الخصوصية مقابل الرفاهية؟
تتسارع التغيرات
والمستجدات التقنية فلا يكاد يمر يوم إلا ويظهر اكتشاف جديد أو تطبيق جديد أو استخدام محدث لتقنية موجودة سلفاً. وهي تغييرات تهدف إلى تحقيقالرفاهية للإنسان في مجالات حياته المختلفة. وها هي شبكات التواصل الاجتماعي تصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، وغدت مكاناً – افتراضيا – مجانياً لممارسة التعلم والتجارة والدعاية والأبحاث والأخبار والثقافة والعمل التطوعي وغيرها، لكن هل كل هذه الفتوح التقنية والتطورات الاجتماعية المرتبطة بها حقاً بلا ثمن؟
قبل الإجابة، دعونا ننتقل للحديث عن مصطلح تقني جديد وهو “إنترنت الأشياء” (Internet of Things) ويُقصد به الجيل الجديد من الإنترنت الذي يتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها عبر بروتوكول الإنترنت. وما يميز إنترنت الأشياء أنها تتيح للإنسان التحرر من المكان، أي إن الشخص يستطيع التحكم في الأدوات من دون الحاجة إلى التواجد في مكان محدّد للتعامل مع جهاز معين. فتستطيع في طريق عودتك للمنزل أن تعطي أوامرك لمنزلك الذكي ليقوم بفتح الستائر، وتشغيل المكيفات (من لا يرغب في ذلك في هذه الأجواء الصيفية الجميلة؟)، ولجهاز المايكرويف ليقوم بتسخين الطعام استعدادا لعودتك الميمونة! بل وتتواصل مع ثلاجتكم الموقرة لتخبرك بأنه لا يوجد خبز وبيض ولبن فتقوم بشرائها.
حتى هنا والخيال يجعل الأمر يبدو غارقاً في الرومانسية والحياة الرغدة السهلة وتوفير الوقت، فماذا يريد المرء أكثر من ذلك؟ في الحقيقة هذه الرفاهية لها انعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على حياة الأفراد والمجتمعات. فالأمر أشبه ببدايات الثورة الصناعية حين حلت الآلة محل الإنسان في الحقول والمصانع. فعلاقة الإنسان بالآلات ظلت حتى الآن في موقع يجعله السيد المتحكم فيها وفي بياناته التي يسمح لها بتداولها، لكن إنترنت الأشياء والذي سيتيح للأجهزة أن تتواصل مع بعضها بعلمه أو دون علمه، بتدخله أو من دونه، ستغير من هذه العلاقة، وربما تعكسها، وهو أمر سبق وتنبأت به روايات وأفلام الخيال العلمي كما في رواية 1984 لجورج أورويل.
إن علماً قائماً بذاته وهو علم تفاعل الإنسان مع الآلة (Human Computer Interaction) قد يحتاج خلال أقل من عقد إلى مراجعة شاملة. والخصوصية تحديداً مهددة بشكل كبير، وهو أمر نرى أثاره من خلال الشبكات الاجتماعية، فعبر تطبيق (فورسكوير) نعرف أي مطعم أكل فيه صديقنا، وعبر (انستغرام) ماذا كانت وجبته تلك بالضبط، ومن خلال (فيسبوك) نعرف عن إجازته الأخيرة، وقد تبدو هذه المعلومات غير ذي قيمة، فماذا يعني أن يعرفها أصدقائنا؟ في الحقيقة الأمر يستحق هذا القلق وأكثر، فحين تبوح بخصوصياتك مختاراً ستنتقي من تخبره، لكن حين تترك الباب مفتوحاً فستصل إلى كل أحد: المحب والكاره، الصديق ورب العمل، العائلة والأصدقاء، وتأثير المعلومة وكيفية استخدامها تختلف من شخص لآخر، وهو أمر قد ينتج عنه مشكلات قانونية وعائلية وعملية. ولا تزال الدول بصفة عامة غير مستعدة عبر قوانينها وتشريعاتها للتعامل مع الثورة الجديدة.
إن عالماً جديداً ينتظرنا، فيه من الرفاهية والتشويق الشيء الكثير وفيه من التحديات والمخاطر الكثير أيضاً، فعلينا التفكير جيداً فيما يستحق أن نتنازل عنه، فلا شيء بلا ثمن ..حتى الرفاهية والحرية.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

