More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
إن النقد الذي لا مقياس له غير ذوق صاحبه، ولا غاية له إلا أن يخرج بك من الكتاب بأثر يدعيه ولا يقبل المحاسبة فيه، إنما هو ثرثرة لا خير فيها، وهذا لا يساوي الإصغاء إليه؛ لأن الإفضاء به والسكوت عنه سواء.
والمعجزة في لفظها العربي قوامها الإعجاز، أي الإقناع بأن فاعلها هو الله لا سواه؛
فكأن العلم هو تقريب ما بين الظواهر، وتأليف ما بين البواطن، ومحو الفوارق وجمع الأواصر بينك وبين جوانب الحياة.
«وليست سعادة النفس العظمى في أخذ شيء من الأشياء، بل هي السعادة لها كل السعادة أن تهب نفسها لشيء أكبر منها، ومطالب أوسع من مطالبها، كمطلب الوطن، أو مطلب الإنسانية، أو مطلب الله»،
«والطير حين يحلق في السماء يحس كلما خفق جناحاه سعة السماء التي لا نهاية لها، وأن جناحيه لن يحملاه أبدًا إلى ما وراءها، وهذا هو فرح التحليق عنده، أما في القفص فالسماء محدودة، وقد تكون على ذلك كافية كل الكفاية لما يحتاج إليه الطير من معيشته لولا ذلك العيب الذي فيها، وهو أنها ليست أكبر من الحاجة أو أكبر من الضرورة، ولن يسر وهو محبوس في حدود الضرورة؛ لأنه لا يستغني عن الإحساس بأن ما عنده أعظم مما عساه أن يحتاج إليه، بل أعظم مما عساه أن يدركه ويحيط به، وبهذا وليس بغير هذا يداخل نفسه الفرح والرضوان.»
الفردية بطبيعتها مدفوعة إلى البحث عن العمومية، فإن جسدنا يموت إذا شاء أن يأكل من مادته وحدها، وأن عيننا تفقد معنى وظيفتها إن كانت «لا ترى إلا نفسها».
إنك حين تنسق الحديقة التي تعجبك بشاشتها إنما تلمح جمال نفسك قبل أن تلمح جمال تلك الحديقة.
فمن أراد أن يكشف عما في نفسه من الجمال، فليعلم أن العمل وسيلة الرفعة والكمال،
إن الزهد في عوارض الحياة قد يحْرم الإنسان حقيقة الحياة؛ لأن الض...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
أن تعمل في هذه الدنيا لا لكي تحتجن إليك الأشياء، بل لكي تحبها وتفهمها وتتصل بها، وأن تنظر إلى الإنسان لا كأنه آلة تسخرها في لباناتك الصغيرة، بل كأنه جزء متمم لك تعطف عليه ويعطف عليك، وأن تقدر جمال ما تراه لا لتنزعه إليك من الكون، بل لتدخل أنت وهو في رحاب الكون فتعظم أنت وما تراه على السواء،
ففي أقوام أرفع من أولئك الأقوام ترى الإنسان منظورًا إليه أحيانًا كأنه جسد يباع ويشترى بثمن لحمه أو بما يستخرج من منفعته،
فليس في الدنيا رجل هو الرجولة كلها، وليس في الدنيا امرأة هي الأنوثة كلها، وهيهات أن تقع على إنسان فيه كل صفات جنسه في جميع أخلاقه وأطواره،
أما عناصر الطبائع والأخلاق والمواهب والأجسام فمما لا يقيده الحصر ولا يحده التقدير.
ولسنا نظلم المرأة ولا نحن نقصد إلى القدح في طبيعتها حين نقول: إنها تحب لتهب وتستسلم وتغمض عينيها في نشوة الثقة والاعتماد الطيع الأمين، فليس للمرأة في قرارة نفسها سعادة أكبر من سعادة الطاعة، ولا أمل أرفع من حب الرجل الذي تطيع، وتلقي بنفسها بكل ما فيها من «ذخر حلاوتها» بين يديه، وليقْسُ عليها الرجل أو يرحمها، ويعذبها أو ينعم بالها، فإنها لسعيدة بالطاعة إذا وجدت من يطاع ويقبل عذابها وراحتها، ويتلقى عزتها وذلها على السواء، وتلك هي الحقيقة التي لا ينبغي أن ننخدع عنها بما نسمع في هذا العصر من جلبة الحرية ولغط «الحركة النسائية» وصريخ المطالبة بالمساواة، وحقوق الانتخاب، فإنما الذي يفقده هؤلاء النسوة
...more
«الرجل السيد» لما كان للحركة النسائية أثر، ولا سمع للنساء صوت غير صوت الغبطة والقناعة والحبور، ولو شاء الرجال كلهم — اليوم — ألا يسمع في العالم صدى للمطالبة بتلك «الحقوق» لأصبحنا غدًا ولا صوت لها ولا صدى ولا سامع ولا مجيب، فإنما الرجل هو الذي خلق هذه الحقوق، والرجل هو الذي ينزعها لو يشاء ومتى شاء.
فإن الرجل ليحب «ذات»
المرأة حين يحب نفسه، وليشعر بسروره الحق حين يشعر لتلك المرأة بشخصية حرة في الاختيار والاستسلام،
ولكن الاختلاف يأتي حين تزن كل من الشخصيتين نفسها بجانب الشخصية الأخرى،
وإنما يبدأ الفرق بين الرأي والعقيدة عند «التمحيص والامتحان» إذ تكون وسائل «التمحيص والامتحان» ميسورة في الآراء فتتوقف عليها وغير ميسورة في العقائد فتقوى على مكافحة النقد وتستعصي على التجربة والبرهان.
البرهان ليس بعنصرها الوحيد.
أن المعرفة المباشرة مستحيلة، وأن كل منظر نراه، أو نغمة نسمعها، أو خاطر نحس به إن هو إلا رمز ظاهر لحالة باطنة لا يستطاع استكناهها والنفاذ إلى حقيقتها،
فما اللون وما الصوت وما الفكر بل ما المادة نفسها التي نعيش فيها ومنها وبها إلا رموز لحركات يخفى علينا كنهها، ويستحيل علينا كل الاستحالة أن نباشرها في ذواتها،
فالإنسان مدفوع على الحالتين قبل أن يذوق اللذة، أو يذوق الألم، واللذة والألم هما كما قال الدكتور عنوانان أو
عرضان لتلك الحركات الخفية التي تختلج في الجسم ولا سلطان عليها للإرادة ولا للإحساس،
إلا أن الإنسان يألم مع هذا ولا يجد اللذة حيث يطلبها، ولا يفلت من الألم حيث يهرب منه، فهو يعمل العمل قبل أن يتذوق لذته وألمه، ثم تأتي بعد ذلك كيفية
شعوره بذلك العمل، وهو ابن طبيعة الحياة، لا لأنها لذيذة أو مؤلمة، بل لأنها هي طبيعة الحياة التي لا يد له في خلقها ولا في خلق ظرف واحد من ظروفها، وإلا فلماذا تختلف الطبائع حتى يلذ هذا الإنسان ما يؤلم سواه ويؤلمه ما يلذه!
لفرط رغبة وشدة غرام، ولو أنه كان أقل رغبة وأضعف غرامًا لما أمعن في طلب الهجر ذلك الإمعان، ولا حنقت نفسه على صاحبته ذلك الحنق، وإنما هو يدفعها عنه؛ لأنه يريد أن يضمها إليه فلا يستطيع، ويأبى أن يراها لأنه يحب أن يراها لنفسه فلا يطيق.
إن الغيرة تولد مع الاهتمام أيًّا كان سببه وكيفهما كان الباعث إليه؛ فقد لا يكون الاهتمام عن حب الإنسان الذي أنت مهتم به، ولكنما هو اهتمام للمنافسة في ذاتها كما تقدم، أو للشخص المنافس أو لإرضاء شعور في النفس لا علاقة له بهذا ولا بذاك.
ولكننا نعتقد أن المرأة أشقى بغيرتها؛ لأنها أحوج إلى الحب، وأعظم استغراقًا فيه وأخوف من الفقد والهجران، ويجوز أن تختلف التصورات التي تلهب هواجس الغيرة بين الجنسين، ولكن أليس للرجل منادح من العزاء عن خيبة الحب لا تجدها المرأة؟ أليس يخزيه في نظره ونظر إخوانه أن يفني صوابه في
الهوى، وينسى المجد والصراع والمعارف والأمثلة العليا ليشغل قلبه وعقله بامرأة خائنة أو توشك أن تخونه؟ ففي ذلك ولا ريب حافز لهمته وموقظ لنخوته لا تتعزى المرأة بمثله؛ لأنها لا تخجل من الاستغراق في الحب، ولا تحس في طبيعتها ما ينبو بها عن هذا النصيب.
ولكن أحرى الفريقين بالزيادة من هو أحرى بالإشفاق، وأخسر صفقة في الضياع.
وحرَّم أفلاطون الانتحار لأسباب كأسباب فيثاغورس،
ويرجع ذلك من الوجه الأول إلى رأي الأقدمين في الموت، ثم إلى اعتبار آخر علينا أن نذكره، وهو أن المجتمع متى تعود مرة أن يقبل الانتحار فقد تزول وصمة الإجرام عن الفعلة، بعد أن تزول عنها صبغة العار والمسبة؛
وكان بليني يقول: إن حظ الإنسان أرجح من
حظ الآلهة في شيء واحد على الأقل، وهو أنه قادر على الفرار بنفسه إلى القبر! وكان يقول: إن من دلائل كرم العناية أنها ملأت الأرض عقاقير شتى يجد فيها المتعبون طريقهم إلى الموت بغير عناء ولا إبطاء،
شيشرون ذكرى هجسياس الذي كان الأقدمون يلقبونه بخطيب الموت، وكان معلمًا نابغًا من معلمي المدرسة القيروانية يرى أن الموت هو الغاية التي لا غاية بعدها للكائن العاقل، وأنه لما كانت الحياة موقرة بالهموم وكانت مسراتها زا...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
وإنما المسألة هنا مسألة صبر لا مسألة رغبة، ومسألة ضعف عن احتمال الآلام لا مسألة زهد في جمال الحياة.
فداؤنا الحديث — داء الانتحار وداء كل عجز ونكوص — هو أننا نهاب ألم الجسد، ولا نصبر على عنت البلوى وتبريح العذاب.
للشرقيين ملكة في تعلم اللغات لا يضارعهم فيها الغربيون،
وربما كان من أسباب هذه البراعة اللغوية عند الشرقيين أنهم قديمو العهد بالعلاقات الأجنبية منذ ألوف السنين في إبان صولتهم الغابرة ومجدهم التليد،
ولكن غير معقول أن يترك الكاتب الحق ليلهيك بالجمال؛ لأن استمتاعك بالحق لا ينفي استمتاعك بالجمال، وكلاهما يسعيان في طريق واحدة ويلطفان النفس بلذة متشابهة، فإذا بلغ الجمال أقصى أثره في النفس لم يصرفها عن الحق، وإذا بلغ الحق أقصى أثره في النفس لم يصرفها عن الجمال، ولا موجب لترك أحدهما من أجل صاحبه، أو للتفريق بينهما في ذوق الفنان القدير والقارئ الخبير.
ويعتذرون من تحريف المعاني بجمال الأساليب ولا يفهمون أن الصدق هو جوهر الجمال، وأس البلاغة، وقوام الذوق السليم،
فقد أصبحت قراءة الأدب البحت أندر القراءات،
نعم حتى ولو كانت هذه اللغة أسير اللغات وأكثرها قراء وكتابًا كاللغة الإنجليزية التي يتكلمها ويعرفها أكثر من مائة وخمسين مليونًا في العالم الأرضي، والتي يصح أن يقال إن أمتها هي أرقى الأمم قاطبة في هذا الزمان، فليست المسألة هنا مسألة ارتقاء أو هبوط، ولا مسألة قوة أو ضعف، ولا مسألة سيادة أو استعباد، ولكنها هي داء فشا في هذا الزمان لا يوائم الآداب الرفيعة ولا الآداب الرفيعة توائمه،
من أدواء الشعبية والحرية في دورهما هذا العارض بين النشوء القريب، والنضج السوي المنظور.
يخطئون إذا حسبوا هذا الركود من الأدواء الموضعية، أو من عو...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
ما سر هذا الإدبار الغريب بعد تلك النهضة العالية التي بدأت فيما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبشرت يومئذ بمستقبل زاهر سعيد؟ السر كما قلت آنفًا هو الشعبية والحرية في دورهما الحاضر بين النشوة والاستواء،
فإن الشعبية قد جعلت الحكم في القراءة لكثرة الجماهير، وهي في جهلها المشهور وسقم ذوقها المأثور لا تفقه من الآداب إلا اللغو والمجانة، ولا تخال أنها مطالبة بالإصغاء إلى المرشدين والمهذبين،
أما الحرية فمعناها الساذج المفهوم اليوم هو أن يكون الإنسان وحده قائمة بذاتها منقطعة بدخائلها لها حقوقها وعليها واجباتها، ولا شأن لها بأحد ولا شأن لأحد بها، ومعناها الساذج كذلك أن تكون أنت مستقلًّا من الناس بهمومك وأشجانك وغير متصل بهم، إلا فيما يتعلق بمنافعك وأعمالك فليس ما ينوبك أو ينوبهم إلا سرًّا مقفلًا تطويه الصدور، وليس ين...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
الحرية هي في عرف الكثرة الغالبة أن يصنع الإنسان ما يشاء ولو جاوز حدود العفة والحياء، ومتى ارتفع حجاب الحياء فأي حديث شريف يسمع في ضوضاء الفتنة ولجب البهيمية والهراء؟ لا حديث إلا ما يشغل الإنسان بأوضع ما فيه عن أرفع ما فيه، ويجعل الجد النبيل في حكم الرزانة المكروهة بين السكارى المعربدين والبغاة القاصفين.