تحولاتُ الدورِ الروسي العالمي

إذ أخذت التجربةُ الاجتماعية الروسية الحلمَ الاشتراكي من جهة ومخاض تطورات الأمة الروسية من جهة أخرى فإن هيمنة الجيش والمخابرات سوف تكون هي أداة التحولات.

إن ازدواجيةَ الهدف الاشتراكي وأرضيةَ هيمنة الأمة سوف تنحل في سيطرة جهاز الدولة وقمته الشخصية، لعدم ظهور الطبقتين الطبقة البرجوازية والطبقة العاملة كقائدتين فعليتين للتطور السياسي الاجتماعي الصراعي الديمقراطي.

وهكذا فإن الجمهور الشعبي العمالي والفئات المالكة للمصانع والأرض ومختلف أدوات الإنتاج سوف تذوّبُ لصالح جهاز الدولة. ولهذا فإن القمعَ وضحاياه وتماثله مع الدكتاتوريات الغربية في فترة الحرب العالمية الثانية لا يختلف سواءً كان من أجل الجماهير الشعبية والاشتراكية أو كان من أجل الشركات الكبرى، لكون العمال والبرجوازية الديمقراطية منفيين من كلا الجانبين الروسي الشرقي والغربي.

هذه فترةُ مخاضٍ قومي شمولية روسية دموية ستؤدي تطوراتها إلى ظهور المضمون الحقيقي الحاد لها بعد عقود، ففيما عبرت التطورات الروسية والشرقية عامة عن تصاعد رأسماليات الدول العسكرية فإن الديمقراطية سوف تظهر مجدداً في تلك الدول الأوروبية التي ضربتها الشموليات.

فهنا يلعب الإرثُ الديمقراطي دوره، وهو إرثٌ يرتكز على فاعليةِ الجمهور المالك والشعبي في تمثل دوره الاجتماعي السياسي ومصالحه المستقلة في ظل الكل القومي، في حين أن هذا التمثُل للمصالح المستقلة لن يتاح للجمهور سواءً كان عمالياً بنى (الاشتراكية) سابقاً أم كان عمل على قرضها وهدمها واستثمار مؤسساتها لحسابه الشخصي لاحقاً.

هذا هو مصير معظم دول الشرق حيث اعتمدت على هيمنة القوة التي تتمثل في الأبوية العائلية المحافظة وانفصال الجهاز الحكومي عن الناس، والتراث الطائفي الديني الذي اُجتُث من دلالاته الشعبية على مدى التاريخ، وعلى تفصيل المؤسسات السياسية على مقاس تلك القوة، وعلى العيش الصراعي المتخلف المؤدي إلى زعزعة الخرائط الاجتماعية القومية.

والآن تتقارب هذه التجارب في صيغ متشابهة، تغدو الفوارق بينها ليست كبيرة، إلا من حيث قدرة رأسمالية الدولة هنا أو هناك على الصعود للذروة الخطيرة العسكرية المغامرة أو تجنب هذه الذروة التي تأتي بعدها الحرب والخراب، ولهذا تغدو قارة آسيا خاصة مركزاً لهذه الألغام السياسية التاريخية، وتفجرها التدريجي أو المتسارع الذي يضع حياة الملايين في خطر شديد.

وعلى الرغم من ضخامة الأدوات الحديثة واتساع الديمقراطيات في العديد من الدول فإن شخصية الدكتاتور الدموي وصلت لذروة اللاعقلانية والبطش، وخاصة أنه لا يمتلك حتى بنائية ستالين وهدفية التقدم التي كانت مترسخة في وعيه المحدود.

نصل إلى هذه الذروة بعد كل تلك الكوارث التاريخية، ويتم تبريرها، ولا يتسع الوعي السياسي لتبصر هذه المخاطر الفادحة على السكان من كل الطبقات وكل البلدان.

إن تبريرها من قبل نخب واسعة هو الأمر الأكثر خطورة ويعني دخول بلدان أخرى وجماعات قومية مختلفة إلى نفس الأتون وأنها غير قادرة على تبصر مخاطرها الرهيبة على شعوبها وبلدانها، وأنها لا تخشى من حمامات دم جديدة تمسها.

وهذا يستدعي قراءات عميقة تحليلية لخلفيات هذه القوى وتعليق مجموعة من الأجراس في رقابها.

تكون هذه الدول بصيغ عسكرية شمولية وتفرد فئات فوقية بالثمار الاقتصادية وعدم زحزحة هذه السيطرات بإصلاحات ليبرالية وديمقراطية وإنسانية يعني إعادة إنتاج ما حدث في وسط أوروبا وروسيا من حروب كارثية.

يغدو مجلس الأمن معبراً عن هذه الهيمنات الشرقية والغربية، معبراً عن مصالح مؤقتة لمجموعات وأحزاب حاكمة، ماعدا فرنسا عبر حكومتها الحالية التي غدت استثنائية معبرة عن الشعب الفرنسي، وفي المقابل الدور الروسي المتراجع عن تاريخه.

الدولةُ والدكتاتوريةُ الروسية


يضعُ لينين تعريفَ المفكر فريديريك أنجلز بدايةً لكتابهِ (الدولة والثورة)، الذي يُعرفُ الدولةَ في كتابهِ(الملكية الخاصة والعائلة والدولة) بأنها تنشأ: (لكيلا تقوم هذه المتضادات، هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة، بالتهام بعضها بعضاً وكذلك المجتمعات في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطفُ الاصطدامَ وتبقيه ضمن حدود «النظام». (الدولة والثورة ص2).
لكن لينين يقولُ شيئاً آخر:
(إن الدولة تنشأ حيث ومتى وبقدرِ ما لا يمكن، موضوعياً، التوفيق بين التناقضات الطبقية. وبالعكس، يبرهن وجود الدولة أن التناقضات الطبقية لا يمكن التوفيق بينها).
وجهتا نظرٍ تبدوان متقاربتين لكن ثمة تشويشاً إيديولوجياً في تعبير لينين.
فحين تتصاعد التبايناتُ الاجتماعيةُ في القَبليةِ على سبيل النشأة التاريخية فإن جهازَ الدولةِ يظهرُ من رؤساء العشائر والمتنفذين ليجعل التناقضات الاجتماعية غير مفجرةٍ للقبيلة، وأن يستمر وجودها الاجتماعي الموحّد، وحين تغدو القبيلةُ متحكمةً في مدينة وتقوم القوى العليا بالحكم فيها وتتفاقم الصراعاتُ الاجتماعيةُ فتظل الدولةُ قامعةً للخارجين عن سيطرتها ولخلق وحدةٍ إجتماعية سياسية.
إن التناقضات الطبقيةَ يمكن الموائمة بينها حسب طبيعة أسلوب الإنتاج ومدى تطوره أو تفسخه، وليس بشكلٍ تجريدي عام كما يصورُهُ لينين.
فإذا كان أسلوبُ الإنتاجِ مستمراً متطوراً فإن الدولةَ المعّبرةَ عنه تبقى مستمرةً وتبدأ الدولةُ في التخلخل والانهيار التدريجي حين يغدو أسلوبُ الإنتاج متناقضاً، وتصطدمُ قوى الإنتاجِ بعلاقاتِ الإنتاج المتخلفة، وعلى قدرةِ الدولةِ والقوى السياسيةِ بفهم هذا التناقضَ الجوهري وإيجاد الحلول له، فإن الدولة تبقى وربما تتطور، وربما تدخلُ في تناقضاتٍ مستعصية على الحل كالحالة الروسية.
لا يقومُ لينين بدرسِ أسلوبِ الإنتاج ليضعَ بعد ذلك الجوانبَ الداخليةَ فيه كالدولة والصراع الطبقي ضمن مساره، فيقرأها على ضوء الكل، على ضوءِ التشكيلةِ التاريخية.
(الإيديولوجيون البرجوازيون ولاسيما الإيديولوجيون البرجوازيون الصغار، – المضطرون تحت ضغط الوقائع التاريخية القاطعة، إلى الاعتراف بأن الدولة لا توجد إلاّ حيث توجد التناقضات الطبقية، ويوجد النضال الطبقي، -«يصوّبون» ماركس بشكل يبدو منه أن الدولة هي هيئة للتوفيق بين الطبقات. برأي ماركس، لا يمكن للدولة أن تنشأ وأن تبقى إذا كان التوفيق بين الطبقات أمراً ممكناً. وبرأي الأساتذة والكتاب السياسيين من صغار البرجوازيين والتافهين الضيقي الأفق – الذين لا يتركون سانحة دون أن يستندوا إلى ماركس باستلطاف! – الدولة توفق بالضبط بين الطبقات. برأي ماركس، الدولة هي هيئة للسيادة الطبقية، هيئة لظلم طبقة من قبل طبقة أخرى، هي تكوين «نظام» يمسح هذا الظلم بمسحة القانون ويوطده، ملطفاً اصطدام الطبقات. وبرأي الساسة صغار البرجوازيين، النظام هو بالضبط التوفيق بين الطبقات، لا ظلم طبقة لطبقة أخرى؛ وتلطيف الاصطدام يعني التوفيق، لا حرمان الطبقات المظلومة من وسائل وطرق معينة للنضال من أجل إسقاط الظالمين.)، المصدر نفسه.
يتم الصراع الإيديولوجي هنا بين وجهتي نظر محصورتين في جوانب جزئيةٍ ضيقة، فالدولةُ لدى لينين أداةُ ظلمٍ من طبقة لأخرى، وكلمة ظلم مثالية أخلاقية، ويمكن قراءتها بأن الدولةَ أداةٌ في يد طبقةٍ لإستغلال طبقات أخرى حسب تاريخ التشكيلة، فيمكن لدولةٍ بأن تقوم بالصراع مع الطبقة التي تمثلها، وتطرح إجراءات تحويلية، في الاستثناء التاريخي، ويمكن أن تظل أداتها المعتادة في الحكم في الأحوال العادية.
ما يحددُ التغييرَ والعاديةَ في مسلك الدولة، وما يحددُ الثورةَ هو مدى تطور التناقض في أسلوب الإنتاج. فأسلوبُ إنتاجٍ في بدايتهِ ربما تلجأُ فيه الدولةُ لإجراءاتٍ إيجابية مفيدةٍ للكل الاجتماعي كما يحدث في ظروف الإصلاحات الاقتصادية السياسية. وما يحددُ الانفجارَ هو عجزُ الطبقةِ عن تغيير التناقض المتفاقم في أسلوبِ الإنتاج.
ومن هنا فإن التعبيرات المُستخدمة في هذه الفقرة السابقة أعلاه هي مواقفٌ جزئيةٌ لا تدلُ على أن الثورة لازمة حتمية أو أن الإصلاحات غير ممكنة أو أنها ضرورية، فالأمور هنا خاضعة للمجتمع ودرجات تطوره وتناقضاته وكيفية حلها، من قبل القوى الاجتماعية السياسية المختلفة.
فتعبيرُ لينين بكونِ الدولةِ أداةُ ظلمٍ، أو تعبير الاشتراكيين الديمقراطيين والجماعات الأخرى بأن الدولةَ أداةٌ للتوفيق بين الطبقات، لا يرتكز على قراءة تاريخ التشكيلة وأسلوب الإنتاج.
فالمجتمعُ الروسي القيصري هو مجتمعٌ إقطاعي فيه علاقاتٌ رأسماليةٌ متنامية، لكنه لم يحسم تطوره التحديثي بعد، فعلاقاتُ الإنتاجِ السائدة إقطاعية، وقوى الإنتاج البشرية السائدة وهم الفلاحون، والمادية وهي أدوات الانتاج في الزراعة خاصة تصطدم مع علاقات الإنتاج الإقطاعية المتخلفة.
ولهذا فإن الدولة الروسية هي دولة إقطاعية وينبغي أن تتحول لدولة رأسمالية حديثة وهو الخيار التاريخي، وحين يتوجه من يسميهم لينين بالبرجوازيين الصغار لتصعيد المجتمع الرأسمالي الحديث الديمقراطي وتغيير طابع الدولة يكونون في المسار التاريخي الصحيح، أما ما يقوله بالقفز على ذلك فهي مغامرة تاريخية كبيرة لها نتائج وخيمة.
في محاولتهِ لإقامةِ دكتاتوريته يتلاعبُ لينين بالنصوصِ الماركسية والحيثيات التاريخية، فالدولةُ كقوةٍ تمثل الطبقة السائدة هذا معنى معروف وشائع، ولكن القوى السياسية المعارضة لا تشكل فصائل مسلحة لهدم النظام بدعاوى مختلقة، بل عبر إعتمادها على التطور الديمقراطي والمؤسسات المنتخبة المنبثقة عنه، لكنه يقولُ ذلك ويفعلهِ ليبررَ مغامرته العسكرية الذاتية، أي العائدة لفصيل سياسي مغامر يمثل الرأسمالية الحكومية ويقول أنه ممثل العمال وأنه يقيمُ الاشتراكيةُ لهم!
بالاعتماد على نصوصِ الماركسية القائلة إن الدولةَ جهازٌ يمثلُ الطبقة الحاكمة بشكل عام، لكن يمثله حسب تطور أسلوب الانتاج، لا في التجريد السياسي الاجتماعي، وعندما يقومُ بهذا التمويه وينتقي جملاً ويحشدها في برنامجه المغامر.
فهناك التعكز على كومونة باريس وإنشائها لقوةٍ عسكرية، ولكن هذه القوة تمت لغياب الجيش الفرنسي وللاحتلال الألماني لفرنسا، ولهروب الحكومة الفرنسية إلى فرساي، كما أن هذا الحدث الاستثنائي لا يُلغي في التاريخ الفرنسي العودة للمؤسسات الديمقراطية وإلى حكم الطبقة السائدة البرجوازية والصراع معها والدفاع عن مصالح الأغلبية الشعبية كذلك. لكن لا تستطيع الكومونة أن تقيم نظاماً إشتراكياً فرنسياً متواصلاً.
كذلك يستند لنين إلى دعاوى الفساد وأن الحكومات الغربية الرأسمالية ممتلئة برشاوى الشركات.
(وفي الوقت الحاضر«رقت»الإمبريالية وسيطرة البنوك إلى حد فن خارق هاتين الوسيلتين من وسائل الدفاع عن سلطان الثروة وممارسة هذا السلطان في أية جمهورية ديموقراطية كانت).
إن تلوثَ الدول الغربية وتعبيرها عن الاستعمار والإستغلال هي أمورٌ لا شك فيها، ولكن هناك كذلك مؤسساتٌ تقاومُ وتفضح، عبر وجود برلمانات وصحافة مختلفة الاتجاهات وطبقات شعبية وحق الإضراب والتظاهر وغير ذلك، لكن في مشروع لينين الدكتاتوري فإن كل وسائل الفضح هذه سوف تختفي، والرأسماليةُ الحكوميةُ المزعومة إشتراكيةً ستغدو دكتاتوريةً شموليةً تمنعُ الصحافةَ المتعددة وحقَ الإضراب والانتخابات الديمقراطية وتُصعّد الفاسدين البيروقراطيين كحكامٍ ورأسماليين على مدى عقود حتى ينفجر الأتحاد السوفيتي بتناقضاته المزروعة من عهده!
إن التحالف والتعاون الذي تطرحهُ فصائلٌ سياسيةٌ إجتماعية متعددة من أجل إنشاءِ وتطور جمهورية روسيا الديمقراطية يهزأ به لينين ويرفضه، ويقول بأنه صارت في روسيا خلال الأشهر القليلة من سنة 1917 حيث إنتصرت الثورة الديمقراطية على الإقطاع ظاهرة فساد وهي دليل على فساد الحكومات الناشئة عن هذه الحيثيات السياسية وبالتالي يجب إسقاطها.
إن مقاومةَ الفساد هو شأنٌ نضالي جماهيري عبر تطور البرلمانات والأحزاب والصحافة والرأي العام والنقابات المستقلة، وغيابها هو بقاءٌ للفساد وتجذره في النظام حيث سيعششُ فيه ويخنقهُ مع غياب تلك الأدوات الديمقراطية كما حدث في نظام رأسمالية الدولة الشمولية الذي أقامه لينين.
(ويمكن القول في شهر العسل لقران«الاشتراكيين»، الاشتراكيين-الثوريين والمناشفة، بالبورجوازية ضمن الحكومة الائتلافية- قد عرقل جميع التدابير الموجهة لكبح جماح الرأسماليين وسلبهم ونهبهم للخزينة العامة بالطلبات العسكرية.)
إن الإختلافات بين القوى السياسية الديمقراطية يجب أن يتجذر ويتطور لتشكيل نظام ديمقراطي وأن تُقاوم ظاهرات الفساد وفقر الناس وان تطور الإصلاحات في الريف وغير هذا من المسائل الملحة لتحقيق الثورة الديمقراطية الوطنية.
لكن لينين كدكتاتور يستغل هذه الوقائع ويفصلها عن مسار أسلوب الإنتاج والتشكيلة، عبر لصقها مع مقتطفات من أنجلز، وقد قرأنا لأنجلز في كراسه(حول المسألة الدستورية في ألمانيا، راجع مقالتنا من رأسمالية الدولة إلى الرأسمالية الحرة) نظرةً مختلفةً عما يقولهُ لينين بالتعكز على أنجلز وكتابه(العائلة والمُلكية الخاصة والدولة)، وهو كتابٌ يعالجُ مسائلَ نظرية تاريخية بعيدة، في حين يوضحُ كراسُ المسألةِ الدستوريةِ أوضاعاً أوربية معاصرة، حيث يؤكد أنجلز في مقالته على أهمية دعم البرجوازية وتصعيدها لتشكيل نظام ديمقراطي حديث، بدون غياب الصراع معها.
نظرةُ أنجلز نظرةُ ثوري عالمٍ ونظرة لينين نظرة مغامر سياسي، لا يقوم بالتحليل العميق الواسع للظاهرة، بل يرتكزُ على مقتطفات غالباً ما تكون مطولةً من الكتب الأخرى، ليبررَ موقفه السياسي المفصول عن قراءة التشكيلة التاريخية عبر بضع عبارات وجمل.
فهل يمكن لنظام رأسمالي وليد في روسيا لم تمض عليه سوى بضعة شهور ليتم القفز عليه؟ نظامٌ رأسمالي في قمته فقط بينما علاقات الانتاج والحياة الاجتماعية إقطاعية؟
أسلوب الإنتاج الإقطاعي لم يتم تغييره، وثمة أسلوب لم يتعمق هو الأسلوب الرأسمالي، ثم يقال بأن هناك تشكيلة تاريخية أخرى هي التشكيلة الإشتراكية يجب أن تُفرض من أدوات السلطة!؟
ومن هنا فإن القوى السياسية الديمقراطية الروسية في تصعيدها للنظام الرأسمالي التدريجي كان ذلك ضرورياً، ثم جاءت المغامرةُ السياسيةُ البلشفية ومن ثم حدثتْ الحربُ الأهلية والتدخلات الأجنبية وسقط ضحايا بمئات الألوف.
إن غياب الرؤية الكلية لتباين مواقع الرأسماليات الغربية عن الدول الشرقية، وعدم قراءة أساليب الإنتاج في كلٍ موقع بين الغرب والشرق، وإعتماد الانتقائية في القراءة وإخضاعها لأدلجةٍ مسبقة لمشروع سياسي شمولي، وقلب الحقائق والمواقف الطبقية للفصائل المختلفة، وتصعيد المغامرات السياسية العسكرية، هذه هي نظرة لينين للعملية السياسية الاجتماعية، التي ستغدو مادةً وراثية لقوى سياسية كثيرة ستدخل في صلب أعمالها ومناهج عملها فتقودُ النضالَ الديمقراطي لشعوب الشرق إلى سكك خاطئة تفشل لتصعد القوى الطائفية والرجعية والرأسمالية الحكومية الطفيلية في نهاية المطاف.

روسيا والصين من مساندةِ الثورات إلى إجهاضِها

ليست مساندة روسيا والصين للأنظمة الدكتاتورية العنيفة في العالم شيئاً مستغرباً، بل هي جاءتْ في سلسلةٍ طويلة من تراجعات الدولتين عن شعبيهما أولاً، ثم جاءتْ السياسةُ الخارجيةُ كانعكاساتٍ لذلك التراجع العميق المتردي عبر عقود.
تدهورُ مواقع الطبقتين الحاكمتين من صفوفِ الفئات الوسطى والعمال وانزلاقهما لمواقع الطبقات البيروقراطية الاستغلالية جاءا من عدم قدرة القادة المنظرين والسياسيين على تبيان واقع التطور لمجتمعيهم ورفض طريق الديمقراطية والحداثة والعلمانية الغربية وابتكار أشكال لأنظمة دكتاتورية للنخب الحاكمة التي تحولت لقوى رأسمالية حكومية ثم تأزمتْ بعدمِ قدرتها على التحول لرأسمالياتٍ حرة، وبهذا تدهورتْ مفرداتُ الماركسية وتحليلاتها الموضوعية، وغدتْ لغاتٍ شعارية انتقائية انتهازية، تبررُ تدهورَ الطغم المالية والسياسية والعسكرية الحاكمة نحو الرأسمالية الحكومية الشمولية وانسداد آفاق التطور أمامها.
على مدى عقودٍ تمَّ ذلك وكان تباين روسيا والصين الايديولوجي بين تأييد للتعايش السلمي والدعوة إلى ثورات الأرياف في العالم الثالث ضد الغرب، الذي كان يمثل تباين واقع فساد كل من الطبقتين الحاكمتين في روسيا التي تشعبتْ بالثروة ونقلتْ المجتمع لمستوى أكثر تطوراً من جارتها، في حين واصلتْ القيادةُ الصينيةُ استنزافَ الجماهير العاملة عبر أجورٍ شبه وهمية.
لكن مسائل التطور الكبيرة لم تُحلْ بعد الارتكاز على الجهود الهائلة للجماهير الشعبية في البلدين، ففي أنظمةِ الرأسمالياتِ الحكومية التي بلغ فيها الفسادُ أكثر من ملكيةِ نصف الاقتصاد وتجذر هذا الفساد عبر عقود، وهو أمرٌ يشابه النظام الشمولي في سوريا حيث ملكتْ الطبقةُ الحاكمة أكثر من نصف الاقتصاد، فتصعب العودة لأنظمةٍ ديمقراطية مفتوحة، يتم فيها تبادل السلطة والنمو الحر للصحافة.
وتزداد المشكلات في حالات مثل هذه عبر أوضاعِ تداخلِ الحزب الحاكم بالمخابرات والجيش، فإذا كانت هذه الأجهزة هي التي تُسّيرُ النظامَ وقد تغلغلت في الإدارة المدنية، تتفاقم المشكلة لتصل إلى الانفجار الكارثي.
كما أن ضخامةَ هذه الدول واعتمادها على قوميةٍ مهيمنةٍ وديانة خاصة أو ايديولوجيا معبرة عن تاريخ الفساد المبطن، يجعلان العودة للحداثة الديمقراطية أمراً بالغ الصعوبة يشبه قيام حرب أهلية.
ولهذا فقد كانت روسيا والصين تراقبان الثوراتَ العربيةَ بقلق بالغ، فلم تكن مثل هذه الثورات البرجوازية الديمقراطية ممكنة في تاريخ البلدين الكبيرين، فهما لم تستطيعا القيام بها، فالثورةُ الروسيةُ في سنة 1905 حُطمتْ بالقوة، وجاءت ثورتا 1917، البرجوازية الأولى في فبراير من هذه السنة ثم البلشفية في أكتوبر من السنة نفسها لتعبرا عن إخفاقِ الثورةِ البرجوازية الديمقراطية، فلم تظهرْ طبقةٌ وسطى تقودُ المجتمعَ خلال العقود السابقة، فعجزتْ الثورةُ الأولى عن وقفِ الحرب ثم عن توزيع الأراضي على الفلاحين ونشر الحريات، وقامت الثورة البلشفية بها، لكن عبر تصعيد أجهزة الدكتاتورية من جيش ومخابرات أكلتْ المجتمعَ خلال العقود التالية، وعبر تحويل الكثير من المُلكيات لحكمِ الدولة، لتطويرِها ثم لنهبها وفسادها. وبهذا فقد ارتعبتْ الدولةُ في روسيا من هذا التطور(العجائبي) لشعوب متخلفة أن تُنزل الملايين للقيام بتغيير ديمقراطي.
إن روسيا والصين تريان المخلوقات السياسية التي ظهرت من خلال تأثيرهما، فكيف يمكن لتونس ومصر وسوريا أن تقوم بفعل كهذا؟
إننا نرى هنا سخريةَ التاريخ، فالحلقةُ الضعيفةُ في منظومة الرأسماليات الحكومية الشمولية هي التي تتفكك كما طُرحتْ تبريرات الثورات (الاشتراكية) في روسيا القيصرية، بينما تنضج النار والتحولات الرأسماليات الحكومية الكبيرة القوية لأعاصير قادمة، حيث ان المشكلات المحورية هي ذاتها، لكن رأسماليات الدول العربية حلقات ضعيفة لم تتأسسْ من تحولاتٍ عامة حكومية هائلة ونسب الفقر والبطالة فيها مرتفعة، ولم تعمل شيئاً كبيراً في فقر الأرياف التي ظلت تضخُ مشكلاتها للمدن وتُسّرعُ في انفجارها.
ولهذا فإن الأزمات تنفجرُ من الريف ومن حقول المناجم في المدن الصغيرة البرية، وهنا أيضاً يسخرُ التاريخُ من مقولاتِ (لين بياو) القائد الصيني الماوي الذي طالبَ بزحف الأرياف في العالم الثالث على المدنِ الغربية البرجوازية المتخمة، وها هي الجموع الفقيرة تصارعُ وتحاصر المدينتين الرأسماليتين السوريتين وتهزهما من الداخل، رغم الضرب بالمدافع على المدن الصغيرة والسكان المذبوحين.
لكن ورثة لين بياو لم يعودوا من الكادحين بل صاروا هم الذين يكنزون الذهب والفضة في المدن المتخمة، وراحوا يدافعون عن تلاميذهم وزملائهم في القضية المشتركة بأساليب دموية وحشية. قدمت روسيا شكلا كلاسيكيا في التدهور الثوري الديمقراطي، فقامت الثورةُ الأولى على القمع وشكلتْ نظاما شموليا، راح ينخرُ القيمَ النضالية على مر السنين، فصار بلد الصوت الواحد، وغياب التعدد وشلل ديمقراطية الأصوات وسيادة المركزية وحكم الجيش والمخابرات، وجاء هذا كله عبر هيمنة قومية روسية لم تتضح في البداية لكنها ظهرت من خلال التطور، وكانت جذورها في التقاليد القديمة للقبائل والطبقات القديمة ذات الحكم المركزي التي تريدُ الشعبَ نسخةً منها، أما مُلكية الدولةِ العامة وهي الانجاز النضالي الشعبي المحكوم بمثل هذه الظروف والتقاليد فقد اهترأت، وغدا من يعملون أشبه بالعبيد ومن لا يعملون كملاك العبيد، ومن هنا انتشرت ثقافة الصوت الواحد والعسكرة وعدم النقد وغياب التحليلات العميقة للبنى الاجتماعية.
لكن الانهيار حدث على مراحل عبر الانفكاك من القوميات الأخرى التي غدتْ ثقلاً على القومية الروسية المركزية، وفي تحول الموظفين الكبار إلى مافيا، وفي إدخال الرأسمالية الشخصية من النوافذ، وأن تكون تحت الهيمنة الحكومية وعبر استفادتها، لكن الثقافةَ الديمقراطيةَ لم تَحلْ، والتعدديات الحقيقية غدتْ مجردَ أشكالٍ خارجية، وظل الحكمُ العسكري هو المسيطرُ تحت لافتات الديمقراطية والانفتاح.
واصلت النزعةُ القومية الروسية بعد أن هدمتْ الأمميةَ احتكارَ السلطة عبر شكلها القومي البرجوازي المتعصب وعبر شكلها (الشيوعي) وريث الإدارة الشمولية والانغلاق الفكري في حين أن البرجوازية الخاصة التي نشأتْ من خلال هذه الظروف الحكومية ليست عميقة في نضالها الديمقراطي.
هكذا غدتْ الأزمةُ الروسية في التخلي عن أسلوبٍ متخيل هو النظام الاشتراكي الذي لم يُنفذ وإن نُفذتْ أشياء منه فهو لم يُستكمل، وغدا رأسمالية دولة لها أصحاب مصالح يدافعون عنها، كما أن رأسماليتَها الخاصةَ غير قادرةٍ على القيام بتحولٍ ديمقراطي شامل، فغدتْ العودةُ للوراء والوثبة للإمام صعبتين خطرتين، وبهذا يغدو الانفجارُ هو الحل، ولكنه انفجارٌ خطر ويُعبرُ عنه بحالةِ التأزم هذه وسط عالمٍ يموجُ بالانتخابات وتداول السلطة وتغييب الجمود، ورؤية ان الانفجارات التي صارت في بلدان مصر وتونس وليبيا وسوريا، واعدة بالكوارث للنظام الذي أنتجَ تلك المسوخ.
إضافةً للخسائر الماديةِ والسياسية الناجمة عنها، عبرَ تقلص المشترين وعدم وجود أصدقاء ومرافئ.
هذه الخطوط العريضة للتطور السياسي لا تختلف عما جرى في الصين وفي بلد أضخم سكاناً، وفي عمر أقصر، وبمزايدات أكثر، وبطاقات على التحول دينامكية كذلك.
ولهذا كانت الثورة الصناعية والثورة الثقافية هما محاولات للقفزات الكبرى في الصناعة وفي سحق الرأسمالية الخاصة وبوادر الليبرالية، لكن هذا التناقض بين صناعةٍ متطورة تملكها حكومةٌ بيروقراطية وبين رأسمالية خاصة تم الحفاظ عليه، عبر تحولهما لقطاع عامٍ هائل وقطاع خاص لقيط من الاقتصاد العام المهيمن.
صارتْ المافيا كما في روسيا وسوريا هي التي تقررُ الوحدات الاقتصادية والتنامي الاجتماعي الفكري، وبالتالي فإن مفردات الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة ونشر الصحافة الحرة والأصوات السكانية المختلفة المتنامية في جرأتها واستقلالها الشخصي، لم تظهر وبقي طابع المجتمع العسكري والوحدات البوقية، وهذا كله تعبيرات عن اختلال توزيع الثروة على الطبقات والسكان والمناطق الجغرافية والقوميات الكثيرة.
منذ أن قررَ ماوتسي تونج أن يعسكرَ المجتمع اقتصادا وثقافة ولباساً وأكلاً لم تتغيرْ أشياء جوهرية سوى حدوث التنمية الكبيرة عبر تنويع أشكال علاقات الإنتاج، من دون أن يتغير العسكري المسيطر الموزع لثمار هذه العلاقات الإنتاجية للجماعات والفئات والأقسام القومية الموالية له، في حين أن هناك ملايين خارج هذه العلاقات يهددون باختراقها.
وهذا العسكري لديه قوى هائلة أثبتت قدرتها على ضرب الاحتجاجات التي ما كانت احتجاجات صينية واسعة، وها هي الآن الثورات العربية تقدمُ نماذجَ لتوسيع الاحتجاجات وتعلم شعوبَ روسيا والصين كيف تتخلص من مستغليهم باسم الاشتراكية وباسم القومية إلى الديمقراطية.
هذا نوعٌ من التراكم النضالي بين شعوب آسيا خاصةً وتبادل خبرة أممية، وتصعيدٌ للديمقراطية ولتوزيع الثروات والفوائض بأشكال عقلانية، لكن الرأسماليات الحكومية تفرضُ أجوراً ومعيشة متدنية على الجمهور العامل وتضع قسماً كبيراً من فائض القيمة لرفاهيتها وعسكرتها، ولابد أن يكون من برامج الثورات العربية تغيير ذلك، لكي تعطي نموذجاً لتلك الشعوب بأن الثورات والتحولات ليست فوضى وخرائب وعودة للوراء.
(بضاعتكم رُدت إليكم) ولكن في الملحمة السورية تكشف عفن البضاعة المستوردة وهي لا تتحول إلى استغلال بشع للملايين بل إلى فوهات مدافع تدك السكان، وهي (مأثرة) من ميدان تيان مين ولكن بصور فاشية واسعة موجهة للشعب المنتمي للطبقة الحاكمة نفسها وهو أمرٌ لم تبتكرهُ الفاشية في أوروبا بكل جنونها الدموي لكنه نتاج الدكتاتوريات الشرقية وتطويرها المخيف لها.
لكن ثمة بضاعة أخرى تقدمها الشعوب العربية مختلفة وإنسانية.

روسيا ودعم الدكتاتوريات

حين كانت روسيا بصيغة الاتحاد السوفيتي هي التي دعمت حركات التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي في العالم الثالث، ولولا تلك المساعدات ما كان العالم قد تخلص من الاستعمار المباشر (الكولونيالي)، لكن نقطة الضعف الكبيرة التي رافقت ذلك الدعم إنها مساعدات لم تشترط قيام أنظمة ديمقراطية في العالم المستقل، سواء عبر بقاء تحكم الجيوش أم تحكم قوى المخابرات في هذه الدول الفتية، والتي تحولت فيها أجهزة الحكم بعد فترات النمو إلى صخور تعرقل النمو الحديث وإلى أجهزة تسليط ضارية!
وهنا كان ثمة تقاطعٌ بين الحركات التقدمية والديمقراطية في هذه البلدان وبين سياسة دعم الدكتاتوريات الوطنية، وحدث التباسات وتناقضات وتباينٌ كبير في المواقف.
لكن قيادات هذه الحركات البيروقراطية لم تطور أدواتها التحليلية النقدية وفضلت المساعدات السوفيتية على تعرية هذه الأنظمة أو نقدها بشكل مستمر وعقلاني وبعيد المدى. وعبر هذه العقلية التابعة نشأت ثقافةُ المحفوظات والشعارات والانتهازية التي تقوم بالتستر على أخطاء الحليف وتبرير مواقفه حتى لو كانت معادية للحريات والديمقراطية، وهو ما أدى إلى الكثير من السلبية والتعثر في نمو حركات التحرر الوطني وحركات التغيير الاجتماعي العميق فيما بعد ذلك. وهي ثقافة أنشئت جيلاً من الانتهازيين الذي تواصل في الأجيال التالية وأثر في الحركات المعارضة الأخرى، فغدت المواقف السياسية مقطوعة عن سياقات الديمقراطية، وتم تجزيء القضايا واستغلال أي موقف سياسي لخدمة القابضين على الأمور وتكرست ظواهر عبادة الأفراد وغياب الدرس الفكري العميق.
وهذا الأمر لم يتشكل في بلدان العالم الثالث المتجه للتحرر فقط بل تكون في روسيا نفسها، التي لعب فيها احتكار السلطة لحزب واحد في نشوء ذات العقلية السياسية التي تكرس منفعتها وهيمنتها بغض النظر عن النتائج الوطنية والعالمية لمثل هذه السياسة.
نعم تغيرت روسيا الاتحادية عن سياسة الاتحاد السوفيتي الخارجية، لكن جوهر الأمور لم يتغير كثيراً ودعم الدكتاتوريات (الصديقة) وبغض النظر كذلك عن النتائج الوخيمة لدعم دكتاتوريات خطرة على المستوى الداخلي الوطني، حيث تبعثر هذه الأنظمة الثروات على التسلح في حين تعيش شعوبها في فقر شديد. لكن روسيا تجد أن صفقات التسلح هذه مفيدة مالياً وسياسياً لها، أما أن تكون لها نتائج وخيمة على شعبها ذاته الذي عانى من الحروب فهو أمرٌ لا يخطر في بال قادتها، ما داموا يحصلون على المليارات، والجماعات التي تتدفق عليها هذه الأموال في بحبوحة من العيش ولا يهمها النتائج البعيدة المدى لإثارة القلاقل في العالم.
وتلقى هذه السياسة الخطرة الصمت من دوائر التغيير في العالم الثالث، والتى ينظر بعضها إلى أن هذه السياسة الروسية سياسة نشطة مفيدة، حتى لا تخلو الساحة الدولية للاعبٍ واحد كبير، فماتزال ذات العقلية السياسية القديمة البيروقراطية موجودة ومتأصلة في هذه الجماعات. حيث تشكلت تحالفات غريبة هي تحالفات بقاء قوى الشمولية في العالم الثالث وبغض النظر عن الجذور والانتماءات والتيارات!
ووجود الصراع ضد تحكم قطب أو أقطاب في بقية العالم هو أمر جيد، لكن لا يعني ذلك تأييد أي مجنون في سياسات العالم الثالث التي لا تتيح هياكلها السياسية الاجتماعية قنوات للشعب لكى يغير من هذه السياسات. فما دامت المعارضة للسياسة الأمريكية أو الغربية أو الشرقية تستندُ إلى قوى شعبية منتخبة، فهي معارضة مقبولة وإن لم تكن بالضرورة صحيحة، فالشعوب والأقسام المنتخبة تخطئ كذلك، وقد تؤزم حياتها بتصعيد قوى متخلفة فكرياً وسياسياً. لكن الديمقراطية تصحح نفسها. وقد لا يكون التصحيح ممكنا إذا دعمت روسيا سياسات الحروب وبيع الأسلحة الخطرة وخربت السلام الهش في المنطقة والعالم!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 04, 2023 01:35
No comments have been added yet.