مشاركتي في ملف "المقهى" في مجلة أبابيل الشهرية التي تعنى بالشعر:
المقهى بيئة خصبة للصدام والكشف الصريح
د. علياء الداية
لا شكّ أن للمقهى حضوراً متفاوتاً لدى الشعراء، بعض الشعراء يحبذون كتابة القصيدة في المقهى، وبعضهم قد يفضّل الجلوس وحيداً في بيته بعيداً عن الناس والضجيج، وبعض المبدعين يسارعون إلى الكتابة فور وميض الفكرة ليحولوها إلى كلماتٍ شاعرة. ومنهم من يكتفي بالمقهى مكاناً اجتماعياً للّقاء أو التأمل، حافلاً بعبق المدينة وأسواقها وشوارعها المزدحمة.
ومن جهة أخرى لا تتعلق بالمقهى بوصفه بيئة للإبداع، بل مظهراً له داخل النص الأدبي، فيمكن أن أقدّم تصوراً حول حضور المقهى بوصفه مكاناً بارزاً يتكرر في صفحات القصص العربية المعاصرة، وقد توصلتُ في كتابي "الوعي الجمالي في السرد القصصي" إلى استنتاجات خاصة بالقصة، مما قد يلتقي مع جوانب روائية أو شعرية مادام الإبداع نتيجة لكل ما يحيط بالكاتب نفسياً ومادياً واجتماعياً.
إننا نلحظ أن بعض القصص تحمل إشارة واضحة في عنوانها إلى المقهى، كقصة "في المقهى" لمحمد المخزنجي، و"قصة المقهى الغربي" لمحمد أبو معتوق، و"حدث في مقهى المنظر الجميل" لمحمد المنسي قنديل، وبعضها الآخر يشير إلى سمات المقهى الذي يحفل بالحكايات تارة وبالتنبوءات تارة أخرى، مع الإحالة إلى مجريات الماضي في ثوبٍ من جوّ الحاضر، كما في قصة "نبوءات الشيخ سلمان" لعبد السلام العجيلي، و"الحائط والذكريات الحزينة" لفؤاد التكرلي. ونجد أيضاً أجواء نفسية لا يفلح المقهى في التغلب على حدّتها وقسوتها كما في قصة إبراهيم عبد المجيد "مشكلات الجلوس".
فالمقهى ليس جميلاً دائماً، بل إنه قد يرتبط بالميل إلى الحزن والتشاؤم لدى الشخصيات المرتادة للمقاهي. إن المقهى بيئة خصبة للصدام والكشف الصريح لزيف ما تعيشه الشخصية خارج المقهى في حياتها اليومية، كما أنه يتيح فرص المواجهات بين الشخصيات إلى جانب كشف الجو النفسي والمصارحة حول أخطاء الماضي على الصعيدين الفردي والجماعي. أما المقهى نفسه فيكون بائساً أحياناً ويعمّق عجز رواده عن بلوغ غاياتهم وغياب المثالية عن حياتهم، فتنتهي القصص دون حل جذري لمعاناتهم.
إن المقهى يرتبط بالرغبة في قضاء الوقت بعيداً عن انشغالات الحياة اليومية، فهو وقت يتيح ممارسة الهوايات والحديث مع الأصدقاء أو لعب الطاولة والشطرنج، أو عدم القيام بشيء على الإطلاق سوى شرب الشاي أو القهوة والتدخين. وتختلف صورة المقهى الخارجية في القصص العربية بحسب الزمن الذي تدور فيه القصة، وبحسب مكانة المقهى والدور الذي يؤديه في حياة الشخصيات والنماذج الاجتماعية من حوله، إلا أن صورته الداخلية تعبق بالمفارقات وإثارة الأسئلة التي تبحث عن حلول أو تُترك مبهمة في نهاية القصة.
موقع مجلة أبابيل:
http://www.ebabil.net/رابط لتحميل العدد رقم 60 من مجلة أبابيل:
www.ebabil.net/Ababeel-No60.pdf