كوثر الجهمي's Blog, page 6
October 30, 2021
من "سيّدة عاديّة" إلى "حكواتية"!

قِلّة قليلة (مازلتُ أكنّ لها كل الودّ) أولئك الذين عرفوا مدونتي "سيدة عادية" التي كنت أكتب وأتمرن فيها على شتى أصناف الكتابة، بين العامين 2015 و2018، حذفتها تماما بعد انهماكي في العمل الروائي رسميًّا، وانخراطي بشكل فعال في مجتمع منصة فاصلة (العظيمة).
وها أنا اليوم أنشئ مدونة من جديد، بل أكثر من ذلك؛ بودكاست أيضًا!
لماذا التدوين مجدَّدًا؟
لِمَ لا أكتفي بالفيسبوك، وإنستاغرام، وقبل ذلك فاصلة، وأي موقع آخر أنشر عبره، او أساهم فيه؟
في الحقيقة المسألة ليست مسألة اكتفاء؛ هي فقط مسألة تنظيم وترتيب، ووضع بعض الأمور في موقعها الصحيح.
يعني ذلك ببساطة، أن المدوّنة أُنشئتْ لغرض أرشفة كل المادة التي أكتبها، ولبعض التدوينات التي لا يمكن تصنيفها بالتالي نشرها على أي منصة!
إضافة لكل ما تعلّق بكتاباتي: مقالات وقصص، حوارات وتقارير، مراجعات كتب سواء من جهتي او من جهة قراء أعمالي.. إلخ. على يمين المدونة (أو يسارها حسب لغة متصفحك) تظهر قائمة "أقسام المدونة"، لمن أراد الاطلاع.
هذه الخطوة أراها ضرورية لكل كاتب يرغب في حفظ بياناته وكتاباته، وعملية الحفظ خارج مواقع التواصل الاجتماعي مهمة لأمرين:
أولًا أن منصات التواصل الاجتماعي غير مأمونة، وغير مريحة، وقد تختفي بين عشية وضحاها! علاوة على أن عملية الرجوع فيها لموضوع سابق منهكة وغير عملية.
ثانيًا، لأن الكاتب في حاجة لمرجع واحد يدرجه في سيرته الذاتية، هذا إن رغب في التقدم إلى منصة كتابة أو صحيفة، أو أراد مراسلة دور النشر، أو حتى أراد المشاركة في مسابقة ما.
ثالثًا، أنا عادة لا أتواصل مع طلبات البريد التي تأتيني عبر السوشال ميديا، لأني (عن تجربة) لا آمن سلامة نوايا المرسل او جدّيّته، ولا نيّة لي في تكرار المجازفات التي تفلح أحيانًا وتخيب غالبًا، أمّا التواصل عبر المدونة أو عبر البودكاست لن يقوم به إلا من يملك الرغبة بحق في ذلك، لا مجرد شخصية "مكسّدة عالفيس".
هذا فيما يتعلق بالمدونة، أما البودكاست، فكما ذكرت في الحلقة الافتتاحية منه (هنا) أنا أشعر براحة أكبر حين لا أضطر لإظهار وجهي!
وبالمناسبة، محتوى البودكاست قد يحوي تكرارا لبعض المقالات التي سبق ودونتها سواء حول الكتابة او القراءة، وهذا للذين يفضلون سماع الحديث بدلًا من قراءته :")
ولمن أراد متابعة المدونة والبودكاست، كل الشكر لاهتمامك
كوثر الجهمي
October 8, 2021
"مجموعة مناسبة لأوقات الإنتظار"

"لكوثر الجهمي قلم فاتن يشد القارئ من أعماق قلبهِ ويؤثر به وقد يُبكيه حتّي ، بارعةُ في تسليط الضوءِ علي أشياءٍ قد نعتبُرها من روتينيات الحياة لكنها حين تُكتبُ بقلم كوثر تصير أحداثًا تستحقُ أن تُروي وأن نلتفت لها وننظُر عن كثب ، ونستقِي منها العِبر .
أمّا عن هذه المجموعة القصصيّة فهي لطيفة جدًا ، رفيقةٌ مناسبة لأوقات الإنتظار المُملة ، تنوُع القصصِ بها كان شيئًا مُلفتًا وجذابًا ، ففي كُل مرة تختلفُ الشخصيّات يختلفُ معها أسلوبُ السرد و الكتابة ويختلفُ نوعُ القصّة ، و بالرغم من قُصر كُلّ قصة إلّا أنّي كُنت أستغرقُ وقتًا بعد إنهاءِ أيٍّ منها في تأمُل ما قرأتُ لتوِيّ ولأُعطِي لنفسي فُرصةً للتعافِي من الأفكارِ والمشاعر التّي عصفت بي بسببها ، ببساطة كُلّ قصّة كانتْ تُحفة فنيّة مُتفردة بذاتِها تستحقْ أن تُحكي ، أيضًا العناوين كانت مُلفتة ومُنتقاة بعبقريّة تتناسب مع مضمون كُل قصة وفكرتها التّي وصلتْ في كُل القصص -دون استثناء - ببراعة ."
_بسمة
د. رشا سمير تكتب عن "عايدون"

لماذا فرض الواقع الشرقى على المرأة العربية الانكسار؟
هل ترتبط الوطنية بالبقاء فى الوطن؟
هل نكتب لنتخلص من هموم الأوطان أم لنحملها على ظهورنا؟
هل تدفعنا بعيدا؟ أم هى التى تصنع هويتنا الإنسانية؟
فإما نحن ننتمى أو لا ننتمى.. إما نبقى أو نرحل.. إما أن يضمنا الوطن أو يلفظنا.. إما أن نكتوى بجراحه أو نغض أبصارنا عن آلامه.
ترفع الكاتبة الليبية كوثر الجهمى بين صفحات روايتها «عايدون» الصادرة عن دار الساقى للنشر فى 174 صفحة من القطع المتوسط، النقاب عن المجتمع الليبى وتكشف تعقيداته من خلال رواية تطرح أسئلة مهمة، أسئلة بدت لى منذ الوهلة الأولى وكأنها تتحدث عن قضايا الوطن العربى بأكمله وليس فقط عن ليبيا، فالهموم العربية واحدة، أفراح وأتراح، فمن اضطهاد المجتمع الذكورى للنساء العربيات وتهميش قضاياهن.. إلى الثورات العربية التى حطمت أحلام المنطقة وحتى الاحتلال الأجنبى لمعظم الدول العربية فى تاريخ المنطقة البعيد.
الرواية فازت بجائزة مى غصوب للرواية، ومى غصوب «1952-2007» لمن لا يعرفها هى كاتبة وفنانة لبنانية، ومؤسسة دار الساقى للنشر مع رفيق دربها أندره كسبار.. وهى جائزة لا تقدم قيمة مالية حال الفوز، بل تُمنح لمن لم يسبق له نشر أى رواية من قبل وتتمثل قيمة الجائزة الحقيقية فى النشر وهى سبب خروج هذه الرواية إلى النور.
هنا يجب أن أتوجه بالشكر للجنة التحكيم المكوّنة من الشاعر عباس بيضون والروائى جبور الدويهى، ورانية المعلم مديرة تحرير دار الساقى للنشر عن تقديمهم لرواية تستحق القراءة وتستحق الدعم، فالمثقف الحقيقى هو القادر على التفرقة بين العمل النفيس والعمل الردىء.
ليبيا الإيطالية:
تبدأ الرواية دون الدخول فى التفاصيل السردية حتى أدع للقارئ مجالاً للتمتع بأحداثها، بإلقاء الضوء على آثار الاستعمار الإيطالى لليبيا الذى دفع الكثيرين من أهلها إلى البحث عن وطن آخر بعد أن لفظهم المستعمر.
يروى التاريخ أن محاولات الاستعمار الإيطالى للسيطرة على إقليمى طرابلس وبرقة اللذين كانت تحكمهما الدولة العثمانية لم تكلل بالنجاح إلا فى الثلاثينيات عندما سيطرت مملكة إيطاليا على المنطقة.
فى 3 أكتوبر 1911 بدأ الغزو الإيطالى لليبيا بطرابلس بدعوى أن الإيطاليين جاءوا لتحرير الليبيين من الحكم العثمانى، ورغم المقاومة العنيفة من الليبيين للغزو، قامت الدولة العثمانية بتسليم ليبيا إلى إيطاليا بتوقيع الطرفين اتفاقا تعترف بموجبه الأستانة بامتلاك إيطاليا لليبيا فى ما عرفت بمعاهدة لوزان فى 1912.
وفى 1934 قامت إيطاليا بدمج إقليمى طرابلس وبرقة كإقليم مستعمر واحد تحت الاسم التقليدى للبلاد «ليبيا» والذى صار الاسم الرسمى للمستعمرة.. ومن هنا رحل من رحل عن ليبيا وعاد إليها من عاد عقب جلاء الاحتلال.
1- غزالة وحسناء.. بطلتان وتمثال واحد
الحقيقة أن فكرة الرواية بديعة، فالفكرة باختصار دفعتنى إلى البحث، والبحث دفعنى إلى المعرفة، والمعرفة تحتم علىّ أن أنحنى احتراما لفكرة الجهمى المختلفة..
الرواية بطلتاها الأم «غزالة» والابنة «حسناء».. غزالة الإعلامية والصحفية صاحبة الرأى والموقف سورية الأصل، والتى انتقلت للعيش مع والد غزالة فى طرابلس بعد فقدان زوجها فى تشاد، وحسناء هى الابنة أو حفيدة الجد التى ورثت عن أمها العناد والثورة ولم تجد فى الثورة الليبية ما يدعو إلى التفاؤل.. وكيف يتم ربط مصير «حسناء وغزالة» بالتمثال الشهير الذى يحمل الاسم نفسه.
وميدان الغزالة أو نافورة الغزالة والحسناء، كما يعرف فى طرابلس، هو ميدان صغير تتوسطه نافورة بها تمثالان هما تمثال «الغزالة والحسناء»، ويمثلان مشهداً فنياً لامرأة عارية تمسك بجرة وتعانق غزالة صممها فنان إيطالى يدعى أنجلو فانيتى، فى مطلع ثلاثينيات القرن العشرين إبان الاحتلال الإيطالى لليبيا.. وقيل إنها أسطورة من أساطير الآلهة الإغريقية..
استيقظ سكان طرابلس فى أحد الأيام من عام 2014 ليجدوا تمثال الغزالة والحسناء قد اختفى، ولم يبق إلا حوض النافورة المزين بفسيفساء زرقاء.
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتم الاعتداء فيها على أجمل تماثيل مدينة طرابلس، ففى عام 2012 فوجئ سكان المدينة بقماش أزرق يحيط بكامل التمثال ويحجبه عن المارة من قبل الإسلاميين المتشددين.
فى نفس وقت اختفاء التمثال، تختفى غزالة وابنتها حسناء من الرواية وهو الربط البديع الذى قامت به الروائية، تدور الشكوك حول أن تكونا قد اختُطفتا مع اختفاء التمثال.. ومن هنا تبدأ أحداث الرواية.
يبرر الأب تسمية ابنته وابنتها باسم التمثال الذى فُتن به قائلا:
«فتنت بتمثال الغزالة رغم أنه صمم وصنع بأيدى المحتل، ورغم أنه لم يُصنع لتجميل طرابلس الإيطالية، ولكننى تخيلتنا جميعا نمر من هناك رافعين رؤوسنا.. تخيلت الشوارع التى لم يكن يطأها الليبيون -إلا كانوا متطلينين- تعج بالجرود والأردية الليبية.. لم نكن نعرفها بشوارعها ومعالمها الإيطالية، ولا أنكر أننا شعرنا أنها ليست مدينتنا».
2- "عايدون" بين الاسم والمكنون
هرب والد غزالة إلى سوريا أيام الاحتلال الإيطالى ثم عاد إلى ليبيا بعد سنوات ليصبح اللقب الذى رافقه للأبد هو لقب «عايدون»!.
فى حوار مع ابنته التى تبدو حانقة على أوضاع كثيرة، يوضح الأب لها أصل الكلمة ومعناها من وجهة نظرهم ونظره، قائلا:
«عايدون.. دعينى يا ابنتى أحدثك قليلا عن هذه الكلمة التى قد تكون استفزتك كثيرا، لم أستوعب ما رمى إليه كثيرون بها، نعم أنا من العائدين الذين هاجروا لأسباب متعلقة بالاحتلال الإيطالى، ثم عادوا بعد عودة الوطن إلى أبنائه، ولكن المعنى بالنسبة إليهم لم يقتصر على هذا المفهوم، لقد رأوا فى الهجرة خيانة، والعودة طمعا فيما ليس لنا حق به بعد أن خذلناه.. لقد ربطوا مفهوم الوطنية بالبقاء فى الوطن، رغم أن الواشين أيام الطليان، من كانوا له السمع والبصر، هم ليبيون بقوا فى أرض الوطن ولم يرحلوا عنه».
هذا هو اللقب الذى تتمحور الرواية حوله، هل للعائدين حقوق؟ أم هم متخاذلون ولا يتمتعون بوطنية كافية؟ أم هم من داهمهم اليأس فارتحلوا ليتخلصوا من هموم الأوطان؟
3- مجتمعات القهر الأنثوى
ولأن الأوجاع فى الدول العربية واحدة، فالأكيد أن المرأة العربية فى ليبيا هى المرأة فى كل مكان آخر، تتناول الروائية مشكلات المرأة الليبية فى المجتمع الذكورى والنظرة الدونية التى لا تزال تعانى منها النساء بجُمل بين الفصول تكتب تاريخا من القهر.
من خلال الأحداث ينكشف سر كبير فى حياة غزالة، يصنع بينها وبين ابنتها حاجزا، ويدفع الابنة إلى التشكك فى علاقتها مع والدها..
وتبرر غزالة موقفها بالمعاملة التى لاقتها فى بيت زوجها وتقول:
«الأمر لا يتعلق بحالة الكبت والسيطرة الذكورية فى بيتهم، كل تلك السيطرة والعنجهية الذكورية شىء طبيعى يتوارثه معظم الرجال فى بلادنا، ولا تعنى بالضرورة احتقارهم لنسائهم أو بناتهم، فبعضهم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يعبرون عن خوفهم ومحبتهم لهن».
وتطرح الكاتبة أيضا من بين السطور قضية أخرى شائكة وهى قضية الحجاب ومفهومه بين الدين والعُرف..
«كم شككوا فى عفتى وشرفى لكونى غير محجبة، وكم حاولوا إجبارى على ارتدائه بكل الطرق المهينة فما زادونى منه إلا نفورا».
4- تاريخ يتكرر.. تقول حسناء:
«لا تفهم كلامى بأنه استهانة بمن ماتوا من أجل أهداف نبيلة، لكن ما الذى تحقق من تلك الأهداف حتى الآن؟ ينتابنا جميعا شعور بأنكم نسيتم أهدافها التى ضحيتم من أجلها حسب زعمكم.. مؤيدى الثورة يعتقدون يقينا أن كتائبكم ماهى إلا كتائب القذافى متنكرة بزى جديد وشعارات جديدة، صدق أو لا تصدق، إنهم يرمونكم على شماعة النظام السابق وأنتم تفعلون مثلهم، دوامة لن يخرج منها الوطن إلا على غرفة الإنعاش.. الناس الذين كفروا بالثورة هم أولئك الذين خربت بيوتهم الواقعة على أرض النار.. هم أولئك الذين لم يرتضوا أن تنتقم قبائل من قبائل ومدن من مدن بسبب ضغائن متوارثة لقرون تحت رداء الثورة والأزلام».
وتُلخص المعنى الحقيقى للوطن فى كلمات أراها حال كل الأوطان التى تنطق بلسان الضاد:
«كونى متأكدة أن وطنك ليس بحاجتك، وطنك أرض عمرها ملايين السنين، وستبقى.. نحن نتوارثها جيلا بعد جيل، يطمع فيها أبناؤها مرة وأعدائها مرات عدة، ولكنها باقية، الوطن لا يحتاجنا، نحن من نحتاجه، أن عمليات الهجرة ماهى إلا محاولات لإيجاد أوطان جديدة؟ قد تنجح مرة ولكنها تفشل مرات.. ويبقى الحنين إلى تلك البقعة كأنها مركز الكون لكل منا، المرفأ الذى يربط قلوبنا، فلا نملك الإبحار بعيدا عنه، ولا الرسو فيه مجددا بعد أن باتت أعماقه ضحلة».
تحية لكوثر الجهمى القلم الواعد، التى استطاعت أن تكشف عورات المجتمع الليبى وترفع الغطاء عن همومه ومشاكله دون خوف.. وتحية لدار الساقى اللبنانية التى تمتلك مجموعة متميزة من القائمين على اختيار الأعمال ممن يستطيعون تقييم الأدب الذى يستحق النشر بحق دون غيره.
«عايدون».. سرد يتجول في المكان

الشارقة: علاء الدين محمود
تمثل رواية «عايدون» لليبية كوثر الجهمي، الصادرة عن دار الساقي، والفائزة بجائزة مي غصوب للرواية العربية عام 2019، مناسبة جيدة للقارئ العربي للاطلاع على جديد الإبداع والأدب الليبي، خاصة أن العمل جاء بصورة ومضمون جديدين ومختلفين. فالكاتبة غاصت عميقاً في مجاهيل الواقع الاجتماعي، وعبرت عنه بلغة شاعرية مفعمة، وسرد يقدم إضاءات واكتشافات جديدة في ظل التطورات السياسية، ومن الممكن أن نقول إن العمل هو بمثابة سيرة ثقافية للبشر في ليبيا.
تقتفي الرواية حياة الليبيين في الداخل بكل صعوباتها، وكذلك الذين ضمتهم المنافي في العواصم العربية والعالمية، وبصورة أساسية، تتعمق الرواية في مسيرة الخراب الذي مس ليبيا، وأثره الكبير في البشر، ونجحت الكاتبة في صنع مادة سردية جمعت بين الواقع والمتخيل، فكان أن أنتجت نصاً فانتازياً يتجول في الزمان تاريخاً وحاضراً، ويمارس الإسقاط على الواقع الاجتماعي الراهن، وتطرح الرواية الكثير من الأسئلة حول الإنسان والمصير، حيث يتضمن العمل موقفاً فكرياً يحيط بليبيا وكل الواقع العربي الراهن. ولئن جاءت الحمولة الفكرية كبيرة في المتن السردي، إلا أن الكاتبة أفلحت في تمرير عوالم الرواية الثقيلة عبر أدوات سردية وفرت المتعة والجمال.
الرواية وجدت صدى كبيراً في المواقع القرائية المتخصصة، خاصة في ما يتعلق باللغة والبلاغة.
«لغة رفيعة».. هكذا وصف أحد القراء أسلوب السرد، وقال: «فوجئت بهذا المستوى الرائع من توظيف اللغة الشاعرية في عمل روائي، وتكمن المفارقة في أن هذه الشاعرية تتناول وتتحدث عن مسيرة من الوجع والألم والإحباط، وكذلك التخلف على مستويات اجتماعية متعددة»، في ما يتوقف قارئ آخر طويلاً عند بعض اللمسات الفلسفية في الرواية، ويقول: «جاء العمل وهو يحمل العديد من المضامين الفكرية، لعل من أهمها طرحه لسؤال الوطن، وهل يُقرّر الإنسان أن أرضاً ما، هي وطنه أصلًا؟ هل هو وثيقة هوية أم سنوات طفولة وصبى يحصيها ويقرر بعدها أي الأوطان هو وطنه؟ أليس الوطن هو الذي يجب أن يشعر فيه الإنسان بكرامته؟».
«جدل الهوية»، ذلك ما خرج به أحد القراء، عندما ذكر أن سؤال الهوية هو المادة الأساسية للعمل، ويقول: «لقد تشكلت أحداث وعوالم الرواية بصورة أساسية من الموقف من الهوية، فهي الحلقة التي تدور عليها الرواية، ويتمثل ذلك في متابعة هجرة شخوصها الرئيسيين إلى خارج ليبيا، وكيف عاشوا حياتهم في بلد جديد»، بينما يتوقف آخر عند العنوان كعتبة نصية مهمة ومفسرة لعوالم الرواية وأحداثها، ويقول: «لقد برعت الكاتبة في اختيار العنوان اللافت والجذاب والمتضمن لأحداث العمل، حيث إن «عايدون»، تطلق على الذين خرجوا من بلادهم لأسباب سياسية، وبصورة خاصة بسبب الاحتلال البريطاني، حيث تدور كل تفصيلة في العمل عن هؤلاء».
«تأرجح بين التاريخ والسياسة».. هكذا وصف أحد القراء مضامين العمل وفكرته، وقال: «لقد أخذتنا الرواية في سياحة مفعمة بالجمال والمتعة إلى تاريخ ليبيا، وكذلك طافت بنا في دهاليزها السياسية بطريقة ممتعة، خاصة على مستوى الوصف ورصد الوقائع الغريبة، والمشاهد الإنسانية المؤثرة»، في ما يرى آخر أن اللافت في العمل هو الاحتفاء بالمكان، ويقول: «تخلق الرواية علاقة حميمة بين القارئ والأمكنة التي تحدثت عنها ورصدتها في طرابلس، من أزقة ومقاهٍ وشوارع».
مع منصة فاصلة

(مباشرة بعد الإعلان عن صدور الرواية، فبراير 2019)
"عايدون" رواية للكاتبة الليبية و"فرد عائلة فاصلة" كوثر الجهمي هي الرواية الفائزة في الدورة الأولى لمسابقة "مي غصوب" عن "دار الساقي" المعروفة عربيًّا، والتي تحصد منشوراتها سنويًّا جوائز عربية وعالمية.كوثر الجهمي سيّدة ليبية، تحوّلت من كاتبة مغمورة إلى كاتبة ليبية حصدت جائزة عربية عن رواية تنقل جزء من واقعنا الليبي المحلّي، وعطت فرصة لبقيّة العالم يتعرّف على ليبيا من زاوية "فنيّة".
هل كل هذا كان بمحض الصدفة؟ ولما "عايدون" بالذات؟ هل يمكن فعلًا أن يصل أحدنا لمبتغاه دون وساطات؟ الأسئلة كثيرة، والإجابات لها في مقالنا الحميمي هذا مع كوثر…
= من حوالي الأسبوع تم الإعلان عن الفائز في مسابقة مي غصوب، وكانت أول مرة يظهر اسم "كوثر الجهمي" لكثيرين سواء عربيا أو محليًّا- باستثناء متابعي فاصلة- والسؤال البديهي هو: من هي كوثر؟
كوثر هي سيدة ليبية عادية، أم لأربعة أطفال، معلمة في مدرسة ثانوية، ويبدو أمرًا غريبًا أن أكون مع كل هذا كاتبة ومدونة منذ ثلاث سنوات تقريبًا، ورئيسة تحرير في منصة فاصلة لأكثر من عام. يسألني كثيرون "كيف توفقين بين كل هذا؟"، سؤالهم هذا كان يُشعرني بالذنب، إلا أني اكتشفتُ لاحقًا أن المسألة مسألة أولويات وإيمان بأهمية أن يكون لديك شغف تعتني به، وكأنه واحد من أبنائك.
= كيف قادرة تخلقي توازن خاصة إن تكون "أم" كاتبة جادّة لا يعتبر أمرًا شائعًا؟
التوازن يفرض نفسه، أكذب إن قلت بأني قادرة على أن أكون أما ومعلمة وكاتبة ومحررة في يوم واحد، كل ما في الأمر أن نسبة اهتمامي بكل مسؤولية تختلف من يوم لآخر، قد أكون في يوم ما أُما أكثر من أي شيء آخر، وقد تطغى الكاتبة أو المحررة أو المعلمة في أيام أخرى على البقية، ولا أنكر اتكالي على زوجي فيما يتعلق بتلبية طلبات أبنائي حين أكون منهمكة في عمل آخر أحيانًا، أما بقية المسؤوليات فلا يوجد شيء لا ينتظر. وأعتقد أن هناك سرٌّ آخر،هو إهمالي للجانب الاجتماعي المتعلق بالزيارات والمجاملات الذي تتسم به مجتمعاتنا، أعترف بتقصيري في هذا الجانب؛ ولكني لا أشعر بالذنب حياله.
= لكل شيء بداية، وبدايتك مع الكتابة مثيرة للاهتمام والإعجاب، شاركينا بها…
لا أذكر متى تحديدًا بدأت أكتب، ربما منذ بدأنا في مقرر مادة "التعبير" كجزء من مقرر "اللغة العربية" في الابتدائية. كم كان الأمر مربكا بالنسبة لي حين سمعتُ زملائي يقرؤون نصوصهم أمام المعلمة، سألتهم كيف استطعتم كتابته بهذا الجمال؟ أجابوني بصدق بأن أحد أبويهم قام بكتابة "موضوع التعبير" لهم في مسودة وقاموا بنقلها منهم!
فما كان مني إلا أن ألحّيت على أبويّ بالمثل، ولكنهما رفضا رفضًا قاطعًا! فاضطررت -ببعض المساعدة منهما- إلى كتابته، وهنا لي وقفة جادة في الإعراب عن مدى امتناني لحصولي على أبوين هكذا، الأمر لا يتعلق فقط بحسن تربيتهم وعنايتهم بي وبإخوتي؛ بل يشمل حرصهما على تنمية مواهبنا وتجربة كل جديد.
علماني آلية بسيطة لكتابة أي موضوع تعبيري، فاتبعت إرشاداتهما، وقرأت موضوعي على الصف، أُعجبتْ به معلمتي، ومن حينها؛ صارت حصة مادة "التعبير" المفضلة لدي -إلى جانب حصة الرسم-، وامتحان "التعبير" -خلافًا لكثير من زملائي- كان تحديًا ممتعًا!
اقتنيت وأنا في العاشرة أول مفكرة، اشتراها لي أبي كي أكتب فيها مذكراتي، ربما لهذا السبب تحولت الكتابة تدريجيا إلى وسيلتي الأولى للتعبير عن أفكاري أو ما يثير حيرتي، وحنقي في أحيان كثيرة.
الكتابة والقراءة في سن مبكرة كنز يظل مدفونًا حتى نقرر الكشف عنه، هذا الكنز الذي وهبني إياه أبويّ، إضافة للدعم المستمر والتشجيع المتواصل من جهة أخواتي وأخي، كله هيأ لي البيئة المناسبة لاكتشاف شغفي بالكتابة.
أحاول اكتشاف الوسيلة التي تدفع بأبنائي للتعبير عن أنفسهم مثلي، وأجد في ابنتي البكر "يمنى" ذات الشغف المتعلق بالكتابة والمفكرات الملونة والأقلام! نشترِ لها ما تريد، فتملأها بيومياتها وهي بعد في الثامنة من عمرها، ربما انتقل إليها شغفي، أخشى فقط من المواقف السلبية، وقد استهزأت إحدى المعلمات مرة من خطها وشبهته "بالعجينة"! أحاول ووالدها دعم ثقتها بنفسها وتحصينها ضد هكذا ظواهر سلبية قد تهز نظرتها تجاه نفسها.
= أي كاتب أو شغوف بأي شيء عامة سيخطر على باله السؤال التالي: كيف انتقلتِ من مرحلة "المجهولة" لمرحلة "الحائزة على جائزة من دار نشر عريقة"؟ هل هذه أول مرة يتم نشر كتاب لك؟!
قبل انضمامي لفاصلة كنت أخطط لإعداد كتاب أجمع فيه قصصي القصيرة التي نشرتها في مدونتي، عرضتُ على بعض الأصدقاء "المدونين" ستُّ قصص من الكتاب، أسميته "حكايات ليبية"، ووجدت منهم الدعم الذي دفعني لوضعه من ضمن مشاريعي، كنت أفكر بنشره على حسابي، فقررت حذف القصص التي نشرتها ريثما أنتهي من تجميع النصوص الكافية؛ ولكني فوجئت بصديقة، هي مُدوِّنة "عربية"، قامت بإضافته على موقع goodreads، حاولت لاحقًا حذفه -رغم سعادتي بلقب "مؤلف" في موقع كهذا- ولكن إدارة الموقع رفضت حذف أي إدخال! "حكايات ليبية" كتاب غير مكتمل ولم أعرض منه إلا 30 صفحة تقريبًا.
توقفت عن المضي قدمًا فيه بسبب الإعلان عن "مسابقة مي غصوب للرواية" في دورتها الأولى، انتابني شعور بأنها أقيمت لأجلي، هل أكون مغرورة باعترافي هذا؟ لا، أنا فقط أؤمن بأن الصدف الجميلة لا تجتمع إلا لشيء رائع، إن أحسنَّا اقتناصها!
وبهكذا تكون رواية "عايدون" هي كتابي "المكتمل" الأول، كتاب لم أعتمد فيه على شيء سوى "قلمي"، حرفيًّا، لا أحد قدمني لدار النشر، ولا أحد استوصى بي خيرًا؛ إلا "المخطوطة" التي قدمتها!
= كنتِ من أوائل من انضم لمنصة فاصلةومن أكثر من أظهر انسجامه مع بيئتها. فاصلة منصة تطوعية بالكامل من أول يوم ولعند الآن، فلماذا كوثر -الأم المشغولة- لزالت جزء من فاصلة؟
فاصلة عرابتي، فاصلة هي المنصة التي قدمتني للناس، فعززت ثقتي بنفسي، فاصلة مثل "الجيم"، نحن نقصد الأندية الرياضية للحفاظ على لياقة أبداننا، فاصلة هي "جيم" أقلامنا، دفعتني للحفاظ على لياقة قلمي الأدبية، أغنت جعبتي بالمواضيع والقضايا، وساعدتني على المواظبة.
والأهم من كل هذا، أنها وفرتْ لنا مساحة من الحرية في اختيار المواضيع، وفرت لنا الحماية كذلك من خلال ألبوم "من وراء حجاب".
لسنا في حلبة منافسة، لم يكن الأمر يومًا على هذا النحو، بل على العكس تمامًا، نحن نحاول دعم بعضنا في النصوص التي يتم نشرها، نصوصنا أطفالنا، وفاصلة هي الأم الروحية لنا ولأقلامنا.
كيف لي أن تتاح فرصة أن أكون فردًا في أسرة كهذه ولا أستثمرها؟ كيف لي ألا أريها بأن دعمها لي لا بد أن يؤتي ثماره؟ سأكون مجحفة بحقها إن سمحت لهذا بالحدوث.
لو لم تكن فاصلة موجودة، هل كنت سأصل لنفس النتيجة! ربما؛ ولكن بفارق زمني أكبر! ولكني لم أكن -بأي حال- سأجد الكيان الذي يدعمني دعمًا شخصيًّا بهذا الشكل، ويحتفي بكل هذا الحب بعملي الأول!
= "عايدون" هو عنوان روايتك، وهي كلمة ليبية بامتياز والطابع المحلّي الليبي ظاهر في روايتك بقوّة ابتداءً من عنوانها المثير... شن تعني "عايدون"؟
"عايدون" بالمعنى الحرفي؛ لقب يُطلق -في مناطق غرب ليبيا- على كل عائلة ليبية هاجرت من ليبيا إلى إحدى الدول العربية، نتيجة حروب أو مجاعات، ثم عادت إليها بعد سنوات، عادوا ربما بجنسيات البلدان التي كانوا فيها ثم تحصلوا على "الجنسية الليبية"، بعضهم بقيت لكنته الليبية محرفة قليلا بسبب تأثرهم بسنوات الهجرة.
اجتماعيًّا؛ استُخدم هذا اللقب للتحقير من فئة معينة، استُخدم لسلبهم حقهم في أن يكونوا أكثر "وطنية" من الليبيين الذي ليس لديهم جد هاجر، استُخدم هذا اللقب بعنصرية بشعة لتصنيف المواطنين.
وبالنظر إلى حال بلادنا اليوم، لعل هناك جيل "عايدون" جديد قادم في السنوات القادمة، إقصاء جديد، وموجة كراهية ونبذ جديدة مالم نتدارك أنفسنا ونفكر قليلا؛ أين هو هذا المجتمع الذي لم يعاصر حربًا أو مجاعة نتجت عنها هجرات جماعية متقطعة بين زمن وآخر؟ أليست أصول معظمنا (العرب القاطنين في ليبيا) تعود لمشارق الأرض أو مغاربها؟
في رواية "عايدون"، عرض عام لعدة حالات إقصاء، اخترت هذا العنوان تحديدًا لقربه الشديد من المحلية، إذ لا أعتقد -وفق ما مر بي- أن هناك من تعرض لهذه القضية علنًا في كتاب.
= مشاركة في مسابقة عربيّة لدار نشر عريقة، وموضوعك كان "العايدون" وهو موضوع محلّي بدرجة كبيرة ويخص المجتمع الليبي كما سبق الذكر. لماذا لم تختاري موضوع يخص المجتمعات العربية عامة؟
الواقع الليبي يفرض نفسه، لم أتخذ قرارًا بالكتابة عن الواقع الليبي؛ إذ لم يكن من الممكن الكتابة عن غيره! لا أملك القدرة -وهذا اعتراف- على الكتابة عن قضايا إقليمية بحتة، أو عالمية، دون التطرق أولا لقضايا مجتمعي العالقة. هذا واجب يمليه عليّ قلمي ولا أملك لذلك بديلا.
لدينا إرث تاريخي غني وثقيل، غني بالإلهام، وثقيل بالمشكلات والقضايا العالقة، المجهولة، والمهملة!
صحيح أن الكاتب يملك حسًّا أنانيًّا يدفعه لتخليد اسمه وتجميع أكبر قاعدة من المتابعين، ولكنه أيضًا ينبغي أن يملك حسًّا بالمسؤولية حيال بيئته التي نشأ وترعرع فيها، وحيال تاريخها وموروثها الثقافي.
= هل حاولتِ النشر محليًّا يا كوثر؟
في الحقيقة قبل كتابة "عايدون" لم أفكر جديا في ذلك، بمعنى البدء في عملية البحث عن دور نشر وتجهيز مخطوطة متكاملة للنشر، ربما لضعف الترويج للكتب التي تطبع محليًّا وعدم وصولها للقارئ العربي! فضلتُ النشر عبر منصة فاصلة، لتكوين قاعدة محلية من القراء أولا.
=هل تعتقدين من واقع تجربتك أنه من غير الممكن للشخص الشغوف سواء كاتب أو غيره من الحصول على دعم محليًّا إلا بالتحصّل على الدعم إقليميًّا قبل ذلك؟
أنا متأكدة من ذلك، للأسف الشديد طبعًا! وهذا يبدو واضحًا بالنظر لرواج كتب الليبيين المطبوعة خارج ليبيا بالمقارنة مع كتبهم المطبوعة داخلها، فالأمر لا يتعلق بتاتًا بجودة ما ينشر، إنما بنجاحه إقليميًّا، للأسف نحن نعرف جيدًا كيف نحتفي بالليبي -أيا كان مجاله- في حالتين فقط: إما حين توافيه المنيّة، أو حين ينجح، شرط ألا نكون مساهمين في ذلك النجاح! مفارقة عجيبة أليس كذلك؟
لكن فاصلة كيان يوفر للكُتاب وصناع المحتوى الليبيين إمكانية الوصول محليًّا دون المرور بالإقليمية كشرط، وذلك بتنوع محتواها، واستخدامها أحد أكثر مواقع التواصل الاجتماعي استخدامًا في ليبيا، صحيح أن النشر عبر "الفيسبوك" قد يحقق انتشارًا بطيئًا، ولكنه على الأقل مضمون بالديمومة التي تعتبر واحدة من سياسات المنصة، هل هناك مقابل أدفعه لعضويتي؟ نعم؛ الاجتهاد، والمثابرة، والمحافظة على شغفي من الضمور.
= رواية "عايدون" ستصدر يوم 17 فبراير ومتشوّقون جدًًا لقراءتها… هل ستظهر كوثر شخصية في الرواية؟
كوثر غير موجودة في أي شخصية من شخصيات الرواية، أرجو ألا يبحث عني أحد بين سطورها، ربما أتفق مع بعضهم في بعض أفكارهم أو أشاركهم بعض حيرتهم، ولكني أختلف معهم جميعًا في جوانب عدة يؤمنون بها، أو يمارسونها. كثير من العبارات المستفزة المذكورة على لسان بعض الشخصيات، والتي قد تبدو غريبة لبعض الناس؛ هي عبارات بالفعل قيلت أمامي يوما ما.
= "إن أردت النجاح بسرعة، فامشِ وحيدًا؛ لكن إن أردت المضي قدمًا فاختر الرفقة".. مقولة شهيرة لشخصية بارزة، يبدو أنك اخترتِ الرفقة يا كوثر، من كان أبرز رفاقك خلال رحلتك ككاتبة عامة ولدى كتابة عايدون خاصة؟
في يوم أخذتني الصدفة لمدونة "أميرة الكلباش"، سبق وأن تحدثت عن إيماني بالصدف الجميلة كوسيلة لتحقيق أمور رائعة، وأصبحنا من بعدها صديقتين، وانضممت لفاصلة لثقتي في جدية أي كيان تنتمي هي إليه، كتبنا معًا عدة نصوص تم نشرها "بدون اسم"، ألهمنا بعضنا كثيرًا من الأفكار، وهي أول من قرأ "عايدون"، أميرة لديها ذائقة صعبة جدًّا، وما أحبه فيها ولاءها للكلمة، فهي لا تجامل مهما كانت علاقتك بها، نبهتني على زلاتي وثغرات الأسلوب و"عفايس" الصياغة في المسودة الأولى، أكدت لي بعد المسودة الأولى بأن روايتي ستفوز! لأني أعرفها لا تجامل، ولأني أعرف كم هي قارئة انتقائية؛ كانت شهادتها سبب من أسباب تمسكي بأمل فوز "عايدون" والمضي قدمًا في التصحيح ومن ثم مراجعتها قبل إرسالها للمسابقة. إيماني بها ككاتبة واعدة جعلني أثق فيها كمحررة، وأتطلع لليوم الذي أحرر لها فيه روايتها الأولى، آملةً أن أملك نفس إتقانها ونظرتها الفاحصة.
أن يقوم أحدهم بأداء هذه العملية المعقدة مرارا لأجلك دون مقابل، ولأجل رسالة الكيان الذي يضمنا معًا، بصبر بالغ، وبحب كبير، وبشغف ملهم، وبفطنة شديدة، إنه لأمر مذهل بحق!
يجدر بي أيضًا أن أذكر فضل الكاتبة والصحفية الليبية "ليلى المغربي" التي عُرِفتْ فيما سبق بدعمها للأقلام الليبية المغمورة، إذ أنها ورغم ما كانت تمر به من ظروف صعبة، غربة ووضع صحي حرج لابنتها، فقد منحتني من وقتها لقراءة المسودة التي أرسلتها للمسابقة، أعطتني انطباعها الإيجابي عن الرواية ونصائحها حيال بعض الفقرات والفصول في الرواية، كم أنا ممتنة لهذه السيدة الرائعة.
الحوار مع كوثر يمكن يستمر لساعات وساعات ويوجد الكثير للحديث عنه ومشاركتكم متابعينا بشكل خاص عن رواية "عايدون" وكيف تمت كتابتها وغيرها الكثير… تابعوا كوثر وكتاباتها عبر ألبومها الخاصة في فاصلة.
أكيد عندكم أسئلة لكوثر، تقدروا تشاركونا بها في الخاص، وحيكون في إجابة سواء في تعليق أو في مقال آخر ومفاجآت أخرى!
كوثر وكل شخص في فاصلة شخص "عادي" زي كل حد يقرا في هالمقال توا.. شخص عاش في ليبيا وكبر في ليبيا وإن شاء الله ينجح أيضا هنا معاكم..
كوثر عطت لروحها فرصة مع نفسها ومعانا.. ديما في فرصة .. ديما..
|| ألبوم كوثر >> https://bit.ly/2NfjMWJ
#رواية_عايدون
#لقاء_حصري
مع المدوّنة الليبية/ ملاك التائب

احكيلي على نفسك شوية كمقدمة بسيطة...
بدأت رحلتي "المعلنة" في الكتابة باسم مستعار؛ "سيدة عادية"، وهذا تقريبًا لأني لا أستطيع تعريف نفسي بغير ذلك، أنا سيدة عادية تعيش في ظروف شبيهة جدًّا بآلاف الليبيات، زوجة تقدس الحياة الزوجية، أم تحب أبناءها وتكره ضعفها أمامهم، كنت معلمة لفترة ما ولا أدري هل سأستمر أم أتوقف عنه بعد ما نالت من التعليم تشوهات عامًا إثر عام... ومع كل هذا فأنا أكتب، هذا ما زاد من عدد أصدقائي، وهذا ما جعل اسمي يُعرف إقليميًّا وهذا ما أعتز به، ولولا الكتابة لم يسمع أحد عني، فبطولات النساء الليبيات، الفردية، اليومية تحدث في صمت، وتُعدّ أمرًا عاديًّا ما لم تقترن بإنجاز ظاهر للعيان، غير أن اعتزازي ببطولاتي الفردية العادية هذه لا يقل عن اعتزازي بكتابتي وحبي لها.
امتا بديتي فالكتابة و كيف تقدري توصفي رحلتك ككاتبة؟
أبعد ذكرى يمكنني التقاطها بالكتابة ربما تعود إلى المرحلة الثانوية مطلع هذه الألفية، كنت أكتب عن القدس والقضية الفلسطينية قصصا وبعض الخواطر، ثم انضمّت العراق بعد احتلالها لأوراقي جنبًا إلى جنب مع القضية الفلسطينية! وانطلقت بعدها تدريجيا لكتابة قصص ومقالات اجتماعية وعاطفية، نشرت بعضها في منتديات عربية باسم "بنت طرابلس"، متأثرة في كتاباتي بغادة السمان ونزار قباني بالدرجة الأولى... في الجامعة، اختلط الأمر، وتدخلت مشاعري الخاصة وتجاربي الشخصية في ما أكتب، بدأ أسلوبي يتخذ شكله الخاص مع تنوع الكتب التي صرت أقرؤها، توقفت عن الكتابة في فصول دراستي الأخيرة وبعد زواجي ببضع سنوات، عدت بعدها بنصيحة من بعض الصديقات، أنشأت مدونتي الخاصة، لمجرد المشاركة، حتى تلك اللحظة لم يخطر ببالي أن أكتب كتابًا، حتى اكتشفت يومًا أن مدونتي لم تكن إلا وسيلة لطريق أوسع، شاركت –للمرة الأولى- في مسابقة محلية للقصة القصيرة صيف 2017، وفازت قصتي "المحروسة 1785" بالترتيب الأول فازدادت ثقتي بقلمي، انضممت بعدها مباشرة لمنصة فاصلة أول نشأتها، وكانت الانطلاقة التي تجرأت بفضلها على كتابة الرواية، ورفع سقف طموحاتي.
رحلتي كانت ممهدة ومرسومة على غير علمي وبغير إرادتي، أنا ممتنة لكل مرحلة مررت بها، إذ لم يكن من الممكن لي أن أكون ما أنا عليه اليوم دون مروري بكل تلك الأطوار.
من اهم الملهمين ليك فالرحلة هادي؟
الكثير من الكُتب صديقتي ملاك، ثمة أهل وأصدقاء آمنوا بقلمي؛ ولكن المحرّك الأول كان الكِتاب، بالأخص كتب التاريخ والسيرة الذاتية.
شن كانت الفكرة وراء كتاب عايدون و شن هي المصاعب اللي واجهتيها في كتابة الكتاب و من اهم الداعمين ليك في رحلة الكتاب هذا و قداش خدي منك في كتابته؟
قفزتْ فكرة رواية "عايدون" من سطر في كتاب سيرة ذاتية للسيدة "رباب أدهم"، وهي عَلَم في تاريخ قطاع التعليم الليبي منذ أيام المملكة الليبية، عششت في خلايا دماغي، فكرة "الإقصاء" تحديدًا بتنوع أشكاله وتفاوت حدته أسَرَتْني، إلا أن "العايدون" كانوا محور هذه الظاهرة في روايتي، مضافًا إليها بعض ظواهر الإقصاء الأخرى، كإقصاء المختلف سلوكيا عن المتعارف عليه، أو إقصاء المختلف سياسيًّا، سواء في الدولتين السابقتين أو في الدولة الجديدة التي ينبغي أن تحمي حرية التعدد السياسي بدل أن تطمسها، أو إقصاء المختلف اجتماعيًّا، كفئة الأرامل اللواتي يرفضن الانصياع لما يفرضه عليهن المجتمع بعد ترملهن!
تأثرت بشكوكي الداخلية كثيرًا، وارتبت حيال جدوى ما أكتبه، وخفت –للحقيقة- أن تجر كتابتي لي مشاكل لست مستعدة لمواجهتها، فالمرأة في المجتمعات الشرقية، ومجتمعنا تحديدا، حين تكتب، يعتبرها جُلّ قومها تكتب سيرة ذاتية، وحصل أن اعتقد الكثيرون بأني أكتب قصتي، سألني الكثيرون إن كنت "عايدون"، وأحدهم سألني إن كنت أُدخّن لمجرد أن بطلة الرواية سيدة مدخنة! ضايقتني هذه الاعتقادات لأنها اتهام غير مباشر بأني لا أملك مخيلة كافية لأكتب قصص أناس متخيلين وإن كانوا مستوحين من الواقع! ترددت أحيانا كثيرة، إلا أن شقيقتي فتحية، وزوجي، وصديقتي أميرة دفعوني للاستمرار، مؤمنين إيمانا مطلقًا بجمال الفكرة وأصالتها ونجاحها..
قبل أن أبدأ في طباعتها، كانت الرواية شبه مكتوبة في عقلي قبلها بعام تقريبا، عام من التخيل والبحث بين الكتب والصور والفيديوات القديمة والحديثة في تاريخنا، حفزني لوضعها موضع التنفيذ إعلان عن مسابقة مي غصوب التي أعلنت عنها دار الساقي اللبنانية، كتبت مسودتها الأولى في ثلاثة أشهر، واستغرقني الأمر ثلاثة أشهر أخرى لتعديلها مستعينة بصديقتي، أرسلتها لدار النشر، وواصلت تعديلها خلال ثلاثة أشهر أخرى بعد التسليم وقبل إبلاغي بنتيجة المسابقة، في إصرار مني على نشرها، حتى وإن لم تفز؛ ولكنها –والحمد لله- فازت!
شن اكثر حاجة تعلمتيها من الكتابة بشكل عام؟ و من عايدون بشكل خاص؟
تعلّمت من "عايدون" كيف أكتب الرواية، فالمقالات التعليمية وحدها لا تكفي، عليك أن تخوض التجربة لتعرف عما يتكلم هؤلاء الكُتاب حين يتحدثون عن تجربتهم في كتابة الرواية، هذا أولا، أما ثانيًا، فقد تعلمت الصبر، الصبر، والكثير من الصبر، فكتابة الرواية عملية تراكمية موجعة، فيها الكثير من الشك في الذات؛ ولكنك مضطر للاستمرار كي تعرف، هل شكوكك في محلها أم أنها محض وسوسة!؟
أما الكتابة بشكل عامّ، فقد علمتني أن أحب، وأغفر، وأفكر بألف عقل وعقل... علمتني أن أغفر لنفسي أولا، علمتني أن الكاتب ليس إلهًا معصومًا عما يقع فيه بقية البشر، وأني لولا أخطائي وصراعاتي الذاتية وحساسيتي المفرطة حيالها؛ ربما لم يكن بإمكاني التقاط كهارب المعاني وإسقاطها على الورق في صورة أبجدية.
نتذكر انه قبل ذكرتي علاقة الكتاب بإبنك لو انا ذاكرتي صحيحة. احكيلي شوية على علاقة الكتاب بعيلتك؟
رافقتني كتابتي لعايدون فترة حملي بابني الأخير، وكأنما وُلدتْ معه، فقد أرسلتها لدار النشر قبل موعد ولادتي بيوم، حرمتني من التفكير الاعتيادي في العملية القيصرية التي كنت مقدمة عليها، حرمتني التفكير في مستلزمات ولادتي والقلق حيال صحتي وصحة طفلي، وهذه نعمة أنا ممتنة لها، خاصة مع انتكاستي الصحية التي تعرضت لها قبل ولادتي بثلاثة أشهر وفي خضم كتابتي للرواية، ربما جُننت لو استسلمت لمخاوفي الصحية! حتى حين يزورني القلق او الهلع بين الحين والآخر، كان مشروعي موجودًا باستمرار لانتشالي من الغرق.
إذًا، وُلدت "عايدون" مع ولادة ابني الصغير "مؤنس" (وهو طفلي الرابع)، فاعتبرتها "طفلي" الخامس، رجوت لها ما أرجوه لأبنائي؛ حب الناس، والقبول.
اي نصائح للكاتبات الليبيات بالنسبة لعملية نشر الكتب او الكتابة بشكل عام؟
المرأة حكاءة بارعة، بطبيعتها، جلسة "هدرزة" في المطبخ كفيلة بخلق رواية من العدم! ولديها من المعرفة -المكتسبة بصوة عفوية- ما يخوّلها للكتابة والتأليف، فعلى عكس الرجال، للنساء إطلالة على عالمها وعالمه معًا، تخولها لفهم طبيعة تفكيره ومخاوفه واهتماماته، خاصة إن نشأت في بيت يكثر فيه العنصر الرجالي، بينما يعجز معظم الرجال عن فهم النساء، وإن كانت بيوتهم مزدحمة بهنّ!
ما ينقصنا في ليبيا هو الثقة، تحتاج الكاتبات إلى الثقة بأقلامهن، والمجازفة بنشرها، ومواجهة عواقب ذلك برأس مرفوع، وصدر رحب، فالكتابة للأدراج المغلقة ليست تجربة حقيقية.
عزيزاتي الكاتبات الليبيات، اكتبن للكتابة، لا للنشر، حين تفعلن ذلك ستحصلن على الفرصة المناسبة للنشر في الوقت المناسب، فالكتابة العظيمة التي تستحق النشر لن تتحقق إلا بالممارسة والتضحية بعديد من المسودات. غلّفن أنفسكن بسدادة أذن ضخمة أمام كل ما قد يثبط عزائمكن، على مثيلة: "الليبيين ما يقروش... الظروف ما تسمحش... الكتابة للناس الفاضية"... إلخ
لكلّ منا وسيلة يقاوم بها، ونحن أحوج الناس في ظروفنا هذه للتمسك بالمقاومة، إذ لا بديل عنها إلا الجنون، إن كانت وسيلتك في ذلك هي الكتابة، فاكتبي.
لا تلمسني!

(كُتبت في 2017)
السبت الماضي، ذهبتُ في زيارة لمكتبة الفرجاني بشارع ميزران، لأني كنت قد عقدتُ العزم على شراء ثلاثة كتب منذ فترة، وأخيرا توفر لدي المبلغ المناسب لذلك، وككل زيارة، كان أطفالي يسعدون بزيارات كهذه، لأنهم على ثقة بأنهم سيخرجون –كوالدتهم- بكتاب أو اثنين، وهذا ما حدث فعلا..
ابنتي يمنى (7 سنوات)، كانت قد ألِفتْ وقرأتْ معظم القصص المعروضة في المكتبة، فأخبرتني بأنها تنوي شراء مجلة لا كتاب، وعللت ذلك بسبب مقنع جدا، قالت لي بأن المجلة تحوي أكثر من قصة، أما الكتاب فيحوي قصة واحدة فقط، اقتنعتُ برأيها، ولكنها غيرتْهُ قبل خروجنا من المكتبة بقليل، بعد أن وقع نظرها على هذا الكتاب :
"لا تلمسني، جسمي ملكي أنا"
انتابني بعض الشك أنا ووالدها بداية عند قراءة العنوان على الغلاف، لم نكلف أنفسنا عناء الإطلاع عليه، ربما هو الخوف من الخوض في تلك المواضيع، نعم، المواضيع التي تقدم ثقافة حماية الطفل ضد التحرش الجنسي، ثقافة توعية الطفل بأهمية جسده، وبحرمة أماكن محددة منه، ربما كان سبب ارتباكنا وتجاهلنا في البداية هو انعدام الثقة في جودة المحتوى العربي الذي يخوض في هكذا أمور، فثقافتنا العربية والليبية بالأخص وبرغم انتشار ظاهرة التحرش بالاطفال بل واغتصابهم في أحيان كثيرة إلا أنها تبقى في حالة ارتباك تجاه الكيفية التي ينبغي علينا بها توجيه أطفالنا وتحصينهم ضد هكذا جرائم، فنكتفي فقط بتحذيرهم من الحديث مع الغرباء! دون أن يدرك الطفل لِمً كل هذه التحذيرات، ودون أن نعير اهتمامًا إلى أن معظم حالات التحرش –التي نسمع عنها- تحدث بين الأقارب.
ويبقى هذا الموضوع مسكوتا عنه بقدر شيوعه في مجتمعاتنا، ليس من جهة الآباء فقط، بل من جهة الطفل نفسه، كثير منهم لا يعترف بحادثة تحرش تعرض لها في صغره إلا بعد أن يبلغ بصورة كافية ليكتسب شجاعة الاعتراف، كثير من الكبار لم يبلغوا بالقدر الكافي، فالبلوغ هنا أقصد به البلوغ الذهني الذي لا يرتبط بعدد السنوات التي قضيتها بقلب ينبض.
ولكن "يمنى" أصرتْ على شرائه، لا وعيًا بمحتواه بالطبع، ولكنها انجذبت للغلاف ولحجم الكتاب، 24 صفحة بحجم ورقة A4 ، تأليف "سامي الجوادي" ورسومات جذابة لـ"آية هشكل". وشكرا لله لأننا طاوعناها هذه المرة.
ابتعناه لها، وقرأته لها هي وشقيقها مؤمن (5 سنوات) بمجرد عودتنا للبيت، فضلت "يمنى" أن أقرأه لها أولا لشدة لهفتها للكتاب، فهي تقرأ –بالطبع- ولكن بطء قراءتها تجعلها تفقد تركيزها في القصة وتركز بدلا عن ذلك في الكلمات فقط، كما وأني فضلتُ قراءته لها أولا لأنه مكتوب بالعامية، أجل باللهجة الليبية الدارجة، كنتُ قد صُدِمتُ بداية بهذا الأمر، وقررتُ سلفا بأنها نقطة ضعف، ولكن بعد انتهائي من قراءته، اكتشفت أنها أقوى نقطة تُحسب للكتاب، ليس لأنني أدعم الكتابة بالعامية، ولكن للسبب التالي:
فثقافة توعية الطفل بأعضائه "الخاصة"، ثقافة لا يجهلها فقط الأطفال، بل الآباء أيضا! فأنا أعرف جيدا أن علي تنبيه وتوعية أبنائي ولكني أفتقد لمعرفة الأسلوب الأمثل لذلك، هذا الكتاب قدم لي الحل، فقد عرفت كيف أخاطب أطفالي بلهجتنا العامية، البسيطة، والحلوة، كيف أحذرهم من أي لمسة "غير مريحة" من أي شخص، غريبا كان أم قريبا.
الكتاب يقدم الأسلوب الأمثل لتحصين أطفالنا وتعليمهم كيفية التعامل مع أي موقف قد تتعرض فيه سلامتهم الجسدية والنفسية تباعا لأي خطر، في إطار قصة لتوأمين، سليم وسليمة، وهنا يلفت نظرنا كاتب القصة السيد "سامي الجوادي" بذكاء لضرورة نشر هذه التوعية بين الجنسين، فالتحرش ليس قصرا على البنات، والأولاد أيضا عرضة لهكذا مخاطر، للأسف خوف مجتمعنا على البنت أكبر، باعتبار أن التعدي الجنسي له دلالة واضحة تظهر في فقدانها عذريتها المحسوسة، أما الصبيان فلا دليل ملموس يستمر مع الزمن لتعرضه لهكذا جريمة، ويتجاهل مجتمعنا أن الروح عندما تفقد عذريتها يكون عذابها أشد وأنكى، ولا تخفيه سنوات العمر.
نقطة أخرى أبهرتني، فالكتاب غير موجه فقط للأطفال، بل للكبار أيضا، إذ أنه وبطريقة غير مباشرة يذكرنا بعبارات علينا ترديدها على مسامع أطفالنا، "أنتم غاليين علينا"، "أنا فخور بيك"، "أنا نحبك"، بل وينبهنا إلى أهمية ألا نبالغ في ثقتنا بالأقارب والأصدقاء عندما يتعلق الأمر بسلامة أبناءنا.
مؤلف الكتاب هو مؤسس جميعة "نور الحياة للأعمال الخيرية"، الجهة الناشرة، ولقد أثارني الكتاب لدرجة أني بحثت عن هذه الجمعية على الإنترنت، إذ أن الشك قد ساورني حول أن تكون الجمعية قد اهتمت بنشر الكتاب كما يجب، فكثير من المشاريع الممتازة تموت في مهدها لفشل الجهة المتبنية لها في الدعاية والنشر، ولكني شعرت بتمام الرضا إذ اكتشفتُ (من خلال نظرة على صفحة الجمعية على الفيسبوك) بانها قامت بعدة فعاليات منها زيارات لكثير من المدارس الابتدائية لتوعية الأطفال من هذه الناحية، بل وقامت الجمعية بتوزيع هذا الكتاب مجانا على اطفال المدارس التي قامت بزيارتها، وهذه أيضا نقطة ذكية تُحسبْ لصالح مؤلف الكتاب والجمعية الناشرة، أولا لقلة زوار المكتبات من الآباء والأمهات، فزوار المكتبات في أغلبهم من الشباب والشابات الذين يبحثون عما يمضون به أوقاتهم، وثانيا لأن بعض الأطفال –للأسف الشديد- يتعرضون للتحرش من قبل بعض مرضى النفوس من الآباء، وهنا لعل الطفل الذي يعي ويقرأ هذا الكتاب يتوجه إلى والدته أو معلمته للإفصاح عما اعتقد انه سر لا ينبغي البوح به.
ولا يسعني هنا إلا أن أشيد بهكذا مجهود وبهكذا جمعيات، في الزمن الذي اقتصر تقريبا دور الجمعيات الخيرية على إطعام الأسر التي تفتقد المعيل و على كسائها، أنا لا أستهين بتلك الجهود، ولكننا في أشد الحاجة أيضا إلى أعمال خيرية تتجه نحو التوعية والثقافة خاصة لأطفالنا الذين نعول عليهم في عملية بناء مستقبل بلادنا.
الكتاب هو الأول من نوعه في المكتبة الليبية، شكرا جزيلا للأستاذ "سامي الجوادي"، وشكرا لجمعية "نور الحياة للأعمال الخيرية".