كل رجال الباشا: محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة
Rate it:
Kindle Notes & Highlights
0%
Flag icon
مفهوم السلطة عند ميشيل فوكو،
0%
Flag icon
وقد خطط خالد فهمي كتابه بحيث يتتبع في معظم فصوله حياة جندي ما، جندي مُفترض، من جنود جيش محمد علي.. من تجنيده إلى هربه، مرورا بتدريبه وحياته في المعسكر وسلوكه داخل المعركة، ورعايته صحيا. ومن خلال هذا الخيار الذي يبدو بريئا جدا يقدم مؤلفنا في مواجهة الفخر الوطني السائد المتوارث بمحمد علي وعهده وجيشه وانتصاراته و«إصلاحاته».. الوجه الآخر للعملة: المهانة والعنف والاستغلال الذي وقع ضحية له الفلاح المصري، وهو يُنتزع من أهله وقريته، التي كان يقاسي فيها بالفعل أهوال إدارة الباشا وضرائبه، ليخدم مخططات هذه الآلة الجهنمية المسماة «الجيش النظامي». وفي مواجهة الإعجاب المتجدد بالانتصارات المبهرة والتنويه ...more
1%
Flag icon
ولا تنسى الدراسة أن تصوب طلقة أخرى إلى أسطورة عزيزة على قلب الرواية الوطنية لتاريخ مصر الحديث، وهي القصة التي تؤكد أن بريطانيا كانت معادية لتوسعات الباشا، أو حروبه مع السلطان، لأنها كانت معادية لـ«إصلاحاته»، باعتبارها تشكل ركيزة لاقتصاد منافس لبريطانيا في المنطقة، أو لأنها تهدد أسواقا محتملة لها فيها. فعلى خلاف ذلك تؤكد الوثائق أن مشكلة بريطانيا لم تكن مع إصلاحات محمد علي، وإنما مع تهديده لتوازن القوى الأوربي والآسيوي بإضعافه للدولة العثمانية.
2%
Flag icon
على أنه بالاطلاع على الأصل التركي لهذا الخطاب المحفوظ الآن في دار الوثائق القومية تظهر لنا صورة مغايرة بعض الشيء عن الصورة المألوفة للباشا العظيم «مؤسس مصر الحديثة». ذلك أن الباشا يقول في الأصل التركي: «أوربالولر عالم وفاضل أدملر أولوب بزم أدملرمز كبي وحشي أولمقلرندن أولوجهله قانوننامةلريني تنظيم ايتمشلر بزم وحشيده اول قانوننامة اويةميةجغى معلومدر»، أي ما ترجمته أنه يجب صرف النظر عن هذا القانون لأنه «يناسب الأوربيين وهم شعب متنور ومتحضر. أما شعبنا فهم مثل الوحوش، فلن يكون هذا القانون بالبداهة مناسبا لهم»(5). وليس هذا «التصرف» من أمين سامي باشا المثال الوحيد الذي يحويه كتابه الهام والذي يدل على ...more
2%
Flag icon
أولاهما الولع بشخصية الحاكم الأبوي الذي باستطاعته وحده انتشال مصر من كبوتها والنهوض بها وحل مشاكلها المستعصية. ووراء تلك الرؤية القاصرة تكمن المشكلة الثانية الأعمق والمعضلة الأعوص ألا وهي عدم الإيمان بأهمية الفرد المصري العادي رجلًا كان أم امرأة، من الريف أتى أو من الحضر، في صنع تاريخه والتحكم في مصيره ومقدراته. ذلك أنه كثيرًا ما نقرأ أن مشكلة محمد علي الأساسية كانت تكمن في عدم إدراك شعبه لأهمية وحقيقة ما كان يصبو إليه، أو بعبارة أخرى بأنه كان سابقًا على عصره. وهذا ما يفسر ما يذهب إليه البعض في تصويره لمحمد علي كشخصية تراجيدية تواجه بدائل كلها سوداوية، شأنه في ذلك شأن مصر ذاتها التي قُدّر لها ...more
2%
Flag icon
وعندما شرعتُ في دراسة تاريخ المجتمع المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر وعندما غصتُ في كتابات المحدثين عن محمد علي اتضحت لي أهمية هاتين المشكلتين في كتابة تاريخ مصر: انتظار المهدي المخلص واحتقار الفرد العادي. فأثناء السنوات العديدة التي قضيتها في قراءة وثائق تلك الفترة المحورية من تاريخ مصر الحديث، وبعد أن تبين لي مقدار المعاناة التي عاناها سكان مصر أثناءها لم يسعني سوى أن يزداد احترامي لهؤلاء السكان البسطاء الذين دفعوا ثمنًا باهظًا لكي يحقق الباشا أطماعه الأسرية والاستعمارية التوسعية. وأظن أن إدراكي للثمن الفادح الذي دفعه الشعب المصري لكي يحقق محمد علي أطماعه هو الذي منعني من إقامة ...more
3%
Flag icon
فمحمد علي كان، قبل كل شيء، واليًا عثمانيًّا لولاية عثمانية كانت منخرطة قرابة ثلاثة قرون داخل الدولة العثمانية، وكان مصدر شرعيته الوحيد هو فرمان الولاية المبعوث به من عاصمة السلطنة سنويًّا (بالرغم مما يقال عادة إنه استمد شرعيته عام ١٨٠٥ من مطالبة الشعب له عن طريق الأشراف وعلماء الأزهر بالبقاء في مصر وإجبار السلطان على الإذعان لرغبة المصريين، والدليل على عدم اكتراث محمد علي بتلك الشرعية المزعومة هو ما فعله بزعماء الشعب: فكبار المشايخ وجدوا أراضيهم وأواسيهم وقد صودرت، والشيخ الشرقاوي فُرضت عليه الإقامة الجبرية، والسيد عمر مكرم نُفي إلى دمياط ولم يُسمح له بالعودة إلى القاهرة إلا بعد أن فقد شعبيته ...more
3%
Flag icon
على أن محمد علي في نفس الوقت لم يكن كغيره من الولاة الذين ترسلهم إسطنبول للتصرف في ولايتها المتعددة. فمن ناحية لم تكن الولاية التي أرسل إليها كسائر الولايات، فمصر كانت من أغنى الولايات في الدولة العثمانية، ولم تَفُقْها غنى سوى الأناضول وبعض ولايات البلقان، إضافة إلى أن مصر كانت تضطلع بمهمة تأمين طرق الحج، الأمر الذي زاد من مكانتها الدينية والروحية في كافة أرجاء السلطنة. ومن ناحية أخرى، لم يكن محمد علي كغيره من الولاة الذين كانت إسطنبول تبعث بهم لعام أو اثنين أو ثلاثة على الأكثر لتصريف أمور هذه الولاية الهامة وجباية خراجها. فمحمد علي لم يُختر من داخل أروقة الحكم في إسطنبول ولم تمثل له ولاية مصر ...more
3%
Flag icon
أما محمد علي فقد أدرك دقة موقفه: فهو يعي، من ناحية، أن شرعيته مستمدة من السلطان العثماني وأن السلطان بيده أن يعزله وقتما يشاء، ولكنه، من ناحية أخرى، يدرك أن إسطنبول لا تملك القوة العسكرية الكافية لإخراجه من ولايته الهامة. وفي نفس الوقت فهو يعي أنه لا يوجد لديه مكان آخر يأوي إليه أو وظيفة يعود إليها أو منصب تصبو له نفسه في حالة تركه لمصر. تلك إذن أزمة محمد علي النفسية ومفتاح شخصيته: إدراكه بضعف إسطنبول المادي الذي لا يمكنها من إنفاذ إرادتها في مصر وفي نفس الوقت يقينه بأن إسطنبول، على ضعفها، تشكل مصدر شرعيته الوحيد. إذا فهمنا هذه المعضلة النفسية لاتضحت لنا سياسات محمد علي وأعماله وطموحاته.
3%
Flag icon
حتى بعد أن جرد على السلطان جيشا جرارا أوقع به هزائم متتالية.
3%
Flag icon
مثّل فرمان ١٨٤١ إذن قمة إنجازات محمد علي إذ به نفّذ أهم أهدافه وحقق أسمى أمانيه، ففرمان ١٨٤١ المعروف بفرمان الوراثة ضمن لمحمد علي حكم مصر مدى حياته كما ضمن له توريث هذا الحكم لذريته من بعده.
3%
Flag icon
وقد تأثرت كثيرًا في محاولتي لتناول تاريخ مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر بشكل غير نخبوي بمدرسة «دراسات التابع» الهندية وبإسهاماتها الناجحة على مدار أكثر من عقدين من الزمن في التأريخ للفلاحين الهنود بأسلوب علمي يحترم إسهاماتهم في صنع تاريخهم بأنفسهم وبقدرة تلك المدرسة الرائدة على أن تنأى بنفسها عن الطريقة الاستعلائية التي تناولت بها كل من الكتابات القومية والماركسية تاريخ الفلاحين.
3%
Flag icon
فقد رأيت في الجيش الذي أسسه محمد علي في مصر عام ١٨٢١ - ١٨٢٢ وسيلة مثالية لاختبار صحة مقولات فوكو عن السلطة، بل واعتبرته نموذجا يكاد يكون مثاليًا للتعامل مع بعض هذه المقولات بشيء من النقد والحيطة. فالجيش الحديث حيز تظهر فيه آليات السلطة بشكل واضح وصريح ويتجلى فيه خطابها أوضح تجلٍّ. فجسد الجندي كجسد المجرم خاضع دوما لنظام صارم منتظم من الانضباط والمراقبة، بدءًا من عملية التجنيد ومرورًا بالتدريب ووصولًا في ذروته إلى المراقبة الدقيقة له أثناء المعركة. وحاولت في هذا الكتاب بدراسة ممارسات مثل التجنيد والتدريب والقتال، ونصوص مثل كتيبات التدريب والقوانين العسكرية، أن أوضح طبيعة عمل آليات السلطة ...more
3%
Flag icon
على أنه يجب التأكيد أني لست معنيًا فقط بإثبات إمكانية استخدام أفكار فوكو في فهم طبيعة جيش محمد علي، بل كنت أرمي إلى ما هو أبعد من تحليل ممارسات وخطابات السلطة الحديثة في هذا الجيش، فقد كنت أبغي أن أتتبع ممارسة الجنود (وليس الضباط) لحياتهم اليومية وكيفية تعاملهم مع ممارسات وخطابات هذه السلطة. وبعبارة أخرى ليس موضوع هذا الكتاب آليات «إنتاج» السلطة، وإنما كيفية «استهلاكها»، إن جاز التعبير. فالكتاب يولي اهتمامه الأساسي للجنود: لممارستهم لحياتهم اليومية، ولأدائهم العسكري، ولتعاملهم مع الضباط والقادة، ولفهمهم لخطابات السلطة ولاستخدامهم لها أحيانًا. وبالتالي يكون السؤال الأساسي الذي حاولت أن أجيب عنه ...more
4%
Flag icon
وإضافة إلى رؤية محمد علي لذاته وترديد الكثير من زائريه الأجانب لتلك الرؤية في كتاباتهم، وإلى ما قامت به مطبعة بولاق من نشر كتب تتبنى، بشكل أو بآخر تلك الرؤية، فقد ساعدت فرنسا، حليفة محمد علي الرئيسية، في نشر «خطاب المصلح المستنير» ذاته. ذلك أنها قامت بصك ميدالية على شرف الباشا عام ١٨٤٠، أي في أوج نزاعه مع السلطان، وعلى أحد وجهيها عبارة «محمد علي محيي الدولة المصرية». ويمكن أن ينظر إلى هذه الميدالية على أنها دليل على افتنان فرنسي واضح بشخص محمد علي، مرده، في رأيي، قناعة الفرنسيين بأن محمد علي يدين بالكثير من عظمته إلى تشبهه بنابليون. فكلا الرجلين في نظر الكثير من الفرنسيين في القرن التاسع عشر ...more
4%
Flag icon
ثم تأتي خطبة الخديوي إسماعيل بمناسبة افتتاح مجلس شورى النواب عام ١٨٦٥ لتعيد إلى الأذهان مرة أخرى فكرة الأرض الموات التي أحياها جده عندما اعتلى أريكة الحكم. فقد قال مستهلًا خطبته: «من المعلوم أن جدي المرحوم حين تولى مصر وجدها خالية من آثار العمار، ووجد أهلها مسلوبي الأمن والراحة، فصرف الهمم العالية لتأمين البلاد بإيجاد الأسباب والوسائل اللازمة لذلك، حتى وفقه الله تعالى لما أراده من تأسيس عمارية الأقطار المصرية».
4%
Flag icon
وتحتل دراسة المؤرخ البريطاني المشهور هنري دودويل، التي نشرت عام ١٩٣١ بعنوان: "The Founder of Modern Egypt: A Study of Muhammad Ali" والتي سرعان ما ترجمت إلى العربية تحت عنوان «محمد علي: مؤسس مصر الحديثة». بعد ذلك بست سنوات (١٩٣٧)، تحتل مكانا متميزا بين الدراسات التي كرست لمقولة «محمد علي المصلح المستنير». فدراسة دودويل المشهورة تحيطها هالة من الصرامة الأكاديمية والمنهجية الموضوعية. فالمؤلف كان أستاذ تاريخ بجامعة لندن وهو بذلك يبدو متحكمًا في مادته متمكنًا من أدواته في التحليل، وكتابه مليء بالهوامش التي تحيل القارئ لوثائق أصلية بعضها محلي والبعض الآخر أوربي، وأسلوب الكتاب سلس ومنطقه محكم. على ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
4%
Flag icon
وقد أشرف الملك فؤاد بنفسه على عمل هذه المجموعة المرموقة من المؤرخين. وبعد سنوات قليلة تم طباعة ٥٢ كتابًا في ٨٧ مجلدًا فاخرًا وبلغ إجمالي النسخ المطبوعة ١٨٠٠٠ نسخة، تحمّل القصر الملكي تكلفة نشرها الباهظة. وقد شكلت هذه المجلدات الفخمة التي طبع أغلبها بالف...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
4%
Flag icon
وأخيرًا، يتضح من مقال نشره الدكتور محمد أنيس بمناسبة وفاة الدكتور شفيق غربال عام ١٩٦١ أن دودويل شأنه شأن المؤرخين الأوربيين الذين استكتبهم الملك فؤاد لكتابة تاريخ أسرته، كان هو الآخر مدفوع الأجر. فقد قال له دودويل إنه «كتب كتابه عن محمد علي بتكليف من الملك فؤاد، وإنه لم يتقاض على ذلك أكثر من خمسمائة جنيه، وإنه يعتبر المبلغ أقل من الجهد الذي بذله فيه». وإذا أخذنا كتاب دودويل كمثال (وهو من أكثر الكتب التي كُتبت بتكليف من الملك فؤاد رصانة وإن حاول مؤلفه أن يخفي علاقته بالقصر) لاتضح لنا مدى نجاح القصر في تشكيل عملية كتابة تاريخ مصر الحديثة، فقد أسلم الملك فؤاد زمام التاريخ المصري الحديث لمجموعة من ...more
5%
Flag icon
ينفرد ديوان المعية السنية بمكانة خاصة في الدار، فسجلاته تحمل رقم س/١، أي أول مجموعة في سجلات «إدارة السيادية» التي تعتبر بدورها أكثر الإدارات تنظيما في الدار. ونظرًا لأن ديوان المعية السنية كان أول ما نقل من الدفترخانة إلى قصر عابدين (عام ١٩٣٤)، فقد حظي باهتمام بالغ من قِبل العاملين في قسم المحفوظات الملكية، وبعد ذلك في دار الوثائق القومية: فسجلاته مفهرسة ومترجمة بالكامل. فإذا علمنا أن هذا الديوان، كما يوحي اسمه، ما هو إلا الديوان الخاص بمحمد علي («معيته») وأن سجلاته تحتوي على الخطابات العديدة التي أملاها محمد علي على مرءوسيه لاتضح لنا كيف يهيمن محمد علي على كتابة التاريخ المصري الحديث حتى ...more
5%
Flag icon
وإضافة إلى الأرشيف الأوربي فإن قاعة البحث في دار الوثائق تحتفظ بأداتين من أدوات البحث تؤثران، ولا أقول تتحكمان، بقوة في نوعية دراسات القرن التاسع عشر. وأولى هذه الأدوات هي ما يُعرف بـ«بطاقات الدار»، وتلك بطاقات تحتوي كل منها على ملخص باللغة العربية لمكاتبات أغلبها تركي كانت منسوخة في سجلات بعض الدواوين الحكومية في القرن التاسع عشر. ونظرًا لعدم وجود فهارس موضوعية في قاعة البحث (فالموجود قوائم حصر وليس فهارس بموضوعات السجلات والمحافظ) ونظرًا لأن تلك البطاقات مفهرسة حسب الموضوع (مثل: «ترع»، «قوانين»، «معاشات»، «أموال»، «ضرائب»، «عملة»، إلخ) ومرتبة هجائيا برءوس هذه المواضيع، فهي تعتبر مصدرًا لا ...more
5%
Flag icon
عندما كتب مصطفى كامل في جريدة اللواء عام ١٩٠١ مقالا يطالب فيه إعلان مناسبة العيد المئوي لتولي محمد علي الحكم عيدًا وطنيًا انبرت الجرائد والمجلات للكتابة عن «مؤسس هذه الإمارة المصرية»، و«محيي الديار المصرية». وبعد ذلك ألقى الزعيم الوطني خطبة حماسية بنفس المناسبة مؤكدا فيها أن محمد علي مؤسس مصر الحديثة إذ قد أخذها «وهي عليلة ضئيلة لا حراك بها... [وتركها] قادرة على القيام بأعظم الأعمال، فيها من روح الحياة وقوة النهوض ما يزحزح الجبال الراسيات، وتخر أمامه الشمّ الثابتات». وتساءل مصطفى كامل مستنكرًا: هل يستطيع أحد أن ينكر هذه الحقائق؟
5%
Flag icon
وسرعان ما إن جاءه رد من قلم وحيد، صريح وقوي، للتشكيك فيما اعتقد مصطفى كامل أنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فقد كتب الشيخ محمد عبده في مجلة المنار مقالة كانت فريدة في نشازها عن الجوقة الصاخبة التي أخذت تهلل لمحمد علي معددة مآثره ومرددة مناقبه. «ما الذي صنع محمد علي؟!». يتساءل الأستاذ الإمام في مقالته الفريدة، ويجيء رده سريعًا وحاسمًا: «لم يستطع أن يحيي ولكن استطاع أن يميت». ثم أضاف متهكمًا: «قالوا: إنه أطلع نجم العلم في سماء البلاد. نعم عني بالطب لأجل الجيش... أرسل جماعة من طلاب العلم إلى أوربا ليتعلموا فيها. فهل أطلق لهم الحرية أن يبثوا في البلاد ما أفادوا؟!... كانوا ...more
6%
Flag icon
وبعد سنوات طويلة قضيتها في دار الوثائق القومية أقرأ فيها مختلف أنواع المكاتبات التي تعود لتلك الفترة الشيقة من تاريخنا الحديث لا يسعني إلا أن أتفق مع الأستاذ الإمام حين قال: «لا أظن أن أحدًا يرتاب بعد عرض تاريخ محمد علي على بصيرته أن هذا الرجل كان تاجرًا زارعًا وجنديًا باسلًا ومستبدًا ماهرًا لكنه كان لمصر قاهرًا، ولحياتها الحقيقية معدمًا...». خالد فهمي نيويورك، يوليو ٢٠١٠
8%
Flag icon
استجلب الكثير من المؤرخين الأوربيين لكتابة تاريخ أسرته، وقد أسهم هؤلاء المؤرخون في تعضيد مكانة محمد علي كمؤسس مصر الحديثة. ويؤكد كونو أن محاولات فؤاد في هذا المضمار كان لها الدور الأكبر في التأكيد على مكانة محمد علي كمؤسس مصر الحديثة(39). وبالإضافة إلى محاولات الأسرة العلوية، وعلى رأسها الملك فؤاد، لترويج الرأي القائل بأن محمد علي قد أسس مصر الحديثة وليس فقط هذه الأسرة الحاكمة وحدها، يؤكد كونو أن هناك آخرين أسهموا بدرجات متفاوتة في ترسيخ هذه المكانة المميزة لمحمد علي في تاريخ مصر. على أنه يبدو أن هذه العبارة بالتحديد، عبارة «مؤسس مصر الحديثة»، قد صيغت في الفترة الممتدة من ١٩٠٢، وهو تاريخ ...more
8%
Flag icon
ويجب التنويه هنا إلى أنه قد ظهر أخيرًا عدد من الكتابات المهمة التي تشكك في هذه النظرة التي تمنح محمد علي موقعًا متميزًا في تاريخ مصر الحديثة، والتي تعتمد، فيما تعتمد، على تصديق كلمات الباشا نفسه عن الوضع المتردي لمصر عند قدومه إليها. فقد دحضت هذه الكتابات الأفكار التي سادت لفترة طويلة عن تاريخ مصر أثناء حكم العثمانيين، والتي أكدت أن الاقتصاد كان منكمشًا على ذاته، راكدًا، إن لم يكن في حالة انهيار. وأن المجتمع كان متخلفا، بلا تجديد في فكره أو حركته. وقد انطلقت هذه الكتابات الجادة في نقدها للنظرة التقليدية لمصر العثمانية من نقدها للمركزية الأوربية التي بُني عليها الكثير من النظريات التقليدية ...more
9%
Flag icon
وركزت الكتابات التقليدية على مجموعة من المقارنات الثنائية التي قارنت بين أحوال مصر قبل الاحتكاك بأوربا وبعده (سواء كان مرد هذا الاحتكاك إلى قدوم بونابرت إلى مصر أو وصول محمد علي للحكم فيها): فنظام ملكية الأراضي في مصر العثمانية فيما تقول هذه الكتابات كان نظاما يعتمد على الالتزام لم تظهر فيه الملكية الخاصة للأراضي، والتي تعتبر من أهم مقومات تطور المجتمع المدني. وفي غياب هذه الملكية الخاصة للأراضي أصبح الاقتصاد متخلفًا والمجتمع راكدا، ولم ينقشع هذا الركود ولم ينجل هذا التخلف إلا باستحداث نظام الملكية الخاصة أثناء حكم محمد علي. أما في المجال السياسي فالكتابات الكلاسيكية تعتبر الفترة العثمانية ...more
9%
Flag icon
تلك، إذن وباختصار، هي بعض الأفكار والمقولات الأوربية المركز التي انبرت لدحضها الكتابات النقدية الصادرة حديثًا. ومن بين هذه الكتابات النقدية التي تدعونا إلى إعادة النظر في المقولات التقليدية عن تاريخ مصر الاجتماعي والاقتصادي في القرن الثامن عشر تبدو دراسة كينيث كونو، «فلاحو الباشا»(41). من أهمها؛ فبدراستها للمجتمع الريفي في مصر السفلى (المنصورة تحديدًا) في الفترة من ١٧٤٠ إلى ١٨٥٨، أوضحت أن اعتبار اللائحة السعيدية الصادرة عام ١٨٥٨ العامل الذي استحدث نظام ملكية الأراضي في مصر خطأ، فبدراسة سجلات المحاكم الشرعية في القرن الثامن عشر ...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
9%
Flag icon
تلك أيضًا هي الصورة التي تقدمها نيللي حنا في دراستها الرائدة عن الاقتصاد والمجتمع المصري في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر(42). فعن طريق دراسة شخصية أحد أهم تجار هذه الفترة، هو إسماعيل أبو طاقية شاهبندر التجار، استطاعت أن تبرهن على عدم صحة المقولات الشائعة التي ذهبت إلى أن الاقتصاد المصري كان منكمشًا، راكدًا، تعتوره عوامل الخمول والضعف. فيوضح تتبع العلاقات التجارية لهذا التاجر أن مصر كانت جزءا من شبكة معقدة مترامية الأطراف ومزدهرة من طرق التجارة. كما يتضح أنه برغم غياب البنوك والبيوت المالية بالمعنى الحديث، فإنه قد وُجدت مؤسسات وممارسات استطاعت أن تحمي هذه التجارة المزدهرة وأن ...more
9%
Flag icon
وقد يكون من أهم تلك الدراسات الجادة كتاب بيتر جران، «الجذور الإسلامية للرأسمالية»، والذي نُشر الأصل الإنجليزي له في عام ١٩٧٩ (43). ويعيد هذا الكتاب، شأنه شأن الكتابين السابقين، الاعتبار إلى الفترة العثمانية، ويشكك في النظريات التي ذهبت إلى القول بأن مصر قد شهدت فيها تدهورًا وخمولا ثقافيًا واجتماعيًا، ظل جاثما على الحياة الثقافية حتى ظهور محمد علي وقيامه بعمليات إصلاح التعليم من فتح مدارس وإنشاء مطابع وإرسال بعثات... إلخ. فقد تمكن بيتر جران، بدراسة العديد من الكتب التي كُتبت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وبالتركيز على شخصية عالم أزهري بارز هو الشيخ حسن العطار، من أن يبرهن على وجود دلائل ...more
9%
Flag icon
فالغرض من كتابات كونو وحنا وجران وغيرهم من الكتاب النقديين هو إثبات أن الأمة المصرية كانت طوال تاريخها، بما في ذلك أثناء الحكم العثماني، صاحبة وعي وإدراك ذاتي. وتنحصر محاولات هؤلاء الكتاب في البرهنة على مدى تطور ونمو المجتمع المصري قبل مجيء أوربا، وأن وراء هذا التطور والنمو توجد دائمًا ذات مصرية أصيلة، هي الأمة المصرية، وأن هذه الأمة المصرية بدورها صاحبة فعل وإرادة وعقل، بوصفها ذاتا وكينونة أصيلة متفردة. وبهذا التركيز على وصف الأمة المصرية كفاعل تاريخي يتوصل إلى إدراك ذاته، وقعت هذه الدراسات، دون وعي أو قصد، في شرك التفكير الحداثي، حيث اقتبست مفهوما غربيًا للحداثة، هو المفهوم الذي يعتبرها ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
9%
Flag icon
وبصفة خاصة كتابه عن تاريخ القانون والأنظمة العقابية في أوربا الغربية، وفي فرنسا تحديدا: «المراقبة والعقاب»(47). ففي هذا الكتاب ينقد فوكو الأسس الفلسفية للحداثة كما عرفها فلاسفة التنوير في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ويحاول أن يجيب على سؤال بالغ الأهمية، هو: إلى أي مدى يمكن أن نعتبر أفكار التنويريين كافية لشرح كيفية وأسباب التطور والتجديد اللذين شهدهما القانون العقابي في فرنسا (وفي أوربا الغربية بشكل عام) في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر؟ وكان من المعروف أن من أهم سمات هذا التطور في القانون العقابي الفرنسي هو تراجع الاعتماد على التعذيب البدني كوسيلة للعقاب. فبمقارنة أنماط ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
10%
Flag icon
وبالمقابل يُرجع فوكو هذا التحول الخطير إلى أسباب أخرى. فيبدأ تحليله بالتركيز على علانية التعذيب لا على قسوته. فلكي يحقق التعذيب الغرض المرجو منه ــ وهو الردع ــ كان يجب أن يتم على رءوس الأشهاد. وكان يجب أن يمتد إلى أطول فترة ممكنة.. لذلك: «فإن التعذيب تقنية (ولا يجب أن ينظر له على أنه) درجة قصوى من الانتقام اللاقانوني... فالموت تعذيبا ليس فقط انتزاع الحق في الحياة بل هو ذروة الألم المتدرج في شدته... (وبالتالي) فالتعذيب هو فن إمساك الحياة في الألم وذلك بتقسيم الموت إلى ألف موتة مع التوصل إلى تحقيق أشد حالات الفزع قبل أن تتوقف الحياة»(49). لذلك كان للتعذيب مراسم وطقوس، لا تهدف فحسب إلى انتزاع ...more
10%
Flag icon
ومن أهم مظاهر هذا التحول في الأنظمة العقابية ظهور نص القانون The Legal Code الذي يبتعد بالعقاب عن التعسف ويحاول أن يقيم علاقة وثيقة بين طبيعة الجريمة وطبيعة العقوبة، وبالتالي أصبح القانون خطابًا عن العقوبة.
10%
Flag icon
ويطلـق فوكـو على هذه السـلطـة الحديثـة اسـم السلطـة الانضباطية Disciplinary
10%
Flag icon
على أنه يجب التأكيد، وكما سبقت الإشارة، إلى أن هذا الكتاب ليس معنيًا فقط بإثبات إمكانية استخدام أفكار فوكو في فهم طبيعة جيش محمد علي، فهو يرمي إلى ما هو أبعد من تحليل ممارسات وخطابات السلطة الحديثة في هذا الجيش: إلى تتبع ممارسة الجنود (وليس الضباط) لحياتهم اليومية وكيفية تعاملهم مع ممارسات وخطابات هذه السلطة. وبعبارة أخرى ليس موضوع هذا الكتاب آليات «إنتاج» السلطة، وإنما كيفية «استهلاكها» إن جاز التعبير. فالكتاب يولي اهتمامه الأساسي للجنود: ممارستهم لحياتهم اليومية، أدائهم العسكري، تعاملهم مع الضباط والقادة، فهمهم لخطابات السلطة واستخدامهم لها أحيانًا. وبالتالي يكون السؤال الأول الأساسي الذي ...more
10%
Flag icon
ويرتبط هذا السؤال، بدوره، بسؤال أعم وأشمل يحاول هذا الكتاب أيضا أن يتصدى له ألا وهو الآتي: إذا صحت مقولات فوكو أن السلطة الحديثة ليس لها مركز واحد، وأنها، على العكس من ذلك، منتشرة وموزعة في الجسد الاجتماعي، وإن صحت أيضا مقولته أن السلطة الحديثة تعتمد على الإثبات والإيجاب والإبداع، لا على العنف والإخضاع والهيمنة، فكيف إذن يمكن رصد وتوصيف المقاومة؟ ولشرح هذه الفكرة بدقة أكثر يجب التذكير بمقولة أخرى من مقولات فوكو الشهيرة: حيثما توجد سلطة توجد مقاومة(56). فإذا سلمنا أن السلطة الحديثة لامركزية وموزعة في الجسد الاجتماعي فيمكن بناء على ذلك استنتاج أن المقاومة أيضا لامركزية وموزعة بالمثل في الجسد ...more
10%
Flag icon
إذا كان نقد الحداثة يشكل محورًا أساسيًا من محاور هذا الكتاب، فإن نقد الخطاب القومي يشكل المحور الأساسي الثاني له. فقد جرت العادة على القول بأن الجيش الذي أسسه محمد علي قد أعطى الفلاحين «حق» حمل السلاح والدفاع عن الوطن والذود عن شرفه، فاستطاعوا بذلك أن يتعرفوا على هويّتهم الحقيقية، أي كونهم في الأساس وبشكل جوهري مصريين، وأن هويتهم العثمانية أو الإسلامية هويّات ثانوية وفرعية. وقد قيل مثلا في هذا السياق أن الفلاحين «الذين كانوا قد رُبطوا بالأرض عدة قرون حرموا فيها من حريتهم قد عادوا أخيرًا إلى الحياة وأفاقوا من وهدتهم وتلقوا لأول مرة منذ عهد صلاح الدين الدروس الأولية في المواطنة والقومية(57)».
11%
Flag icon
وتنطوي هذه المقولة على عدة مشاكل وتناقضات أساسية. فسكان مصر أثناء حكم محمد علي لم يتكالبوا قط على أداء «الخدمة الوطنية» بل عبَّروا دائما عن رفضهم لأداء هذه الخدمة وقاوموا الدخول فيها بشتى الطرق. وعندما أدرك الباحثون شدة واتساع المقاومة وانتشارها في كافة ربوع مصر، وأن سكان ريف مصر لم يدخروا وسعًا للهروب من هذا الجيش، أصبح من الضروري إيجاد حل لهذه المعضلة، فأُشير مثلا إلى أن هذه المقاومة لم تكن إلا مقاومة مؤقتة وأنها كانت نتيجة «لارتباط الفلاح القوي بأرضه وعدم مألوفيته للحياة العسكرية»(58).
11%
Flag icon
ويقال أيضا عادة إن الفلاحين سرعان ما اكتشفوا مزايا الحياة العسكرية وسرعان ما أدركوا أن الخدمة في الجيش هي خير وسيلة للدفاع عن أرضهم، التي كان ارتباطهم الشديد بها سببًا في كراهية الخدمة العسكرية في بداية الأمر. بل قيل أيضا إن الفلاحين كانوا يتفاخرون بالانتماء إلى هذه المؤسسة، لأنهم «بعد أن كانوا متهيبين من التجنيد، وجدوا الحياة العسكرية أرفه...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
11%
Flag icon
ويتحدى الكتاب الذي بين أيدينا هذا الخطاب القومي القوي والمتناغم. وإذا كان يحاول بدوره أن يدلل على أن جيش الباشا استطاع بالفعل أن يجعل من سكان مصر مواطنين أوفياء ومخلصين لوطنهم مصر، فإن ذلك إنما تم لا عن طريق تبصيرهم بطبيعة هويتهم الحقيقية بل عن طريق إخضاعهم لنظام انضباطي صارم ومحكم، جعل أجسادهم وعقولهم منضبطة بعناية، بهدف تمكين الباشا ونخبته من تحقيق مآربهم. وبهذه الطريقة كان جيش محمد علي محوريًا لإدراك سكان مصر كيف كان القتال في سبيل محمد علي وأسرته مساويًا للتضحية في سبيل الوطن. كما لعب هذ...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
11%
Flag icon
وبعبارة أخرى فإن نقد هذا الكتاب للخطاب القومي المصري في دراسته لتاريخ مصر أثناء حكم محمد علي ليس منصبا أساسًا على التذكير بأن مشروع محمد علي كان مشروعا شخصيًا وليس قوميًا بقدر ما هو منصب على نقد المرتكزات التي يعتمد عليها هذا الخطاب عند تناوله لمفهوم الوطن ذاته. وبالتحديد يحاول هذا الكتاب أن يتحدى المقولة الشائعة التي تقضي بأن «الأمة المصرية» كيان أزلي أبدي كان فقط ينتظر لحظة ظهوره للتجلي على مسرح التاريخ (كما يظهر في مقال محمود تيمور السابق الإشارة إليه)، وهي المقولة التي تفترض بالتالي أن الخطاب القومي ما هو إلا محاولة لرصد سبل ومراحل هذا التجلي التاريخي. فعلى العكس من ذلك يحاول هذا الكتاب أن ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
11%
Flag icon
قد يكون من المفيد في هذا السياق أن أعرض بشيء من التفصيل لواحدة من أهم الدراسات التي صدرت حديثًا والتي تتناول بالنقد النزعة الوطنية، وهي دراسة بندكت أندرسون المهمة: جماعات متخيَّلة(60). وفيه يذهب أندرسون إلى أن الأمم الحديثة لم تكن أبدا أممًا طبيعية، مشكَّلة من الأواصر القديمة كالدم والدين واللغة والثقافة كما تدعي الخطابات الوطنية. ويؤكد بالمقابل أن هذه الأمم «متخيَّلة».. وهو تعبير له دلالاته العميقة: فأندرسون لا يقول إن هذه الأمم «مختَرعَة» أو «وهمية» كما ذهب بعض الباحثين من قبله، ذلك لأن لفظ مخترعة يوحي بـ «التزييف والاصطناع». الأمر الذي يوحي بوجود جماعات حقيقية في مقابل الأمة المصطنعة ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
11%
Flag icon
فالأمم التي ظهرت في القرن التاسع عشر وفقا لطرح أندرسون ليست كيانات طبيعية موجودة منذ البداية، تنتظر فحسب لحظة حاسمة لتظهر على مسرح التاريخ (كلحظة مقاومة المستعمر للمطالبة بالاستقلال مثلا) ولا هي، بالمقابل، غير موجودة أصلا، أي تُخترع من حيث لا توجد كما يزعم بعض الباحثين، وإنما هي كيان مُتخيَّل. وتتعلق لفظة «متخيل» بالخيال والقدرة على التخيل، فالجماعة المتخيلة إذن هي الجماعة التي يتخيل أعضاؤها ح...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
11%
Flag icon
ولا تقتصر أهمية دراسة أندرسون على طرح رؤية جديدة للأمة كجماعة متخيلة، ولكن أيضا في تقديم نماذج عدة عن الوسائل التي تتخيل بها الجماعات نفسها. وتشكل الرأسمالية الطباعية print capitalism أول هذه الوسائل في رأي أندرسون، ويقصد بها التطور الذي نشأ في أوربا على تكنولوجية إنتاج الكلمة في عصر الرأسمالية، وبتحديد أكثر، أثر ظهور آلة الطباعة على ظهور «كتل قراء موحدة»(62) ويوضح أندرسون هذا الأثر بقوله إن تداخل الرأسمالية مع تكنولوجيا الطباعة كان من شأنه أن يقضي على تعدد اللغات المنطوقة، أو على الأقل أن يحُد منها، وأن يُحِل لغة مو...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
11%
Flag icon
وبالإضافة إلى الرأسمالية الطباعية التي كان ظهورها مواكبا للتطور الذي شهدته أوربا في عصري النهضة والتنوير، أفرد أندرسون في الطبعة الثانية لكتابه فصلا جديدا يشرح فيه وسائل أخرى لعبت دورا مهما في ظهور المجتمعات المتخيلة في مستعمرات أوربا في إفريقيا وآسيا. ويركز أندرسون في هذا الفصل على ثلاثة مؤسسات ظهرت في المستعمرات في القرن التاسع عشر (برغم أنها أقدم من ذلك التاريخ)، وهي التعداد والخريطة والمتحف. فقد رسمت كل مؤسسة منها صورا بارزة مرئية للأمة، فساعدت بذلك أفراد الأمة على تخيله. فالتعداد يشير إلى أفراد الأمة كأرقام محصورة داخل متتالية عددية لها حدود معينة مطابقة لحدود الدولة الحديثة. وساعد على ...more
11%
Flag icon
وقد ولَّدت الخريطة المركاتورية الحديثة ــ وهي الخريطة التي تظهر فيها خطوط الطول والعرض على شكل خطوط مستقيمة ــ نفس الانطباع بالاندماج سويًا والاشتراك في محيط مشترك محدد المعالم. فقد أخضعت الخريطة المكان لتصنيف شامل، حيث «خضع سطح الأرض المستدير بأكمله للشبكة الهندسية التي رسمت البحور الفارغة والمناطق غير المكتشفة ووضعتها في مربعات محسوبة. ووُضعت مهمة «ملء» الصناديق [بالتفاصيل الجغرافية] على عاتق المكتشفين والماسحين والقوات المسلحة». على أن أهم نتيجة لظهور الخرائط الحديثة يتمثل في أثرها على طريقة تخيل المكان وإخضاعه لسيطرة الدولة. فالخريطة الحديثة لم تعد مجرد أداة تترجم الواقع المكاني إلى رمز ...more
11%
Flag icon
ولعب المتحف، ثالث هذه المؤسسات المرئية، دورا لا يقل أهمية في المساعدة على إظهار الأمة كجماعة متخيلة. والمتحف، على عكس الخريطة، لا يتعامل مع المكان بقدر ما يتعامل مع الزمان. فالمقصود من المتحف الحديث ــ الوثيق الصلة بالاستعمار ــ هو «تصنيف» تاريخ المستعمرة بشكل يوحي بوجود خطة أو إطار محدد سلفًا. فالعينات المعروضة في المتحف يتم ...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
11%
Flag icon
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال الآتي: هل ساعد جيش محمد علي على إشعار المصريين بأنهم مصريون، لا عن طريق «تنويرهم»، ولفت انتباههم إلى انتمائهم «الطبيعي» لمصر كوطن أبدي سرمدي، بل عن طريق اشتراك عشرات الآلاف منهم لمدة جيل كامل في تجربة واحدة، تجربة قد تكون قد ساعدتهم على النظر إلى أنفسهم - أو بالأحرى تخيل أنفسهم - كأناس ينتمون إلى نفس الأمة؟
11%
Flag icon
بالإضافة إلى أفكار فـوكو ودراسة أندرسون القيمة عن القومية هناك رافد ثالث في تشكيل الخلفية النظرية لهذا الكتاب، وهي كتابات «مجموعة دراسات التابع»، وهي أعمال مجموعة من الباحثين ـ معظمهم من الهنود ـ نشطوا منذ أوائل الثمانينيات في إعادة كتابة تاريخ شبه القارة الهندية، بحيث لا يقتصر على التأريخ للنخبة السياسية ـ وفقا لتقاليد المؤرخين الاستعماريين والقوميين على حد سواء. وقد أصدر هؤلاء الباحثون في عام ١٩٨٢ مجلة أسموها دراسات التابع Subaltern Studies، وإليها ترجع تسميتهم. وقد تأثر هؤلاء الباحثون بأفكار ميشيل فوكو وجاك دريدا، كما تأثروا بكتاب إدوارد سعيد عن الاستشراق، بالإضافة إلى كتابات الكاتب ...more
« Prev 1 3 6