عظيم هو الشعب الإيراني، الذي جاءنا في بواكير التاريخ مناضلاً.

عظيم هو الشعب الإيراني، الذي جاءنا في بواكير التاريخ مناضلاً.

كلما قيدوه وربطوه إلى الصخور تحرر منها.

ومهما نهشت النسورُ أمعاءه وخلايا عقله، فهو ينهض ثانية، مجدداً دمه وخلاياه.

«إنه الشعب الذي يرفع للقمة صخرة، ابداً تهوى وما يزال يعيد ألف كره، أتراني شارحاً شيئاً إذا ما قلتُ فكرة/ آمن بها الشعبُ.. هيهات أن يستديم أسره»، شوقي بغدادي، بتصرف.

حين كانت الشعوب نائمة فى كهوف الأساطير، تعبد الثيران، كان  مثقفوه يعلمون آسيا ما هو التنوير.

وقد حوّل هؤلاء تعاليم فلاسفة اليونان المتناثرين بعد الفتح الإغريقي إلى دهرية ترفض الغيبيات، وكشفوا الماء والتراب والنار وجسد الطبيعة الذي لا بد أن يُدرس لكي يتحرر الإنسان من العبودية الاجتماعية.

هؤلاء الذين لاحقهم خرافيو القصور والمعابد لكي يمنعوا كشف سببيات الاستغلال، سربوا علومهم إلى الثقافة العربية، وراحوا يناضلون معاً من أجل ان تزدهر المعامل والرسوم في العقل العربي الإسلامي، بدلاً من سيطرة الأشباح وكهوف الظلام.

كتبت إيران تاريخها بالدم، وفي كل قرية هناك مقبرة للضحايا، وكي يتحرر هؤلاء الفلاحون انفجرت انتفاضات المزدكيين كي لا تصبح البساتين مكاناً للهو، بل لمشاعة الفقراء وسريراً للنساء، وملاعب للأطفال.

في فجر التاريخ برز الإيرانيون ليجعلوا الأرض لمن يفلحها، وهذه الدماء تحولت إلى معرفة، ومشاعل يلتقفها المعذبون جيلاً بعد جيل، ليعلموا فقراء آسيا كيف يحررون القرى من شبكات العنكبوت البشري.

هو العنكبوت الذي يتجدد هو الآخر في كل ملة، يتسلل إلى المبادئ العظيمة، ويمصُ رحيقها، ويحولها إلى هياكل شاحبة، فيحول النظر إلى الفراغ الفضائي، بدلاً من الواقع المرير. ويأمرنا بالذوبان في الغيب بدلاً من تملك البساتين والينابيع.

منذ ألف سنة وهذا الشعب يركب قطار الثورات، يتوقف في محطة ليصعد في محطة أخرى، والوصول بعيدا، والحطب الذي يُلقى في التنور كثير وكثيف، ومن الزرادشتيين و المزدكيين و المانويين إلى الخراسانيين الأبطال الذين ألقوا بجثة الدولة الأموية في الزاب الأكبر، ثم راحوا يعلمون العرب كيف يضبطون لغتهم عبر سيبويه وكيف يزنون شعرهم وكيف يجمعون تراثهم وكيف يفكرون في الدهر، والطبيعة بقوانينها الموضوعية عبر الفارابى وابن سينا والرازي وكيف يحلقون شعراً صوفياً متحرراً من أسر الدنانير.

ولا أحد يتساءل كيف لهذه الأمة أن تدفق من حقولها الفقيرة كل هؤلاء الباحثين والفلاسفة والمغنين والرسامين وكتاب الأساطير والملاحم، حتى نزفت في كل خليةٍ من مدنها الصغيرة المتناثرة المتنامية، وهي تواصل تعليم المشرق فن الثورات، فيظهر البابكيون يواصلون تحرير الفلاح، هذا الثور الأبدي المعصوب العينين في ساقية القصور، حتى قطع أسلاك بغداد الدموية الممتدة إلى كل خلية وبيت قروي نازف لأجل راقصات وشعراء الخلفاء المسطولين.

ومن المعتزلة والزيدية والإسماعيلية والإثناعشرية راح الشعب يتعلم كيف يجعل الإسلام سلاحاً في يده، وراية لتحرره واستقلاله، فلم يكن أولئك حشاشون الذين بنوا القلاع المهاجمة المتحركة لتحرير الإنسان وواجهوا الاستغلال الزراعي والتدخل الأجنبي، بل مناضلون شوهوا سمعتهم وصنعوا حولهم الأساطير.

القطار الإيراني المحمل بالجثث والآحلام لا يتوقف، هادراً، نافثاً دخانه الدموي، يندفع إليه الذئاب الرعويون، مصاصو الدماء، من كل الصحارى والقفار والمسطحات الملحية ومن الجبال، يستحوذون على كنوزه وبناته، وهو يشكل لفائفه السوداء، ويستعير أصوات علي والحسين، لنبضه الإنساني، وأحلامه في جنة أرضية سعيدة، لا تظهر، لأن لصوصاً جدداً يتسللون الى قنوات السلطة.

لكنه لا ييأس، ويطرد المغول والانكليز والأمريكيين، ويصنع ثورة أسطورية من أكفان، ويحرر أرضه، ويبدأ في تحرير تراثه، وكشف قطاره التاريخي الطويل الذي قدم فيه كل التضحيات، ولايزال مصلوباً على جبال أصفهان وتبريز.

إنه الشعب الذي يرفع للقمة صخرة.. ابداً تهوى وهو يحلم بتغيير المجرة.

__ATA.cmd.push(function() { __ATA.initDynamicSlot({ id: 'atatags-26942-6365d1729da7b', location: 120, formFactor: '001', label: { text: 'الإعلانات', }, creative: { reportAd: { text: 'الإبلاغ عن هذا الإعلان', }, privacySettings: { text: 'الخصوصية', onClick: function() { window.__tcfapi && window.__tcfapi( 'showUi' ); }, } } }); });
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 04, 2022 19:58
No comments have been added yet.