في الحنين إلى حبر الصحافة ... الصحافة في زمن فحل الإبل أبو شنب

شببت في منزل يكاد يعتبر قراءة صحيفة الأهرام اليومية فرض عين على أهله، وكانت صحيفة من الوزن الثقيل في كل شيء، عدد أوراقها بضع وأربعين ورقة يكاد يكون ضعف منافستها الأخبار، يكتب فيها نخبة من الكتاب، تغطي كل اهتمامات أي مصري تقريبًا. فيما بعد عرف الصبي ثم المراهق المتمرد صحف المعارضة، في البداية التقى بالأهالي ثم داوم على قراءة الوفد والشعب، ثم أصبح شابًا فأخذته الدستور الأولى وروز اليوسف، ولكن دائمًا كان يرجع للأهرام بثقلها وتنوعها وحرفيتها.
منذ نحو عشرين عامًا بدأت في التخلي عن قراءة الصحف تدريجيًا، إلى أن أصبحت أعتمد كلية على المحطات الإخبارية المشهود لها، وأتجنب بالكلية محطات من عينة (فضائية شباب الحتة لكل حاجة في ساندويتش)، وبرامجها التي تراوح ما بين السطحية المدهشة والعبط النقي، ومقدمي برامجها والذين غالبًا ما يتمتعون بثقل دم متميز، وعجمة لسان أصيلة مع لمسة من الهبل، وعندما يصرحون للمشاهد الغلبان بأفكارهم وخبراتهم في الحياة والمجتمع، تكتشف على الفور بأنك تتعامل مع هارب من مصحة كان يعالج بجلسات الكهرباء.
ولكن دائمًا تجنبت الصحف المصرية على الانترنت لعدة أسباب، أبسطها أن بعض منها يفتقر إلى تصميم يجذبني للاستمرار في مطالعتها، والبعض الآخر إذا وصلته بطريق الخطأ، فسوف يكون علي تجاوز مائتي وسبعة وثلاثين إعلانًا من نوعية (خادمة أسيوية ربحت خمسة ملايين دولار موزبيقي، أدخل وأعرف كيف) قبل أن أصل للخبر المطلوب. ولكن المصيبة الكبرى في هذه الصحف، أنها باتت أشبه بمستنسخات، فنفس الخبر بنفس الكلمات تجده على أكثر من صحيفة، ولكن للحق غالبًا ما يكون ممهور بأسماء المحررين العظام الذين قاموا بمجهود النسخ واللصق من موقع لموقع. كانت الأهرام تقدم من بين كتابها أعلام في الأدب والعلم والتاريخ والفلسفة والدين، ولكن صحافة الأنترنت اليوم يديرها أمثال فحل الإبل أبو شنب الحاصل على الدكتوراه في الهبد من جامعة بهانة الهبلة في كاليفورنيا المحطة واستاذ البلادة والرذالة في أكاديمية عقول فضاء، والرجل شهادة لله لا يعرف أن يقرأ جملة بالعربية دون أن يرفع مجرور ثم يسحل المرفوع سحلًا، ولذلك يكتب في موقع جريدته الملاكي باللغة الهبدية ما يشاء، ولأنه فهم خطأ نصيحة الأخ بيل جيتس بأن على رأس كل مشروع يجب أن يكون أفضل من الفريق، فهو يجمع في فريق صحيفته الملاكي كل من هم على شاكلته وأدنى كفاءة وثقافة وخلقًا، تصور يا مؤمن كيف سوف يكون حال الجريدة في هذا الحال.
هذا النوع من الصحف أشبه بآلة توليد هبد، يديرها الهبيد الأعظم فحل الإبل أبو شنب، والرجل له سياسة واضحة، كلما بعد عن الأضواء هبد هبدة مزعجة للناس، فيناله ما يناله من الشتم، الذي يعتبره دليل نجاح، وكأن القفا المتورم لبائع اللبان السخيف الذي يفرض نفسه في الحافلة على الركاب دليل نجاحه. وطبعًا لن تجد في آلة توليد الهبد ما يصلح أن يكون نص يقرأ أساسًا أما الكلام عن المحتوى، فأعظم محتوى يقدم خبر الفنانة فلانة أخدت علقة من زوجها الفنان فلان، والطفل المصري الذي اكتشف أن نظرية النسبية ملمسة مع طشة الملوخية الفرعوني. لا توجد مقالات رأي، لأنه لا يوجد رأي أصلًا.
أنني أفتقد الأهرام، كما أفتقد أشياء كثيرة، ولا أدري هل هذا من قبيل التوق إلى الماضي، أم أن صحافة الإنترنت المصرية لا ترقَ لأن تكون وريثة صحافة عريقة تمتد جذورها إلى مائتي عام أو يزيد، أم هو طابع عصر كل ما فيه رديء.
وأنا يا صاحبي قد مللت الرداءة.
د. وسام الدين محمد
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 22, 2023 06:25
No comments have been added yet.