سلسلة كتابي وحلمي مراد

عرفت سلسلة كتابي من خلال شارع النبي دانيال في الإسكندرية، ولمن لا يعرف ما هو شارع النبي دانيال بالنسبة للسكندريين، فهو مثل سور الأزبكية للقاهريين، أو شارع المتنبي للبغداديين، أو جسر الرئيس للدمشقيين، إنه جنة أرضية لمحبي القراءة (الغلابة)، سوق الكتب المستعملة، حيث كان بوسعي أن أحصل على كتب التراث، والكتب الأجنبية، والروايات، والمجلات، بسعر بالكاد عُشر سعرها الأصلي، فقط لأنها مستعملة.
كانت سلسلة كتابي اشبه بخاتم سليمان الذي يبحث عنه كل محبي القراءة، آملًا أن يجلب له خادم الخاتم صنوف المعرفة من كل مكان. نشرت قديمًا في خمسينات القرن العشرين، وكانت مشروع ثقافي كامل، ومحصلة مجهود شخص واحد فقط، هو الأديب والمترجم حلمي مراد. ولد حلمي مراد ونشأ في الإسكندرية، ثم درس القانون والتحق بسلك المحاماة، ولكنه كان يحب الأدب، ويكتب القصص القصيرة، ثم انغمس في الترجمة، حيث ترجم العديد من الروايات لتنشر ضمن سلسلة روايات الهلال، وفي هذا الوقت نفسه بدأ حلمي مراد مشروعه والذي أطلق عليه سلسلة كتابي، وأختار لها مصباح ديوجين أو مصباح الفكر الإغريقي شعارًا لها، وكان تصدر في صورة أعداد، كل عدد منها يضم مجموعة من القصص والدراسات وملخصات الكتب والمقالات المترجمة، التي تغطي كافة حقول الفكر والمعرفة.
ثم توقفت السلسلة فترة، لتعود للظهور ثانية في الستينات، بعنوان (مطبوعات كتابي)، وفي هذه المرة ركز مراد على نشر الأعمال الأدبية الكبرى، والتي نشر بعضها سابقًا في روايات الهلال، ولكن قواعد الهلال بشأن حجم الأعمال التي تنشرها، كانت تقتضي اختصار الأعمال الأدبية الطويلة، وهو ما كان يؤرق حلمي مراد، ونجح في التخلص من كابوسه هذا في (مطبوعات كتابي)، والتي راح ينشر فيها أمهات الأعمال الأدبية العالمية مسلسلة، وهو ما سمح للقارئ العربي لأول مرة بالحصول على هذه الأعمال كاملة وبمقابل معقول ومقبول.
أصبحت مطبوعات كتابي نافذة على الثقافة العالمية، ونشر حلمي مراد على صفحاتها أعمال متنوعة عن الأدب الإنجليزي والفرنسي والروسي، فنشر أعمال مثل مرتفعات ويزرنج لإيملي برونتي، وبؤساء هوجو، والحرب والسلام لتولوستوي، ولم يقتصر على الأعمال الروائية فنشر سير ذاتية مثل اعترافات جان جاك روسو، ودراسات نفسية مثل التحليل النفسي لفرويد، ومركب النقص والعقد النفسية لمكبرايد، كما تجاوز هذه الثقافات التي كان القارئ العربي يعرفها إلى ثقافات أخرى كان خارج دائرة المتداول في الثقافة العربية، فترجم للأديبة الهندية نرجس دلال روايتها القربان، وللفيتنامي توي آن هوانج دان الجسر المعلق.
لكم وددت أن تعيد جهة ما إحياء مشروع (كتابي)، ولا أعني بإحيائه إعادة نشر ما نشر في السلسلة الأصلية، ولكن أعني إنشاء سلسلة جديدة تتخذ برنامج السلسلة الأصلية برنامجًا لها، وتختار من الأعمال الأدبية والفكرية الحديثة، ما يستحق أن يترجم لإثراء المكتبة العربية، وهو أمر عظيم لو تعلمون.
د. وسام الدين محمد
29.12.2023
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 29, 2023 04:10
No comments have been added yet.