لا يقرأون . . ويتعاظمون! : كتب ـ عبدالله خليفة

ضيعة الكتب ضيعة كبيرة.
أصدقاء الكاتب لا يعرفون عناوين كتبه.
بالكاد تجد مواطنين في المكتبات المحلية ويتفضل الزوارُ القادمون من الخارج بشراء الكتب المكدسة.
مجلات كتب حديثة وإنتاجات مهمة لا تلامسها الإيدي.
ما هي أسباب هذا الجهل المستفحل؟ لماذا يتجنبون الكتب والعلوم والثقافة ثم يهرلون للقيادات ؟!
أحاول أن أجد خصباً فكرياً على كل سنوات التجربة القاسية والطويلة لكن الكتب القليلة تأتي ضحلة، أو مناوئة للحداثة والتغيير الديمقراطي الكاسح في العالم. ويعود القاص الشاب إلى ما كان يُكتب في الأربعينيات من القرن الماضي. وقد حدثت ثورة إبداعية في الوطن العربي.
الجمل السياسية والفكرية لا تزدهر بالنتاجات ولا تتأثر بهجوم الراوية في العالم، ولا بثورة الثقافة العلمية، دائماً هناك العودة للمسائل والمحنطات السائدة والاستهلاكية المكرورة.
من المؤكد أن الحركات الدينية المحافظة الغريبة عن العقلانية الإسلامية، لعبت دوراً في العودة للوراء واكتساح وهج العقول النقدية، لكن هذا لا يفسر هذا الوباء كله.
إنها تعادي الرواية والشعر والفنون الحديثة والقراءات الجديدة في التراث، لكن ماذا عن الأحجام عن الكتب الدينية نفسها؟ وحتى المكتبات الدينية التقليدية تبدو خالية مقفرة من البشر!
ثمة أسباب أعمق من ذلك. بطبيعة الحال هناك الكسل والخمول، ولكن لماذا يشتري أولئك القادمون من الخارج بشكل واسع من مكتباتنا وهم يعيشون نفس الظروف العامة؟
يقول مشتغل في مكتبة: لولا الزوار القادمين من العربية السعودية لأغلقت مكتباتنا!
لماذا يحلل كتابٌ ونقادٌ عربٌ ما يكتبه المؤلفون البحرينيون وهنا ليس ثمة متابعة أو حتى تعليق على ما يُكتب؟
كم من المطبوعات نزلت ثم لا تثير شيئاً. هنا حالاتٌ من العداء واللامبالاة والاستخفاف والاحتقار لما هو وطني، كأن ثمة ترصد عدائي، ورعب من أي جديد في الكلام المحلي.
هشاشة المعسكرات السياسية تنتقلُ للأدمغة المتجمدة.
وبطبيعة الحال فإن المعسكرين المتصارعين في ساحة المشرق يدلان على ضحالة التفكير، ويشبه ذلك ما حدث في القرن التاسع عشر من صراع بين الدولتين العثمانية الفارسية. فكيف قادنا التفكير السياسي الطائفي للتراجع الفكري والعودة للعتيق؟
وحلقات الاتجاهات وعمليات النفخ السياسية المتشنجة مرتبطة بالقراءة والثقافة، فهي بحاجة دائماً للشحن نظراً لضيق أفقها، فهي لا تثق بالجمهور الحر، وبعقله المتفتح وتوجهاته للكتب المختلفة. وخاصة إن ذلك انعكس حتى على الصحف والحياة اليومية العادية!
حين يسمعُ السياسي الشمولي إسماً من غيره جمعيته الكونية يسحبُ مسدسَهُ ويطلقُ النارَ!
لماذا الآخرون القادمون من الخارج تصلهم الشحنات الكهربائية ويحبون الكتب وهنا لا تنفد من بين الصخور؟
هل أدت بعض الحريات السياسية إلى المزيد من السير الفكري للوراء؟
هل العراك على الكراسي والفتات يجعل الناس يزدادون أمية؟
لماذا تجري احتفالات وهيلمانات من أجل الثقافة الأجنبية ثم حين تقترب من الثقافة الوطنية تتجمد وتتبخر؟
هل هو حقدٌ أم خوف؟ أم هو مثل قول القائل: (أكره أن يصير أحدٌ من بني وطني كبيراً)؟
لماذا يقزمون ابناءَ البلد وخاصة المنتجين؟
لماذا انتقل هذا الوباء من الأجهزة الرسمية للأجهزة (الشعبية)؟
هل إن البلد الصغيرة صغيرة في العطاءات وأعداد المثقفين والقارئين وكثيرة بالمشاغبين والعاطلين والنائمين؟
لعل من الأسباب المهمة في هذا المجال، هموم الرزق، فقد تدفق أهل الريف على المدن من أجل العيش، وقد حبستْ التوجهاتُ المحافظة العقول عن تجاوز حد نصوصي معين حتى لو كان مذهبياً من أهل القربى، وهذا أمرٌ يحجر على العقول ويمنعها من أبسط واجبات الحياة وهي القراءة.
وقد تضافر مع هذا المنع من التفتح صعوبة العيش، وتدني الأجور وتضخم الإيجارات وارتفاع الأسعار ومزاحمة الأجانب على عيشنا في بلدنا، فكأن الجهات جميعاً تتفق على أن لا يرفع هذا الإنسان البسيط رأسه، أو يستريح قليلاً من هرولة الرزق، لكي يقرأ ويتفتح، ثم يُطالب بأن يكون مرناً غير فوضوي وعقلانياً وديمقراطياً!
فهل تأتي العقلانية من الهواء؟
وحتى عندما يسير لوظيفته أو تسليته يحتاج زمناً طويلاً لكي يسير في الشوارع المزدحمة بسبب غياب الخطط الاجتماعية والمرورية، فيقضي هذا الوقت في البحلقة، وتسخين الأعصاب، وليس لديه جريدة أو كتيب للقراءة، يستثمره في هذه الساعات النهارية الطويلة متجمداً وراء مقعده!
الغربيون يستغلون الأوقات الطويلة في القطارات لقراءة الكتب الشعبية والجرائد.
كما أن هجوم الريفيين الأجانب عامل آخر في هبوط العلوم والاندفاع في أعمال الرزق الصعبة، فهم يحملون كميات كبيرة من الأمية والتضاد مع المجتمع، ولا يشترون كتباً ولا يقرأون سوى جرائد قليلة باللغات الأجنبية.
أغلبية المجتمع من الأميين والأميين الثقافيين، مع أزمة قراءة عربية، والمؤلفون العرب والمترجمون يسكبون دماءهم في أسواق شبه خاوية. وهناك إنتاج عربي هائل من الكتب ومع هذا فلا يُقاس كله بإنتاج دولة أوربية واحدة كأسبانيا.
وصار السوق هو المسيطر، ولأن وعي الجمهور تدهور فقد ظهرت كتبٌ تعكس هذا التدهور العقلي.
قلة الثقافة تؤدي إلى جمود السياسة، فلا يغدو ثمة حراك عميق في أذهان الجماعات السياسية، لأن محدودية المعارف والرؤى تجعلها لا تفهم الحواجز المفتعلة بينها، فتحتاج سنوات كثيرة لعبور شعرة سياسية واحدة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 05, 2024 23:25
No comments have been added yet.