مكاوي: فشلت أن أتعلم الكذب ببراعة

Success after many failures


أعتقد أن هذا واحدٌ من أصعب المقالات التي طُلب مني كتابتها..ليس لأن فيه تعرية لفشلي أمام القارئ الكريم، ولكنه لأنه يجبرني أن أواجه نفسي وأذكرها بمحطات الفشل التي عمل عقلي الباطن جاهدًا لكي يلقيها في غياهب الجب! فأنا سأعترف ابتداء أنني متفائلة بطبعي، لكنني لا أتعامل بروح رياضية مع الفشل، قد «أبلع» الخيبات على مضض، لكن الفشل العيان البيان يظل يؤرقني لسنوات قادمة، لكن مادمتُ قد قبلت التحدي فقد حان الوقت لنبدأ على بركة الله:


- فشلت ابتداء في أن أتعلم الكذب ببراعة، رغم أن صدقي كلفني درسًا قاسيًا في بداية حياتي الدراسية، حين ساعدت زميلتي في واجباتها، ثم سألتها المعلمة حين استغربت أنها حلت الواجب -على غير العادة- من حله يا سمية؟ فكان الجواب:

مرام! وهذه المرام، والتي كانت تعتقد أن مساعدة الآخرين شيء يستحق المكافأة لم تنكر الواقعة، فتعرضت للضرب بالمسطرة أمام الصف وهي من أوائله!

وإلى اليوم حين يدخل لساني في اللعبة ويجاري الكذابين، سرعان ما تفضحني عيوني وقسمات وجهي، هذا الوجه الذي هو أشبه بمرآة تعكس بوضوح ما يدور بخلدي.


- فشلت في أن أحتفظ بآرائي لنفسي، رغم خطورة الكلام أحيانًا على علاقاتك الاجتماعية بل وعلى مستقبلك، فإن كان عندي رأي حول موضوع ما فستقرؤه أو تسمعه، ولعل الإيجابية التي خرجت بها من هذه الصفة، هي أنني أصبحت كاتبة رأي.


- فشلت في التخلص من العفوية والتلقائية في الحديث مع الغرباء كما الأقرباء، فأندم أحيانًا على استرسالي وثرثرتي وثقتي العمياء في الآخرين.

- فشلت أن أكون مستمعة جيدة بقدر ما أنا عليه ككاتبة ومتحدثة.


- فشلت في التخلص من عادة أحلام اليقظة التي لازمتني منذ بواكير طفولتي، حيث ينتج ذهني عوالم خاصة، أعيش مع شخوصها وأتفاعل معها، وقد يضيق الخيط الفاصل بين الحقيقة والخيال أحيانًا!


- فشلت منذ الطفولة في التأقلم مع القوالب الجاهزة والأطر المحددة التي يرسمها المجتمع للمرأة، ويعتبر أي خروج عليها انتهاكًا شديدًا للقيم والتقاليد، ولهذا الفشل ثمن باهظ، ولكنني سعيدة بهذا الفشل لأنه سمح لي بأن اختط لنفسي خطًا خاصًا يجمع بين اعتزازي الشديد بديني وقيمي وبين انفتاحي على ثقافات وشعوب العالم، ومع أن هذا الخط كان و لايزال مصدرًا لسوء الظن، إلا أنني نجحت على ما يبدو في ألا أبالي برضا الناس وإنما برضا خالقهم تعالى.


- فشلت في أن أحقق ما كنت أرجوه للطالبات السعوديات في بريطانيا من تمثيل يليق بهن في أندية الطلبة السعوديين في بريطانيا وإيرلندا، بسبب تعنت وممانعة البعض ومن لا زالوا ينظرون إلى المرأة بأنها يجب أن تظل في أي حراك ثقافي أو اجتماعي كمتفرجة ليس إلا، وفي الحقيقة فإن الفشل الأكبر كان في توحيد كلمة الطالبات قبل الطلاب.


- فشلت في تحقيق حلم والدي بالاستمرار في كلية الطب، فبعد عام واحد فيها أعلنت بأن هذا ليس مكاني والمستشفيات ليست ميداني، وانسحبت إلى تخصص علوم الحاسبات، وواصلت الدراسة في هذا التخصص حتى حصلت بحمد الله على أعلى درجة فيه وأنا بعد دون الثلاثين، مدفوعة برغبتي في تعويض والدي عن تلك الخيبة ما دمتُ قد حملت في النهاية حرف الدال.


- فشلت في أن أتخلص من عاداتي السيئة في التسويف، لاسيما في الكتابة، فتتراكم المشروعات بعضها فوق بعض، وأصاب بالقلق والرعب، وأضع نفسي تحت ضغط شديد لكي أسلم المقالات في وقتها.


- فشلت في التخلص من الملل الذي يصيبني بعد فترة قصيرة من مداومتي على أمر مهم كالرياضة، فسرعان ما أتوقف، ثم أعود للبدء من جديد، ثم أتوقف، وهكذا.


- فشلت من التعافي من إساءة تعرضت لها قبل ثلاثة أعوام، فلا زالت تلقي بظلالها على حياتي، ولم أصل بعد لمرحلة الغفران، أو في أحسن الأحوال النسيان، وهكذا هي حالنا مع الكراهية، فأنت دائمًا مغلوب، فلا الذاكرة تضعف، ولا الصفح يصل إلى قلبك فيشفيه..حلقة مفرغة مؤلمة.


- فشلت في التخلص من قلقي من المستقبل وماذا سأحقق فيه، أو من كوني لست جيدة بما يكفي في كتاباتي أو عملي أو نشاطاتي المختلفة، دائمًا أشعر بأنه كان يمكنني أن أكون أفضل وأكمل.


- فشلت في أن «أهتم بشؤوني الخاصة فقط» حينما يتعلق الأمر بعائلتي، فأنا أسأل عن أحوالهم ومستقبلهم بشكل مستمر، وربما قدمت لهم رأيًا أو نصيحة لم يطلبوها، محركها الحب والخوف والاهتمام من ناحيتي، لكن ليس وفق رؤيتهم على ما يبدو.


- فشلت في أن أهتم بشكل أقل بقضايا وطني وأمتي، ولهذا أشعر بالتوتر طوال الوقت، متعبةٌ أنا بعروبتي كما يقول نزار قباني.

هذه أهم محطات فشلي التي استحضرتها بالدخول على أرشيف الذكريات، فأرجو أن يكون مقالي على الأقل عن الفشل ناجحًا!


المقال في مجلة المعرفة

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 21, 2014 02:52
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.