التميز..مرحلة أم رحلة؟

j53_obPmيحرص جل الآباء على تعليم أطفالهم في أفضل المدارس، وأحياناً يزيدون على ذلك بإحضار معلمين خصوصيين في المنزل، وإلى تسجيلهم في الدورات التعليمية والثقافية رغبة منهم في إكسابهم أكبر قدر ممكن من القدرات واللغات. والهدف أن يساعدهم ذلك في بناء مستقبل مشرق لأنفسهم حين يشبون فيجدون مقاعداً في أحسن الكليات بأفضل الجامعات، ومن ثم يحصلون بعد ذلك على عمل ممتاز. وفي سبيل تحقيق ذلك يدفعون الأموال الطائلة، بل وقد يعمل هؤلاء الآباء والأمهات في عدة وظائف، وقد يغتربون عن بلدانهم، للعلم والعمل، في سبيل توفير معيشة راقية لهؤلاء الأبناء. فهل ما يقومون به من جهد مقدر ومشكور كفيلٌ بضمان تحقيق هذه الأهداف؟


الواقع يقول بأنه يستحيل التيقن من الوصول للأهداف المرجوة من قبل الوالدين. إذ هناك التوفيق من الله أولاً، وأيضا قدرات ورغبات الأبناء في النجاح. فحين أخذت جولة ذهنية استحضرت فيها صديقات الطفولة وكيف كن وصرن اليوم تفاجأت بالنتائج قليلاً. فصحيح أن هناك من كانت متفوقة في طفولتها وحتى هذا اليوم، ومن كانت متعثرة في دراستها منذ البداية وحتى اليوم، وهنا لا يكون الأمر مستغرباً، لكن العكس صحيح كذلك.


فعدد من الطالبات المجتهدات، وممن تمتعن برعاية عائلية غير عادية، انتهى بهن الأمر في كليات ووظائف عادية، بل وعدد منهن لم تكمل تعليمها الجامعي، أو توقفت عنده فلم تكمل دراسات عليا أو حتى تتوظف. وبالمقابل فنسبة أخرى ممن كن طالبات عاديات ودون رعاية أسرية خارجه عن المألوف، تميزن فقط في آخر سنة في الثانوية وأصبحن اليوم استشاريات في الطب، أو تميزن في المرحلة الجامعية وواصلن حتى الحصول على الدكتوراه.


وكما ذكرت من يتميز في الدراسة ثم يتراجع، وهناك من يتميز في بدايات العمل في العشرينات والثلاثينات حتى يُعتبر نجماً صاعداً لكن ما أن يصل الأربعين حتى نجد بأنه توقف في نقطة ما لم ولن يتجاوزها على ما يبدو. وهناك من بعكسه سواء في العمل أو القيادة أو الفن يبزغ نجمه متأخراً لكنه يكتسح مجاله بشكل لم يستطع أحد التنبؤ به. فما الذي يجعل المرء متميزاً في مرحلة عمرية ما ومتراجعاً في مرحلة أخرى؟ هل أن الجهد الذي يبذله المرء في أول عمره يجعله يحترق مبكراً والعكس صحيح؟ هل يساهم الملل أو الغرور أو الإسراف في الإطراء، في تراجع المتميز بينما غيابهما عن الإنسان العادي يكون دافعاً له ليصنع من نفسه شيئاً متميزاً؟


ربما ليست هناك إجابة واحدة صحيحة، لكن ما يمكن الخروج به هنا هو كيف يمكن أن يؤثر ما ذُكر على حياتك. فإذا كنت ممن رزقك الله ببداية طيبة في الحياة من رعاية وتعليم وتفوق فعليك أن لا تركن إلى تميزك السابق أو الحالي، حتى لا تُفاجئ بأن الزمن قد تجاوزك، فالعمل المستمر على تطوير الذات ومواكبة التغييرات أمر لا بد منه. أما إذا كنت شخصاً عادياً وتتمنى أن تخرج من هذا الإطار وتغدو ناجحاً متميزاً ومختلفاً، فعليك أن تدرك بأن الوقت لم يفت ما دمت على قيد الحياة، والعبرة بالخواتيم، فكل ما تحتاجه عزيمة وعمل لصناعة بداية جديدة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 26, 2016 08:56
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.