ما تحتاجه القوانين والعقوبات ..؟


مهما تأخرت بعض القوانين والأنظمة لدينا فإنها ستظهر تحت ضغط عدة عوامل مع مرور الزمن، وتوقيتها يخضع لعدة ظروف مرحلية. الأنظمة والقوانين لن تغير وتؤثر على كثير من الظواهر في المجتمع دون تعديل في كثير من المؤسسات ومفاهيم الصواب والخطأ في المجتمع والدولة. أصدرت دولة الإمارات قانونا بشأن مكافحة التمييز والكراهية، وبغض النظر عن الكثير من التفاصيل حوله فإنه لن يغير ويضيف كثيرا للحالة الإماراتية المنفتحة على مستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياحي، والمحافظة على المستوى السياسي.




مهما تأخرت بعض القوانين والأنظمة لدينا فإنها ستظهر تحت ضغط عدة عوامل مع مرور الزمن، وتوقيتها يخضع لعدة ظروف مرحلية. الأنظمة والقوانين لن تغير وتؤثر على كثير من الظواهر في المجتمع دون تعديل في كثير من المؤسسات ومفاهيم الصواب والخطأ في المجتمع والدولة. أصدرت دولة الإمارات قانونا بشأن مكافحة التمييز والكراهية، وبغض النظر عن الكثير من التفاصيل حوله فإنه لن يغير ويضيف كثيرا للحالة الإماراتية المنفتحة على مستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياحي، والمحافظة على المستوى السياسي.

يوجد حالة من الهيام والاستعراض في المطالبات بسن قوانين في هذا الجانب أو ذاك، وهي تبدو ظاهرة إيجابية من ناحية المبدأ، فمع تطور الإعلام الجديد أصبحت تشكل ضغطا على شكل موجات تظهر ثم تختفي، لكن الحوارات نفسها وأسلوب مطالبات العديد من النخب مع تكرار هذه المطالبات لا يسهم في تطور الوعي القانوني والرؤى الكلية لمنظومة متكاملة وتاريخية من التعقيدات الداخلية التي تجعل الخوض في التفاصيل أحيانا مشاركة في تسطيح جماعي للوعي، أو مجرد تضليل للمكايدة ضد طرف أكثر من فهم الموانع التاريخية لعدم تطورنا في كثير من هذه المجالات.

من ناحية المبدأ لست مع وضع سيناريو مسبق للتطور والتغيير في الرؤى الإدارية وسن الأنظمة والتشريعات، وتطوير القضاء .. ومؤسسات الدولة، فأي تطوير في جانب يتقدم وآخر يتأخر بسبب ظروف وعوائق عملية يبدو مفهوما، لكن الوعي بالعوائق، وأفكار التغيير شيء مختلف، حيث يجب أن نحافظ على رؤى عقلانية متسقة، ووعي معاصر بكيفية انتقال الدول والمجتمعات من حالة تقليدية إلى الحداثة بكل مقوماتها وتحدياتها، ما يحصل من سجالات ومطالبات أحيانا في الوقت الذي يحاول بعضهم دعم تقدم خطوة على أرض الواقع .. بمطالبة جزئية هنا أو هناك، يكون هو أحد عوامل تخريب الوعي بشروط الحداثة الأساسية التي لا تجامل أحدا، فهناك مهما تغيرت ظروف وثقافات المجتمعات عوامل مشتركة تصاحب التغيير ومأسسة الدول، ومحاولة إعادة اختراع العجلة بحجة الخصوصية قد تناسب في بعض التفاصيل وليس المفاهيم الكلية التي تبدو ثقافة بشرية عامة في هذا العصر.

في هاشتاق «مجلس الشورى يرفض مشروع نظام الوحدة الوطنية» كان أسلوب النقاش الذي صاحبه مجرد إغراق في جزئية محدودة حول منطقية رفض المجلس ومبررات رفضه، بناء على النظام الأساسي للحكم، وليس النظر إلى القضية على أنها خلاف بين رؤيتين، رؤية تقليدية تعتمد على تراكم الوعي الرسمي لمسار تشكل الأنظمة، ورؤية تريد أن تحدث تغييرا في جوانب معينة دون أخرى، ولهذا كان السجال مجرد فرصة للبعض في الاستعراض والسخرية، لإثبات حضور في جزئية لا تعالج أصل المشكلة. فعندما تناقش تعثر بعض الأنظمة والقوانين وعدم تطورنا فيها في مجالات كثيرة، وازدواجية المعايير أحيانا، لا بد أن يكون المتناول للموضوع على وعي بالتطورات التاريخية لهذا النوع من الإشكالات، وليس تنميطها ورميها على فئة متشددة، أو شخصيات في هذا المجلس أو تلك اللجنة، وكأنهم العائق الوحيد، ولا توجد عوامل رسمية ساعدتهم على هذه الممانعة، فسؤال لماذا لا توجد عندنا قوانين محددة أو واضحة في هذا أو ذاك .. عليك أن تستحضر الأسباب التاريخية كلها، أو تدعها بدلا من المغالطات وتضخيم أسباب هامشية على حساب حقائق أهم وأكثر تأثيرا.

القوانين والأنظمة حتى في الأشياء المادية المحسوسة، لا تعمل جيدا إلا في منظمة متكاملة من الانضباط في التنفيذ والرقابة، فالقوانين ليست حلولا سحرية لأخطاء المجتمع والدولة، وحتى لا تفشل فهي بحاجة إلى مقومات كثيرة، لنأخذ مثالا على أشياء أقل تعقيدا، كظاهرة التفحيط التي استمرت لعدة عقود في مجتمعنا وما زالت، ومنذ ذلك الوقت طرحت الصحافة مسألة تشديد العقوبات عليها، وبالفعل أقرت عقوبات كثيرة وصارمة، ومع ذلك استمر الفشل في ظاهرة يشترك الجميع في إدانتها ومشاهدتها وتصويرها في مقاطع.

قبل فترة قريبة طرحت اللجنة الأمنية تقريرها وتوصياتها في مجلس الشورى حول هذه الظاهرة، ومن أبرز التعديلات المقترحة إيقاع العقوبة المتدرجة على مرتكب جريمة التفحيط، ووصلت إلى أربعين ألفا .. والسجن لمدة سنة. وقبل سنوات تم تداول مسألة الحكم في من يقتل الآخرين بالتفحيط هل هو متعمد أم لا ؟ ووصلت العقوبات حتى للمشاهدين والمتجمهرين حولها، لكن النتيجة ما زالت أقل من المأمول. مثال آخر سوق الأسهم، وجدت مطالبات بقوانين وأنظمة تحد من التلاعب بالسوق، وفساد الشركات، ومنذ إقرار هذه العقوبات حدثت الكثير من الفضائح المالية في إدراج الشركات التي تورط بها مساهمون صغار، وما زال الفساد يعمل بطريقته الخاصة في هذا المجال. هذه مجرد أمثلة على أشياء تم تجريبها ويمكن قياساها وضبط معاييرها، وتحديد الخطأ، فكيف بقضايا أكثر تعقيدا كمسألة الكراهية وصعوبة ضبطها عمليا، حيث ستظل مجرد كلام عام، لا يغير من الواقع شيئا، كعبارة: حرية التعبير مكفولة للجميع .. إلا ما يتعارض مع قيم المجتمع ..إلى آخره من العبارات المطاطة التي يصعب تحديدها!

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 25, 2015 05:09
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.