محمد الهاشمي's Blog, page 2

March 13, 2015

هل من حمض نووي لداعش؟


تمكن علماء مؤخرا من تطوير برنامج كمبيوتر يستطيع بناء رسوم ثلاثية الأبعاد شديدة الدقة لأي شخص يتوفر لهم حمضه النووي، حتى لو كان شعرة رفيعة واقعة على السجاد. مما لا شك فيه أن أي اكتشاف ثوري كهذا لن يمنع حدوث الجرائم ولا وجود المجرمين، لكن من الجيد أن تنكشف لنا حقيقة الملابسات ودوافع الجريمة باكتشاف مرتكبها، لأننا بذلك قد نجد طريقة لمنع الفرصة القادمة لحدوثها من التوفر.


فلنضع تصوراتنا الآن في مسرح جريمة آخر، حيث يتحدث الشهود عن وحش فكري اسمه “داعش” أفرزه الإسلام المتشدد، جعل شبح “القاعدة” يبدو شيئا هيناً. هناك آثار وأدلة في كل مكان، وهناك أجساد متناثرة ودماء لأشخاص لا يبدو أنهم كانوا يقاومون المجزرة.


 يقف المتتبع منا موقف المحقق الجنائي الذي لا يملك شعرة يستدل بها على المجرم فحسب، بل مجموعة من الأدلة التي يمكن بحمضها النووي أن يكتشف منظومة كاملة من الإجرام باسم الدين والحق وطاعة الله. عند ذلك تظهر المشكلة الكبرى، وهي ما إذا كان المحقق يريد أن يرى المجرم، لأن الحمض النووي يقول إنه أحد إخوته!


ليس ما سبق لغزا، والأدهى أن ندعي أننا لم نفهم شيئا بعد، ونصيغ نظريات مؤامرة تلصق سبب وجود داعش بالآخر. ليس هناك مبرر لندعي البراءة مما نعرف أنه باطلنا دون أن نعني ذلك، كما أن عزتنا بالإثم وخوفنا من شماتة الأعداء تمنعنا أن نبرأ من جرم أخينا كي لا يشمت بنا ابن العم، فنندفع بضراوة للقول إننا لا نرى المشكلة أصلا.


قلها لنفسك ولكل من جعلوك متناقضاً: “داعش” ليست كيانا غريبا عنا، ولا جسداً لا يشاركنا طاولة الطعام نفسها. يكمن الفرق فقط في أننا نقول للناس إننا نباتيون. نأكل اللحم نفسه الذي قطعه “داعش” الجزار لكن سراً، أو أننا ننتظر سماع مدفع الإفطار الذي لم يدوّ بعد.


أفِقْ أيها المستميت في الدفاع عن موروثك الذي أثمر داعش وأشباهها، وقلها: إن مرجعية هؤلاء هي مرجعيتي أيضا، هم لم يفهموا خطأ، ولكنني من قرر ألا يعمل بما اتفق عليه كلانا، بل أنني قررت أن أتعامى عن اعتباره خللا، عزةً بالإثم لا بالضرورة جهلا.


ثم عد وقل لنفسك ومن جعلوك متناقضا: أنا لست كداعش ولا يمكن أن أكون، إذاً أنا لست فرعا في الشجرة التي أثمرتها، ولذا وجب أن أقطع صلتي بالشجرة لا الثمرة فحسب. ولعلك تكتشف بعدها أنك لم تكن فرعاً من الشجرة أصلاً، لكن خيل إليك أنك منها، فالشجرة تمد جذورها في أرض عزيزة عليك، هي أرض الله ودينك الذي نشأت فيه وأنت متيقن أنه الحق. مما لا شك فيه أن الأرض ليست مسؤولة عن نوع الشجر الذي نبت فيها وثماره التي أسقطها، بل هي مغبة ذلك الذي نثر البذور وسقاها، وهو الكاهن الذي أجرى كلام الله على لسانه مجرى اجتهاده –إن لم يكن هواه، فجعل كثيرا منا يعتقد أن ما يقوله من عند الله.


قلها لنفسك ومن جعلوك متناقضا: داعش مسلمون وأنا كذلك. هم أعلنوا عودة الخلافة، وهم الآن يداعبون كل أحلام اليقظة التي راودتني طويلا عنها. هم يطبقون الشريعة التي أقر بها وأدعم صحتها وهم يطبقون ما انقطعت إليه سبلي. إنهم يرجمون الزاني المحصن، ويقطعون يد السارق –وقدمه أحيانا- ويقتلون الملحد والكافر وتارك الصلاة، ويلزمون الكتابي بالجزية إن لم يقتلوه بزعم أنه عدو متربص أو بزعم أنهم في ساحة وغى، كما أنهم سلقوا رأس خصمي الطائفي في قدرٍ أسوة بسيرةٍ عطرةٍ أفخر بها. إن داعش ينشدون الأناشيد ولا يسمعون الأغاني ويفرضون النقاب والستر بالقوة ويحاربون الدعارة بيد من حديد، لذا أحيوا السبي والرقيق والنكاح المزيف بديلا للفجور. إنهم يقرأون القرآن نفسه، والبخاري نفسه ومسلم نفسه، وكتب ابن تيمية وبن باز وبن عثيمين أنفسهم التي تضج بها مكتبة المنزل –وقد وُجدت هذه الكتب في كل مكان تركته داعش.


لكنك أيها القارئ الواعي لست منهم. قف وقلها: كيف ونحن نعبد إله الرحمة، ونتبع دين الرحمة ورسول الرحمة للعالمين، وكيف وهذا يناقض نصوصا في الذكر والسيرة بل ينحط أمام قيم الجاهلية، ويناقض كل الأعراف الإنسانية التي يعرفها العالم اليوم؟ كيف يمكن لشريعة الله الحقة أن يُشمأز منها، وأن يدينها العالم كله؟


قلها: أنا وداعش توأمان، والفرق أنني أعرف كيف أكذب. ثم تذكر بعد كل ذلك جيدا، أنك لم تكن لتكذب إلا أن إنسانيتك وخوفك مما تشعر بباطله منعاك أن تفخر بما تعتقد به، وصرت خجلا من الاعتراف به علنا. اتخذ الخطوة الثانية الشجاعة وتخلص من كل ذلك، وقل لنفسك ومن جعلوك متناقضا: إن داعش والجماعات من أخواتها ثمر فاسد لنبت فاسد، وبراءتي من الثمر هي براءتي من الشجرة التي أثمرته. تذكر أن القطار لم يفت بعد، فما دمت تقرأ هذه الكلمات فإنك لا تزال حياً، وصحائفك لم ترفع كلها بعد!


أنا وأنت بحاجة أن ننزع عن الإسلام علاقته بالثياب التي ألبسوه إياها وهي ليست منه،  ولمن ينير الطريق بعد أن أعتمها الكهنة وممتطي المقاصد الدينية. نريد من يفتح أعيننا على الشجر الذي يجب اقتلاعه من أرضنا. لا نريد أن تتكرر قصة الملك مع الخياط المحتال الذي أخرجه للناس عاريا، وإن تكررت، علينا أن نكون ذلك الطفل الذي قال للملك إنه لم يعد يلبس شيئاً، وإن  الناس كذبت عليه. كما أننا لا نريد أن يسلق رأسنا في قِدر أو تقطّع فروجنا لأنها لا تزال تنبت بدعوى أنها العدالة التي نستحقها. نريد أن يعود الدين كما كان، مدخلا للحياة لا مخرجاً منها.


 


 


*مقال منشور في موقع 24 الإخباري


http://www.24.ae/article.aspx?Article...

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 13, 2015 03:35

October 10, 2014

وجوه متعددة..في وجهنا الواحد – قراءة ذاتية


تفتك بأحلامنا غمرة الحزن.. كما تنعشها غمرة الفرح. بين الإثنين تنحصر ساعة التوقعات والآمال حول اللحظات التي يمكن من خلالها توقع الفرح أو إيجاد باب إليه.


ليس الأمر ذاته منصرفاً على حالة الكتابة مع أنها تقود بعد اكتمالها إلى فرح عارم أو حزن باعث على اليأس، بحسب ما يترتب على نشر المكتوب وتحوله إلى كتاب يقرأ من الجميع. فعندما نتوقع أننا سنكتب نشعر غالبا أننا على وشك الدخول في دوامة من المشاعر، دون أن نملك الثقة الكاملة أنها ستترجم إلى فرح أم حزن حقيقيين، أكان ذلك فينا أم في قارئنا. أتحدث هنا من واقع تجربتين مهمتين مررت بهما وأنا أحاول أن أكتب ما يمكن أن أصفه بالعمل الأدبي المتكامل. ويهمني أن أحدد في هذا المقال أكثرها جدية، وهو كتابي المشترك “وجهنا الواحد”.


عندما كنت أبادل شريكة حياتي ومليكة قلبي عائشة مغامرة كتابة قصص قصيرة جدا في هذا الكتاب، وعلى الرغم من أن المغامرة احتوت على مجازفة من نوع جديد تتلخص في أن نكتب بشكل مستقل أقصوصتي “دهشة” بناء على عنوان مشترك يختاره أحدنا دون أن يحمل معه خارطة طريق لشكل النص أو موضوعه، فإنني كنت أتعمد في كثير من الأحيان أن أتقمص أكثر من أسلوب، وأن أجاري أكثر من نمط سردي، مستفيداً على طول طريق تلك المغامرة من رصيدي من القراءات في الأدب عموماً فضلا عن محاولتي مجاراة تجربة شريكتي الثرية في الكتابة السردية، وهي التي أصدرت قبل ذلك كتاباً بديعا من القصص القصيرة جداً، نال استحسان النقاد والجوائز على حد سواء.


جل ما كنت أحرص عليه حينها كان أن أتلاعب بالموقف اللحظي لأصل به إلى حيث يمكن للعنوان أن يقرأ كما أريد له أن يقرأ، أو أن أعيد صياغة أشياء كثيرة تخالجني لتشير بطريقة ما إلى العنوان. كانت تلك مغامرة خطيرة من ناحية أنه كتابي الأول، وأنني كنت أتبارز رغما عني مع شريكتي في الكتابة، وكنت خلال تلك المرحلة أتوقع أنني وضعت خلاصة أربع وثلاثين من أفكاري وأسئلتي بين يدي القارئ، حتى وأنا أدرك أن القارئ قد تتشكل لديه تجربة مغايرة مع ما كتبت، وقد حدث. وحينما كنت أعتقد أنني استفدت بحس الخداع من واقع أن القصص القصيرة جدا لا تزال ميدانا تجاربيا لم يستقر عالميا بعد، فإنني وقعت في مأزق معتاد باستباقات القارئ ما يتوقعه من نص يحمل اسم “قصة قصيرة جدا” موقّع باسمي الذي يعرفه البعض من أبواب أخرى، فكان الناتج أن اختلطت الآراء حول الكتاب والقصص، مع أن الكتاب حظي بنقد اقترب كثيرا من المديح والإطراء عموما، خصوصا في الصفحات الأدبية والثقافية للجرائد.


لكل منا صفحة الهامش التي لا يعرفها إلا القليل إن لم تكن سراً من الأسرار لا يعرفه أحد. وكأي من الكتّاب الذين يشون بأنفسهم في ما يكتبون، حمّلت بعضا من النصوص جزءا من ظلام وهوامش صفحاتي وذكرياتي. كان هذا بابا مفترضا لما يمكن أن يكون فرحي أو حزني، لكن الأهم أنني أردت له أن يكون باب تكفير لما احتجت له أن يخرج فيزيح بعضا من العبء الذي تحمله نظرتي للحياة بحلوها ومرها، بريئها وشقيّها. ما أريد قوله هنا أن أي كتاب أدبي يعتمد على الخيال، يحمل في النهاية بصمة لا يمكن إخفاؤها للكاتب وجزءا من هويته وعالمه وأمنياته الضائعة. الفرق أن الكاتب عندما يكتب فإنه يعيد صياغة كل ذلك بحسب ما يراه صالحا لإنجاح عمله. وقد تنتهي تلك الصياغة بصناعة عالم لا يمت لعالم الكاتب بصلة حتى وإن حمل كثيرا من عناصره. العوالم التي يصنعها الكاتب في نهاية الأمر تشبه أن تعيد ترتيب مجموعة من الأوراق كتبت كلا على حدة لتحكي ما يريد الكاتب أن يرتبط به دون أن يكون بالضرورة جزءا من حكايته.


من بين القصص التي لن يفك شفرتها كاملة سوى عائشة قصة عنوان الكتاب. كنت متعمداً لذلك. لكنني أحببت أن أرى كيف يمكن أن يقرأها سوانا. كنت أكاد أصل لحد الوقاحة في الإيحاء في بعض القصص كما حدث في “خارطة الطريق إلى الجنة” و”كائنا من كان”. كنت أشي ببعض الذكريات بطريقة فاضحة في بعض النصوص، بينما تعمدت أن يشي بعض آخر بانحراف خيالاتي الجامحة وشقاوتها. لكن ردود الفعل على الكتاب كشفت أن بعضا من المحاولات فهم أكثر من اللازم أو أنه فهم خطأ أو أنه لم يفهم أبداً. المشكلة الحقيقية تكمن في اعتقاد القارئ أحيانا أن العمل الأدبي هو ببساطة ملخص لحياة الكاتب أو كنهه. وهو ما يحدث عادة عند القارئ الغض لا المتمرس.


بدا الأمر للبعض في مجمله وكأنني قررت التعري بالكامل في غرفة تعج بالغرباء من كل ناحية، وكان الخيار الوحيد أمامي أن أقرر أي السوءتين أولى أن تغطيهما يداي. لاشك أنني كنت لأختار أن أغطي ما اعتقدت أنه أبشع السوءتين أو أشدهما فضائحية، لكنني لست متأكداً لو أن هذا ما اعتقده جميع من حولي. كنت في كل مرة أجد نقدا أو تقييما للكتاب، أجد معه نفسي في الغرفة ذاتها مرة أخرى، وهو أمر وإن لم يكن باعثا على الارتياح، إلا أنه يزودني بما يكفي من الأدرينالين لأتزحزح قليلا وأكتشف نفسي أكثر. عموما، أنا أؤمن أن العري تعبير شديد الصراحة عن جمالنا البشري بوجهيه المتألق والمليء بالزلل، لكنني مقتنع كذلك أن العري من بين أكثر المواضيع التي يمكن أن تعافها اختلافات الذوق والعرف والشعورين العام والخاص.


انتهى.. تقريبا


 


*مقال منشور في مجلة “قراءات خليجية” الالكترونية http://gulfread.com/archives/284


تدوينة جديدة: وجوه متعددة..في وجهنا الواحد – قراءة ذاتية ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 10, 2014 14:17

October 9, 2014

وجوه متعددة..في وجهنا الواحد – نقد ذاتي لكتابي الأول

وجوه متعددة..في وجهنا الواحد – نقد ذاتي لكتابي الأول http://t.co/fMDyhM6Z68

— gulfread.com (@gulfread) October 9, 2014

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 09, 2014 13:14 Tags: وجهنا-الواحد

May 31, 2014

رتويت من فضلك – قصة قصيرة جداً


 


ألقى عمر التحية على إسماعيل صباحاً..


وأخبره عن فائدة سمعها من صديق له عن “صيغة دعاء مستجاب لا يُردّ بإذن الله”


ثم أعطى عمر لإسماعيل حزمة أوراق طبع عليها الدعاء


- انشرها ولك الآجر، فإن لم تنشرها فاعلم أن ذنوبك هي التي منعتك. حذّر عمر


 


أخذ إسماعيل الأوراق..


رمى بها إلى سلة المهملات ودخل القاعة.


في المساء دخل إسماعيل قاعة الطعام فوجد عامل النظافة يوزع حزمة الأوراق نفسها.. فأعطاه واحدة.


- هذا الدعاء وُجد على سجادة أحد الأولياء الصالحين بعد وفاته. خاطبه موزع الأوراق.


 


 


*ملحوظة: نسخة مصغرة من القصة وردت في كتاب محمد الهاشمي وعائشة الكعبي “وجهنا الواحد”


تدوينة جديدة: رتويت من فضلك – قصة قصيرة جداً ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 31, 2014 07:39

May 10, 2014

موتوا أثابكم الله


ترتفع أسهم الحق عندما يكون الباطل جلياً، بل أن الحق لا يعرف إلا من خلال تجليات الباطل. كلنا نعتقد أننا قادرون على تسمية الحق من الباطل، لكننا نجد بعد ذلك أن كلاً منا له تعريفه لهما، وقد نشترك في تحديد اتجاههما مع قلة أو كثرة من الناس، لكن الحق والباطل في نظر من يختلف معنا في صورتهما هما غير ما نعتقد تماما.


إن التضحية من أجل ما نعتقد به ليس خيارا شائعا بين معظم البشر، لكنه في القلة القليلة مصير طعمه مر، بيد أنه ضروري لصيرورة إنسانيتهم. هكذا نرى أو نتصور أن البعض قتل نفسه بيديه من أجل أن يفضح الباطل المستور الذي أراد إدانته بينما عجز عن ذلك غالب الناس، أما البعض الآخر فيميل إلى وضع رقبته على رأس السكين إيمانا بأن هذه التضحية جزء من طقس تلطيخ يد الباطل بالدم حتى يصبح مداناً بالدليل الدامغ. هو يضحي بنفسه ويموت حتى إذا ما مات هو انتبه الناس جميعا.


من المذهل أن هذه الفكرة حملت نفسها في كثير من قصص التاريخ الخالدة الباقية. في الرواية البولسية –من بولس الرسول- لقصة المسيح(ع) كان هو الخلاص الأبدي لآثام البشر الذين تطهروا من خلال التدمير والقتل ونكران المُلك الموعود، فخلقوا مجد الصليب الذي نما وتألق ليصبح رمزاً لأكثر الديانات انتشاراً على الأرض. وفي قصة الحسين(ع) برواية شيعته، كانت الحاجة الماسة لإبراز الحق الذي أوشك أن يذوي في قلوب المؤمنين به من خلال السير في طريق الهلاك المحتوم حتى يدمغ على جباه الظلم إدانة شديدة الوضوح والألق بينما الناس كلهم نيام، وهكذا لم يعد من مجال لتسطيح خيار سبط رسول الله(ص) بأن يخوض معركة خاسرة واعتبارها محاولة يائسة لاسترداد عرش السيادة على أمة خذلت نفسها وأطهر رجالاتها، بل لا يساور العاقل شك بأن كربلاء –حيث قتل الحسين ونفر من مؤيديه- كانت مسرحاً لتطهيرٍ مخططٍ له لصورتي الحق المنبوذ ووحش الباطل المسيطر وقد كانتا حتى تلك اللحظة الدامية مجالاً للشك والتساؤل، أو هذا على الأقل ما أراد المؤمنون بحكمة وبطولة الحسين أن يؤمنوا به. لقد كانوا بحاجة لقربان يضعهم ومن يقتدون به في صف الحق دون تلكؤ أو حيرة، أو أنهم أرادوا أن يشعروا بالذنب أن الحق خُذل، ليكون ذلك وقودهم للمجاهدة لإثبات أن الحق ظاهر، والباطل زهوق لا محالة. القصتان باقيتان في حاضرنا ومستقبلنا أيضا من خلال المؤمنين بهما، وهذا أكبر دليل على أن عقيدة الفداء والخلاص التي تجسدهما القصتان، لها من السحر والقدرة على التألق ما لها.


في الحالتين تلك وحالات أخرى عرفتها الأديان الشرقية في مختلف العصور، كان تجسيد القربان تكراراً لرؤيا إبراهيم(ع) في ذبح ولده إسماعيل(ع)، وفي خروج موسى(ع) وقومه ليصنع “عجائب وآيات في أرض مصر وفي البحر الأحمر وفي البرية أربعين سنة” كما ورد في سفر الأعمال (35/7). إنها عقيدة “وراثة الذنب والتضامن في الخطيئة” كما ورد في نصوص التوراة في مواضع عدة، تعيدنا إلى حيث بدأت البشرية لهاثها المرير على سطح الأرض إثر خطيئة آدم الأولى التي أخرجته وحواء من الجنة. عقيدة وراثة الذنب تلك أيضا لها أصل في الديانة الوثنية الهندية التي سبقت الأديان الثلاث بقرون، وفي قصة بوذا عند الصينيين، فهو أيضا كان مخلّصاً. المصريون القدماء أيضاً آمنوا بقيامة مخلصهم بعد الموت ليكون ديّان الأموات يوم القيامة. تلك الفكرة تصر على ضرورة ظهور الصورة الجلية للحق، بأن تخرج من رحم تجليات الخطيئة القاسية أولا. وفي لا وعي كل الأمم، هناك أثر تقتفيه خيارات البشر جيلا بعد جيلا يصر على هذا الخيار المازوخي. وهكذا نتلمس في خيارات الناس كل مرة ميلاً نحو تمكين الباطل، حتى تكون تعريته ممكنة، من خلال خلاص جديد وفداء جديد، لأن الدم المسفوح هو السبيل الوحيد للكفارة.


قد يقودنا ما سبق إلى فهم اللغز الذي يدفع الثائرين والمنتفضين باتجاه الهلاك مع كل إصرارهم ويقينهم أن ذلك كان الملاذ الوحيد للخلاص، وهو ما يعني النصر في نظرهم، والانتحار في نظرنا. كما أن ذلك يفسر أيضا ميل الغالبية من الناس إلى انتظار مخلّص يضحي بنفسه من أجلهم قبل أن ينتفضوا. ربما لهذا يصر البعض أن على الباطل أن ينتصر في الجولة الأولى، حتى يمكن هزمه بالضربة القاضية في جولة موالية. ليس ذلك بالضرورة منطلق من يضحون بأنفسهم اولاً، لكنه دون شك ما يراه المراقبون الصامتون من بعيد. هذا المستعبد الضعيف يريد للمستبد أن يطغى أكثر حتى يسهل فيما بعد إيقاعه، وذاك يرى أن المزيد من المجازر وحمامات الدم هو كل ما يلزم لإدانة القاتل والإمساك به، لأنه لو لم يفعل فهو مشروع قاتل دون جريمة لا أكثر، وهذه لا تكفي لإدانته، وحتى وإن كان القاتل مداناً بجريمة ما، فإن ذلك الضعيف يميل إلى الاقتناع أن على القاتل أن يقتل بطريقة أكثر بشاعة وأكثر فضائحية حتى يستحق أن يتحد الضعفاء جميعا لقطع رأسه، ولربما أن هؤلاء يريدون لمجسّد الباطل أن يتيقن من شعوره بالانتصار حتى يضعف أو يكسل ويسهل الإيقاع به. البعض يرى أن رواج الباطل في مكان ما، لابد وسيفجر نفسه من الداخل عاجلا أم آجلا، ليعطي الفرصة للحق أن يُعرف ويعترف به، حتى إن كان ذلك يعني أن ينتظر الحق طويلا ليجد من ينصره. أما البعض الذي لا يرجى منه أي أمل هو ذلك الذي يعتقد أن الباطل يناسبه، مادام السكين لم يصل لرقبته بعد. لا أدري لو أن كل ذلك يعني شيئا آخر سوى أن على الأكثرية أن يموتوا كالأضاحي حتى يمكن ليد الذابح أن تُرى بوضوح، وحتى يصبح الخلاص والتطهير ضرورة لا مناص منها.


في تلك التفسيرات دعوة مفتوحة لصنع قاتل متسلسل شديد الانحراف بيننا في كل جيل، وعند كل زاوية، لأن الشعور بالخوف والرعب من أن نصبح الضحية التالية يبدو أنه الدافع الوحيد لدى كثير منا لأن يشغّل إرادة البقاء وحاجته للدفاع عن نفسه والقضاء على الخطر الذي يفتك به. نحن ننتظر غالباً أن يرينا الله الباطل باطلا ليرزقنا اجتنابه، لكننا لن نأخذ بالأسباب لإيجاده بأنفسنا. إلى ذلك الحين، موتوا أثابكم الله.


تدوينة جديدة: موتوا أثابكم الله ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 10, 2014 20:43

April 23, 2014

حوار حول التواصل الاجتماعي – محمد الهاشمي


الحلقة الكاملة لبرنامج المساء على قناة سكاي عربية، التي شارك فيها محمد الهاشمي للحديث حول شبكات التواصل الاجتماعي وأثارها على مجتمعات منطقة الخليج



تدوينة جديدة: حوار حول التواصل الاجتماعي – محمد الهاشمي ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 23, 2014 22:30

March 29, 2014

البصر والبصيرة بين الدين والدنيا


*مقال منشور في مجلة قراءات خليجية الإلكترونية


لا أستطيع أن أضع نفسي مكان من فقد حاسة البصر. تلك نعمة لا يعرف قيمتها إلا فاقدها. لكن العمى الظاهر ملموس، أما عمى البصيرة فهو مشكلة لا نراها غالباً، وإن كنا نُتّهم ونتهم به غيرنا كثيرا.


نحن نرى أنفسنا بعين المشفق في أبسط الأحوال، بينما يأخذنا الغرور والكبرياء إلى ما هو أبعد من ذلك. لهذا نحن قادرون في الغالب على نقد الآخرين، عاجزون عن نقد أنفسنا دون تبرير يخرجنا من مأزق ألا نحترم أنفسنا المفعمة بالأنا، وفي كثير من الأحيان نحن نعجز عن رؤية عيوبنا فلا نصل لمرحلة تبريرها أصلاً.


يحكي التراث قصة ذكر فيها أن عقيل بن أبي طالب دخل على مجلس معاوية بن أبي سفيان، وكان قد فقد بصره. أجلسه معاوية على سريره -وهذه عادة اختص بها معاوية في دبلوماسيته- وأكرمه ثم قال: أنا لك خير من أخيك علي. فرد عقيل: صدقت، أن أخي علي آثر دينه على دنياه، وأنت آثرت دنياك على دينك. فغضب معاوية وقال باستخفاف: مالكم أنتم بني هاشم عندما تكبرون تصابون بأبصاركم؟ فأجابه: وأنتم معشر بني أمية تصابون ببصائركم.


يفهم من المثال أن القصة تفرق بين فقد حاسة البصر التي تمكن الإنسان من النظر ورؤيا الأشياء، وبين البصيرة المتعلقة ببعد الإدراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي والوجداني، مع تشابه الصفات، فالبصر يضعف ويضمر فيعجز معه إدراك وتلمس المحيط المنظور، وعمى البصيرة يسبب حالة من الشلل في إدراك ما يترتب على أفعالنا وأقوالنا وضمائرنا، وهو ما يعني أن عمى البصيرة أمر متعلق بالإدراك النافذ إلى ما هو أبعد من المحسوس، ولذا كانت البصيرة محط اهتمام ديني كبير، لأنها تتجاوز المحسوس إلى ما هو أبعد، وتركز على كل ما هو لا مادي وملموس في هذه الحياة، انطلاقا إلى اليقين بالغيب وما يصعب إثباته على أرض الواقع. لكن الملاحظ في القصة أيضا أن عقيل ربط البصر بالدنيا، والبصيرة بالدين. عموماً، التراث الإسلامي يفسر البصيرة من منطلق النصوص القرآنية التي توحي بأنها إعقال اليقين بملكوت الله وإرادته، وفهمها من قلبٍ يتحلى بالوعي النقي. لكن تلك النصوص لم تضع عمى البصيرة في نطاق التشخيص والعلاج، إلا من خلال اعتبار الإيمان بالحق -الغيبي في معظمه- طريقا مؤدياً إليها. هذا يطرح تساؤلاً حول ما إذا كان الحق جلياً إلى هذه الدرجة وإن كان أعمى البصيرة مدركاً للحقيقة متعاميا عنها ليس إلا، أي أن عمى البصيرة اختيار، بعكس عمى البصر الذي نادراً – بل شاذا- أن يكون اختياريا. ماذا إذاً عن عمى البصيرة فيما يتعلق بحياتنا الدنيوية، في آرائنا حول أنفسنا وحول ما حولنا، وفي قناعاتنا المؤدية إلى أفعالنا وأقوالنا؟ أليست تلك دنيوية هي الأخرى، أم أنها تشكل في مجملها صورة الدين الذي أرادنا الله أن نكون عليه في الأصل، قبل كل الممارسات التي تميز سلوكياتنا نحوه؟! أي شخص يؤمن بالله يستحيل أن يظن أن الله خلقنا لنكون عميانا.


يتساءل الملحدون مثلاً، ألا يقول الله إن الدين عنده هو الإسلام، أي بمعنى آخر هو التسليم والخضوع لإرادة الله واليقين بوجوده وقيّوميته دون وعي وإدراك ملموس؟ إذاً كيف يمكن أن يكون الدين إبصاراً؟ ألا يطالبنا الله هكذا أن نعمى عن كل ما يشكك في وجوديته ونسلّم فنسلِم لأننا ببساطة لا نستطيع أن نراه جهراً؟ وتكثر الأسئلة بعدها – وكثيرا ما يتهكم الملحدون عند طرحها ليزدادوا إيمانا بإلحادهم- والمشكلة تكبر لأن مؤسسة الدين تعاني فقراً في التفكير المنطقي والعقلاني، ونادراً ما تجد عالما بالدين قادرا على استيعاب أي سؤال من خارج صندوق الموروث.


ليس هناك حل لكل تلك التساؤلات المحيرة في نظري سوى أن نضع أمامنا قناعة أن الدين يراد به أن نكون ذوي بصائر أولا، حتى نتمكن من اليقين بالله لا أن يحدث العكس. أي أننا لن نسلم ونسلّم قبل أن نمر بكل الشكوك التي تعتري عقولنا وقلوبنا، وأن الإسلام الذي يولد معنا ليس إلا عرفاً لا يشترط أن يجعلنا مسلمين بالضرورة، لأنه عاجز وحده عن أن يصيغ إنسانيتنا التي تتطلب منا أن نكون ذوي بصائر. وبلا بصائر فنحن مقلدون لا أكثر. يشبه الأمر أن تولد أعمى وتتعلم طوال حياتك كيف تدرك ما حولك، وحينها يتكون عندك إدراك أن الخشب صلب وأن الماء سائل، وفي نفس الوقت تتعلم أن السماء زرقاء وإن لم ترها، وأن الشمس تشرق وتغرب وأن القمر يتجزأ ويكتمل. أنت عندما تكون أعمى البصر، لن تستطيع تلمس الشمس والقمر من مكانك على الأرض، لكنك ولاكتمال الصورة بحاجة للثقة أن ما يراه كل من حولك حقيقي. في الوقت نفسه وحتى تثق بوصف من حولك لكل ذلك، ستضع ما يروونه من أحاديث وأقاويل تحت ميزان عقلك الواعي، وقلبك المستنير، فإن قبله واستأنس به صار بديها. قد يأتي أحد العميان ويقول أن السماء حمراء لكن أعين الناس تراها زرقاء لعيب في تكوينها وعملها، وقد يكون الأمر حقيقة، لكن ذلك الأعمى سيبدو أحمقاً بادئ الأمر، حتى يثبت ما يقوله بالدليل.


نحن نولد عميانا بالضرورة، أيّ إيمان أو إلحاد يبنى على ما تبصره أعيننا فقط، سيتداعى، لأنه لم يتسلح بقناعة نهائية حول ما لا نستطيع أن نراه. فلو كانت تلك القناعة ضرورة مع استحالة رؤيتها، فمن الأولى أن تكون مبنية على كل ما يمكن إجراؤه من محاولات، لا أن تبنى القناعات على كسل أو استعباط أو تقليد. إن كنت ملحداً فأتمنى أن تثبت لي أن قناعتك بأن لون السماء هو ما تراه فقط هي نابعة من إدراك كامل أن لاشيء أبعد من النظر، وإن كنت مؤمناً فلا ينبغي أن تسلم جزافاً بأن السماء التي تراها حمراء لأنك تريد أن تراها هكذا فقط، دون أن تحاول ولو مرة واحدة أن تبحث في أصل الشيء وتتبين حقيقته. لو عمل بذلك أي من الاثنين، لما كنا في أزمة مع الحق والباطل ولما كانت هناك عداوة بين الكافر والمؤمن. لكن السبب أو المسبب الذي دعا إلى وجودنا في هذا الكون أراد أن نكون تحت هذا الاختبار دائما. وأعتقد أن من يؤمنون بما وراء المحسوس والمنظور هم أولى بالمبادرة إلى النظر ببصائرهم قبل أن يؤمنوا بما وراء البصر.


تدوينة جديدة: البصر والبصيرة بين الدين والدنيا ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 29, 2014 15:44

March 8, 2014

الهاشمي: من الجميل أن يتحلى المبدع بالجرأة والشجاعة لخوض المجهول


لقائي اليوم في “صحيفة اليوم” السعودية أجراه المبدع الأديب الصحفي عبدالله زايد



http://www.alyaum.com/News/art/125337.html#.UxrGc6VH8q4.twitter


 


تدوينة جديدة: الهاشمي: من الجميل أن يتحلى المبدع بالجرأة والشجاعة لخوض المجهول ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 08, 2014 12:32

March 5, 2014

ممنوع من النشر: الكرة الآن في ملعب قطر


كثير من التوترات شابت العلاقات القطرية الخليجية، ولا يبدو أنها في طريقها للتحسن، على الرغم من أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة لأمير قطر كانت تدعو لتحسن متوقع في العلاقة بين قطر وكل من السعودية والإمارات والكويت. الكرة الآن باتت في ملعب قطر، في ظل معطيات جديدة للربيع العربي تختلف تماما عن تلك التي كانت تشكل ملامح الثورات قبل ثلاثة أعوام، وهي الآن في يد أمير جديد في الدوحة، يفترض أن له توجها مستقلا نحو قضايا المنطقة.


الملاحظ في تداعيات أزمة خطب القرضاوي المنبرية التي انتقد فها الإمارات عدة مرات بشكل مباشر ثم بشكل ضمني الأسبوع الماضي، أن الإمارات الآن بانتظار بادرة تكشف غموض الموقف القطري من شيوخها في ظل استمرار القرضاوي في لوم الحكومة الإماراتية إزاء الموقف في مصر خصوصا، وحربها الصارمة على التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي اتهمته أبوظبي بمحاولة إثارة انقلاب في الداخل بأيدي عناصر إماراتية الجنسية وأخرى عربية تدين بالولاء لمرشدها الأعلى وفيلقه السياسي في القاهرة. ويبرر الترقب الإماراتي لرد فعل يعيد الأمور إلى نصابها بين الجارتين والشقيقتين التاريخيتين، ما أشار إليه تصريح الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي من تأكيد على الروابط الأخوية التي تربط البلدين، وامتداحه أمير قطر الشيخ تميم في تصريح راهن، عقب استدعاء خارجية الإمارات السفير القطري في أبوظبي على خلفية خطبة للقرضاوي.


وعلى الرغم من قيام الشيخ تميم بزيارة للإمارات تؤكد حرص قطر على علاقتها بجارتها، إلا أن عودة القرضاوي للتلميح المتهكم والاستفزازي ضد الإمارات في خطبة أخرى، أعاد كل التحركات نحو حل المشكلة إلى نقطة الصفر، وزاد من حدة التوتر في العلاقة إصرار قطر على تبرير حق القرضاوي في قول ما يشاء من باب احترام الحريات. ذلك المبرر تراه الإمارات واهيا فيما يبدو، مقارنةً بما برز أنه قرار سياسي قطري بحبس الشاعر الشعبي محمد بن الذيب على خلفية قصيدة “الياسمين” التي انتقد فيها نظام بلاده، مما يشير في نظر المراقب أن قطر تكيل مسألة الحريات بمكيالين، وهو ما يؤكد شكوك الإمارات إزاء الموقف القطري منها. ويفاقم من الأزمة في العلاقة ويدفعها بعيدا عن التحسن، حرب شعبية شعواء تجري بين القطريين والإماراتيين في صفحات التواصل الاجتماعي، بلغت حد الإساءة للرموز السياسية والاجتماعية، في ظل اتهامات متبادلة من الطرفين، أن ما يحرك تلك الإساءات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. وبينما عكست تصريحات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد ما يلمح لبراءة يد حكومة الإمارات من تلك الإساءات، فإن قطر لم تخرج بتصريح يعفيها من المسؤولية عنها، الأمر الذي يجعل الموقف القطري أكثر غموضا وشبهة.


لا شك أنه لم يعد خافيا أن خط السياسية الإقليمية القطرية يتعارض بشكل واضح مع خط سياسات دول مجلس التعاون الثلاث، السعودية والإمارات والكويت تتبعها البحرين، لكن مخاوف المراقبين تتجاوز ذلك التعارض لتضع مخاوف من مستقبل مجلس التعاون ككل، مع اتساع شرخ العلاقات بين قطر وجيرانها بسبب مواقفها المؤيدة للثورات، التي ترى المملكات الخليجية أنها تهددها وتقوض مصالحها الإقليمية، ومع حدة الموقف المقابل المعارض للربيع العربي الرافض للتعامل مع أي حكومة ذات صلة بالإخوان المسلمين. لن تحل الأزمة تلك نفسها فيما يبدو، بل أن الوقت لا يلعب في صالح تضييق أثرها، فإن غاب عن قطر أنها بحاجة لاحتواء الموقف وإثبات حسن النية، فإن جاراتها من دول الخليج عازمة في الغالب على حسم الموقف نحو مواجهة الدوحة بشكل مباشر وأشد ضراوة. السعودية والإمارات تحديداً، لا يبدو أنهما تستخفان بالموقف بل أن كل المعطيات تشير إلى أنهما يعدان العدة لوضع حد لما تراه تهديداً قطرياً لها، حتى وإن كان مستقبل التعاون الخليجي هو الخاسر هنا.


ليست المسألة خاضعة لقياسات المبادئ والقيم وحدها في تلك الحالة، ولا يتعلق الأمر بفضائلية موقف أي من الجانبين من الربيع العربي والثورات، فحتى الثورات تلك لم تعد تتخذ الشكل الذي بدأت عليه، وتحولت من احتجاجات سلمية تحقق “ثورات” أو انقلابات ناعمة في رأس السلطة، إلى حروب شوارع وصراعات سياسية جرّت دول الثورات إلى الكثير من المصاعب. الأمر يتعلق بادئ الأمر بمصالح تلك الدول المشتركة، وأبعاد تلك المواقف وأثرها على توازنات القوى الإقليمية، في ظل عودة المارد الإيراني إلى الساحة السياسية الدولية وتقاربه مع الغرب، ومع صعود الجماعات المتطرفة في كل من سوريا واليمن وليبيا وغيرها، ومع الاستقرار الذي تتمتع به إسرائيل وتفرغها للبناء للمستقبل، ومضيها قدماً في الاستيطان وتهديد الحق الفلسطيني في الأراضي المحتلة. هذا التوتر لا يخدم العرب دون شك، وإن كانت قطر ترى في مواقفها المؤيدة للثورات نفعا للأمة، فإن من الأجدى أن ترى أن أزمة علاقاتها مع الدول التي تعارض تلك الثورات ستسبب ضرراً طويل المدى على الأمة ككل. ولأن قطر لاعب رئيسي في خريطة المنطقة الدبلوماسية والسياسية، فإنها دون شك بحاجة لحل يحقق مصالحها مع الدول الجارة، حتى وإن كان ذلك لا يعني أنها مستعدة لتغيير موقفها من الربيع العربي.


قليل من الاحتواء لسلسة الاستفزازات التي يؤدي إليها الموقف القطري من الثورات لن يضيرها، ما دام سيحقق من جانب آخر شيئا من الاستقرار والهدوء للوضع الإقليمي. ويبدو أن الوقت يداهم الجميع وأن الصبر بدأ في النفاذ في أكثر من اتجاه. ومما لا شك فيه أن منبر القرضاوي الديني هو آخر مكان لحل الأزمات السياسية.


 *المقال منع من النشر في صحيفة القدس العربي اللندنية بتاريخ 27/2/2014


تدوينة جديدة: ممنوع من النشر: الكرة الآن في ملعب قطر ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 05, 2014 03:54

February 20, 2014

أنسي الحاج: الحب عِوض كُلِّ شيء ومكانَ كُلِّ مكان


لم يكن ليغلب أنسي الحاج الوقت، لكنه قرر لوحده أن يتحداه، وهو الذي قال حينما غيب الموت صديقه ورفيق أشعاره جوزيف حرب إن الأخير “”قاتلَ الوقت حتى قتله لكن الوقت قبل أن يموت ترك له الحب”.


كان أنسي يعلم أن “أقسى ما في الأمر، عندما تتعذر الصلاة على صاحب المحنة، إذ يجف حلقه من فرط الفزع” وأوصانا أن نصلي سلفاً، فباحتجابه تحت رداء المرض والألم نحن من كنا في محنة. الموت رداء كرهه لأنه أراد أن يبقى “عارياً”. ويبدو أن أنسي لم يعد يحتملنا، لذا فقد قرر الرحيل. ترك لنا شاهداً من شعر كتب عليه: “ما عُدتُ أحتمل الأرض، فالأكبر من الأرض لا يحتملها. ما عُدت أحتمل الأجيال، فالأعرف من الأجيال يضيق بها. ما عُدت أحتمل الجالسين، فالجالسون دُفنوا”. هكذا، قرر أنسي الحاج ألا يكون بيننا، وكللت رأسه “ريشة صغيرة تهبط من عصفور”.


ترك وقت أنسي الحب لنا نحن أيضاً، يحمله جميل شعره ونثره وتراجمه الخالدة، ولم يعد يعرفه إلا العميان “لأنهم يرون الحب” كما قال في إحدى قصائده. أنسي عندما أحب كان الشلال الذي أعطى، وتواضع عندما وصف محبوبيه بالإبريق، وعدّ أن عطاء الإبريق أكرم لأنه أكبر من طاقة الشلال.


لم يكن السرطان وحده الذي سرق بعضاً من وقت أنسي، حتى وإن كان قد شهد على أننا “في زمن السرطان: نثرا وشعرا وكل شيء”. كان الوقت ينزلق منه في آهات لبنان التي توجع لها ولحالها مراراً، كما غناها قصائد حب وعتب. وقد رفض هذا الفذ كل ما يمكن أن يقدس البراءة، لأنها لا تنتمي إلى حقيقة إنسانيتنا، رفضها “كأنها  أتربة علقت بجسد من الأفضل أن يغتسل لنراه عارياً” على حد وصف الشاعر عبدالمنعم رمضان.  كان وهو يرى ما يحدث حوله يترقب عودة المسيح ليعري كل ما لم يعد بقداسته التي كانت فـ الرهبان رهبان لأجل أنفسهم. الصليب نجم سينمائي. الأناجيل صارت كتاباً كجميع الكتب”.


لم يؤنس أنسي شيء أكثر من الأصوات، ففي نظره إن “بعض الأصوات سفينة وبعضها شاطىء وبعضها منارة”. لهذا، كان يرى صوت فيروز “السفينة والشاطىء والمنارة، والشعر والموسيقا والصوت”. ولما غنت له هبة القواس، شدت بكلماته “أغنيك حبيبي، من أجل أن ألامس حياتهم شيئاً مما تلامس حياتي”، ليوضح أن الصوت أيضاً أعمق عنده في الحب من ملامسة الجسد. ومما لا شك فيه أن الموسيقى كان لها شأن كبير في وجدانه، وقد رأى أنه “ليس بين الفنون ما يشبه الدين مثل الموسيقى..لكنها دين بلا عقاب ولا حدود ولا عدو، و(تعصبها) يزيد الحرية”.


كان من المفارقة أن أتعرف أول مرة على نتاج هذا الشاعر العظيم من خلال ترجمته الشهيرة لكتاب أدولف هتلر الشهير “كفاحي”. أكثر ما لفت نظري كان اللغة والموسيقى الباهرتين، عكس كلٌ منها رشاقة قلمه وقدرته على مراقصة مشاعر القلق والغضب والكراهية والتعصب التي كان كتاب هتلر محملا بها. لا بد أن أنسي رأى في هذا الكتاب شيئاً ما دفعه نحوه، لربما أنه عُرْي هتلر الواضح في كل عبارة كتبها وهو يؤمن بها. ذلك العري حمله أنسي معه في ترجماته لمسرحيات شكسبير وكامو وقصائده النثرية التي نشرت في ست دواوين. بعد سبعة وسبعين عاما أضاء بها سماء الأدب العربي، ترك أنسي الحاج لنا إرثاً سنشتاق لتداعياته وعُرْيه كثيراً، وستهب دونه الريح التي “تذهب بالثلج، وبالثلج تعود”، بينما اتخذ شاعرنا أفاقاً عظيمة وجعلها حفراً. حفرة أخيرة اتسعت لجسد شاعرنا لتخلصه من وحشة الأرض، والآفاق بعد حبلى بعظيم إبداعه، لأنه اتخذ الحب “عوض كل شيء ومكان كل مكان”.


للاستماع للمقال: http://molhum.com/blog/wp-content/uploads/Onsi_elhaj.mp3


*مقال منشور في صحيفة القدس العربي اللندنية بتاريخ 20-2-2014 هنا


تدوينة جديدة: أنسي الحاج: الحب عِوض كُلِّ شيء ومكانَ كُلِّ مكان ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 20, 2014 05:15