عبـــــــدالله خلــــــــيفة : سردية الانكسار والانتصار في رواية «التماثيل»
عبدالرحمن التمارة*
1ـــ «التماثيل» محتوى المحكي:
ترتبط أحداث رواية «التماثيل»‹1› للروائي عبدالله خليفة بمرجعية سردية اجتماعية، فتنبني على ما يمكن وصفه بسردية «الفضح والتعرية»، بوصفهما فعلين قادرين على كشف الخلل بين الفرقاء الاجتماعيين، خاصة إذا تعلق الأمر بالأصدقاء والأقرباء، ونظام العلاقات التي تربطهم.
هكذا تحكي الرواية عن المسار الحياتي المثير للسارد «حسان يوسف» وصديقه «ياسين كافود» الذي صار معروفا بـ«ياسين الفينيقي». إنه مسار أساسه المفارقة والتباين بين «الفينيقي» الذي لم «يكن ثمة شيء مبهر في عالمه»‹2›، وبين صديقه «حسان» على مستوى الوظيفة والطموح والقيم والوضع الاجتماعي والفكري. لقد توجه «ياسين» لدراسة الطب البيطري بالخارج، وصار «حسان» موظفا بقسم الأرشيف بالمحكمة بتدخل من رجل ذي نفوذ، فتمكن من دعم أسرته الفقيرة، ومن الاطلاع على ملفات الأرشيف، منها ملف يضم «حكاية علي البحراني وكيف جاء إلى الصحراء وأسس مملكة العيون وكيف تآمر عليه أتباعه الذين أعطاهم البساتين فقتلوه..»‹3›. غير أن الوظيفة بقسم الأرشيف بالمحكمة أشعرت «حسان» بأنه يعيش حياة الموتى والسجناء، وازداد إحساسه بالمأساة حينما عاد صديقه «ياسين» من الخارج وقد تغيّر كليا. وبعدما عاد «ياسين» إلى مهجره الدراسي بدأت تنشط المراسلة بينه وبين «حسان»، فأطلعه على «تاريخ الأرض منذ أن صنعها الشيخ علي البحراني»‹4›. لكن تلك الرسائل كانت وراء اعتقال «حسان» بتهمة «خيانة الأمانة»، بالرغم من أن «ياسين» ادّعى ادعاءات فكرية بحثية تؤكد اعتكافه على تقصي المعلومات النوعية التي لم يسبق نشرها.
بعدما فُصل «حسان» من وظيفته بالمحكمة اشتغل صحفيا يقوم بالتحقيقات، فتعرض مرة ثانية للاعتقال بسب اعتراف «ياسين» عليه بتزويده بأرشيف المحكمة. لهذا بدأت أزمته وانحداره الأخلاقي، لكنه التحق محاسبا بالبنك بوساطة من «نرجس» زوجة «ياسين»، فصار يمارس معها المحرّم إلى أن غدت حاملا منه، حينما كان «ياسين» في السجن، فاستفاد من معلومات «عبدالمحسن» التي دلته على الكنوز الدلمونية. إنها الكنوز (تماثيل، عقود، لؤلؤ دلمون المتحجر) التي رفعت «ياسين» إلى مَصاف الشخصيات البارزة، ودفعت بـ«حسان» إلى سراديب السجن مرة أخرى، بدعوى اختفاء خريطة مواقع الآثار الدلمونية. لهذا حين غادر «حسان» السجن استقبله «ياسين» بحفاوة، وبدأ مناورته من جديد كي يحصل على «خريطة الآثار» النفيسة المخبأة منذ عهد الدلمونيين العظام، فاهتدى إلى تزويجه ابنته «ندى» علَّها تنتزع منه الاعتراف بخرائط الكنوز (تماثيل، ذهب، آثار)، وقد تحقق ذلك بعدما اشتد تعذيب «حسان» من لدن جميع أفراد أسرة صديقه. بيد أن ما قام به «ياسين» سيصير تهمة ملفقة لـ«حسان»، كما أخبره ابنه «علي» من الزنى مع «نرجس»، بأنه «متهم بسرقة تماثيل بلد، وبيع ممنوعات، وتوزيع منشورات»‹5›.
تُتابع نجاحات «ياسين» على حساب إخفاقات «حسان»، لكن في لحظة إشراق نوعية يعود لحياة طبيعية، بعدما رُزق بطفلة من «ندى»، فكتب كتاب «لصوص القلعة» الذي لقي استحسانا من لدن القراء، لكنه كتاب دفع به إلى سراديب السجن مرة أخرى، بدعوى أن «الكتاب الذي أصدره المدعو حسان يوسف عن سرقة آثار قلعة الشمال هو بلا أدلة وتشهير غير مسؤول وغير مبرهن عليه»‹6›. وقد عانى «حسان» في سجنه المهانة والتعذيب، وحينما أُطلق سراحه وجد “العالم” من حوله قد تغيّر، لكنه عاد، بفعل الحاجَة المادية والمعنوية، إلى مساعدة «ياسين الفينيقي» الذي عينه رئيسا لتحرير جريدته الواقفة على حافة الإفلاس. غير أن ذلك لم يمنعه من التعرض لمكيدة جديدة، فبعدما رغب جملة من الشباب في الحصول على «الكنوز الدلمونية» اقتادوا «حسان» واحتجزوه كي يدلهم على خريطة المآثر، فاهتبل «ياسين» تلك الوضعية كي يضخ الأموال في رصيده البنكي، ويعلن أن «حسان يوسف» «أخذ أموال الإعلانات من العديد من الشركات والبنوك والمؤسسات الرسمية التي أعلنت في الجريدة خلال الفترة الماضية، ثم اختفى وهرب.. وتقدر الأموال المسروقة بحوالي مليون دينار»‹7›. وستزداد مأساة «حسان» حينما تفجرت المواجهة بين الشبان الذين يحتجزونه، وبين خصومهم الراغبين في الحصول على المآثر النفيسة، فألقي عليه القبض ووجهت إليه محكمة عسكرية تهمة الانضواء لجماعة إرهابية، إضافة إلى قضايا مدنية مختلفة: «سرقة أموال، وحيازة ثروة وطنية وإخفاؤها»‹8›.
يتضح أن النسق الجمالي والدلالي العام المؤطر لمحكي رواية «التماثيل» هو نسق (التوازي) (parallèle)، فتصير الوضعية الدينامية لشخصية «حسان يوسف» داخل الأحداث مقابلا ضديا للوضعية الدينامية لشخصية «ياسين الفينيقي». لذلك لا ينتج نسق التوازي النمو المتكامل للشخصيتين، بل نموا مفارقا لهما، فيتكرس الصراع بوصفه مبدأ جماليا ودلاليا يؤطر علاقات الشخصيات (خاصة ياسين وحسان)، ويفضي بها إلى الانتصار أو الانكسار، باعتبارهما مستويين يمثِّل كل واحد منهما كوْنا دلاليا مفتوحا على تنوع المدلولات.
يظهر أن رواية «التماثيل» لـ عبدالله خليفة تستدعي مقولتين رمزيتين متلازمتين جدليا، الأولى دالة على الانتصار، والثانية معبّرة عن الانكسار. لهذا سنبرز الدلالات الرمزية التي تنفتح عليها المقولتان السابقتان، والجماليات البانية لتلك الدلالات، انطلاقا من التأويل بوصفه (قراءة ماكرة ليست غايتها أن تفرض معنى محددا على النص بل تقترحه عليه)‹9› كما يلي:
2 ـــ «التماثيل» : مستوى الانتصار:
يتشكّل (الانتصار) داخل النص الروائي «التماثيل» عبر دينامية تخييلية أساسها جمالية (التعرية)، لأن الانتصار يضمر مشروعا رمزيا قادرا على تعرية المسكوت عنه في امتدادات الشخصية داخل محكي الرواية، سواء كانت أفعالا، أم مواقف، أم حالات.
من زاوية تصنيفية، واعتمادا على نسق التوازي، يمكن اعتبار شخصية «ياسين الفينيقي» هي المقترنة بمتخيل الانتصار. بيد أن انتصار تلك الشخصية يكرس واقعا مخترقا بالمآسي، ومؤطرا بانحدار قيمي وأخلاقي، وموجها بسلطة وعلاقات. لهذا يغدو الانتصار مفارقا لحقيقته الدالة على النمو التطوري للشخصية، فيصير الانتصار عنصرا رمزيا يعري زمنا يعمّه الانحلال والنمو الارتكاسي، وواقعا يحتضر ويتجه نحو موته الحتمي. لهذا يمكن بناء شبكة دلائلية متنوعة يفصح عنها تأويل مستويات الانتصار المضمرة، أو الدلالات المتضمنة والمحتملة داخل هذه المستويات، ومن أهمها:
■ انتصار (المثقف) المزيف: أو انحراف الكلمات والحروف
يقول «ياسين الفينيقي» متحدثا عن تجربته بالمهجر، وموجها الحديث لصديقه «حسان يوسف»: «هناك وراء الحجر والأسلاك الشائكة يوجدُ النورُ. لو أنك رفعتَ رأسك قليلاً لرأيتَ سحبَ العصافير التي تعبرُ للحقولِ الخضراء ، في هذا المدى وجدتُ الرسالة، سطورها من عزرا باوند وإليوت، هناك كلمتني الملائكة وقالت لي كونَّ سرباً من النوارس، أمحو هذا الرمادَ الشرقي وشواهدَ القبور والعباءات، هناك تعلمتُ الكيمياءَ ورأيتُ النساءَ حرات، في تلك الأزقةِ التحمتُ بوجوهِ الشعراء والكتابِ وأصبحتْ لرسالتي حروفٌ وكلمات . .»‹10›. إنه مقطع سردي يحمل رمزية التناقض الصارخ بين فضاء الوطن المسيّج بالقيود (الأسلاك) والثقيل بالإكراهات (الحجر)، وبين فضاء المهجر المنير (النور) المنتج للحرية، فتشتعل الذات المثقفة وتنبعث من رمادها و«أرضها الخراب»، وتتحرر من قبرها وتقاليدها البالية. وهذا يسمح للذات بأن تبني (المثقف الحقيقي) والحر، فيصير الكلام مسموحاً به، والتعبير لا خطوط تحده أو رقابة تمنعه. إن ذلك ينتج سببيا إبداعا وفكرا تؤطره جمالية التأثير، لأن المثقف له رسالة وغاية ومعنى، فيتجلى جزءا من نسق سوسيوثقافي يعطي أهمية للأدب والإنتاج الثقافي (رمزية الحروف والكلمات)، ويجعله أحد عناصر صناعة التوجيه وإصلاح الخلل.
وتفصح نبرة «ياسين الفينيقي» التوجيهية (هناك..) والانتقادية (لو أنك..) والتوصيفية لشكل الحياة في المهجر عن ولادة مثقف حقيقي، ستكون عودته للوطن منطلقا لتأسيس فعل ثقافي قوامه التغيير من جهة، وأساسه التعالي على التبعية لمؤسسات التدجين من جهة ثانية. بيد أن تطور أحداث الرواية أفصح عن ولادة (مثقف مزيف)، فكانت الانتصارات حليفه، لأنه دشن شهرته الثقافية بخذلان صديقه «حسان»، حينما اتخذ «الادعاء» آلية لتشييد صورة المثقف الباحث والنوعي المحب لوطنه والمنقّب عن تاريخه: «حين عدت لقراءة الجريدة المحلية فوجئت بحلقة يكتبها ياسين عن «الأرض الخراب».. كانت صفحاتي وشخبطاتي وأسطري نفسها مع مسحة تزويقية صغيرة هنا وهناك، وعناوين مبتكرة وادعاءات فكرية بحثية من قبيل (إن المؤلف عكفَ عدة سنوات على تقصي هذه المعلومات ورجع إلى مراجع كثيرة وغاص في بطون التاريخ، ولم ينشرها إلا بعد التأكد الدقيق منها)» ‹11›. إنها عفونة (المثقف) الذي يرسم شهرته الثقافية على جهود الآخرين، إنها الدلالة الرمزية لمجتمع منحط يقدم فيه الكثير من المثقفين دروسا في الانتهازية، فيبدو (المثقف) كائنا معرفيا ينتصر لثقافة البريق والشهرة، ويهندس مساره بسلطة الخديعة ومنطق الادعاء والتهافت.
وبهذا تضيء شخصية «ياسين الفينيقي» داخل رواية «التماثيل» عالما رمزيا معاصرا قوامه (المثقف) الحربائي؛ فهو أولا إنسان يمتهن الثقافة، مما يمكنه من حياة مريحة ماديا، ومن حركية دائمة فيزور المؤسسات الثقافية الكبرى، ويجني الجوائز المشبوهة، ويقترب من منابع السلطة. وهو ثانيا مثقف لا يبني مجده بالمعرفة والفكر، بل بالمال والثروة، أو بنظام العلاقات السلطوية. لذلك يخاف من ضياع مجده الثقافي إذا ضعفت علاقاته القوية، أو نضب مورده المالي المحرم (التماثيل المسروقة في الرواية). وبهذا يمثل «ياسين» نموذجا رمزيا للمثقف المزيّف الثري والسلطوي؛ حيث يتحدد وضعه الثقافي بثروته وعلاقاته، وليس بثورته والتصاقه بقضايا الجماهير وبوضعه الثقافي وإنتاجه المعرفي. لذلك يبدو «ياسين» خائفا على مكانته الثقافية، وما يستتبعها من مكانة اجتماعية ووضع اعتباري، حينما يعتزم «حسان» فضح امتلاكه «تماثيل» تراثية مسروقة، فيخاطب زوجته قائلا: «بعد هذه الحياة المرفهة والسفر وحضور الاحتفالات في السوربون واليونسكو والحصول على الجوائز الثقافية العالمية والأكل مع رؤساء الدول في مآدب واحدة، ندع هذا المراهق [حسان] يفسد كل شيء»‹12›.
يظهر أن «ياسين الفينيقي» لا يتحدد بثقافته، بل بوضعه المادي. لذلك يتراءى لنا هذا التصنيف (الثري – المثقف) بوصفه رمزا لفئات اجتماعية تنتصر لثقافة اليافطات الرمزية، لأن بعض الأثرياء، وليس الكل، يحاولون بطرق غير مشروعة تسويق صورة المثقف. وهذا يجعل (الثقافة) يافطة تبعد أو تؤجل إمكانية التساؤل عن أصول الثروة، بالنظر إلى الوضع الاعتباري والرمزي للمثقف اجتماعيا وأخلاقيا. غير أن هذه الصورة الذئبية للمثقف قد تظهر جلية في اعترافاته المحكومة بمجاراة السلطة، والخضوع لبريق المال وسلطة الجشع، والإذعان لقيم المكر والتحايل، يقول «حسان» في هذا المقطع السردي: «ياسين يرسل لي رسالة يستهزئ بوجودي كله:
ــ حصلت على قلادة وطنية كبرى وجائزة دولية، فماذا حققت أنت؟.. طريقي طريق التحايل وخداع الحاكمين والبصق في وجوههم سراً، والضحك على عقولهم، وسلب أموالهم، وتجسيدهم في صور كاريكاتيرية وتقبيل أيدهم ظاهرا، والأصل في الباطن»‹13›. يظهر «ياسين» مثقفا ذكيا ومخادعا، ولكن عمق المقطع ومدلولاته الرمزية تعبّر عن (مثقف) انتهازي تحكمه إيديولوجية الثروة والشهرة (قلادة، جائزة). ناهيك عن كونه (مثقفا) غير فاعل في مجتمعه، حيث لا شيء يرجى من مثقف مخادع متحايل ينغمس في المال المجني من تقبيل الأيادي، فتتعطل لديه السلطة المعرفية التي تغلّب الانتقاد المباشر (ما جدوى البصق في الوجوه سرا؟)، وتتقوى لديه ملَكَة رصْفِ كلام زائف لا محالة يكرس رمزية الثبات السلطوي في (صور كاريكاتيرية) تتكرر باستمرار، ويجسد الانفصال الداخلي المرضي لهذا الصنف من المثقفين.
إن مثقفا مزيفا مثل «ياسين الفينيقي» يعدّ راهنا نموذجا رمزيا للإنسان المثقف المنتصر للخطابات الزائفة، مما ينتج عنه، لزوما، هزيمة مدوِّية لهذا (الإنسان) حينما يكتشف معالم الزيف المتعددة المشكلة لكينونته ووجوده؛ وهو ما تعبر عنه رمزية الضياع والتّحلّل في قول «ياسين الفينيقي» التالي: “أين ذهبت كتبي؟ اختفت؟ تحللت في المكتبات دون أن يشتريها أحد”‹14›.
■ انتصار سلطة القناع:
يرى «فولفغانغ إيزر» (أن القناع بمثابة قناة يمكن بواسطتها تجاوز المحظور) ‹15›. ينطوي القناع، إذا، على جمالية امتلاك جرأة الخوض في المحظور، وعلى الاحتفاء بسلطة المبادرة المؤجلة حينما تكون الذات غير مزيفة بالأقنعة، وعلى الارتياح لإرادة التحول الدائم للذات والعالم من حولها. لهذا ثمة دلالات متعددة تؤطر (انتصار القناع) في رواية «التماثيل»، بناء على مداخل جمالية مختلفة. إن القناع، هنا، أداة فنية تعمّق الوعي برمزية الانحدار الإنساني الذي يوحي به محكي الرواية، انحدار يتخذ مستويات مختلفة ومتعددة، فيتكرّس الاختلال الفردي والجماعي، وتتعمق تراجيدية الكائن البشري في واقع نصي وخارج نصي مختل.
يتجلى ذلك أولا في انتصار القيم الذئبية، فتسيطر على الشخصيات قيم المكر، وتتأسس العلاقات على الخداع: «قلْ شيئا آخر يا صديقي، كيف لم أفهمْ إنك بالونة منفوخة من أكسيد الكذب»‹16›. إن انتصار قيمة الكذب خلخل العلاقة بين الأصدقاء الأعداء، وجعلها مبنية على الرغبة في مَحْوِ الآخر كي تتحقق كينونة الأنا، وهو ما تعبر عنه الاستعارة الحيوانية في قول السارد: «سأبتعد عن دروب العظايات والضباع»‹17›، واللوحة التشبيهية التالية: «ياسين حيّة أسطورية، سمها كالمحيط»‹18›. إنه منطق الصراع الحيواني، حيث يتراجع قانون اللغوس (العقل) فاسحا المجال لسلطة الغرائز، فتتعمق جمالية الانحدار الإنساني.
وتتجلى رمزية الانحدار الإنساني ثانيا في تراجيدية التّعهُّر، لأنها تنتج واقعا نصيا، يحيل على واقع خارج نصي، تهيمن عليه سلطة القناع التي تجعل الصديق يمارس المحظور مع زوجة صديقه. بيد أن النذالة تأخذ طابعها التراجيدي المثير حينما يرتدي الزوج قناع الجهل بسفالة صديقه، بل يرى فيه (بديلا) له أثناء غيابه، مع ما يوحي به ذلك من مأساة الوعي بعلاقة التعهر التي تجمع الصديق بزوجة صديقه: «وإذا به ذات يوم يتصل بي ويقول بحماس:
ــ أين أنت يا أخي؟ تركتَ بيتك الذي كنتَ فيه تعيش؟ نرجس وندى يفتقدانك كثيرا. أنا لا أستطيع وحدي إدارته.
ما هذه السفالة؟ أي وغد هذا؟»‹19›.
ويظهر انتصار الاختلال والزيف ثالثا في هيمنة سلطة النفوذ والمال، فصار النص الروائي مفتوحا على دلالات هيمنة (المادة) على نظام العلاقات الإنسانية، وتحكمِّه في بناء صورة الشخصية ورسم معالمها: «انظر كيف كان ياسين مناضلا عانى سنوات طويلة ثم باع نفسه بدنانير»‹20›. يوحي هذا بثبات السلطة القائمة على تدجين (المناضلين) ذوي النفوس الضعيفة عبْر سلطة المال، فيصير الكائن البشري ذليلا أمام أعتاب السلطة والثراء، ومهزوما ومنهزما أمام الناس البسطاء والشرفاء. لذلك تنتصر نذالة الإنسان، وتشمخ حقارته، ويتقوى انبطاحه، حينما يرى الإنسان الحقير نفسه أمام المرآة دون أقنعة: «أمضي أنا ياسين العبقري وأصير ضفدعة في مسرح، وأنبح مثل كلب على باب قصر، وأغدو حيَّة في التجمعات الغاضبة»‹21›.
يتضح أن انتصار سلطة القناع يجعل رواية «التماثيل» توحي بانتصار زمن عربي انقلبت فيه المعايير، فصار الكائن البشري مخذولا في محيط تتهدم فيه القيم، وكائنا محكوما بتحوُّل ارتكاسي يعبّر عن الرؤية الحربائية للكثيرين تجاه الحياة والوجود، وعن ذوات تعيش أعطابا نفسية وفكرية أساسها التعدد في الوحدة، بوصف ذلك صفة سلبية، وإن كان (تجاوز المرء لذاته من خلال القناع يساعد الذات بأن تكون دائما مع نفسها بطريقة مختلفة)‹22›.
3 ـــ «التماثيل»: مستوى الانكسار:
إن الانطلاق من (مبدأ التكاملية) الذي يوحي ضمنيا بمؤامة الأضداد‹23›، يسعف في القول إن مستوى الانكسار داخل رواية «التماثيل» يتموقع في مسار مضاد لمستوى الانتصار، بيد أنه مكمّل له. ولهذا فإن الانكسار لا يمكن تبيّن دلالاته وأبعاده إلا من خلال الانتصار؛ فإذا كان هذا الأخير تؤسسه جمالية التعرية، فإن الانكسار داخل رواية «التماثيل» تبنيه جمالية الفضح. إن ما نقصده بهذه الجمالية هو أن انكسار شخصية «حسان يوسف» دال على إنتاج عالم رمزي يفضح الكثير من المكونات المجتمعية النصية والخارج نصية. ولا يقتصر الانكسار على الشخصية بل يصير فعلا دالا يمكِّن من فضح العالم الممكن بإبدالاته المختلفة. لذلك يشتغل الانكسار نصّيا بوصفه حالية مفضية لانهزام متعدد الشكل والهوية. وهذا ما يمكن إبرازه في ما يلي:
■ انكسار الهوية:
إن التراث الدلموني العظيم بالبحرين هو هويّة تعدُّ نتاج مجهود إنساني كبير، مما أهّل مملكة دلمون للتميُّز الحضاري، وبلوغ أوج ازدهارها كقوة سياسية واقتصادية مستقلة في الفترة ما بين 2000-1700 قبل الميلاد‹24›. إنه ازدهار أنتج تراثا غنيا في شكل آثار عظيمة: أواني مرمرية رائعة الصنع، وخرز اللازورد ومواد نحاسية أخرى‹25›..، لا محالة تتميز به مملكة البحرين عن غيرها من الأمم. بيد أن هذا التراث النفيس تقدمه الرواية بوصفه علامة رمزية، لكنها مهددة بالإنسان المنحرف:
«ــ ما هو عملك؟
ــ أبحث عن الآثار، وأخبئها من اللصوص ولدي كنز…
ــ أي آثار لديك يا عبدالمحسن ولماذا لا تسلمها للدولة؟
ــ إنهم يسرقونها ويبيعونها في الخارج»‹26›.
إن رمزية اللصوص وفعل السرقة تكمن في غياب أي روح وطنية، فتغدو السرقة فعلا رمزيا تتجرد بموجبه الذات السارقة من هويتها، ما دام التراث جزءا من كينونة الذات، وأحد عناصر تميّز الوطن. إن السرقة واللصوصية فعل عبثيّ يَنِمّ عن غياب وعي حقيقي، لدى الكثير من الفرقاء الاجتماعيين، بأهمية التراث الدلموني. وبالتالي فرغبة العديد من الذوات النصية (ياسين الفينيقي مثلا) في الاستفادة من تماثيل الآثار القديمة يعبّر عن أمرين؛ غياب وعي بالخصوصيات المميزة للجغرافية المحلية (البحرين) على المستوى التاريخي، وحضور الرغبة في مَحْو الهوية المحلية عَبْر بيْعِ التراث الذي يبدو مداهما بخسارة كبرى. ولذلك قد يكون نجاح الذات مرهونا بانكسار الهوية وخسارة التراث: «فتعالْ يا حسان إلى هذا المسرح.. دعني أتسلل إلى خلاياك الصامدة النائية، أرى تلك التماثيل الذهبية، أسطو على واحدٍ منها أو إثنين أسدد ديوني وأصنع شحما لعظام نرجس التي كنتَ تحبها مثلما أنا أحببتها»‹27›.
تتحدد الهوية، إذا، عند البعض بقيمة ما يدلُّ عليها، وليس بطابعها الرمزي والإنساني الممتد في الحاضر منذ آلاف السنين، فما لا يدمره الزمان يهدمه السلوك الأرعن (السرقة، البيع). إن التراث الوطني عند الكثير من الذوات النصية، حيث «هناك كنوز مخبأة ثمة خرائط، ثمة آثار وتماثيل وذهب منذ عهد الديلمونيين العظام»‹28›، لاتهمُّ رمزيته، ومكانته بصفته هويّة للكائن البشري البحريني، بل تفيد قيمته المادية، مما يعبّر عن انهيار للروح الوطنية، وانكسار للتمثل الإيجابي للهوية. لهذا فإن رواية «التماثيل» تتموقع ضمن ما يسميه د. «فيصل دراج» بـ(الرواية – الشهادة)‹29›، التي تقربنا، بمنطق الشهادة الفنية، من عالم إنساني انتصرت فيه الماديات على الأمور المعنوية، فانكسرت الهوية وبات التاريخ المشرق عرضة للزوال.
تحوِّل سلطة المال، إذا، التراث الوطني إلى «بضاعة ثمينة»، فيشتدُّ التنافس والصراع بين الذوات النّصية للحصول على تلك “البضاعة”، لكن ليس لحفظها من الضياع، بناء على وطنية سامية تهدف صوْن كل مكونات الهوية، بل للاستفادة منها وفق منطق الأولوية المادية: «نريدك أن تدلنا على مواقع الآثار المخبأة كلها. هذه ورثة المرحوم ولابد أن تنتقلَ لنا. نحن أهله وأصحابه»‹30›. يظهر أن الهوية التاريخية والتراثية (الآثار) مهددة بالضياع، ومحاطة بذوات راغبة في تشييد نسق الأنانية المفرطة، مما يوحي بالتعايش مع التراث النوعي للوطن عبْر بلاغة الضياع والتفريط. وكأن الروائي «عبدالله خليفة» في هذه الرواية يفضح المآل المؤسف الذي سيعرفه، أو يعرفه، التراث الدلموني العظيم في مملكة البحرين، كما يفضح الجماعات والأفراد العابثين بذلك التراث، لأنهم يفتقرون إلى روح وطنية عالية وهوية مكتملة، مما يعرضهم لمأزق وجودي وأخلاقي، هوية ناقصة، أو شعور بالذنب بعد ضياع الآثار التاريخي النفيس.
■ انكسار القيَّم:
صاغ «فلاديمير كريزنسكي» تمثيلا شجريا لمختلف النمذجات التي تتآلف بينها لإنتاج نص الرواية‹31›، فتبيّن من ذلك التمثيل أن (النمذجة القيمية) (modélisationaxiologique) أحد العناصر (النمذجات) المساهمة في بناء نص الرواية. وبهذا المعني يكون العنصر القيمي حاضرا في الرواية بما يلائم طابعها الجمالي من جهة، وخاصيتها المركبة من جهة ثانية. لذلك تتجلى القيَّم نصيا عبْر علامات نصية دالة وقابلة لقراءات مختلفة ومتعددة؛ قراءات تأخذ بعين الاعتبار الطابع التكاملي للنمذجة القيمية مع غيرها من النمذجات المنتجة للنص الروائي، وتمكّن من الحكم على تطوّره، لأن (فعالية تطور الرواية تقاس بوظيفة التوازن الدينامي للنمذجات المُدمَجة في الإنتاجية النّصية)‹32›. فكيف تتشكل القيم المنكسرة في رواية «التماثيل»؟
يتحدد البناء الجمالي والدلالي للقيم النصية في الرواية بما يناسب المتخيل النصي، لأن (خلق وقع جمالي ما هو نتاج القدرة على إعادة صياغة القيّم وفق مقاييس جديدة أو ضمن أشكال جديدة أو انطلاقا من رؤية فكرية أو وجدانية)‹33›. بناء على ذلك تتجلى نصيا معالم الاحتفاء بانكسار القيّم الوجودية، بوصفها قيّما يتحول بموجبها الوجود الإنساني إلى حالة من الضياع. وقد يصير الكائن البشري سجينا أو ميتا موتا رمزيا، فيزامل الموتى حيّا ويشابه السجناء في صورة رمزية تتأسس على جمالية التناظر؛ حيث يتساوى القبر ومقر العمل: «أنزل في سرادبَ وأدخلُ القبو، لتتقطع بي العلاقات بالصوت والنور والأجسام، لتبدأ علاقتي بالأصداء والعتمة والأشباح»‹34›. وقد يتشابه السجن ومكان العمل (البنك)، بيد أن السجين يطمح للحياة، في حين موظف البنك (حسان) يبدو «ميّتا» (محنطا) أو سائرا نحو موته الحتمي دونما أمل أو طموح: «وجدت نفسي عداد نقود قابعا في إحدى زنازين واجهة المصرف.. مطلوب منك أن تبتسم دائما وأنت محنّط ، تحركُ كل هذا الطابور وتغذيه بالحياة الورقية هذه، وأنت تسحبُ منك الحياة كل يوم»‹35›.
تغذي هذه الوضعية الوجودية سببيا وجودا معيشيا مُرعبا، مما يؤثر على نظام العلاقات الاجتماعية، فتنكسر قيم الصداقة والأخوّة والأبوّة. لهذا فالأُسرة تنبني علاقات أفرادها على معطيات مادية، وليس على معيار القرابة، في إشارة رمزية إلى تحكّم المال في كثير من قيّم العلاقات الاجتماعية التي يجب أن تتعالى على ذلك. يقول «حسان» متحدثا عن أفراد أسرته حينما بدأ العمل في قسم الأرشيف بالمحكمة: «أول نهار عمل، كان أخوتي وأمي وأبي في لحظة تجلٍّ تاريخية، أحاطوني من كل جهة، ونظروا لثوبي.. وأعطوني عطرا وورقة مالية صغيرة، بعد أن قدّموا لي لأول مرّة فطورا، ولم يتعاركوا معي»‹36›. إنها علاقة معقدة بين الأسرة، تدمّر القيم الإنسانية النبيلة، وتبني بدلها القيم التبادلية المادية التي ترهن كل علاقة أسرية بما هو مادي خالص. أما الصداقة فتصير جزءا من علاقة قائمة على الخداع والاحتيال، وهو ما تعبر عنه رمزية «الذئاب» و«الحيات» في قول السارد: «ليست لدي قدرة على مجاراة عائلة الذئاب هذه. ندى حسبتها كائنا ملائكيا تعود بأصولها إلى الحيات»‹37›.
هكذا ترسم الكثير من العلامات النصية المشكلة لمرجعية رواية «التماثيل» انكسارا مهولا لكثير من القيّم الإنسانية السامية والنبيلة. لكن ما نود الإشارة إليه هو انكسار القيم المعرفية؛ ونقصد بها القيم التي تجعل الكائن البشري النصي يدرك حدود تحركه، وتحرك الفرقاء الاجتماعيين الذين يتعايش معهم، مما يساهم في انتصار السذاجة وانكسار الذكاء. وتعتبر شخصية «حسان يوسف»، في بعض امتداداتها الفكرية، تمثيلا دالا لقيم السذاجة المفضية لانكسارات شتى: «أين أوصلتني السذاجة؟ بعد هذا العمر عَليَّ أن أتعلّم»‹38›. إن التعثر الكبير لـ«حسان» ناجم عن سذاجته، فيتجاوز خطأ بخطأ فادح أكثر تدميرا للذات. إن الوعي بالسذاجة في السياق النصي للرواية ينفتح على مقولتين: حكمة العقل تعصم الإنسان من الزلل وتقيه الشرور والانهيارات المتتالية، وإرادة الخديعة التي تؤسس كينونة الكثير من الذوات النصية والخارج نصية الاجتماعية تهدم الآخرين وتجلب لهم الهم والمآسي. لذلك فالذكاء انتصار على حياة تتبدل باستمرار، والسذاجة انكسار أمام المبادرات الإنسانية المُدمِّرة والمبنية على «منطق» المنفعة وسُلّم الانتهازية.
■ تركيب:
خلاصة القول إن الروائي عبدالله خليفة بنى روايته «التماثيل» بحس فني متميز على جمالية التوازي بين الانكسار والانتصار، حيث أنبنى الانكسار في رمزيته الراهنة على ضعف الهوية، وتراجع الحس الوطني، والارتكاس القيمي، والقلق الوجودي. بينما تأسس الانتصار على الادّعاء والنفوذ والانتهازية. من هنا تصير المفارقة بين فعلي الانتصار والانكسار إحدى الخصائص الجمالية للتخييل في رواية «التماثيل». بيد أن ذلك لا ينفي الامتدادات الرمزية للانتصار والانكسار داخل النص الروائي وفق بنية سببية، فيصير الانتصار نتيجة الانكسار أو العكس، مما يجعلهما عنصرين متلازمين تعبّر عنهما رمزيا بعض المعطيات النصية مثل الشخصيات، فيظهر «حسان» المنكسر، ويتجلى «ياسين» المنتصر: (كان هو «ياسين» يتقدم في المسرح المُضاء.. كنت في هوة الظلام)‹39›، (ياسين شكلي الآخر، شبحي الواقف ورائي) ‹40›.
________________________
ناقد من المغرب‹1›- عبدالله خليفة، التماثيل، رواية، الدار العربية للعلوم- الاختلاف، بيروت – الجزائر، ط1 ، 2007.
‹2›- التماثيل، ص: 7 .
‹3›- التماثيل، ص:14 .
‹4›- التماثيل، ص:25 .
‹5›- التماثيل، ص:109 .
‹6›- التماثيل، ص: 126.
‹7›- التماثيل، ص: 173.
‹8›- التماثيل، ص: 180.
‹9›- د. حميد لحمداني، القراءة وتوليد الدلالة: تغيير عادتنا في قراء النص الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت ،ط1 ، 2003، ص: 91.
‹10›- التماثيل، ص: 25.
‹11›- التماثيل، ص: 29.
‹12›- التماثيل، ص: 84.
‹13›- التماثيل، ص: 130-131.
‹14›- التماثيل، ص: 140.
‹15›- فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي من منظور الأنطربولوجية الأدبية، ترجمة: د. حميد لحمداني – د. الجلالي الكدية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1 ، 1998، ص:89 .
‹16›- التماثيل، ص: 30.
‹17›- التماثيل، ص: 146.
‹18›- التماثيل، ص: .144
‹19›- التماثيل، ص: 71.
‹20›- التماثيل، ص: 140.
‹21›- التماثيل، ص: 98.
‹22›- فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي من منظور الأنطربولوجية الأدبية، مرجع مذكور، ص:97.
‹23›- تيودور زيولكوفسكي، أبعاد الرواية الحديثة، ترجمة: د. إحسان عباس وبكر عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1 ، 1994، ص:41.
‹24›- هاريت كرافورد وآخرون، مستوطنة سار ودلمون المبكرة، ترجمة وتحقيق: خالد السندي وعلي يعقوب، البحرين الثقافية (مجلة)، البحرين،عدد 15، السنة الرابعة، يناير 1988، ص:7.
‹25›- نفسه، ص:10.
‹26›- التماثيل، ص: 46.
‹27›- التماثيل، ص: 98.
‹28›- التماثيل، ص: 99.
‹29›- د. فيصل دراج، الرواية وتأويل التاريخ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت، ط1 ، 2004، ص: 213.
‹30›- التماثيل، ص: 160.
‹31›- W. Krysinski, Carrefours du signes: Essaissur le roman moderne, Mouton étideur, La Haye, Paris- New York, p: 5.
‹32›- Ibid, p: 49.
‹33›- سعيد بنكراد، النص السردي: نحو سيميائيات للإيديولوجيا، دار الأمان، الرباط، ط1 ، 1996، ص: 56.
‹34›- التماثيل، ص: 13.
‹35›- التماثيل، ص: 54.
‹36›- التماثيل، ص: 15.
‹37›- التماثيل، ص: 110.
‹38›- التماثيل، ص: 165.
‹39›- التماثيل، ص: 120.
‹40›- التماثيل، ص: 147.
__ATA.cmd.push(function() { __ATA.initDynamicSlot({ id: 'atatags-26942-62e98356e3569', location: 120, formFactor: '001', label: { text: 'الإعلانات', }, creative: { reportAd: { text: 'الإبلاغ عن هذا الإعلان', }, privacySettings: { text: 'الخصوصية', onClick: function() { window.__tcfapi && window.__tcfapi( 'showUi' ); }, } } }); });

