حتى لا تغيب شمسها في زمن العولمة

لا شك بأن القلق لا ينفك يساور أولئك المهتمين باللغة العربية من تراجعها على أرض الواقع لصالح اللغة الانجليزية كما في المشرق العربي أو الفرنسية كما في بلاد المغرب العربي. هذا التراجع تلمحه بشكل خاص في الشركات الخاصة سواء الأجنبية أو المملوكة لرجال أعمال عرب، أو في الشركات الحكومية التي تتخذ النمط الأمريكي كما هو الحال في شركات النفط والغاز في دول الخليج العربي. وتساهم وسائل الإعلام الخاصة لا سيما الفضائيات الخاصة في الدفع باللغة الأجنبية للأمام. ولهذا نسمع بين الحين والآخر أصواتا تنادي بضرورة العناية باللغة العربية وحمايتها من الزحف الأجنبي والاهتمام بحركة الترجمة وبتقوية مناهجها في المدارس. ويشكل العالم الرقمي تحدياً جديداً حيث تشعر الكثير من دول العالم كفرنسا أو اليابان بقلق من الاجتياح الإنجليزي للمحتوى الرقمي، وتعمل جاهدة لتشجيع الجهود الرامية إلى إثراء المحتوى الشبكي بلغاتها المحلية. وتقام مؤتمرات سنوية في مجال الإنترنت تتناول قضية أهمية وجود تمثيل بارز لكافة اللغات الحية، فحتى أولئك الذين تعتبر الإنجليزية لغتهم الأم يدركون بأنه من غير المقبول أن تسيطر لغتهم على العالم الرقمي على هذا النحو، ففقدان اللغات الأخرى بسبب الثورة الرقمية يشكل خسارة للتراث الإنساني ككل.




فحسب موقع (حالة الإنترنت في العالم – آخر تحديث يونيو ٢٠١٠) فإن اللغة الإنجليزية تحتل المركز الأول عالمياً بالنسبة لعدد المستخدمين تليها الصينية ثم الأسبانية، في حين تحتل اللغة العربية المركز السابع (بنسبة ١٨.٨ ٪) متقدمة على الفرنسية ومتأخرة عن كل من اليابانية والبرتغالية والألمانية على التوالي. أما لجهة المحتوى العربي على الشبكة فهناك اختلاف في نسبته لدى أكثر من جهة، فهناك من يضعه في موقع ضعيف جداً يقل عن ١ ٪ وآخرون يرون بأنه يصل في أحسن الحالات إلى ٥ ٪.


أن نتباكى على لغتنا دون أن نحرك ساكناً يجعلنا لا نختلف كثيراً على من يعمل على تهميشها عمداً، ولذلك فهناك مبادرات رسمية حكومية لدعمها في هذا المجال في السعودية وسوريا بشكل رئيسي وفي كل من تونس ومصر وليبيا أيضاً. ولعل أشهر هذه الجهود التي تستحق الإشادة هي المبادرة الواعية من خادم الحرمين الشريفين عبر برنامج "مبادرة الملك عبدالله للمحتوى العربي" والتي جاءت كرد إيجابي على الأبحاث التي أوضحت بأن نسبة المحتوى الرقمي العربي لا تتجاوز ٠.٣٪ كما يؤكد موقع المبادرة، وهي نسبة ضعيفة ولا شك قياساً لعدد المستخدمين. وتهدف هذه المبادرة إلى "تعزيز المحتوى العربي الرقمي إنتاجاً واستخداماً لدعم التنمية والتحول إلى المجتمع المعرفي والحفاظ على الهوية العربية والإسلامية".


هذه الجهود الرسمية لا تعفي الأفراد من مهتمهم خاصة في بيئة مفتوحة ومجانية كما هي الحالة في الإنترنت. ويسرني القول إن نسبة كبيرة من الشباب العربي الواعي قد تنبهت لأهمية هذه القضية. فهناك من أطلق الحملات لتشجيع الكتابة بالعربية سواء في المنتديات والشبكات الاجتماعية كفيس بوك وتوتير، وخصصوا أياماً لذلك، فمثلاً يوم الأحد الماضي كانت التعليقات في توتير تحمل وسم "اليوم العربي".لأنهم يرون بأن الاستخدام المكثف للغة العربية في هذه المواقع سيؤدي بإدارتها لأن تهتم بتقديم دعم أكبر للغة العربية، فالكتابة من اليمين إلى اليسار بسهولة والتي لا تتوفر دائماً في كل البرمجيات مثال بسيط على معاناة المستخدم العربي.



وإعجابي الأكبر ينصب على أولئك الأفراد الذين بذلوا جهوداً جبارة لإثراء المحتوى العربي العلمي والثقافي على الشبكة بجهود ذاتية. فهناك مثلاً المتطوعون على شبكة ويكيبيديا والذين يساهمون عبر مقالاتهم في نمو لغتنا على هذه الموسوعة الإلكترونية الحية والمتجددة.




ومن المشاريع العربية الإيجابية الأخرى مشروع مدرسة أريب الواعد الذي أطلق منذ أشهر فقط بجهود شباب متحمس ومتعلم لتقديم شرح لبرامج الرياضيات والعلوم باللغة العربية للطلاب في مختلف المراحل الدراسية، والذي كما يقول عنه أصحابه بأنه يقدم المعلومة "بأسلوب مبسط وسهل الفهم على شكل مقاطع فيديو قصيرة لا تتجاوز 15 دقيقة، كفيلة بإيصال المعلومة وترسيخها بأبسط الطرق". وقد تمت الاستعانة بأكاديمية خان التي أطلقها أمريكي من أصل هندي لتقديم الخدمة نفسها باللغة الإنجليزية لطلاب العالم. ومع أن مدرستنا الأريبة هذه لازالت في بثها التجريبي إلا أنني أتوقع لها مستقبلاً جيداً، فقد استمعت بمراجعة أحد الدروس الخاصة بتعليم جمع وضرب الكسور.


أمثلة أخرى لجهود تطوعية في هذا المجال لا سيما في الجانب العلمي والفني هي مدونة عالم الإبداع التي تقدم مادة علمية مبسطة ورشيقة.



وهناك مدونة عالم التصوير للمهتمين بالتصوير الرقمي والتي تقدم دروساً عملية في التصوير بأسلوب سهل وممتع. وتوجد بالفعل الكثير من الأمثلة الإيجابية التي لا يتسع المجال لها هنا ولكنني اخترت هذه النماذج لأنها تميزت ليس فقط بتعريب المحتوى الرقمي وإنما بتجويده أيضاً.


أن توقد شمعة تنير بها الطريق لك ولمن حولك خير من أن تلعن الظلام الذي يجعلكم جميعاً تتيهون وسطه وتتعثرون ببعضكم.. ومقالي هذا عربون شكر وتشجيع للمبادرات الحكومية والفردية التي تحاول حماية لغة الضاد في زمن العولمة ودعوة لمن يستطيع لتقديم الدعم المادي والمعنوي لهذه الجهود أن لا يتردد..فاللغة وطن وهوية وكيان.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 10, 2010 16:56
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.