إدارة التوحش: رسالة لم تصل لمن يهمه الأمر
يعبر كاتب إسلامي في موضوع له عن داعش قبل أسابيع عن دهشته وعدم تصديقه، كيف تحول ذلك الشاب المتدين الوديع الذي التقى به، وهو يقرأ تغريدة التحاقه بداعش
يعبر كاتب إسلامي في موضوع له عن داعش قبل أسابيع عن دهشته وعدم تصديقه، كيف تحول ذلك الشاب المتدين الوديع الذي التقى به، وهو يقرأ تغريدة التحاقه بداعش.
هذه الدهشة بذاتها مشكلة! كتاب «إدارة التوحش» الذي أشرت له في المقال السابق من أكثر ما أشارت إليه المقالات الصحفية مؤخرا، لكنها اشتغلت في تفاصيل تضلل عن الفكرة الأهم فيه، حيث غابت سر خطورته، التي جعلت بعض المتدينين الإسلاميين لديهم القابلية للتأثر والتحول إلى المسار الجهادي بسهولة، وعجز معسكر الاعتدال الإسلامي الشكلي أو الحقيقي وقف هذه الانتقالات المفاجئة في نظرهم.
بعد مرور ما يقارب من عقد ونصف على مرحلة سبتمبر، طور خطاب التشدد والإرهاب من أفكاره الواقعية في تنظيره للفكر الجهادي مقابل ذلك ما زالت قيادات العمل الإسلامي والدعاة في مرحلة دفاع وعجز.
في تلك المرحلة كتبت العديد من المقالات عن مشكلة بعض الأفكار الرئيسة في الحالة الإسلامية، وكان ينظر لها في وقتها بريبة كخطاب تنويري عصراني! في مقال الأسبوع الماضي أشرت إلى أن مشكلتنا في التفاصيل.
هذه التفاصيل ليست فقهية فقط، وإنما في الخطاب الدعوي والحركي، وتفاصيل في المعالجة السياسية ورؤية الواقع.
تكمن خطورة هذا الكتاب في أنه موجه بطريقة مكثفة ضد كل المشاريع الإسلامية الحركية الأخرى، سواء كانت ذات توجه دعوي سلفي، أو ذات توجهات حركية سياسية، أو حتى تجارب الحركات الجهادية الأخرى التي فشلت في دول أخرى كمصر وغيرها.
هو موجه ضد كل حوائط الصد التي وضعتها النخب الدينية العلمية التقليدية، والفكرية وأطروحات الدعاة المعاصرين، فكل بنيان الاعتدال الذي تشكل بطريقة هشة فكريا وفقهيا، لتأجيل المواجهة المسلحة، ومحاولات الإقناع بأضرارها الشرعية والواقعية، وخطورتها على العمل الإسلامي، لا تكفي لإعطاء الحصانة لأجيال جديدة من الإسلاميين.
لقد كانت الفكرة واضحة جدا في ذهن المؤلف، وأراد مسح كل التساؤلات والإشكاليات التي تكون عالقة في ذهنية الشباب الإسلامي المتحمس للعمل لإقناعه بضرورة خيار الجهاد، أو على الأقل جعله يتفهمه شرعيا وواقعيا.
هو في الواقع نقاش إسلامي-إسلامي قديم منذ عقد تقريبا..داخل الوعي الحركي باتجاهاته المختلفة، لن يفهمه الكثير من الكتاب خارج دائرة الوعي الإسلامي بتفاصيل هذه الإشكاليات، والفروق بين درجات الاعتدال والتشدد بينهما.
منذ السطور الأولى في مقدمته تلاحظ أنك لست أمام مجرد كادر جهادي من القاعدة، وإنما كاتب مدرك لطبيعة الحركات الإسلامية في العقود الثلاثة الأخيرة، ومتخيل لطبيعة مشروعاتها، ولديه رؤية تبلورت خلال سنوات من نقاشات ما بعد سبتمبر، ورصد للاعتراضات من الجماعات والحركات الإسلامية الأخرى على منهجهم وعرض «مقارنته بالمشاريع المطروحة من قبل فصائل العمل الإسلامي والتي أصابت الشباب الإسلامي بالحيرة» فهو يريد أن يحسم القضية مع تعدد المشاريع التي يرى أن النصوص الشرعية «حسمتها في أعين النابهين» في نظره.
عند عرض هذه المشاريع أخذ منها من لديه مشاريع مكتوبة، وقسمها إلى خمس تيارات: «فبعد إخراج تيار التبليغ وتيار سلفية التصفية والتربية (السلفية الصوفية) وتيار سلفية ولاة الأمر وغيرهم سنجد أن التيارات التي وضعت مشاريع مكتوبة وتصلح للنقاش لما لها من واقع عملي، هي خمسة تيارات: (1) تيار السلفية الجهادية.
(2) تيار سلفية الصحوة الذي يرمز له سلمان العودة وسفر الحوالي.(3) تيار الإخوان (الحركة الأم..التنظيم الدولي).(4) تيار إخوان الترابي.(5) تيار الجهاد الشعبي (مثل حركة حماس وجبهة تحرير مورو وغيرها).
أما مشروع سلفية الصحوة خاصة في صيغته الأخيرة (إنشاء المؤسسات) فيشابه مشروع حركة الإخوان (التنظيم الدولي) إلى حد كبير قد يصل إلى التطابق في بعض فقراته»بغض النظر عن دقة تفاصيل هذا التقسيم، الكتاب فيه خطورة على الإسلاميين أكثر من غيرهم، فالأهداف الرئيسية محددة أمامه، نتيجة عدة معطيات وسجالات ما بعد سبتمبر ومشكلات العمل الإسلامي الذي تضرر منها، فهو لم يغرق في الجانب الفقهي فيشتت الذهن عن فكرته، ولم يغرق في الجانب التاريخي، بقدر ما أخذ لمحات متنوعة تخدم قضيته وتهز قناعة التيارات الأخرى.
خطورة الكتاب أنه ليس ضخما، وليس سجالا فقهيا ولا مجرد تنظير فكري، وإنما هو خليط من الكتابة العملية جدا التي تريد أن تثبت قناعات معينة، وتنقل رسالة محددة بخطوط عريضة لتحييد على الأقل أصحاب المشاريع الإسلامية الأخرى.
خطورته على منهج التيارات والحركات الإسلامية التي تصنف نفسها بأنها ضد العنف ومعتدلة.
الفكر الجهادي تراكم في العقود الأخيرة، وأصبحت له أدبيات متعددة ومناهج ناتجة من عدة تجارب واقعية، من منهج يصل إلى تكفير الدول والمجتمعات وأخرى تحصره في مقاومة مشروعة محددة في زمان ومكان معين، لكن هذه المسافة بينهما أخذت مسارات مربكة، وكشفت العديد من أخطاء الخطاب الإسلامي المعتدل وعدم صلابة طرحه في مواجهة متغيرات كثيرة، سمحت لهذا الفكر الإرهابي بالتمدد، وكشفت تجارب ثلاثة عقود تعقيدات المشهد وضعف الخطاب الفكري، وسوء المعالجات السياسية في عالمنا العربي التي انتهت بالتفجير داخل المساجد.
وللحديث بقية في مقالات أخرى.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
