“(1)
كل صباح ٍ
أفكر أنه الآن..
سأقوم و أبدل ملابسي
سأختار كتابا
أصنع شايا و أشربه
أحشو جيبي بالنقود
و أترك ورقة لمن يهمه الأمر
على طاولة السفرة ْ
ذلك أنه في صباح ٍ عادي ٍ
في يوم عادي ّ
في منتصف الأسبوع
أكون عادة في المدرّج
أستمع إلى تمثال نصفي
يشرح دورة حياة التماثيل النصفية
أو مصلوب على عمودي الفقريّ
أتأمل صنيع المخلوقات اللا مرئية
بمهندس الكوكب
سأكون عند البحر..
أبلل قدمي بالماء
و أكتبُ شيئا
كل صباح
تذوي روحي على حافة المدرج
أتقيأ روحي على باب المدرج
ثم أسير فارغا بقية اليوم..
أريد أن أذهب إلى البحر
هذا فقط ما أطلبه من الجميع
لن يصاب أحد بسرطان الرئة
و لن تصابوا بالجذام
لست طبيبا..
دعوني أذهب إلى البحر
(2)
قال الشاعرُ
_ الذي يرغب في أن أكون شاعرا _
" كم شاعرا تقابل في الطريق..؟
إذن
كم طبيبا تفكر فيه حين تسعل فجأة ؟
لا مقارنة يا صديقي
انضم إلى القبيلةِ
لا تنضم إلى الجميع... "
يقول أبي
_ الذي يفضل أن أكون طبيبا _
" الأطباء ينامون مبكرا
و يأكلون الخُضَر
و يحبون الأخيار
الأطباء مهذبون و أنيقون و حليقو اللحية و وسيمون
كن طبيبا
ثم كن بعدها أي شي ء أخر... "
يقول المعنيّ بالأمر..
_الذي يفضل أن يكون نائما على ظهره الآن
على الساحل ..
يعبث في الرمل و يبلل الموج رأسه _
" دعوني الآن قليلا..."
(3)
الآن عليّ أن أذاكر شيئا
عن كرات الدم الحمراء
بينما أكتب ذلك..
كرات الدم الحمراء
التي كان من الممكن أن يخلقها الله بنفسجية ْ
فيسير الناس في الطريق
بوجنات زرقاء
و تلمع عيونهم بضوء داكن
و ينزفون من جروحهم الصغيرة
بقع بنفسجية مبهجة
كان سيقول الشعراء :
آه يا قلوبنا البنفسجية ْ
يا شقيقات الورد البنفسجي
و كان سيكون بابا ضخما
في كتاب أمراض الدم
ذلك الذي يحكي عن كرات الدم البنسفجية
فلا أكون الآن متوترا
من أن هناك أي كرات حمراء في هذا الكون
ستهرول ورائي كالذنب الصغير
صاعدا في القصيدة ْ
كرات الدم الحمراء
التي لو كان الناس يشترون القصائد
كعلب الدواء
المكدسة في الدرج وفوق الكومودينو
لكنت الآن
لا أعرف عنها أي شيء
ولا أود
فقط
أذهب إلى البحر
أبلل قدمي
و أكتبُ..
(4)
حينما أكتب الشعر
حينما أدرك أنني أكتب الشعر
حينما أفكر أنني أدرك أنني أكتب الشعر
فيندفع الضوء الأزرق
في الشعيرات الدموية الكثيفة
في رأسي ..
أتحسس اللذة التي تتصاعد
كمنسوب النهر
إلى حافة القلب السفلى
ثم تغمره تماما
أعرف يقينا
أنني قبلا لم أكن أعلم من اللحظة
لم ركب الله بين رئتيّ قلبا
ثم قال : عِش ْ
وأعرف ما الذي جعل كل هؤلاء
_ كفافيس و ناظم حكمت و السيّاب _
يقفزون إلى عربة القطار الأخيرةِ
الذاهبة إلى البحر..
يلوحون للناس الواقفة على الجانبين
جوار حقائبهم الثقيلة
يلوحون
و يصيحون...
أريد أن أذهبُ إلى البحر..
أريد أن أذهب إلى البحر...
(5 )
الشاعر
هو الذي تفوته كل المحطات
ليصل إلى محطة واحدة
لم يقصدها
فيقفز إليها بغتة ْ
الراكب في القطار الخطأ
إلى المدينة الخطأ
فيشهق من البهجة
المتمني في روحه
لو تتحول الساعات إلى آنية للسمك
يروح و يجيء فيها الوقت بسكينة ْ
فلا يخاف من الفقد
الشاعر
وددت لو أقابله في الطريق
سأصافحه و أشد على يديه
أطلب توقيعه
و اكتب هاتفه على راحتي
الشاعر
الذي لا يشبه الشعراء
الذين لا يشبه كل منهم الآخر
أفكر فيه كثيرا
كلما فكرت في أحدهم
يسافر صباحا إلى الإسكندرية
بدلا من المدرج
يبلل قدمه
و يغني..
(7)
أريد أن أذهب إلى البحر ...”
―
Mahmoud Ezzat,
عن الكائنات النظيفة