الاختراق الجهادي.. للإسلاميين


يتضمن الخطاب الإسلامي الحركي المعاصر جزءا علنيا منشورا في كتب كأدبيات تميز فكره وتجربته وهمومه في الواقع، وملامح خطابه الشرعي والدعوي والسياسي..وغيره، وجزءا آخر غير مكتوب، يدرك بالممارسة والمتابعة الخاصة لكل الظروف التي تمر بها هذه الحركة أو ذلك التيار.




يتضمن الخطاب الإسلامي الحركي المعاصر جزءا علنيا منشورا في كتب كأدبيات تميز فكره وتجربته وهمومه في الواقع، وملامح خطابه الشرعي والدعوي والسياسي..وغيره، وجزءا آخر غير مكتوب، يدرك بالممارسة والمتابعة الخاصة لكل الظروف التي تمر بها هذه الحركة أو ذلك التيار.

الجزء غير المفصل بمؤلفات هو عادة ما يتعلق بتحديات داخلية والعوائق التي تواجههم في إدارة العمل الدعوي في المجتمع..ولأنه متغير في كل مرحلة ومكان يظل يتناقل مشافهة بين الناشطين في هذا المجال.

وإذا كانت بعض الدول تمارس حظرا على العديد من الأنشطة الإسلامية، فإنها في دول أخرى تكون مطلوبة ومدعومة، يتشارك النظام وهذه الحركات اقتسام المجتمع لتوجيهه والسيطرة على وعيه.

صاحب كتاب «إدارة التوحش» يعرض بوضوح صورة مثيرة للتأمل، ومخالفة للأعراف الحركية تاريخيا، حول فكرة اختراقهم للحركات الإسلامية الأخرى والتأثير عليها والترقي في سلمها القيادي من خلال أفراد موثوق في تمكنهم، مع تناول شرعيتها، والفروقات بينهم فيقول «بالنسبة لاختراق الجماعات الإسلامية الأخرى بل والترقي في سلمها القيادي من خلال أفراد موثوق في تمكنهم من مدافعة الشبهات العلمية والشهوات، ينتج عن ذلك فوائد كثيرة مختلفة، وهناك حالات سابقة ناجحة، وهناك إشكالية حرمة التجسس على المسلمين فكيف يمكن جمع المعلومات عنهم؟ وفي هذا أعتقد بجواز ذلك تجاه الحركات التي تؤذي المجاهدين أو تتعامل مع الطواغيت، أما اختراق الحركات التي لا تؤذي المجاهدين فلا يتم لجمع المعلومات ولكن لدعوتهم والتقرب منهم والاستفادة من تحويل مواقفهم في صالح الجهاد حال الأوضاع والمواقف الحاسمة».

المفارقة أن هذا النص المثير ينقلنا إلى إشكال واقعي آخر، فحتى بدون وجود هذا التخطيط العملي، فإن بعض ملامح الفكر الجهادي مخترق وعي بعض الإسلاميين، نتيجة عدم قدرتهم على المفاصلة عنه بصورة علنية وواضحة منذ البدايات، عبر إدانة رموزه مبكرا وقياداتهم، خاصة عندما أعلنت هذه القيادات عن أفكار إرهابية وقتل عشوائي دولي قبل تنفيذها بسنوات طويلة بعد 1998م، تحت مبررات عديدة أكد الواقع التاريخي خطأها، فعندما تطلب من بعضهم في ذلك الوقت إدانة صريحة لابن لادن والظواهري وأمثالهم بأسمائهم يقدم لك خطبة عن تاريخ أمريكا وإرهابها!عدم القدرة على المفاصلة الجذرية تحتاج تفصيلا آخر من واقع تجربة الحوار مع بعض الأفكار التي سمحت لهذا الفكر بالتمدد، لنميز بين التهم العشوائية التحريضية الصحفية..وبين حقيقة الخطأ تاريخيا وموضوعيا مرورا بعدة محطات طويلة للإرهاب.

إذن بدون فكرة الاختراق هذه عبر أشخاص منتمين للقاعدة حينها أو أي حركات جهادية أخرى، فإن الوعي ذاته مخترق مشوش عليه عبر تراكمات خطاب لم يستطع أن يضع حدودا قوية وفاصلة بين فكرين، لأن التصحيح بحاجة إلى مصارحات مكلفة.

وللوعي بخطورة ما حدث عليك أن تستحضر أن هذا الكتاب ليس جديدا، وإنما قديم في تداوله بين أصحاب هذا الفكر، بمعنى أنه تم تطبيق الكثير من أفكاره فهو نشأ في ظروف تطورات الحالة العراقية 2005م وما بعدها، بمعنى أننا نعيش الآن جزءا من هذه النتيجة، فهو ليس حديثا عن مستقبل لم يأت بعد، فقد أصبح جزء كبير من هذا المستقبل ماضيا خلال عقد كامل وحاضرا نواجهه اليوم، حيث تورطت فيه أجيال صغيرة نشاهدها الآن.

الجانب الآخر في الكتاب كخطورة أمنية أنه تحدث عما يشبه عملا استخباراتيا ومباحثيا هم يقومون به، كإحدى المهارات والأدوار الأمنية، لخدمة ما يخططون له، فيقول «ينبغي اختراق قوات الشرطة والجيوش والأحزاب السياسية المختلفة والصحف والجماعات الإسلامية وشركات البترول - كعامل أو مهندس - وشركات الحراسات الخاصة والمؤسسات المدنية الحساسة..الخ، وقد بدأ ذلك بالفعل منذ عقود لكننا نحتاج المزيد في ظل التطورات الأخيرة، كذلك قد نحتاج اختراق المكان الواحد بأكثر من عضو - لا يعرف بعضهم بعضا أو العكس - لأدوار مختلفة أو نفس الدور إذا كان يحتاج لأكثر من عضو» ويشرح أن مثل هذه المهام تتطلب زمنا طويلا ومرونة حيث «الوصول إلى مركز جيد لجمع المعلومات يتطلب وقتا طويلا ليتقن دوره بين المؤسسة التي يقوم باختراقها، وفي ذلك يمكن ترك حرية الحركة للعضو بعد إعطائه برنامجا طويل المدى للتحرك ونوعية المعلومات المطلوبة وكيفية تصنيفها وتأمينها لحين طلبها منه أو تعجله بإيصالها لوجود معلومات خطيرة لا تحتمل التأجيل».

ويستحضر المؤلف إشكاليات في الوعي الحركي الديني فيقول «ستواجهنا في سبيل ذلك مشكلات منها أن اختيار العضو الذي سيقوم بالاختراق ينبغي أن يتم تحت الثقة بقدرته على الحفاظ على دينه داخل مجال قد يكون مليئا بالمخالفات الشرعية أو الكفر في حين أنه يكون شخصية غير محروقة ولم يعرف عنه تدين سابق».

من السهل أن يكتب أي شخص كلاما ضخما إنشائيا ومثيرا عن خطط أمنية كبرى للسيطرة والاختراق كجزء من رواية خيالية، لكن الذي تقرؤه هنا شيء مختلف حيث يتسم بواقعية الظروف التي تحيط بعمل مثل هذه التنظيمات التي تتسم بمرونة تحرك الخلايا والأفراد بدون مركزية، وتفسر مفاجآت بعض ما حدث في الماضي.

وللحديث بقية في مقالات تالية.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 15, 2015 05:14
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.