تجاوز الشللية والقرابية ــ كتب : عبـــــــدالله خلـــــــيفة

إن أزمة المنبر الديمقراطى التقدمي التنظيمية والفكرية من المهم درسها ونقدها وتجاوزها، أي لابد أن نعرف في البداية لماذا الأزمة حتى ننتقل إلى مرحلة تالية من الفحص والحل.

 فمشكلة الجمعية منذ البداية أنها تنظيم تجميعي لأفراد انتهى العديد منهم من لعب دورهم الطليعي، وهناك كذلك العديد من الذين يمتلكون طاقات، فلم تميز الجمعية في هيكلها بين القوى العادية، والطليعية، بين الذين يحتاجون إلى إعادة صقل وتحليل ونقد، وبين كفاءات سياسية ضاعت في هذا الكم السياسي غير المبرر.

 وهذا الكم الواسع غير المنتج لم يوجه لأعمال نضالية بين الجمهور، أي أن يقوم بتثقيف نفسه وتثقيف الجمهور، فما هي فائدة تنظيم كل همه أن يستمع إلى ندوات بين أعضاء الفريق أنفسهم؟

 بطبيعة الحال هناك أعمال كبيرة قامت بها الجمعية على صعيد الحضور السياسي الوطني، بالعمل لتكريس الواقعية السياسية، ورفض طرائق القفز على الواقع والعمل داخل المؤسسات المنتخبة، ونقد مستواها السياسي والدستوري في الوقت ذاته، والدفاع أيضاً عن مصالح الشعب وخصوصاً قواه العمالية.

 لكن هذا الخط الجيد كان أمام طريقين خطرين، الأول: الاندفاع بالواقعية السياسية نحو الانتهازية، والثاني: الدفاع عن العمال من دون واقعية والوصول إلى المغامرة.

 ولهذا فإن ظهور تيارين في المؤتمر الأخير، الأول: يطلق على نفسه خط التحرير والثاني: خط الليبرالية، هو انعكاس لعفوية التكوين التنظيمي في الجمعية، وعدم وجود جسور بينها وبين الجمهور، فهذا الكم من الأعضاء غير المسيسين وغير المتبلورين فكرياً، قابل لكل ضغط وتأثير وطبخات سياسية مُسبّقة، ومن هنا نراه بعد أن ضاق بجمود الجمعية السياسي وغياب فاعليتها على الأرض يقذف بنفسه نحو اسم جبهة التحرير لأنه لم يجد في الإدارة السابقة الحضور النضالي الذي تتطلبه الساحة السياسية.

 إن الاتجاهين المتصارعين، اتجاه الأغلبية واتجاه الأقلية، وصلا إلى حد التطرف وعدم التعاون والإغناء المشترك، وذلك بسبب الغلو في الطرفين. فالمهيمنون في كل طرف يسعون إلى التفرد بالقيادة، بتوجيهها نحو أقصى شكل سياسي، وليس نحو خدمة الجمهور المنضوى تحت هذين الجناحين الاجتماعيين المتقاربين. وهذا يتخذ طابع التعاون مع الأجهزة الحكومية لدرجة الذوبان الفردي فيها، ومرة بالاتجاه نحو القاعدة العمالية مع تحقق بعض إنجازات نقابية قليلة والغياب عن المهمات الضخمة لمعاناة المستخدمين والفقراء والعمال.

 ولهذا فإن طرح قائمة جبهة التحرير في جمعية أثار الارتباك بين جمهور يشتغل بعقلية سياسية جديدة متباينة. وطرح قائمة جبهة وسط جمعية هو كلام لا معنى له في وسط جمعية اتخذت اسماً جديداً. كما أنه خرق تنظيمي، لأن طرح اسم تنظيم داخل تنظيم آخر هو إعلان بحله، وهو إثارة للقطيعة من دون أن يشكل مقاربة على الأرض مع تاريخ الجبهة ومع الشغيلة، فلا يزال ينتهي لأحاديث المثقفين.

 ولا يأتى هذا التطور بالجمل بل بالعمل الطويل لخلق وعي تقدمي وديمقراطي وبالعودة إلى شعارات الجبهة الأساسية التنظيمية وهي شعار التوجه نحو الجمهور، وتثقيف الذات، وتثقيف الأصدقاء، والعلنية الآن بدلاً من السرية في الزمن السابق.

إنها شعارات في منتهى البساطة ومنتهى الصعوبة ولكن المنبر الديمقراطى عجز عن تطبيقها فخلق حالة من انعدام الوزن والفراغ، ومع تكرار المشكلات الشعبية وغياب الطليعة السياسية الذكية المرنة الصلبة، تاه أعضاء المنبر الذين لم يصقلهم وعي تقدمي جذري في زمن التشتت السياسي، وسيطرت عليهم التكوينات الشللية والأهلية، فتحللوا بسرعة إلى مثل هذه التكوينات ما قبل التنظيمية وما قبل الوعي الفكري التقدمي.

 والحل هو في تجاوز القطيعة والعودة إلى أبجديات العمل السياسي القديم، وعدم خلق تنظيمات داخل الجمعية، وهزيمة عالم الشللية الأهلية والصداقية والاكتفاء بتيارات اليمين والوسط واليسار، كتعبير عن مقاربات فكرية مختلفة في رؤية سياسية تقدمية واحدة.

 تفككوا من شللكم وآمنوا بالفكر الذي يعلو على الأقارب والأصدقاء.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 18, 2025 18:20
No comments have been added yet.