المتقدمون وغزو الفضاء: كتب ـ عبدالله خليفة
استطاعت الأمم الغربية والروسية، أن تحتكر مشروعات الفضاء الكونية، وهذا أمرٌ يمثل تفوقها الصناعي، ومضت بعض الأمم الشرقية كالأمة اليابانية والصينية في اللحاق بهؤلاء المتفوقين لما أنجزوه خلال قرن من تنظيم شامل ومتقدم لمجتمعاتهم.
وأصبحت خارطة الفضاء القريب، وهو المجموعة الشمسية تتضح بصورة أكثر دقة، بسبب بعث العديد من الأقمار الصناعية وأجهزة التصوير وبفضل الرحلات الفضائية للقمر وللفضاء الخارجي عموماً.
وإذا كانت الكواكب السيارة حول الشمس قد تم تفكيك مناخاتها الداخلية وموادها العامة، فإن القرن الماضي يعتبر هو زمن كشف الأقمار الكثيرة الدائرة حول هذه الكواكب المقاربة للأرض أو العملاقة كزحل والمشتري.
وقد غدت مشروعات الفضاء القادمة مركزة على غزو القمر وقمري المريخ والمريخ نفسه، باعتبار هذه الأجسام الأقرب للأرض كما أنه أصبح ممكناً أن تحوي بعض العناصر الأساسية للعيش البشري كالماء والهواء.
لقد تم كشف معلومات كبيرة حول هذه الأقمار، والتي من الممكن أن يغدو بعضها قاعدة للتقدم في المجموعة الشمسية، وترينا المحطات الفضائية العلمية سيناريوهات عديدة للعيش البشري الذي لا بد له أن يتأقلم مع كل قمر وكوكب. لقد غدت هذه العملية تجري بشكل تصويري وداخل مواد كل كوكب وقمر، حيث أن كل واحد منها يمتاز بمناخ مختلف وبتكوين من المواد الخاصة، فبعضها يمتلئ بغاز وآخر بجليد وثالث بمواد كيماوية أخرى وأحد الأقمار يحتوي بحراً أكبر من محيطاتنا، ولم تــُكتشف الحياه فيه بعد، كما أن آخر ذا مواد بركانية متفجرة.
كما يكتشف دور المشتري ككوكب هائل يمتص الكويكبات والأجسام الشاردة الهاجمة على نظامنا الشمسي.
وهكذا فإن تنوعاً مدهشاً يحتوي مجموعتنا الشمسية الصغيرة جداً في الكون الفسيح!
وتجري صراعات بين الأمم المتقدمة على السيطرة على الأرض وعلى التقدم المتفرد في الفضاء، كما يدور تعاون محدود بينها وهو ما يمثل وحدة البشرية الحتمية في مواجهة الخروج الأولي من الأرض نحو جيراننا الأقرب!
ومن الملاحظ تقدم الولايات المتحدة في هذا الصعود الكوني، حيث يعطي تقدمها الصناعي الكبير هذا التوسع في الفضاء، وهي لديها سيناريوهات لاحتلال بعض المواقع المتقدمة في المجموعة الشمسية، نظراً لأن كل دولة لا تستطيع سوى أن تخطط لبرامجها الكونية، واضعة بعض الموارد التي تنبع من قدراتها الاقتصادية ومن استقرار نظامها السياسي.
فيما أن الدول المتقدمة الأخرى أقل قوة اقتصادية وأكثر عرضة للصراعات، فتحتاج لأغلب مواردها في العمل الأرضي، فيما يمثل الجهد الكوني إضاعة للموارد الأرضية لمشروعات طموحة لا مردود آني لها.
وهكذا كلما أزدادت قاعدة الأمة الاقتصادية تصنيعاً وعلماً كلما ارتفعت قامتها نحو أعالي السماء فتناطح ليس السحاب بل الأقمار والأجسام العملاقة في المجموعة والتي ليست سوى ذرة من مجرة هي الأخرى حبة فاصولياء بين المجرات!
إن الجماعة البشرية تطل الآن بشكل تقني على المجرات الأقرب، وأمامها سديم ضخم شبه مجهول، ولا شك أن ثمة حضارات نائية عنا، وإمكانيات مجهولة منا، ولكن يحدد ذلك عمر الكون الراهن، حيث أن الكون له عمر ويتجدد عبر مليارات السنين، وهذا العمر يشير بالنسبة للمجموعة الشمسية أنها ذات عمر معين في حين تسبقها مجرات أخرى بالعمر، وهي ذات إمكانيات كبيرة للتنوع وللحياة!
وحتى في الأرض فإن أزمنة الدول والحضارات مختلفة، ففي حين يشرف بعضها على الخروج من الكوكب، يظل بعضها يتصارع حول الطين الأرض البدائي، غير قادر على تطوير إمكانياته.
إن الخمسين سنة القادمة ستكون حاسمة لمشروعات الفضاء، وحتى بمواد الطاقة الراهنة فإن زراعة الإنسان في القمر والمريخ تغدو ممكنة، فتبدأ أولى الخطوات التحرر من الجاذبية الأرضية ومن الحبس على هذا الكوكب الذي أستمر ملايين السنين!


