دولة «الحشاشين»: كتب ـ عبدالله خليفة
اعتمدت إستراتيجية حسن الصباح زعيم الإسماعيليين في إيران في قرون غابرة على خلق فرق الإغتيالات، وإرسال المنفذين إلى عواصم المدن العربية من أجل قتل وتصفية الزعماء الذين يعارضون سياسته، والذين يقفون أمام بسط نفوذه.
وتعبر سيطرة سياسة الإغتيال عن تراجع الحركة الإسماعيلية عن النضال الديمقراطي الشعبي، الذي كانت تعتمد عليه حين كان لديها زخم جماهيري ما، وتحولها إلى حركة مغامرة لم يعد الناس يثقون بطرقها وأهدافها.
لكن الحركة كانت مصرة، ومع نفاذ المخزون الشعبي من المؤيدين لها راحت تعتمد على العنف، وعلى إغراء بعض الناس بامتيازات تعلو فوق القانون الديني نفسه التي ارتكزت عليه، بحيث أنها استخدمت الحشيش لتخدير منفذي الاغتيالات وجعلهم يعيشون لحظات تخدير عالية فيتجرأون على القيام بتلك العمليات الوحشية..
ربما كان ذلك من الأساطير التي نـُسجت حول الحركة وأعمالها الغريبة الجريئة، لكن التخدير كان موجوداً بشكل معنوي، كما تفعل الحركات والدول الإرهابية بتخدير أفرادها عبر شرائط غسل الدماغ.
إن الدول الشمولية الشرقية المعاصرة لا تحتاج إلى استخدام الحشيش كي تصنع إرهابيين، فقد تكفل بذلك تطور الوعي الجماهيري الاستبدادي الذي تشكل خلال العقود الأخيرة، والذي احتضنه الاستعمار الغربي والدول المحافظة، والذي لم يضطهد الغرباء فحسب بل مارس قمعه على أهل بيته في بدء الأمر.
فقد توفرت للدول الاستبدادية جماعات جاهزة للقيام بعمليات التصفيات الجسدية للمعارضين، وخاصة حين يصل لهذه السلطات زعماء فاقدين للتجربة السياسية الطويلة، وجاءوا عبر المؤامرات الحزبية والعائلية.
تشكلت هذه الجماعات في أقبية الدول وفي السجون وعبر التعذيب والاعترافات وإنقلاب الأدوار من مناضلين إلى جواسيس، حيث تقوم أجهزة الاستخبارات بسحق آدمية الإنسان، ثم تنقله إلى أجواء خلابة من الامتيازات و(الحشيش) التخديري الإمتاعي، وتسجل عليه مثل هذه اللحظات في إعترافات وشيكات وأفلام، بحيث يكون طوع أمرها في القيام بأي عمليات قذرة مطلوبة لكي يحتفظ بشرفه النضالي الزائف!
إن السيطرة القمعية الطويلة على هذه المجموعات وتحطيمها وإذلالها، يتيحُ تكوين مجموعات فاقدة للذمة، مخدرة، خاصة إنها بدأت أعمالها (البطولية) بالمغامرة والجريمة، فصار من السهولة بمكان توجيهها إلى قتل رئيس وزراء معاد، أو قادة سياسيين ناقدين ويشكلون حجر عثرة أمام حسن الصباح الحديث في قلعة آلموت المحصنة القوية وسط الحرس الجمهوري وفرق الجيش وقوى الاستخبارات!
حسن الصباح الحديث ليس زاهداً، ولا هو مؤمن بقضية جدية، كما كان سلفه، بل هو ابن ذوات، وإنسان مدلل، وجد نفسه بدون تراث ديمقراطي، وفي عائلة فاسدة سياسياً لديها مليارات عليها أن تحافظ عليها بأية صورة، وهو لم يكن لديه وقت لكي يمارس السياسة وسط قوى الشعب، مثل أجداده الميامين، فجاءت له الثروة والسلطة على طبق من ذهب، وتعلم من هذه الأجهزة أن الكفاح يتم عبر المدفع، وإن الاغتيالات أسرع طريقة لإجبار الخصوم على الخضوع!
فكان اتصاله بالقوى السوداء الموجودة في الأقبية والدهاليز الغامضة، وكان تراثه يدعوه لخلط العسل بالسم، وهي طريقة تراثية تاريخية مهذبة، لكنه فضل استخدام الألغام والسيارات المفخخة والطرود البشرية الملغمة، نظراً لاختلاطه بتلك الأوساط المتوحشة، ونظراً لرخص الإنسان وغلاء العسل والحشيش عنده!
إن اعتماد سياسة المغامرات والانعزال عن الجمهور وعن التراث السلفي الإنساني والتراث التحديثي الديمقراطي، هي كلها مظاهر لأزمة واحدة، وهي تقود حسن الصباح الجديد إلى العزلة أكثر فأكثر، ويلعب السلفيون المعتمدون الإصلاح دوراً رئيسياً هنا، لأنهم رفضوا طرق الحشاشين في الوصول للسلطة وفي استخدام العنف متجهين أحياناً للتطرف في ذلك، حيث يعتبرون التحديث بمختلف فرقه هو الذي صعد حسن الصباح الجديد، الذي لم ير سوى العنف القابلة المولدة لكل حزب سلطوي يقبع فوق صدور الناس ولكن ذلك ليس صحيحاً فصعود حسن الصباح الجديد هو ثمرة لتعثر الإصلاح والديمقراطية في هذه الأنظمة!


