العلمانية وحقوق المواطنة : كتب ـ عبدالله خليفة
تتعارض حقوق المواطنة مع الدولة المذهبية أو الدولة الدينية، ففي الدولة القائمة على دين أو مذهب، هناك المسائل الحقوقية الكبرى المترتبة على هيمنة المذهب الفلاني، وبالتالي فإن المنتمين إلى مذهب مغاير يكونون بالضرورة في مرتبة حقوقية أدنى.
وعلى الرغم من رفض الدول الإسلامية هذا الوضع رسمياً فإن الحياة الضمنية المتوارية شيء مختلف.
ولا ينظر المثقفون والسياسيون والحقوقيون في العالم الثالث إلى هذه المسألة الجوهرية، وبالتالي فإن مسألة المذهب السائد سياسياً، قد أصبحت مشكلة حقوقية إضافة إلى أنها عائق لتطور الوحدة الوطنية والتعددية السياسية والاجتماعية.
والمذهبية السائدة وحقوقها المتميزة مخالفة للإسلام شرعاً، حيث إن أمة الإسلام حسب وعي الشرع أمة واحدة، والمذهبية السياسية من البدع التي حدثت في القرنين الثاني الهجري والثالث.
ولهذا فإن العلمانية الإسلامية هي الجائزة والمقبولة فقهياً وسياسياً، حيث تغدو الدولة بلا مذهب سائد، وبلا مذاهب مخالفة، فلا يسأل المواطن عن مذهبه إذا أراد أن يصدر جوازه، أو حين يريد أن يدخل الجيش أو حين يرشح نفسه في دائرة انتخابية، وكل من يسأله يتعرض للعقوبة.
وبهذا يجد المواطن المسلم أو المسيحي نفسه حراً، وتجد الدولة نفسها حرة من المذاهب السياسية، ولا يجد الطلبة أنفسهم مجبرين على تعلم مذاهب لا يريدون تعلمها. وتصبح حصص الدين اختيارية.
ويجد المواطنون أنفسهم كمواطنين وليس باعتبارهم سنة أو شيعة أودروزاً أو مسيحيين أو موالك أو شوافع أو غيرذلك من صنوف المذاهب التي صارت حكومات ودولاً، بدلاً من أن تكون فتاوى مدنية لأسئلة الحياة.
تحرير الأديان من هيمنة واستغلال السياسيين، تجعل الملا يتحول إلى زعيم مدني، ترفض الدولة أن يستغل الدين في دعايته السياسية، بل تطالبه بأن يوضح برنامجه الاجتماعي والسياسي، وان يحدد الطبقة أو الفئة التي يعمل من أجل تطوير اوضاعها، وان يدع الكلمات الدينية المجردة، وبهذا يتم التعامل معه كمسئول ساسي مُحاسب من قبل ناخبيه، وبهذا أيضاً ينقذ المذهب الذي ينتمي إليه من المسئولية السياسية التي قد تسببها أعمال السياسي المذكور.
وإذا قام المذكور بأعمال إجرامية روج لها تحت اسم الدين أو المذهب، فإن العواقب تكون وخيمة ليس عليه فقط بل على المنتمين إلى الدين أو المذهب الذي ينتمي إليه، والذي زعم إنه يعمل تحت رايته وهداه.
إن تفكيك العلاقة بين المذاهب والسياسة لن يضر المذاهب بل سيفيدها، وسيكون أكبر النفع على المواطنين الذي سيتحدون، كشعب واحد، وبالتالي ستتطور الأمم الإسلامية لتصبح أكثر قوة ووحدة وحرية.
إن العلمانية تكون في المستوى السياسي فحسب، أي ان المواطنين متساوون أمام الدولة اللامذهبية، في حين ان حياتهم الاجتماعية هم أحرار في تطبيق الأحكالم الشرعية التي يريدونها.
وبهذا فإن الدول الإسلامية تنسجم في سياستها وقانونها، فلا تغدو ثمة مذهبية سائدة، أو مذهبية مغلوبة على أمرها ويغدو المواطنون على درجات، بل على درجة واحدة.
وسيحرر هذا الفئات الوسطى والعاملة من الانقسام ويوحدها في تشكيل المجتمع الحديث من مواقعها المتميزة.


