في تفخيم الحركات الجهادية
يختلف أسلوب التفخيم لهذه الحركات عن أسلوب التضخيم، كما هو في الإعلام الغربي الذي له طريقته وأجندته، ولكل مؤسسة إعلامية طريقتها.
يختلف أسلوب التفخيم لهذه الحركات عن أسلوب التضخيم، كما هو في الإعلام الغربي الذي له طريقته وأجندته، ولكل مؤسسة إعلامية طريقتها.
لو كان خلف سقوط الطائرة الماليزية فوق أجواء أوكرانيا جهات عربية أو إسلامية لتناولها الإعلام الغربي بصورة مختلفة، ولأخذت زمنا أطول في تغطيتها.
الأنظمة العربية لها أسلوبها منذ الثمانينات لتوظيف ذلك في مواجهة أي استحقاقات سياسية قبل أن تلقى مصيرها مع متغيرات هذا العقد. ومع هذا فإن بعض حالات التضخيم كان لها أسباب معقولة، ويبررها الواقع كما حدث مع توابع سبتمبر.
التفخيم لهذه الحركات نوع آخر ومختلف من الطرح الإعلامي والصحفي برز منذ بداية العقد الماضي في تناول الظاهرة الجهادية، يأتي تحت غطاء التحليل السياسي والفكري من نخب ليست محسوبة عليها، وقد لا تصنف أنها تحمل أيديولوجية مقاربة لها. لكن الميول النضالية، والاستمتاع بالحكي الثوري ضد الغرب وأمريكا له جاذبيته عند أكثر من اتجاه عربي.
يبدو عبدالباري عطوان في مرحلة مضت أحد الوجوه التي تفخم هذه الظاهرة، وتتناولها بأسلوب تبجيلي في مواجهة أمريكا وغطرستها، وبأن أمريكا فشلت، وعجزت في مواجهتهم، فيستقبل جمهور هذه الرسالة في لا وعيه وكأن هؤلاء أبطال فعلا، واستطاعوا هزيمة قوى الاستكبار!
عبدالله النفيسي تفوق على عطوان.. بعرضه المسرحي في لقاءاته القديمة مع أحمد منصور، وأطلق مصطلحه الشهير: “غزوة منهاتن” الذي خلق حالة إعجاب بالنفيسي وجمهورا جديدا له، وكنت أشرت له حينها بأنه يبدو وكأنه محمد حسنين هيكل “للقاعدة”.
في تلك الفترة وجدت أصوات تفخيمية كثيرة للقاعدة في الانترنت، الكثير منهم ابتلعوا كلاما ضخما كانوا يقولونه.. بعد أن شاهدو العبثية والخراب الذي تصنعها مثل هذه الظواهر.
الخلل هنا ليس في أسلوب التعبير الذي هو حق للجميع، وإنما في المغالطات وتشويه الواقع بمثل هذا الطرح، ودوره في التضليل الشعبي من هؤلاء النخب. ويتوهم البعض بأن لهؤلاء منجزات فعلية أفادت الشعوب العربية، وصنعت تغييرا سياسيا، ويتجاهل هؤلاء مسارات الخراب والدمار الطويل على كل شعب وجدت عنده هذه الظاهرة ودورها في إفساد المناخ السياسي.
يضخمون جانب النكاية بالخصم وهو عمل تستطيع أي عصابة القيام به وبإمكانات أقل، وبدون شعارات دينية وليس صعبا أن تجد من كل مئة ألف من يتأثر وينضم إليهم، من أكثر من مليار مسلم.
وبالرغم من أن طالبان كانت فرصتها أقوى في تكوين دولة واستمرار نظامها، لكن إيواءها لرموز القاعدة.. أنهى تجربتها السياسية القصيرة، ومع ذلك لم تجد تفخيما كما حظيت به داعش، وكانت طالبان تتهم منذ بدايات ظهورها بأنها تدعم من استخبارات دول معينة.
ولولا حالات بث قطع الرؤوس على الطريقة الداعشية، لوجدت “داعش” كتابات تفخيمية لها بصورة أكبر.
في الأسبوع الماضي يتناول الكاتب (حسن أبو هنية) هذه الظاهرة بأسلوب مطول وتفخيمي بداية من العنوان “الجهادية العالمية والعولمة: من النكاية إلى التمكين” إلى محتوى المقال الطويل، عبر مقدمة مليئة بتعبيرات تجميلية. ويتحدث عن هذه الظاهرة بأنها “كانت تؤسس لمنظومة جهادية... تسعى لرفع الهيمنة الغربية عن المنطقة العربية..”.
ويستمر بمثل هذا التبجيل عبر التحليل السياسي بالرغم من أنه يستدرك في فقرة قصيرة.. بأن نتائج 11 سبتمبر “أدت إلى نتائج كارثية على خلاف توقعات تنظيم القاعدة” تضيع في متاهات مقال ممتلئ بتفخيم الظاهرة. من خلال سرد للعديد من الأماكن التي تلاشت فيها سلطة الدولة والأنظمة، وكأن التحرك في هذه الفراغات الشاسعة عمل عظيم، وليس مجرد فراغات ستوجد فيها أي تنظيمات مسلحة جهادية أو غيرها.
مع هذا التفخيم يقدم البعض طرحا آخر من خلال رؤية إصلاحية وحقوقية، وما يتوهم أنه تخويف للأنظمة العربية، وبأن عدم الإصلاح والتضييق على الحريات الفردية يقود إلى العنف والإرهاب، ليخوفها من هذا المصير! ومع أنهم يقدمون في طرح آخر بأن هذا المسار من خلال مشروعات العنف هو الذي ينقذ بعض هذه الأنظمة ويخلق لها غطاء أخلاقيا ولو لم يوجد لعملت على صناعته بطريقتها.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
