وأنا أطارد ذاتي


(إدراك)من أجل فتاة المحل المقابل،أجلس كل يوم في ذات المقهىبذات الهيئة المحترمةواضعا رجلا على رجلمبتسما كما لو أنني الرجل الأكثر سعادة في العالموأشرب قهوة سوداء كيما أبدو لها ناضجا كفايةوكل مناي أن أجعلها تبتسم لي.مضى حتى الآن خمسة وسبعون يومامنذ أن أسرتني هذه العادةأو ربما ستة وسبعون(لا أعرف إن كان يجب أن أحسب نصف اليوم الأول)ولم تبتسم لي.حاولت بشتى الطرق أن أجعلها تلتفت ليحركت كرسيي مرارا وأوقعت أقلاماوجعلت هاتفي يصدر أنغاما لافتةحتى أنني ذات مرة أوقعت عمدا القهوة على ملابسي(بعد أن تأكدت أنها باردة)ولم تبتسم لي.هذه الأيامبدأت أدرك أنها إنما تقصدني أنا أنا بالذاتفهي لا تبتسم لأحد آخر غيريإنما لا تبتسم لي!


(مطاردة)كلما أردت القبض على الزمن أجده تجاوزني بلحظة.



(صفات أصدقائي)أحضرت يوما ورقة وقلما،ووضعت قائمة بصفات أصدقائي المفترضة،ووضعت قائمة بكل من صادقت،مذ كنت أتسكع في دروب حارتنا القديمة،وحتى الآن، وأنا على عتبة الأربعين،  فلم أجد واحدا منهم تنطبق عليه ستون بالمئة من الصفات.وبما أن رِجليِ تخطو على عتبة الأربعين، لم أحزن (فلا داعي للحزن)،ولم أتعجب (فقد ذهب وقت التعجب).جل ما فعلته أنني مزقت الورقة (واحتفظت بالقلم)وآمنت أن الحياة لها قوانينها الخاصةالتي تعلو على كل ما هو مكتوب.


(عاقبة التفكير)وأنا أفتح صنبور دش الماء هذا الصباحجعلت أوازن بين الحرارة والبرودةبين العلامة الحمراء والعلامة الزرقاء. فكرت بالتوازي: أيجب أن تكون هناك جنة مطلقة ونار مطلقة؟لماذا لا يكون هناك خط متصل يبتدأ في النار وينتهي بالجنة، يتوزع عليه البشر، كما أنهم يتوزعون في الدنيا على خط الشر والخير،فلا خير مطلق ولا شر مطلق،كما هو مزيج اللذة والألم في الجنس،والحب والكره لذات الموضوع. ولأن غواية الفكرة باغتتني وأنا أعزل من كل شيء (ساعتي وثيابي وحذري)لم أستطع تحديد نقطتي على خط السخونة والبرودة فاحترق ظهري!


(استرهاص)حين أكون سعيدا،أقول في نفسي "ليتني كنت ترابا"؛حتى لا أآخذ على على سعادتي بحزن دنيوي ولا بعقاب أخرويتسنده حكمة خفية؛فأنا أسترهص مستقبلي.

(براءة)أليس من الغريب أن تكون السماء أيضا تحتي، والأرض أيضا فوقي؟ماذا تبقّى لي إذا من براءة الطفولة؟!


(آه)آهفقط لو أستطيع أن ألمس بيدي ما تلمسه عيني!


(الإنسانية)الإنسانية هي أن ترى نفسك في الآخر،الأنانية أن ترى نفسك فيها؛لا غرابة إذا  إن كانت الإنسانية مفتعلة ومُجهِدة!


(وهم)ذلك رجل يتحرك بجانب الجدار،أم فراغ على هيئة رجل في الجدار يتحرك؟


(تنظيف)التراب الذي جمعته من غرفتي أخفيته تحت سجادة الغرفة ليظل المكان نظيفا!

(استشراف)الآن وقد احتفلنا بالعيد الأربعين وأخذنا كفايتنا من الإجازات متى يجب أن نبدأ في الإعداد للعيد الخامس والأربعين؟فقط لا تنسوا:أننا سنحتاج إضافة خمسة إلى كل شيء هذه المرة.

(أوين)اشتعال الليفة كما اشتعال النزوةأوين تشبيه مقلوب!

(تغليف)أتمددُأضعُ رجلي على الأخرىأسجِّي يدي على يدي الأخري،وأسجِّيهما كليهما على بطني،أضع أشرطة قماشية بيضاء أسفلي وأعلاي،أُدخِل قطنا في أذنيّ، وأغمض عينيّ وأغلِّف كامل جسديوأُغطِّيني بلحدوأرسِلُنِي بالبريد السريع إلى الهاوية.



(أنا لكم)أنا ذاهب،عيشوا حياتي بدلا عني!خذوا ما أملك! لا توفروا شيئا!كلُّ ما مُنِحتُ من تفاهات وعظمة.. لكم، كلُّ ما أحمل من حقد وحب.. لكم،فقط، اقنعوا الرب أنْ يجنبني هذه الدنيا!



(الجحيم)"الآخرون هم الجحيم":اللعنة!يا له من عظيم! كيف راودته هذه الفكرة؟


(القفص)نعم حبيبتي!النعال الذي ابتعتِه لي جميل،والمصر ألوانه متناسقة،وقد أكلتُ ليلة أمس ما طبختِه لي،وشاهدت الفيلم الذي رشّحتِه لي،وقد استكتُ بفرشاتكِ الكهربائية، واستعملتُ معجونك،ونمتُ متدثرا بالغطاء الذي اخترتِه لي،وأنا أسمع تلك المطربة التي تحبينها،وقد حلمتُ أننا معا،مُحلِّقين على بساط ورديٍّ، تماما كما أمرتِني أن أفعل.لننتهِ من هذا:قيِّدي يديّ!وأقفلِ عليّ القفص!لم أعد أنفع لشيء إلا للفرجة.  
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 27, 2010 06:43
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.