أحلام يحيى جحاف's Blog, page 7
November 29, 2022
عالم كرة القدم
لست من مشجعي كرة القدم ...يحدث أن أشاهد بعض المباريات في المونديالات لكأس العالم ...وانسجم مع مايدور في الملعب وبعد ذلك أنسى الأمر ...
لا أحفظ اسماء الفرق ولا اللاعبين...
هذه المرة توقفت قليلا، فالمونديال بأرض عربية وفرق عربية تلعب... وجماهير من كل مكان تأتي لبلاد العرب ... شدني احتفال الافتتاح ...الأغاني التي صدح بها مطربون ومطربات بألحان جميلة وأصوات أكثر جمالا ...كلمات عربية تتردد في الأغاني سيرددها من لا يعرف العرب ولا لغتهم...
الأغنية حالمون أو دريمرز التي غناها الكوري جونغ كوك أكثر من رائعة بكلماتها الجميلة ولحنها المبدع. كرة القدم ليست مجرد لعبة. هناك الكثير مما يصاحب هذه اللعبة ...ما يسمى بالقوة الناعمة ...
كل هؤلاء البشر الذي أدمنوا عشق هذه اللعبة...تغزو أفكارهم ثقافات جديدة عليهم ... من كان سيعرف البرازيل ويتحدث عنها لو أنها لا تملك فريق لكرة القدم ...
رأيت على شاشة التلفزيون... أسرة مصرية الأم والأب واطفالهم الثلاثة يرتدون ملابس فريق البرازيل في مقابلة مع مذيع قام بجولة في أحد شوارع قطر ...أفراد هذه الأسرة سافروا قطر ليحضروا مباريات فريقهم الرياضي الذي يعشقونه... أمثالهم يسافر كل أربع سنوات لبلد ربما لم يفكر بزيارته...وهناك يحتك بالناس ويسمع لغتهم، ويمشي في شوارع مدنهم...يصرف الكثير من الأموال في ذلك البلد وهو يشعر بالسعادة والمتعة... يعود لبلده وهو يحمل الكثير عن ذلك البلد، ولا يبقى البلد بالنسبة له مجهولا...متوحشا...منعزلا...
تتغير كثير من الأحكام التي ربما كان يحملها عن ذلك البلد وقد يدفعه الفضول لمعرفة تاريخه وحضارته وثقافته...
هذا جزء مما تعنيه القوة الناعمة لكرة القدم. لكل زمان أدواته، وكرة القدم من أهم أدوات هذا الزمن لحمل ثقافة بلد ما، أداة توحد الناس رغم جنونهم وتطرفهم في التعبير عن ولعهم بهذه اللعبة. يتحول اللاعب لأيقونة، لمثل أعلى بلباسه وتصرفاته. البلد التي تستخف بهذه اللعبة تخسر الكثير دون أن تدري، بل تخسر جزء من ابناءها الذي يتعلقوا بلاعبين من دول أخرى خارج حدود بلادهم في عصر الفضاءات المفتوحة...
October 5, 2022
قراءة لرواية عداء الطائرة الورقية لخالد حسيني:
تقع الرواية في خمسمائة وسبع صفحات من الدهشة والحسرة المتواصلة عبر تلك الصفحات. تحكي الرواية حكاية ذلك العداء الذي يشير إليه عنوان الرواية. وصورة الغلاف لطفل وطائرة ورقية وسماء زرقاء تلونها السحب، بعد قراءة الرواية قد يقف القارئ أمام صورة الغلاف والعنوان ليستعيد حكاية الطفل الذي لربما كان ذات يوم يحمل حلم كبير لم تتسع له سماء بلاده.
المؤلف يهدي الرواية لحارس وفرح ربما طفليه، وإلى أطفال أفغانستان...لمسة عاطفية عميقة من كاتب يدرك عمق مأساة أطفال أفغانستان. ويصدم القارئ بفداحة الواقع الذي عاش فيه عداء الطائرة الورقية.
غالبا ما أميل إلى القصص الواقعية، التي تحكي حياة الناس ومعاناتهم، بعيدا عن الخيال، فالخيال لا يستطيع أن يحملنا لتلك الأماكن المرعبة في الحياة الواقعية. قد يلجأ للخيال من يعيش حياة عادية لا مفاجآت ومأسي بها، عكس من يعيش فيما يسمى بدول العالم الثالث والتي يعجز الخيال عن تصور ما يجري هناك ...
رواية أحزنتني وآلمتني، وهي تكشف جزء من بشاعة البشر تجاه بعضهم. جاء على غلاف الرواية أنها باعت أكثر من 22 مليون نسخة حول العالم، هل الفضول لمعرفة ما يجري في بلد مثل أفغانستان كان أحد الدوافع ليقرأ الناس الرواية، أم أسلوب الكاتب والذي أمسك بمشرط وكشف عن جزء من الواقع المخيف بكل شجاعة بعيدا عن الانحيازات، يعرض الواقع بكل بشاعته على لسان طفل لأسرة من الطبقة الراقية والمقتدرة فيضع القارئ على شكل الحياة في أفغانستان والعلاقات بين الناس قبل الغزو السوفياتي لبلده، ونتبعه بعد هروبه مع أفراد اسرته من مدينته إلى باكستان في رحلة تذكر برواية رجال في الشمس لغسان كنفاني، لكن هنا يموت شخص واحد وينجو البقية. ونتابع الرحلة إلى أمريكا لنعيش مع الجالية الأفغانية في أمريكا. ويعود بطل الرواية أمير لباكستان بعد تلقيه رساله من صديق والده والذي يدفعه للعودة لبيته في أفغانستان بحي وزير أكبر خان في كابول لإنقاذ الطفل عداء الطائرة الورقية، وهو ابن حسن عداء الطائرة الورقية الذي عاش معه طفولته قبل خروجه من أفغانستان. تسيطر على بطل الرواية مشاعر الذنب لما فعل بصديقه حسن عداء الطائرة الورقية في طفولته، ويحاول الآن التكفير عن ذنبه بحق صديقه حسن عبر إنقاذ ابن حسن من حياة تعيسة في أفغانستان.
ونعرف هذا من الصفحة الأولى للرواية: " في أحد أيام الصيف الماضي، هاتفني صديقي رحيم خان من باكستان، وطلب مني أن أذهب لرؤيته. وأنا أقف في المطبخ والسماعة على أذني، عرفت أن من على الخط لم يكن رحيم خان وحسب، بل ماض مثقل بذنوب لم يكفر عنها. بعد أن وضعت السماعة، ذهبت للتمشية عند بحيرة "سبريكلز" في الطرف الشمالي لمنتزه " جولد جيت". تلألأت شمس العصر على صفحة المياه حيث تبحر العشرات من القوارب الصغيرة، يدفعها نسيم منعش. ألقيت نظرة لأعلى فأبصرت طائرتين ورقيتين حمراوين بذيلين أزرقين طويلين، تحلقان في السماء. كانتا ترقصان عاليا فوق الأشجار على الطرف الغربي من المنتزه، فوق طواحين الهواء، تسبحان جنبا إلى جنب كعينين تنظران من عل إلى سان فرانسيسكو، المدينة التي أسميها الآن وطني. وفجأة همس صوت حسن في رأسي: "من أجلك ألف مرة ومرة".
حسن عداء الطائرة الورقية صاحب الشفة الأرنبية". ويعرض هنا، عبر صفحات الرواية وطفولة الطفل أمير، بشكل صادم العلاقة بين البشتون وهم من السنة الذي ينتمي إليهم أمير بطل الرواية ونعرف أنهم من يسيطر على البلاد فهم يمثلون الأغلبية، وحسن الذي يعمل والده خادم في بيت بطل الرواية وتربيا معا، حسن من قبيلة الأقلية الهزارة الذي يصفهم بطل الرواية بأصحاب الوجه المستدير الذي يشبه الدمى الصينية المصنوعة من الخشب الثقيل، ويمثلون الأقلية الشيعية ويعيشون تحت رحمة البشتون في ظروف لا إنسانية ويتم التعامل معهم كأنهم بدرجة الحيوانات.
تعود لذاكرة بطل الرواية عدد المرات التي كان حسن يدافع عنه ويحميه حتى لو تعرض للأذى، ويتذكر بحسرة كيف تخلى هو عن حسن وهو يتعرض للاغتصاب أمام عينيه. لم تكن الرحلة لأفغانستان سهلة ومريحة فالبلد تحت سيطرة طالبان. ونرى بعيون بطل الرواية مدى التدمير الذي أصاب الحي الراقي والبيت الكبير الذي عاش به طفولته. " قلت: - هل الأمر سيء كما اسمع؟ قال: - لا، اسوا. أسوأ كثيرا. أنهم لا يسمحون لك بأن تبقى إنسانا."
الرواية يمكن تصنيفها بالأدب الواقعي الاجتماعي، فهي تحكي جزء من تاريخ أفغانستان البلد الذي لا نعرف عنه الكثير، بكل تناقضاته ومآسيه. لغة الكتاب بسيطة وواضحة، يوضح فيها المؤلف صعوبة الهروب من الأسرار الدفينة التي يحملها المرء من طفولته، صعوبة الهروب من مشاعر الذنب والخيانة لأقرب الأصدقاء مهما حاول المرء أن ينكرها لكنها تنبعث فجأة كما يحدث لأمير الذي تعود له كل ذكريات طفولته عندما هاتفه صديق والده رحيم خان.
أحداث الرواية تبدأ من الفترة الملكية في أفغانستان وسقوط تلك الملكية وظهور الجمهورية، والدمار الذي يخلفه الغزو السوفييتي للبلاد، وفترة الجهاد وآثارها على البلاد خاصة بعد الخلافات المميتة بين قادة المجاهدين بعد خروج السوفييت من البلاد وانتشار الفوضى في البلاد وسيطرة طالبان. تنتهي الرواية قبل الغزو الأمريكي للبلاد.
الحوارات رائعة، وأسلوب السرد في الرواية يشد القارئ للنهاية، وكأنه جزء من الحدث. هي من الروايات التي تؤلم وبقوة فهي لا تجمل الواقع ولا تمجد شخصيات ولا تسقط في فخ الدفاع أو الاتهام لأي جهة، بل ببساطة تسرد أحداث يومية صادمة في حياة شخصيات الرواية.
ومن الرائع تطريز المؤلف للرواية بألفاظ وعبارات باللغة الأفغانية، لغة البشتون، فتشعر أنك انغمست داخل المجتمع الأفغاني بعاداته وتقاليده وموسيقاه وشعره وأدبه وروائح طعامه وسلوكيات أهله. اقتباسات من الرواية:
- تعلمت أن ما يقولونه عن الماضي، عن قدرتك على دفنه، خطأ. لأن الماضي يشق طريقه. - عندما تقتل رجلًا فأنت تسرق حياة، تسرق حق زوجته في أن يكون لها زوج، تسرق من أطفاله أباهم، عندما تكذب تسرق حق شخص في معرفة الحقيقة، عندما تغش تسرق الحق في المنافسة الشريفة.
- إنّ العيون نوافذ على الروح. - الأطفال ليسوا كتب تلوين. لا يمكنك أن تملأهم بألوانك المفضلة.
- أن تملك ثم تفقد أكثر إيلاما من الا تملك أصلا.
- غمرني الحزن. كانت العودة إلى كابول أشبه بأن تقابل مصادفة صديقا قديما منسيا، فتعرف أن الحياة لم تكن منصفة معه، أنه بات شريدا ومعدما.
المؤلف خالد حسيني: كاتب وطبيب أفغاني، ولد في كابول عام 1965.
عمل والده في الحقل الدبلوماسي طلب جق اللجوء بعد الغزو السوفياتي لبلاده عام 1979. نشر روايته الأولى "عداء الطائرة الورقية"، عام 2003 والتي احتلت المرتبة الأولى ضمن قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا.
وفي عام 2007 نشر روايته الثانية "ألف شمس ساطعة" والتي لقت الشهرة ذاتها. وفي العام 2013 نشر الرواية الثالثة " ورددت الجبال الصدى". رواياته تدور جميعها حول أفغانستان وما يحدث فيها.
September 14, 2022
قراءة لرواية فتاة القطار لباولا هوكينز
" جائزة قراءة الغودريدز لعام 2015"
" الرواية التي كسرت الرقم القياسي في المبيعات – الغارديان"
هذا ما تقع عليه عينا القارئ على غلاف الرواية التي وصفت بأنها الأعلى مبيعا على موقع أمازون لعام 2015، والحاصلة على جائزة اختيار قراء الغودريدز لنفس العام. والأفضل مبيعاً في العام 2016 في إنجلترا وأمريكا، بيع منها 15 مليون نسخة في مختلف أنحاء العالم من الرواية. وترجمت الى 42 لغة.
ترجمها للعربية الحارث النبهان. هذا النجاح للرواية دفع المخرج ستيفن سبيلبرغ لشراء حقوق تحويلها الى الشاشة الكبيرة، بفيلم يحمل اسم الرواية من بطولة البريطانية إيميلي بلنت. وحقق أرباح تجاوزت أربعة أضعاف ميزانيته المدفوعة.
ملخص الرواية:
الرواية صيغت بطريقة الراوي غير الموثوق به، لتستمر في جذب القارئ وتتركه فريسة للتخمينات والتوقعات حتى النهاية. استخدمت الكاتبة الصوت الأول أو ضمير المتكلم، للنساء الثلاث التي تدور الرواية على ألسنتهن أو من وجهات نظرهن، لنعرف في كل مرة جزء من الحقيقة من وجهة نظر كل واحدة منهن. ولدى كل واحدة منهن ماض مضطرب، وقصة حزينة، حيث تبرع الكاتبة في تصوير هذه الانفعالات.
تبدأ الرواية على متن قطار حيث نتعرف على البطلة الرئيسية للرواية، راشيل، امرأة شابة مطلقة ومدمنة على الكحول، تستقل القطار مرتين يومياً في رحلتها بين لندن وضواحيها، تنطلق صباحاً في الثامنة واربع دقائق من إحدى ضواحي لندن، حيث تقيم، إلى قلب العاصمة البريطانية لندن، وتعود به الى منزلها عند الخامسة وست وخمسين دقيقة مساء. تجلس دائما في المكان عينه، جهة النافذة.
خلال فترة توقف القطار عند الإشارة الضوئية تتأمل من مقعدها منزلاً جميلا غير بعيد عن خط القطار، يقطنه رجل وامرأة، وخلال رحلتها اليومية، ترسم في مخيلتها قصة للزوجين الرائعين الذي تراقبهما من نافذة القطار كل صباح عندما يتوقف القطار عند تلك الإشارة الضوئية، فتنظر للزوجين وهما يتناولان إفطارهما على الشرفة. صارت ترى حياتهما كاملة، حياة غير بعيدة عن حياة خسرتها منذ وقت قريب، فهما يعيشان قريباً من الشارع الذي يسكن فيه طليقها توم وزوجته الجديدة آنّا. ثم ترى ما يصدمها.
مرَّت دقيقة واحدة قبل أن يتحرك القطار لكنها كانت كافية لتتحطم صورة الزوجين المثاليين، وفي اليوم التالي تقرأ عن اختفاء الزوجة وتعرف أنها تدعى ميغان وزوجها سكوت. تغيّر كل شيء الآن. لم تستطع راشيل كتم ما رأته فأخبرت الشرطة وصارت مرتبطة بما سيحدث بعد ذلك ارتباطاً لا فكاك منه مثلما وجدت نفسها مرتبطة بكل من لهم علاقة بالأمر، وتتخوف راشيل من إمكانية أن يكون لها يد في اختفاء ميغان، فهي كانت ثملة للغاية في ليلة الاختفاء، ما يجعلها عاجزة عن تذكر ما الذي فعلته خلالها، أو إدراك لماذا انتهى بها المطاف في الصباح مُثخنةً بجروح وكدمات بالغة. وبعدها تبدأ رحلة كشف حقائق، وأسرار قديمة، وجرائم، وشخصيات مزيفة.
تظل راشيل تجاهد مع ذاكرتها لتعلم ما حدث يوم اختفاء ميغان وخاصة بعد عثور الشرطة على جثة ميغان، لتدرك انها اخر من رآها حية، لكن ذلك يستغرقها فترة طويله لاستعادة الوقائع، لأنها للأسف تستمر في الشرب بطريقة تفقد الآخرين الثقة بما تقول.
وتنتقل الكاتبة الى حياة راشيل، تلك الحياة البائسة لمن ادمنت على الكحول، لمن خانها زوجها و تركها وحيدة رغم حبها له لأنها لا تنجب، وزواجه من عشيقته آنا وجلبها لتعيش في بيت راشيل، ذلك البيت الذي اسسته مع زوجها. وينتقل صوت السرد بلسان ميغان، التي تختلف في حقيقتها عن الإطار الذي رسمته لها ريتشل كزوجة مثالية، ليتكشف لاحقاً أنها تمتلك سراً مريعا، لكن المؤلفة تتعمد تضليل القارئ بخصوص الرجل الآخر في حياة ميغان ولا يكتشف القارئ ذلك إلا قبل نهاية الرواية.
كما يروى جزء من الرواية على لسان آنا التي تتزوج سكوت بعد طلاقه من راشيل. وهي لا ترى أي سوء في خطف زوج من زوجته، وتعتبر انها تفتن الجميع، تستطيع سرقة أي رجل من زوجته و حياته لأنها فقط جميلة، وتبرر لنفسها ما فعلته: “كنت مستمتعة بهذا، بل أحببته في حقيقة الأمر. لم أشعر بأي ذنب أبداً. كنت أتظاهر بأنني أشعر بالذنب"، وتظل تكيل الشتائم البشعة لراشيل عندما يصور لها خيالها أن راشيل تريد إفساد زواجها.
وهنا نأتي للفكرة الأساسية في الرواية: الواقع، ومدى سهولة التلاعب به، وكيف ترفض بطلات الرواية الثلاث راشيل وميغان وآنا تقبله. وعبر صفحات الرواية تنجح الكاتبة في تضليل القارئ لتثبت لنا أن في هذا العالم لا شيء يبدو كما هو في الواقع.
تتناول الرواية عدد من القضايا الحساسة مثل: الخيانة الزوجية، التوهم والتلاعب بالآخرين وبمشاعرهم، الإدمان الذي يدمر حياة الناس فهو مجرد وسيلة للهروب من مواجهة الحقيقة، وتصور ببراعة كيف يرفض المرء قبول الواقع ويتمسك بالآمال الكاذبة والزائفة، ويصل الأمر كما حدث لبطلة الرواية والتي قبلت إذلال نفسها على أمل أن تستعيد زوج لم تعترف بحقيقته البشعة، وفضلت خداع نفسها. تلاعبت الكاتبة بالزمن في الرواية، فتارة يُقدم وتارة يُؤخر، وذكرت تاريخ الجدث في أعلى كل فصل.
وتميزت الرواية بوصف التفاصيل الدقيقة للألوان والروائح مما يسهل للقارئ رسم المشهد بخياله وكأنه يراه بوضوح. كما أعطت كل شخصية حقها ووصفت دواخل كل شخصية بدقة. لكنها ركزت كثيرا على شخصية راشيل. الشخصيات الرئيسية في الرواية كلها إناث بما في ذلك المحققة في قسم الشرطة.
لكن تلك الشخصيات جميعها اتصفت بالسلبية المفرطة. ريتشل مطلّقة ترفض تقبُّلَ حقيقة أن زوجها كوّن عائلة جديدة، وما زالت تلاحقه. هي أيضاً عاطلة عن العمل بعد طردها من وظيفتها. ومدمنة على الكحول.
ميغان الشخصية الشريرة تسعى لتدمير من يهجرها أو يؤذيها. تقريباً لا صفة إيجابية باستثناء الجمال، تخون زوجها وتعاني من مشاكل نفسية وماض مرعب.
آنا لا تتورع عن خطف زوج من زوجته. المحققة شخصيتها بغيضة ومتسرعة في حكمها على الأشخاص ولا تتصف بالحكمة.
كما أن الرواية تحتوى على الكثير من التلميحات الجنسية وغريبة الأطوار أحيانا، وكأنها كتبت لتتحول إلى أحد أفلام الإثارة والتشويق التي تزدحم بها الشاشات.
المؤلفة بولا هوكينز: ولدت الكاتبة البريطانية باولا هوكينز، ونشأت في زيمبابوي واستقرت في بريطانيا ابتداء من عام 1989، لتشغل حالياً منصب نائب المحرر المالي في «ذا تايمز» بلندن.
المترجم: الحارث النبهان مترجم سوري مقيم في بلغاريا، ولد في دمشق عام 1961.
بدأ عمله في الترجمة عام 1991م، وترجم الكثير من المؤلفات عن اللغة الإنجليزية من أبرزها رواية 1984 لجورج أورويل.
وإليه يعود الفضل في إيصال كتب ثمينة شهيرة على صعيد العالم إلى القراء العرب. ونوعية الترجمة ملفتة للنظر لم تعد الكتب المترجمة بلغة صعبة الفهم وعبارات غريبة، بل ترجمة سلسة وكأن اللغة العربية هي لغة الرواية. وهذا تطور إيجابي في لغة الترجمة يحسب للمترجم.
July 30, 2022
قراءة ناقدة للمجموعة القصصية: لست سوى امرأة:
تراث الاستعلاء في قصص أحلام جحافبقلم : يحيى اليازلي يتقاطع عنوانا المجموعة القصصية "لست سوى امرأة" ورواية "إضرام النيران" للقاصة والروائية أحلام جحاف في أن كليهما أتى على لسان الآخر.. فعنوان لست سوى امرأة جاء على لسان شرطي المرور وهي عبارة يقولها بصورة شبه دائمة الذكور كصورة من صور هيمنة الرجل في المجتمع العربي واليمني تحديدا.. وقد تأتي على لسان المرأة كدلالة على رضوخ ومجاراة ومداراة للثقافة الذكورية. وبالنسبة لعنوان رواية "إضرام النيران" فقد جاء أيضا على لسان الآخر مقتبسا من عبارة لسقراط.. كنسق ثقافي ينم عن اطلاع واسع وأصيل للروائية أحلام جحاف والتي تسعى في ثنايا فصول روايتها تكريس فلسفة الأخلاق في العملية التعليمية. لكن ماذا لو سألنا سقراط هل توجد امرأة فيلسوفة.. أعتقد سيجيبنا سقراط ومعه أفلاطون وأرسطو بقوله 'لا.. ليست سوى امرأة.. آراؤهم معروفة وأعتقد أن فلاسفة اليونان استعلائيون تجاه المرأة أكثر من غيرهم.. وعندي في هذه الجزئية بالذات أن لا فرق بين نظرة أرسطو وشرطي المرور.. لذا فإن العنوان يدينه أكثر من أن يستهله. كتبت قبل عام تقريبا عن دور الجدات في تشكيل وجدان الأحفاد وأقصد الجدات تحديدا كرمز للذاكرة الشعبية الثقافية والدينية وأنها هي الناقل المباشر للثقافة الموروثة للجيل التالي أكثر من الوالدين لأن الوالدين يكونان وما يزالان في حالة نضوج وتطور في الوعي ولم يكتسبا بعد الخبرات والثقافة الشعبية التي تؤهلهما لنقل المحتوى الثقافي الشعبي إلى الأبناء.كنت وما زلت أريد أن أكتب بحثا أحاول أن أعالج فيه مشكلات إجتماعية ونفسية.. المسبب المباشر لها هو الموروث الحكائي والتديني الشعبي.. مثل أوهام العين والمس والسحر والشعوذة منطلقا مما فهمت من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وممررا كل ذلك على ما أعتبره حدود العقل من وجهتي نظري. فالعين بمفهومي هي الحسد وتأثيره على المحسود مستقبليا عبارة عن ردة فعل كيدية وليست روحية مباشرة. ما ينتج عنها من أفعال إنتقامية كسعي الحاسد إلى الفتك بالمحسود أو الإضرار به بيده أو كلامه ما يسوقه إلى إزالة النعمة عنه ولا أستصيغ فكرة إصابة المحسود بالعين المباشرة بمجرد النظر إليه. السحر بمفهومي عبارة عن القدرة على التأثير في الناس بالأفكار وليس بالطلامس والشخابيط وعندي أن الأفكار السلبية هي التي شكلت إنشقاقات في الأمة الإسلامية وجعلتها سبعين فرقة هي عين السحر وهي السحر ذاته. المذاهب والأيدلوجيات هي السحر.. هي التي تفرق بين المرء وزوجه والمرء وصديقه والمرء وأخيه والمرء وعشيرته. والمس من وجهة نظري هو المس الفكري أو المس العقدي الذي يصيب الناس بواسطة بعض الحكايات للأطفال والجهال والذي يتطور داخل وعي الطفل ويشكل صورا من الرعب والتصور المرعب المتفاقم للجن والمخلوقات الأخرى المشابهة والتي ليست موجودة أصلا إلا في الأساطير.. كالغول وأم الغول وصياد وأم الصبيان وأم قالد وبقرة الليل والطاهش والبعبوع.. كل هذه أوهام موروثة صنعها الخيال العامي وطورها في حكاياته وليس لها أشكال محددة لأنها لا توجد في الواقع أصلا. تريد أحلام جحاف أن تعالج في مجموعتها القصصية 'لست سوى امرأة' الجهل والخرافة. وفي روايتها إضرام النيران مشكلات التربية والتعليم. وقدمت فلكلورا شعبيا في شكل فلسفي.. وقدمت مضمون فلسفي في شكل شعبي.. تربوية من حيث أنها معلمة ومعلمة من حيث أنها مربية. في حكاية "وعاد رمضان".. وفيه سنتعرف على بعض من عادات اليمنيين في رمضان.. وسنتعرف على مفهوم الأطفال للصيام أو صيام رمضان من وجهة نظر الأطفال.. أو رمضان كما يراه الأطفال.. خاصة الجزئية التي تصف كيفية صيام الأطفال وأن نهارهم الرمضاني يجب أن ينتهي عند أذان الظهر.. لذلك يجبرونهم على تناول الغداء.. وبهذا يكونوا قد صاموا نصف يوم لأن الأم ستتكفل بخياطته مع نصف اليوم التالي بالإبرة.. لكي يصبح يوما كاملا. وتشعرك طفلة الحكاية في حكاية الطفلة أنها كانت تتعرض بإجبارها على الإفطار لاستعلاء من جانب الكبار. لقد جرتني الكاتبة إلى ذاكرة الطفولة الرمضانية وأن لي كطفل طقوسا خاصة في رمضان وفي غيره. مفهوم الأطفال لبعض العبادات يظهر في سلوكهم الفطري والمكتسب أيضا.. أتذكر كنت إذا رأيت في الطريق حذاء مقلوبا أتجه إلى الحذاء لأقلبها لأنها موجهة كما كنت اتصور إلى الله.. أيضا إذا رأيت قطعة خبز مرمية في الشارع كنت آخذها وأقبلها وأضعها للحظات على رأسي ثم أجد لها مكانا بعيدا عن دهس الأقدام. إن للأطفال نبوءات.. شعور الأطفال بأن في أسنانهم التي يرمونها في عين الشمس أسرارا.. هم لا يعون ما هي.. قد تحقق في زمننا فالطب الحديث قد استطاع استخراج خلايا جذعية من الأسنان اللبنية فعلا.. هذه الثقافة الشعبية الطفولية التي يورثها الاطفال لأترابهم جيلا بعد جيل لم تأت من فراغ ولكنها نبوءة فطرية لا تخيب. استعلاء الحماة في التراث الشعبي.. في حكايات أحلام جحاف له دوافع و مبررات تدينية أو عادات اجتماعية.. كذلك الذكر على الأنثى.. وبالمقابل استعلاء المرأة على الرجل كما في حكاية "حطام رجل". واستعلاء المسؤول على المواطن.. واستعلاء امرأة المسؤول.في قصة بقرة الليل بدا الاستعلاء مخيفا من جهة العمة أخت الأب والتي مارست الترهيب على بنات أخوتها وبصورة عامة استعلاء الأهالي على الطفولة.. والذي ترك اثرا بليغا في نفسي الطفلتين.. لازمهما طوال العمر. في قصة "غصن الشذاب" بدت العمة الحماة أو أم الزوج مستعلية على زوجة ابنها "سماح" والمسوغ هنا تراثي شعبي.. له علاقة بالعين.. والمس.. لذلك كان لزاما عليها إرغام زوجة ابنها 'الوالدة' على وضع غصن الشذاب تحت ثيابها وتحت غطاء رأسها وأماكن متفرقة من جسدها.. لدفع عين الحسد.. التي قد تصيبها من النساء الزائرات.. وكذلك حماية لها من أن يمسها جان أثناء استخدامها الحمام. حكاية "الزنيحية" أيضا نفس الاستعلاء.. الحماة توبخ زوجة ابنها "جميلة" وتحذرها أن لا تنعس أثناء تواجد الزائرات في "مكان الولاد" وإلا فستاتي الزنيحية لتسلبها الحليب من جيوبها.. كما أرغمتها على لبس غطاء غليظ على رأسها لإعطاء مظهر اجتماعي موروث للوالدة.. في حين أن الجو حار ويكاد يخنق الأم والرضيع.. في قصة نورية بدا الاستعلاء ليس فقط على أم نورية الأرملة التي أرغمت على الزواج من أخي زوجها الكبير.. لكي لا يذهب الإرث الذي تركه المتوفي الثري خارج نطاق العائلة.. بل إن الاستعلاء مورس على "نورية" الطفلة التي أرغمت بدورها على الزواج من ابن عمها.. لذات السبب الذي أرغمت من أجله والدتها. ما يؤكد أن الاستعلاء لا يتم بصورة فردية على الضعفاء بل ينسرب كل أفراد العائلة.. في قصة لست سوى امرأة وهي صياغة مفصحة للعبارة العامية التي جاءت على لسان شرطي المرور.. بقوله للفتاة التي تقود السيارة بعد أن أوقفها زاعما أنها خالفت قواعد السير مع أنها لم تخالف لكنه خاطبها وبلهجة استعلائية " انتي غر مره".قصتان هما "توقيع شيك" و "ضربوا المدير وأسعدوا الموظفين".. جاءتا خارج سياق الحكي الشعبي كتأكيد على استفحال متأصل ممتد لثقافة الاستعلاء حتى في أروقة منشآت الدولة في الوقت الحاضر.


