المستوى الذي نوقش به موضوع الماركسية، وترديد المؤلف المجموعة من الكليشيهات المحفوظة التي لا تليق بأي باحث يريد أن يتعمق في الموضوع. وهنا أصل إلى النقد الثاني الذي كنت قد أشرت إليه من قبل، وهو سوء فهم الماركسية، بعد أن فرغت من الكلام عن النقد الأول وهو التناقض في معالجة الموضوع.

ففي الكتابات السوقية عن الماركسية، شاع القول بأنها مذهب يجعل الإنسان عبدا للمادة، وشاع انتقادها بالقول ان في الانسان ما هو أسمى من المادة، وأنه لا يحيا بالخبز وحده وإن الفكر الماركسي لا يعترف إلا بالماديات، ويُسقط من حسابه كل العوامل الروحية القيم الخلقية والمبادئ المعنوية. والقائلون بهذا التفسير المبتذل إما أناس يرددون ما سبق أن قرأوه في كتب رخيصة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في الموضوع بطريقـــة علمية، وإما أناس لهم مصلحة في هذا التشويه. ومن المؤسف أن الدكتور مصطفى محمود قد انساق في كتاباته وراء هذا الاتجاه ولم يحاول أن يتعمق بحث هذا الموضوع الحيوي، بل ان من المستبعد أن يكون قد قرأ مرجعاً أصليا واحدا. في الماركسية، لأنه لو كان قد فعل لما امتلأ كتابه بتلك الأحكام المتسرعة التي تتردد على السن السذج أو أصحاب الاغراض

وكما قلت من قبل، فان من حق المؤلف أن ينقد الماركسية كما يشاء ولكن إذا لم يكن هذا النقد مبنيا على دراسة متعمقة فانه يتحول إلى سلاح يرتد إليه ليصيبه هو ذاته. وكم في بلاد الغرب من نقاد للماركسية ينصبونها أشد العداء، ولكنهم يناقشونها على مستوى متعمق يدعو إلى الاحترام. أما قصة الماركسية وراء الماديات فلم يعد أحد يرددها إلا في البلاد المتخلفة، ولم تعد توجه إلا إلى الشعوب ذات المستوى الثقافي الهابط، والتي أمل الا نكون من بينها

فماركس.. في نظر الدكتور مصطفى محمود يقول: (ببهيمية التاريخ).. (ص) (۳۰)، وفي المجتمعات الاشتراكية و لا يفهمون أن الانسان ليس مجرد بطن وغرائز» (ص ٧٤) ، كما أن خطأ الفكر المادي أنه تصور أن ثلاث وجبات دسمة ومصروف يد وكساء ودواء يمكن أن تكون عزاء كافيا لأنسان يعلم أنه ولد ليموت، (ص ١١ ) .

وفي كل صفحة من صفحات الكتاب يردد المؤلف الخلط الشائع بين لفظ المادية، الذي يطلقه ماركس وانجلز على مذهبهما في الفلسفة والمجتمع والتاريخ، وبين السعي إلى الماديات والانقياد إلى الحياة البهيمية والحرص على اشباع البطن والغرائز

ومع اعترافي بامكان انتقاد الماركسية في نواح كثيرة، فان هذا النقد بالذات أبعد ما يكون عن روح الماركسية، بل ان الماركسية لم تظهر أصلاً إلا تحارب السعي وراء الكسب والمال، ولم تكن لها من قوة دافعة سوى مهاجمة الجشع الرأسمالي الذي أحال الانسان إلى حيوان يقتنص اللقمة من فم اخيه. ولا يوجد تشويه أبعد عن الحقيقة من استغلال اسم “المادية” الذي أطلقته الماركسية على نفسها، من أجل نشر الاعتقاد بأن الماركسية تدعو الإنسان إلى الجري اللاهث وراء المادة، لأن هذا بالضبط ما تعيبه الماركسية على الرأسمالية.. وهو الذي جعل الماركسية تسعى إلى القضاء على النظام الرأسمالي واحلال نظام اشتراكي أكثر انسانية محله

ما رأيك، يا دكتور مصطفى محمود، في العبارة الآتية: (الانسان يصبح ثريا بقدر ما يكون، لا بقدر ما يملك)؟ أتدري من قائلها؟ انه كارل، وفي كتابيه الأكبر «رأس المال ... وما رأيك في العبارة الآتية، التي تصف حالة العامل في المجتمع الرأسمالي: (إن العامل في عمله لا يؤكد ذاته بل ينفيها ولا يشعر بالرضا بل بالتعاسة، ولا ينمي بحرية قدراته الجسمية والذهنية بل يدمر جسمه ويدمر ذهنه.. ونتيجة لذلك فإن الانسان لا يعود يشعر بأنه يسلك بحرية إلا في وظائفه الحيوانية.. أي في الأكل والشرب والتناسل. أما في وظائفه الانسانية (أي العمل والانتاج) فإنه لا يشعر إلا بأنه حيوان. فما هو حيوان يغدو انسانياً.. وما هو إنسان يغدو حيوانياً) أتدري من قال ذلك؟ إنه کارل ماركس في المخطوطات الفلسفية والاقتصادية

هل سمعت عن نقد ماركس لفكرة الربح في النظام الرأسمالي، وهل تعلم أن أول ما تدافع به الرأسمالية عن نفسها في عالم اليوم هو أن دافع الربح (أي الكسب المادي) أساسي لدى الانسان؟ اني لا أود أن ادافع أو أهاجم. ولكني فقط أقرر حقيقة عامة: هي أن الماركسية لم تظهر أصلاً إلا لمحاربة مبدأ الربح المادي ، بوصفه حافزا لعمل الانسان ، في النظام الرأسمالي

هل سمعت عن تحليل ماركس لفكرة «التشيؤ؟ في هذا التحليل يقول ماركس ان الانسان قد أصبح، في النظام الرأسمالي (شيئاً) يباع ويشتري ويعلو ثمنه وينخفض في سوق العرض والطلب، وانعكس ذلك حتى على الانفعالات والعواطف البشرية بدورها أشبه بالسلع التي تعرض في السوق، واصبحت مبتذلة ، يغلفها الجشع وتتحكم فيها الأغراض والمنافع . هذه الظاهرة جزءاً كبيراً من كتاب ماركس الرئيسي، فهلا تعتقد كان من واجبك أن تقرأ شيئاً من ذلك قبل أن تنشر بين الناس كتاباً عن الماركسية؟ وإذا كنت قد قرأت، فكيف أبحت لنفسك أن تردد الأحكام المبتذلة عن دعوة الماركسية في إشباع البطون وملء الجيوب، في الوقت الذي أمتلأت فيه كتابات ماركس بالدعوة إلى استرداد إنسانية الانسان، وتخليصه من تحكم عوامل السوق التي تمتهن كرامته وتحول بينه وبين تحقيق ذاته ؟ 

إن التفسيرات السوقية الشائعة مبنية على فهم سطحي لتعبيرات مثل المادية الجدلية و المادية التاريخية، والتفسير الاقتصادي للتاريخ،. ولكن هذا التفسير الاقتصادي للتاريخ له حدوده التي لا يعرفها أصحاب هذه التفسيرات. فالتاريخ، عند ماركس ظل حتى اليوم تاريخا “طبقياً” وفي مثل هذا التاريخ لا بد أن تكون العوامل الاقتصادية والمادية هي البشر. ولكن عندما يتجاوز الانسان المرحلة الطبقية، ويبدأ التاريخ الحقيقي: الذي يتم في القضاء على كل مظاهر استغلال الانسان للانسان ،فعندئذ لا يعود هناك مجال لتفسير الظواهر الانسانية تفسيرا ماديا ، لأن الانسان سيكون قد تغلب على سيطرة العوامل المادية وأصبح هدفه هو الارتقاء بملكاته وقدراته الانسانية ، وفي عهد كهذا لن يعود للتاريخ المادي أي معنى

إن واجب الكاتب الأمين نحو قرائه الذين يولونه ثقتهم، ويتخذون منه مرجعا في الأمور التي لا يمكن أن يطلعوا عليها بأنفسهم، هو أن يصدقهم القول ويتحمل عنهم عبء البحث والتنقيب، ولا يستغل حاجتهم إلى المعرفة من أجل فرض أراء ناقصة أو مشوهة ، أو من أجل المسارعة إلى كتابة أي شيء يخطر على البال ، اعتمادا على أن المطابع في الانتظار ، والقارئ مضمون .

هذا واجبك يا دكتور مصطفى محمود بوصفك كاتبا، وبوصفك مثقفا وبوصفك مسلما: أن تصدق قراءك الكلمة، وتنقلها إليهم أمينة من مصادرها الحقيقية ، وبعد ذلك فلتنقد الماركسية كما تشاء ، ما دمت قد اطلعت عليها بالقدر الذي يكفيك لكي تعبر عن آرائها تعبيرا صادقا

وأخيراً، فان لدي امنية أطمع في أن تحققها لي، ولقرائك الكثيرين، هي أن تؤلف يوما ما (وخير البر عاجله كتاباً عن: الرأسمالية والإسلام) حتى تكتمل لدى القاري صورتك بوصفك مفكرا يناصر الاسلام وحده ، لا هذا المذهب أو ذاك . وسأكون في انتظار كتابك هذا بشوق بالغ، وكل ما أرجوه، في هذه الحالة بدورها، هو أن تعطي الفكر الرأسمالي فرصة كاملة لكي يعبر عن نفسه من خلال مصادره الأصلية، حتى لا يتهمك أحد بانك ظلمت الرأسمالية كما ظلمت الماركسية!)



 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 13, 2023 12:29