فقط لو تصمت !
فقط لو تصمت!
عادت (خير) زوجة (سلطان) من الخارج.. كانت قد خرجت لزيارة أمها كي تشاركها العجين والعناية بماشيتها مثلما تفعل كل أسبوع.. وها قد عادت..
منذ الوهلة الأولى التي رآها فيها (سلطان) تطل من باب الدار؛ أدرك أن شيئاً ليس على ما يرام..
-" سا النور يا سي (سلطان)"
فور أن وضعت ما تحمله على رأسها أرضاً أخذت تنظف ما علق بثوبها الريفي من قذارات العمل.. نظر لها (سلطان) ثانيةً وأدرك أن شيئاً ليس على ما يرام..
رأى وجهها المنهك. وجهها دائماً منهك.. جسدها الذي ثقلت حركته. هو كذلك منذ زمن..
لما رأت الفضلات التي أحدثها بعد أن جلس يمص عيدان القصب.. انحنت انحناءتها الريفية القاسية الأبدية فصار ردفاها أعلى ما فيها، وطفقت تنظف المكان..
(سلطان) في جلسته كما هو مسندُ ظهره للحائط وكوب الشاي في يده؛ يشملها بنظرة لا مبالية..
فجأة أطلقت صرختها الواهنة ووقعت.. انتبه فوضع كوب الشاي على الأرض بحرص كي لا يسقط محتواه، ونهض في تثاقل يرى ما بها.. لما مسّها باغتته حرارة جسدها المفرطة في الارتفاع.. جذبها إليه وأسندها لجسده وسارا معاً ليضعها على السرير النحاسي وهو يقول..
-" سلامتك"
تمددت على السرير وظلت مغمضة العينين في ألم.. انتعش تعب اليوم كله فجأة ليفرض سطوته على جسدها.. يا للإرهاق الخبيث!
خرج صوتها ضعيفاً واهناً للغاية وهي تحدثه..
-" آه يا سلطان.. حاسة إني مولعة ومش عارفة أحرك حتة في جتتي.. جتتي كلها بتنقح عليا.. هموت يا سلطان"
سلطان واقف يرمقها في بلادة..
-" سلامتك"
شعر أن عليه أن يفعل شيئاً فتخطى عتبة داره للخارج عدة خطوات.. وما لبث أن أوصى أحد الفتيان أن يسرع في طلب الـ (حكيم)..
عاد إليها ووقف يرمقها بينما أنّاتها وألمها لا يتوقفان.
-" آه يا سلطان! "
ثمة شعور يشعر به!.. لا.. ليس هذا وقته.. نظر لها ثانيةً فوجد قطرات العرق قد تفصّدت على جبينها.. قطراتٌ هي مبعوثة المرض.. ليشفِها الله.. إنها بنت حلال وأبوها رجل صالح وسيتعذب لو أبصرها على هذه الحال.. إن هي إلا دقائق ويموت ألمها.. فالحكيم قادم وهو حتماً يعرف ما يفعل.. فقط فلتكفف عن إصدارها لمثل هذه الأنّات.. فدلال المرأة وتهويلها للأمور شيءٌ بغيض!
-" الحقني يا سلطان.. آه يا سلطان"
يا رب الكون!.. لماذا العذاب؟.. (سلطان) يقنع نفسه ألا وقت لهذا الآن، ويحاول أن يسيطر على شعوره.. يقاوم.. ينظر لجسدها الذي يرتعش. لوجهها المحمرّ مرضاً. لقطرات العرق على جبينها. يمسّ جبهتها براحته كي يشعر بحرارتها المرتفعة فتتعزز مقاومته.. أجل.. يا لها من مسكينة.. الحكيم قادم.. لابد قادم.
-" آه يا سلطان"
أين أنت أيها الحكيم المنتظر؟.. الشعور يراوده بشدة فينظر لها.. تركيزه على رعشة المرض فيها واحمرار وجهها بقطرات عرقه وحرارتها المرتفعة - قد قلّ.. وأصبح لا مهرب من عذاب عبارتها.. ذكّرته العبارة رغماً عنه ببرود هذا الجسد المتمدد أمامه في كل مرة احتضنها في الليالي الفائتة.. البرود الذي يقف سداً أمام جيش شهوته.. أو يمثل عقبة على الأقل.. ليشفك الله سريعاً يا (خير).
-" آه يا سلطان.. آاااه ياني! "
عبارتها وآهتها تحاصره أينما ذهب.. تشل تفكيره البليد أصلاً.. لكن لا.. سيحرص عليها من أجل خاطر أبوها الحاج على الأقل.. لو ظلت مريضة فستشقى أمها، وستملأ الفضلات صحن الدار عندما يمص عيدان القصب.. فقط لو تصمت (خير)! فلتكف على الأقل عن التأوه.. لكم تاق أن يسمع منها تلك الآهة وهذه العبارة المستنجدة!.. لكم سمع - على المقهى مساءً مع الرجال - عن حكايا قفّ لها شعر رأسه.. عن صراعات في الفراش جعلت النار تسري بين فخذيه.. فقط لو تصمت هذه المرأة!.. فقط لو تصمت!!
صمتت (خير).. أراحها النوم مما هي فيه، وتوقف ترديد العبارة المعذِّبة.. أين أنت يا حكيم البلدة؟.. عليك اللعنةُ أين أنت؟!!
ظل واقفاً يطيل النظر إليها.. جيد.. لتظل نائمة إلى أن يأتي الفرج.. ولكن.. . ولكن ألن يسمع تلك العبارة لمرة أخيرة قبل مجيء الحكيم؟!
فكر في شيء!.. اقترب من السرير أكثر ولكز الزوجة في كتفها، وسأل بنفس النظرة الغبية:
-" خفيتي يا بت يا خير؟ ؟"
استيقظت وبدأ الوجع يعاود ارتداء جسدها رويداً رويداً مرة أخرى.. استفاقت ونظرت له وقالت بنفس الصوت الضعيف الواهن:
-" عيانة يا سلطان.. هموت باين.. آه يا سلطان الحقني"
هل ستصيبه منها عدوى لو فعل؟!.. لا.. يجب ألا يفعل.. هي مريضة. أبوها الحاج. فضلات الدار. أمها ستشقى. الحكيم قادم.. لابد قادم..
فليخرج من سجن عبارتها المعذِّبة هذه.. لن يســ(آه يا سلطان)ــمح لنفسه أن يفعــ(آه يا سلطان)ــل.. إن هذا أبداً لــ(آه يا سلطان)ــن يكون..
-" آه يا سلطان"
اقترب (سلطان) من السرير أكثر ثم اعتلاه.. نظر لها.. عرّى نصفها السفلي والتحم بها.. ارتعبت هي وانتابها جزعٌ عظيم وصرخت: " لا يا سلطان".. التحم أكثر وأخذ يمارس عربدته في جسدها بسعادة لأول مرة..
صراخها تحته لا يتوقف، ولكن من قال أنه يسمع!
* * *
عندما وصل الحكيم وجدها ميتة..
ووجد (سلطان) إلى جوارها مريضاً غير قادر على الحراك!
* * *
أحمد صبري غباشي
الجمعة - 24 مارس 2006
من كتاب : نادماً خرج القط
عادت (خير) زوجة (سلطان) من الخارج.. كانت قد خرجت لزيارة أمها كي تشاركها العجين والعناية بماشيتها مثلما تفعل كل أسبوع.. وها قد عادت..
منذ الوهلة الأولى التي رآها فيها (سلطان) تطل من باب الدار؛ أدرك أن شيئاً ليس على ما يرام..
-" سا النور يا سي (سلطان)"
فور أن وضعت ما تحمله على رأسها أرضاً أخذت تنظف ما علق بثوبها الريفي من قذارات العمل.. نظر لها (سلطان) ثانيةً وأدرك أن شيئاً ليس على ما يرام..
رأى وجهها المنهك. وجهها دائماً منهك.. جسدها الذي ثقلت حركته. هو كذلك منذ زمن..
لما رأت الفضلات التي أحدثها بعد أن جلس يمص عيدان القصب.. انحنت انحناءتها الريفية القاسية الأبدية فصار ردفاها أعلى ما فيها، وطفقت تنظف المكان..
(سلطان) في جلسته كما هو مسندُ ظهره للحائط وكوب الشاي في يده؛ يشملها بنظرة لا مبالية..
فجأة أطلقت صرختها الواهنة ووقعت.. انتبه فوضع كوب الشاي على الأرض بحرص كي لا يسقط محتواه، ونهض في تثاقل يرى ما بها.. لما مسّها باغتته حرارة جسدها المفرطة في الارتفاع.. جذبها إليه وأسندها لجسده وسارا معاً ليضعها على السرير النحاسي وهو يقول..
-" سلامتك"
تمددت على السرير وظلت مغمضة العينين في ألم.. انتعش تعب اليوم كله فجأة ليفرض سطوته على جسدها.. يا للإرهاق الخبيث!
خرج صوتها ضعيفاً واهناً للغاية وهي تحدثه..
-" آه يا سلطان.. حاسة إني مولعة ومش عارفة أحرك حتة في جتتي.. جتتي كلها بتنقح عليا.. هموت يا سلطان"
سلطان واقف يرمقها في بلادة..
-" سلامتك"
شعر أن عليه أن يفعل شيئاً فتخطى عتبة داره للخارج عدة خطوات.. وما لبث أن أوصى أحد الفتيان أن يسرع في طلب الـ (حكيم)..
عاد إليها ووقف يرمقها بينما أنّاتها وألمها لا يتوقفان.
-" آه يا سلطان! "
ثمة شعور يشعر به!.. لا.. ليس هذا وقته.. نظر لها ثانيةً فوجد قطرات العرق قد تفصّدت على جبينها.. قطراتٌ هي مبعوثة المرض.. ليشفِها الله.. إنها بنت حلال وأبوها رجل صالح وسيتعذب لو أبصرها على هذه الحال.. إن هي إلا دقائق ويموت ألمها.. فالحكيم قادم وهو حتماً يعرف ما يفعل.. فقط فلتكفف عن إصدارها لمثل هذه الأنّات.. فدلال المرأة وتهويلها للأمور شيءٌ بغيض!
-" الحقني يا سلطان.. آه يا سلطان"
يا رب الكون!.. لماذا العذاب؟.. (سلطان) يقنع نفسه ألا وقت لهذا الآن، ويحاول أن يسيطر على شعوره.. يقاوم.. ينظر لجسدها الذي يرتعش. لوجهها المحمرّ مرضاً. لقطرات العرق على جبينها. يمسّ جبهتها براحته كي يشعر بحرارتها المرتفعة فتتعزز مقاومته.. أجل.. يا لها من مسكينة.. الحكيم قادم.. لابد قادم.
-" آه يا سلطان"
أين أنت أيها الحكيم المنتظر؟.. الشعور يراوده بشدة فينظر لها.. تركيزه على رعشة المرض فيها واحمرار وجهها بقطرات عرقه وحرارتها المرتفعة - قد قلّ.. وأصبح لا مهرب من عذاب عبارتها.. ذكّرته العبارة رغماً عنه ببرود هذا الجسد المتمدد أمامه في كل مرة احتضنها في الليالي الفائتة.. البرود الذي يقف سداً أمام جيش شهوته.. أو يمثل عقبة على الأقل.. ليشفك الله سريعاً يا (خير).
-" آه يا سلطان.. آاااه ياني! "
عبارتها وآهتها تحاصره أينما ذهب.. تشل تفكيره البليد أصلاً.. لكن لا.. سيحرص عليها من أجل خاطر أبوها الحاج على الأقل.. لو ظلت مريضة فستشقى أمها، وستملأ الفضلات صحن الدار عندما يمص عيدان القصب.. فقط لو تصمت (خير)! فلتكف على الأقل عن التأوه.. لكم تاق أن يسمع منها تلك الآهة وهذه العبارة المستنجدة!.. لكم سمع - على المقهى مساءً مع الرجال - عن حكايا قفّ لها شعر رأسه.. عن صراعات في الفراش جعلت النار تسري بين فخذيه.. فقط لو تصمت هذه المرأة!.. فقط لو تصمت!!
صمتت (خير).. أراحها النوم مما هي فيه، وتوقف ترديد العبارة المعذِّبة.. أين أنت يا حكيم البلدة؟.. عليك اللعنةُ أين أنت؟!!
ظل واقفاً يطيل النظر إليها.. جيد.. لتظل نائمة إلى أن يأتي الفرج.. ولكن.. . ولكن ألن يسمع تلك العبارة لمرة أخيرة قبل مجيء الحكيم؟!
فكر في شيء!.. اقترب من السرير أكثر ولكز الزوجة في كتفها، وسأل بنفس النظرة الغبية:
-" خفيتي يا بت يا خير؟ ؟"
استيقظت وبدأ الوجع يعاود ارتداء جسدها رويداً رويداً مرة أخرى.. استفاقت ونظرت له وقالت بنفس الصوت الضعيف الواهن:
-" عيانة يا سلطان.. هموت باين.. آه يا سلطان الحقني"
هل ستصيبه منها عدوى لو فعل؟!.. لا.. يجب ألا يفعل.. هي مريضة. أبوها الحاج. فضلات الدار. أمها ستشقى. الحكيم قادم.. لابد قادم..
فليخرج من سجن عبارتها المعذِّبة هذه.. لن يســ(آه يا سلطان)ــمح لنفسه أن يفعــ(آه يا سلطان)ــل.. إن هذا أبداً لــ(آه يا سلطان)ــن يكون..
-" آه يا سلطان"
اقترب (سلطان) من السرير أكثر ثم اعتلاه.. نظر لها.. عرّى نصفها السفلي والتحم بها.. ارتعبت هي وانتابها جزعٌ عظيم وصرخت: " لا يا سلطان".. التحم أكثر وأخذ يمارس عربدته في جسدها بسعادة لأول مرة..
صراخها تحته لا يتوقف، ولكن من قال أنه يسمع!
* * *
عندما وصل الحكيم وجدها ميتة..
ووجد (سلطان) إلى جوارها مريضاً غير قادر على الحراك!
* * *
أحمد صبري غباشي
الجمعة - 24 مارس 2006
من كتاب : نادماً خرج القط
Published on February 25, 2011 02:13
•
Tags:
فقط-لو-تصمت
No comments have been added yet.