عودة للمتع البسيطة
عندما كنا أطفالاً كانت متعتنا تتحقق ببضعة ألعاب حصلنا عليها بالعيدية أو بعد إحضار الشهادة، ومشاهدة برامج الرسوم المتحركة خاصة المدبلجة منها، واللعب في فناءالمنزل للبنات وربما الشارع للأولاد، وفي عطلة نهاية الأسبوع اللعب على الشاطئ في المدن الساحلية وفي البر في المدن الداخلية، ومع ذلك كانت تلك المتع تشعرنا بالسعادة، ولم نكن نشكو الملل بالطريقة التي يشكو منها الجميع هذه الأيام.
تعريفنا للمتعة كان يومها بسيطاً: أن نشعر بالسعادة وأن نضحك ونمرح، لم يكن لها سعر ولا مواصفات ولا شروط، ولذلك كان الحصول عليها ممكناً وسهلاً ومتساوياً للجميع تقريباً. لكن شيئاً فشيئاً تغير الوضع، وبدأت المتعة تحتاج إلى ميزانية تزداد ضخامة عاماً بعد آخر. وباتت تعني للكبار عشاءاً فاخراً في مطعم، أو السفر لدولة قريبة أو بعيدة، أو استئجار شاليهات بأسعار فلكية، أو الاحتفال بمناسبة بسيطة في فندق خمس نجوم. وللصغار صار يعني شراء المزيد من الأجهزة الإلكترونية والألعاب الباهظة، وزيارة مدن الملاهي والترفيه.
كلنا تقريباً وقعنا أسرى لهذا التصور المكلف عن المتعة والفرح، ومع زيادة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ازداد الوضع سوءاً لأنه تحول في أحيان كثيرة إلى استعراض وتنافس فيما بيننا لإظهار مقدار السعادة والمتعة التي نشعر بها، فعبر النصوص والصورة ومقاطع الفيديو، بات المرء يشارك مع الآخرين كل ما يقوم به تقريباً، من المشتريات إلى أطباق الغداء في أحدث سلسة مطاعم في المدينة إلى آخر رحلة سياحية، وآخر مفاجأة عائلية، وبالطبع فإن كل ما يعرض تقريباً يجب أن يكون غالياً ومميزاً ويثير رغبة الآخرين في التقليد. حتى الأطفال باتت صورهم تحوي قدراً أقل من البراءة وقدراً أكبر من الاصطناع الذي يطلبه منهم ذويهم، وصارت جل صورهم وكأنها مأخوذة في ستديو تصوير وليس في صالة منزلهم!
الغريب أنه وسط كل هذه البهرجة لم تختف الشكوى من الملل، بل كما روت لي إحدى الأمهات أن ابنها لم يتوقف عن الشكوى من الملل حتى وهو في جنة الصغار ديزني ورولد! فقد ارتوينا حتى لم يعد هناك ما يكفينا، وما عاد شيء يسعدنا أو يبهرنا أو يسلينا.
البعض أزعجه ذلك وقرر أن يبحث عن بديل، وأخذ ينوع في خياراته، ومنها العودة إلى المتع القديمة: نصب خيمة في البر، أو فرش سجادة في فناء المنزل لشرب الشاي أو القهوة في الأجواء الشتوية الجميلة، أو اللعب بالكرة مع الصغار، أو أخذهم للسباحة على شاطئ البحر. والنتيجة؟ أن اليوم ينتهي مع إحساس بحقيقي الرضا والراحة إن لم يكن بالسعادة والفرح.
فنحن من نعطي للأشياء قيمتها وللحظات معانيها، فتجمع الأسرة معاً فعلياً، وليس عبر الأجهزة المحمولة أو أثناء الانشغال بها، هو لوحده حدث سعيد.
فالسعادة الحقيقية – لحسن الحظ-ليست مرتبطة بالمال، وليست حكراً على الأغنياء دون الفقراء، فكل ما يدخل البهجة على قلوبنا من المتع الصغيرة يغمرنا بها فتصبح أيامنا سعيدة وحياتنا أكثر جمالاً.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

