تأملات
(أمنيات)أترك باب الشقة ونوافذها مفتوحة،علَّ عابرة جميلة يَعنُّ لها أن تدخل،علَّ فاكهة صيفية تتنزّل عليَّ في الشتاء،علَّ ملاكا مُرسَلا يُخطِئ فيني ويأمرني أنْ أقرأ.
(مرسوم)أستاذ الجامعة الذي طالما انتظر صدور المرسوم،ابتاع أخيرا سيارة بي أم دبليو من الفئة الرفيعة؛ فقد قرَّر إصدار مرسومه بنفسه!
(في انتظاره)أغبط المنتظرين؛فحياتهم رهن بشيء قادم:إن مستقبلهم يلوح لهم في الأفق،فيستثير دوافعهم من أعماقها؛ فهم ينتظرون المسيخ الدجال،والمهدي، وينتظرون قدوم المرسوم، ويوم الدينونة، والترقية، والمولود.ولأني لست واحدا منهم،قرَّرتُ أنْ أجلس على قارعة الطريق مع بيكيت، في انتظار جودو!
(الطريق) أجر عربة فارغة،وأدخل الهايبرماركيت، وأتنزه بين رفوف المعروضات، من غير أن أبتاع شيئا، وأخرج وعربتي فارغة إلا من رغبات.أدخل محل العطور، وأتلقف قناني العطر واحدة واحدة،وأشم أريج عيناتها،وأساوم البائعات،ثم أخرج مضرجا بالروائح خالي الوفاض.فالعمليات تثيرني أكثر من النتائج،والطريق يغريني أكثر من الوصول.من قال ينبغي أن يكون لكل شيء هدف؟!
(معادلات)لا أملك سيارتي..البنك يملكها.لا أملك بيتي..البنك يملكه.أعمل صباحا من أجل البنك،وحين أُرفِّه عن نفسي مساءًأشعر بالخجل أنْ أنفق مال البنك فيما لا يجديه!مع هذا، فالحق أنني كلما ذهبت إلى البنك للاستدانة،تبتسم لي فتاة القروض،وتطلب لي شايا بالحليب متقن الصنع،فأحقق وجودي كممسننة فاعلة في آلة الرأسمالية!
(رصاصة من نحاس العدم)أيها الشعراء المنتحرون!وأنتم يا رفاقي الروائيين!يا من وصلتم بإراداتكم غاياتها، واحتفلتم بالمعنى!لن أطلب منكم أن تدخلوني في زمرتكم؛ فأنا أعرف أن رحمتكم وسعت كل شيء،وأنكم لو قدرتم لنسفتم العالم حتى يدرك البشر ما تلبَّسكم من يقين وطمأنينة،ابعثوا لي فقط رسالة غفران! أو ارموني برصاصة مصنوعة من نحاس العدم،كيما أرى بأم عيني الكوميديا الإلهية.
(بصلة فوكو)حين قررت أن أصبح شاعرا، لم أتخذ حبيباتٍ ليرعين إبداعي،ولم أرِ سحرة يطيرون، ولا شربتُ نبيذا فرنسيا،ولم أحن إلى طفولة غائرة،ولا إلى ماض جميل.لا دعوة لي بنجوم متألقة، ولا بفراشات محلقة، ولا بأنهار رقراقة، ولا براءة الأطفال تعنيني. أزلتُ فقط القشرة التي تغلِّفني والأشياءَ، فرأيت اللامعنى الكامن وراءها،واللاحقيقة التي تكوِّنها.لا أبحث عن الجمال، ولا أُلبِس الأشياء أزياء جميلة،أنا إنما أحفر الأشياء وأعريِّها.
(أنا الجيولوجي)أحِنُّ إلى الحبيبات القديمات، لا رغبةً في اجتراح لِذّاتٍ قبضتها الذاكرة،أو حفظ يوميّاتٍ طواها النسيان،وإنما لأرى الزمن على تضاريسهن؛فأنا لا أحتفل بالنوستالجيا وإنما بالجيولوجيا.
(لا مخرج)من يرى أنّ الأجمل مضى وفات فهو متشائم،ومن يرى أنّ الأجملَ آتٍ فهو واهم،ومن يرى أنّ الاجملَ حاصلٌ هنا والآن فهو أعمى.لا مخرج!
(ديجافو)كل شيء يحصل الآن وقد حصل من قبل..لا داعي له،كل شيء تحقّق قبلا ويتحقّق الآن..أمرٌ زائد.من لا يصعد فهو واقفٌ أو هابط.من لا يرتكب حماقةً جديدةً فهو صدى لحماقةٍ قديمة.
(انتباه!)طابور! انتباه!استقيموا يرحمكم الله!تأبطوا مسدساتكم!صوبوها إلى رؤوسكم!عند الثلاثة اضغطوا الزناد!لا تهتموا بي،اسبقوني إلى الأبدية! سوف أحرص على دفن أشلائكم بشكل لائق،وأن أعيش عنكم هذه الحياة البائسة.
(الخوف)لا يخشى الغريقُ البحرَ،ولا الميّتُ اللّحدَ،ولا المقتولُ المسدّسَ،ولا المطعونُ السكّينَ:الأحياء فقط من يخافون هذه الأشياء.
(مساعدة ضئيلة)أمسح بيدي على الطاولات،وأضرب الجدران التي أمرّ بها،وأَحِكُّ ذقني كلما سنحت لي فرصة،وأتعمّدُ أن أُصافح الآخرين؛فأنا أُحبُّ أن أترك خلاياي المسفوحة في كل مكان،كيما أساعد الموت على إنهائي.
Published on December 29, 2010 06:21
No comments have been added yet.
حسين العبري's Blog
- حسين العبري's profile
- 32 followers
حسين العبري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
