Error Pop-Up - Close Button Must be signed in and friends with that member to view that page.

إدارة التوحش.. فخ العناوين


تشتهر بعض عناوين الكتب ويتم تداولها على نطاق واسع في الإعلام، وقد تتراكم الأوهام والتحليلات بسبب هذه الشهرة، مع ظاهرة التناسخ في الأفكار والمعلومات المتبادلة دون رؤية تحليلية مستقلة، ولشدة تكرار هذه التحليلات تتحول وكأنها حقيقة، ويتورط بها آخرون بدون وعي




تشتهر بعض عناوين الكتب ويتم تداولها على نطاق واسع في الإعلام، وقد تتراكم الأوهام والتحليلات بسبب هذه الشهرة، مع ظاهرة التناسخ في الأفكار والمعلومات المتبادلة دون رؤية تحليلية مستقلة، ولشدة تكرار هذه التحليلات تتحول وكأنها حقيقة، ويتورط بها آخرون بدون وعي.

الإدراك يحتاج لجهد، وخبرة ولا يمكن بناؤه سريعا بمجرد جمع المعلومات القوقلية في هذا المجال أو ذاك، خاصة في قضايا متداخلة.

وللأسف هذه الظاهرة رافقت التعامل مع الحالة الإسلامية، منذ أن أصبحت مادة حاضرة في الإعلام، ومربحة للظهور على المسرح، طالما أن المطلوب مجرد معلومات نمطية مكررة متاحة بأي مرجع ..مع قليل من إدانات وشتم واستنكار للإرهاب والتطرف وليس وعي بحقيقة المشكلة، ومتغيراتها.

تبدو مشكلة شهرة بعض الكتب عند الجمهور أنه تخلق وهما بالاطلاع عليه، لكثرة تكرار الإحالة إليه والحكي عنه إعلاميا وثقافيا.

هناك العديد من الكتب التي تشتهر دون أن يطلع عليها فعلا كثيرون، ومن هذه الأمثلة التي لاحظتها سابقا، كتاب مقدمة ابن خلدون، فهو من أشهر الكتب التاريخية التي يتورط بها الكثير من المثقفين ويتشبعون بأفكاره عنه منقولة من مفكرين آخرين، دون أن يكون فعلا قرأه جيدا وفهم أطروحته بصورة مستقلة ليستطيع تقييمه، وأن لا يكون مجرد معجب فيه بالتقليد.

الكثير من الكتب التراثية والإسلامية تكونت حولها بعض الأوهام عن طريق تقليد آخرين دون وعي مستقل بحقيقتها.

أحيانا يكون العنوان نفسه فخ كبير..لأوهام حول مضمونه، وتبنى عليه تحليلات ويختزل محتوى الكتاب من عنوانه، كما في كتاب «إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة» لأبي بكر ناجي.

الكتاب ليس مجموعة مجلدات بل يمكن قراءته في وقت قصير، لكن فهمه يحتاج خبرة في المجال الإسلامي الواسع بكل أطيافه، ولهذا كثرت العروض والقراءات الصحفية لمحتواه، حتى لمؤسسات إعلامية رصينة، عبر سرد معلوماتي وتلخيص لنقاط وردت بنصها في الكتاب..دون إدراك حقيقي لفكرة الكتاب وماذا يريد أن يصل له.

هناك العديد من الكتاب ومنهم عرب أشاروا له بمقالاتهم ومنهم مخضرمون، وكشف سهولة وقوعهم بمثل هذه التنميط المستنسخ.

المؤلف اسم ضمن قائمة طويلة من الجهاديين الافتراضيين التي رافقت مرحلة الانترنت، وحتى قبلها منذ بدايات الحقبة الجهادية قبل عدة عقود.

من يطلع على الكتاب ولديه خلفية عن الخطاب الجهادي، والحركي والدعوي والإشكاليات العديدة داخل منظومة الوعي الإسلامي الذي تشكل منذ نصف قرن، لن يهتم كثيرا بمعرفة من يكون؟ فالخطاب الموجود ليس غريبا على بنية وهموم وتطورات الفكر الجهادي ومتغيراته المعاصرة.

متغيرات المرحلة أثرت على طريقة استقبال العنوان الذي يبدو مخيفا «إدارة التوحش» فمفردة التوحش بذاتها..تثير مخيلة القارئ..بعكس مفردة الرعب المستهلكة إعلاميا في الوعي العام.

استقبال العنوان قبل ظهور داعش، يختلف عن طريقة استقباله بعدها، فالاستغراب في المرحلة الأولى هو لعدم معرفة..ماذا يقصد به المؤلف ومحتوياته، في المرحلة التالية أصبح يربط بمساعدة الكتاب المزيفين بأفعال اللحظة الداعشية تلقائيا دون وعي عميق بالفروقات.

الكتاب له أهمية دقيقة في جانب من نوع خاص لن يكتشفه الإعلاميون المقلدون وخبراء الموضة، وحتى الكثير من الأجانب انتبهوا لجانب، وتركوا ما هو أهم فيه.

هذه الأهمية نبعت في فكر المؤلف بعبقرية وإبداع لافت في لحظتها بناء على معطيات أمامه ومشكلات كثيرة واجهت الفكر الجهادي والإسلامي بعد سبتمبر وغزو العراق وتطوراتهما.

ظهور داعش بوحشيتها ومذابحها وجرائهما المدعومة بعرض سينمائي من إعلامها، خلق أوهاما حول الكتاب بأثر رجعي، وضخم في شأن ليس هو الشأن الذي بنيت عليه فكرته الأصلية، والهم الذي سيطر على المؤلف حينها، لقد خدمت تطورات الربيع العربي وأوضاع المنطقة الكتاب، وصنعت له شهرة خاصة بسبب ربط الكثير من المحللين بين ظهور داعش والكتاب وكأنه مخطط مسبق لها، وتطبيق لمحتواه.

وجود مفرد «التوحش» في العنوان ساعد على الوقوع بسهولة في هذا الفخ وتسويقه على نطاق واسع، صحيح أن لحظة داعش صنعت للكتاب قيمة، فجزء منه حقيقي واحتاجه الواقع فعلا، وتدل على ذكاء صاحبه في وقتها، لكن الربط المباشر يؤثر على فهم الفكرة الرئيسية له.

قد لا يهتم الكثير من الكتاب والنخب المسؤولة بالتفاصيل الدقيقة، لأنه في نظرهم «كله إرهاب وتطرف»..وبالتالي يتجرؤون على التنظير بالعموميات، واجترار أفكار وعظية بخطورة التطرف، وكأن التفاصيل مجرد ترف زائد، والواقع أن مشكلتنا الرئيسية والمستمرة..هي في التفاصيل الدقيقة جدا لمعالجة الإرهاب.

ولأننا لا نريد الدخول فيها..ومتعبة لنوعية من الكتاب والمثقفين الذين يشتغلون على السريع والخفيف، والمسؤول الذي لا يرغب أن يتعمق أكثر حتى لا يحرج بمعالجات عميقة.

أما الإسلامي المعتدل وصاحب الهموم الدعوية، فهو يشعر بالورطة المستمرة من تطورات هذا الطرح، فيمارس الهروب بالعموميات إلى الأمام ، أو يأتي من يتذاكى منهم بحسن نية أو بغيرها..بتشتيت الأفكار الإشكالية الرئيسية التي تتكرر منذ عقود لأجيال من الشباب الحائر حولها.

وللحديث بقية..

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 01, 2015 08:34
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.