تشرذم

(أعيد كتابة التاريخ)لو كان بيدي أن أرجع دورة الحياة، وأصنع التاريخ،فسأبعثه كما كان،من غيرما تغيير. لأمرٍ ما كان التاريخ هكذا،ولأمرٍ ما يجب أنْ يكون هكذا.وأي تغيير فيه، يعبث بالنقطة التي وصلها إلينا،أيْ نقطة انبجاسنا فيه.لا يعنى هذا أنه لم يكن بالإمكان أحسن مما كان؛فأحسن مما كان لا يؤدي إلينا،وتاريخٌ لا يؤدي إلينا، مهما كان حسنه، لا معنى له.

(شَرَك الرمز)الذي يحمل راية أو شعارا أو عَلَمَايظن أنه امتدادٌ للرمز الذي يَحمِل،وانتصارٌ للمعنى الذي يَكوُنُه.والحق أنه يلاشي نفسه في التجريد، ويجازف بأن يكون مجهولا من أجل قضايا يظن أنها معروفة.

(عتب إلى أحمد الفلاحي)  الدرجات في حديقة بيتك،كانت تؤدي إلى جدار أصم؛فتشعل أفكارنا وتحرقها؛فكيف لا تُوصِل إلى شيء؟ وماذا وراءها من حكمة؟أيتساوى صعودها ولاصعودها؟أينبغي تسميتها درجات، وهي لا تعمل وظيفة الدرجات؟بالله عليك، ما الذي حدا بك أن تزيلها؟أأستكثرت علينا ما يوازينا:بعضَ اللامعنى نابتاً في حديقة؟ما ضرّك لو فتحت لها الجدار،ومنحتها شيئا من معنى؟أظننتَ بإفنائها تضع العقل في محلّه؟لطالما استكهنا حكمة خفيّة فيها، توزاناً هشّاً بين الممكن واللاممكن،أما الآن، فقد أوضحتَ لنا عبث الحياة العارم،وصفعت بالعدم وجودنا اللامعقول.

(العالم الجميل)كلّ صباح،أتناول حبة "زوكور" لأكنس الدهون عن شراييني،و"تينورمين" لإخفض ضغط دمي،و"ميتفورمين" لإنقص سكري،و"أسبرين" لأتجنب تجلط قلبي ودماغي،وأمسح أسفلي بمرهم "زايلوكين" لأهدهد بواسيري،ووجهي بـ"ستيرويد" لأخفي التهاب جلدي،وأتناول حبة "أولفين" لأنزع الألم من قاع ظهري،و"أوميبرازول" لأرقع اهتراء معدتي،و"بروزاك" لأكافح كآبة العالم "غير المبررة".ثم أخرج منتشيا بهذا العالم "الجميل"!

(الزمن)حتى الساعات تحرن أحيانا؛فتماطل وتسرع  وتتوقف. وحده الزمن عنيد،ويواصل الحركة.

(الليل)يا لهذا الليل البهيمأكاد لا أرى نفسي.

(عود ظلام)في النهار أُشعِلُ عود ظلام،وتحت غطاء الحلكة أعبرُ الشارعمتخفيا عن الآخرين.

(مثنى)يمرُّ النهر تحرسه ضفتان.يمرُّ الشارع يضبطه رصيفان.أمرُّ يرقبني مَلَكان.

(تشرذم)قلبي سكينٌ يُقطِّع خط الزمن نتفا.أمحو وجهتي، فأتبعثر في الاتجاهات.أثقب ذاتي، ولا أجد مخرجا.أفتح دائرة نفسي، فأحسب الآخرين أنا.أحدِّق داخلي، ولا أعرف ما أكون.لا أراني في الظلام، فأبحث عنّي في النور.أشغل جهاز تحديد المواقع،فأجدني في اللامكان.أتوسطني بيني وبين نفسي، فأحسبني دخيلا.أرقبُ عينيِ في المرآة، فلا أعرف من يرى من.أتّصلُ بي، فيتعذّر الحصول عليّ.أتحسّس داخلي، فلا أجد شيئا.أمدُّ يديِ إلى وجودي، فيسبقني إليه العدم.

(توقيف)أبني نفسي بنفسي، فتوقفني البلدية.أتجاوز ذاتي، فيوقفني شرطي المرور.أتفوَّق على نفسي،فيحتار الأستاذ أيُّنا يَمنحُه الدرجة.

(نهليزميّة)أنا تلفزيون بلا شاشة،وهاتف بلا سمّاعة.أنا رسولٌ بلا رسالة،وربٌّ بلا كون.أنا عقارب الساعة المكسورة،وإبرة البوصلة المفقودة.أنا السفينة على اليابسة،والقمر في النهار.

(لا شيء)أرقبُ العالم من شرفتيْ عينيْمتكئا على إطاريهما، ولمّا لا أرى شيئا أسدل الستائر.

(من التراب وإليه)الحياة التي تبدأ اليوم تنتهي غدا.ما نبنيه إلى فناء.ما نزرعه إلى ذبول.ما نبذره يحصده الموت.