عبـــــــدالله خلــــــــيفة: سذاجةٌ سياسيةٌ

سذاجةٌ سياسيةٌ

تدهورَ الوعيُّ النقدي التحليلي الموضوعي، فصاروا سياسيين سُذجاً.
يغدو الشرقُ مثل الغرب، واليسار مثل اليمين، والوطنيةُ مثل الطائفية.
ليبراليٌّ لا تمتدُّ ليبراليتهُ لتحليلِ الرأسمالية الحكومية التي تمنعُ تطورَ ليبراليته الشاحبةَ الشعارية إلى وعي ديمقراطي متغلغلٍ في البناء الاجتماعي السياسي، فهي ليبراليةُ المنافع الخاصةِ المحدودة المدفوعة الثمن.
الديني لا يعرفُ الإسلامَ وجذوره وفرقه وثقافته ويوجه الأوامرَ السياسية إلى(الشعب).
الماركسي لا يزال يحفظ المعلبات الروسية وقد أهترأت ولم يُعدْ النظرَ في دراساته وتعليبه.
المنهجُ اللاجدلي سائدٌ؛ مع النظام ضد المعارضة، مع المعارضة ضد النظام، مع الإصلاحات والسكوت عن كشوف المال العام المخرومة، مع الديمقراطية والعنف، مع الديمقراطية وهيمنات الأقليات السياسية الاجتماعية، مع النيران المشتعلة ومع تطوير البلد، مع الأغلبية والأقلية أيهما يدفع، مع التهييج والتخريب والإصلاح أيهم يرفع.
في هذا الاهتراءِ السياسي الشعاري يكمنُّ إنهيارُ عمليات الوعي خلال عقود، الكُتاب الذين شاخوا صاروا مثل الكتاب الشباب، ليس ثمة مقاييس، وليس ثمة تراكمٌ للوعي الوطني، فالاهتمامُ بالسياسة اليومية وتحريكها في ظل مناخات نفعية، صراعية، على مستوياتٍ عدة متناقضة، تدفع بالقادرين إلى إستغلال أي مادة وتوظيفها في الدعايات.
تحول الكاتب إلى دعائي، والقادرون يريدون الدعاية لا البحث عن الحقيقة ومعرفة المشكلات وتغييرها فهم أسرى لوضعهم المعقد.
الكتاب والمفكرون والأدباء والفنانون أُحبطوا على مدى عقود وتآكلت كتاباتُهم وأعمالهم بسبب الرقابات والحصارات والمشكلات المادية، ولهذا فإن أية قامات قصيرة متقزمة تستطيع أن تصارعهم وتحصل على الأضواء ويشار إليها بالبنان الملون.
هم أيضاً كانوا يتآكلون فكرياً إبداعياً، والإبداع يريد حواراً دائماً مع الواقع، مثل هذه الظروف تدفع إلى إختلاط المقاييس وضياعها، وحين تتحول هذه إلى ميدان السياسة تغدو كوارثَ، فالشباب المسيطر على التيارات السياسية هو من هذه التُربِ المدَّمرةِ معرفياً، المؤدَّلجةِ الشعارية المتعصبة، وشيوخُ التياراتِ والمعتقون فيها هم كذلك تآكلتْ أدواتُهم التحليليةُ المعتمدة على الشعارات بالصور السابقة؛ مع الشرق ضد الغرب، مع الاشتراكية ضد الرأسمالية، مع الإسلام ضد الكفر، وهذه العقلية لا تستطيع أن تواجه وضعاً معقداً مركباً، صار أكثر وعورة من التاريخ السابق، لأنه غدا متطوراً أكثر، يتطلب معرفةً واسعة، ومجموعة من العلوم مواكبة، ولكن الشباب تركوا الدراسةَ وضعُفتْ علاقاتُهم بالمعرفة وغدت الجريدةُ الصديقة هي التي تضخُ في عقلهم الشعارات والموادَ الصغيرة المهيّجة، والأخبارَ الفاعلة في الإصطدامات الطائفية الاجتماعية.
عقلية القداسة السطحية الانفعالية هي ذاتُ مصدرِ وحيٍّ واحد؛ أما وأما، مع أو ضد، فالحقيقةُ تأتي من جماعتنا، ونحن مرابطون ومتخندقون ولا نسمعُ ما يقولهُ الخصوم.
ويسهل في هذا المناخ المسموم تحرك أي قوى إنتهازية، والإصطياد، وتحول البعض لكتابٍ فجأة، وسياسيين بارزين للمعارضة وهم من أقصى اليمين المتصيد، أو يتحول اليساري المؤيد لجيفارا وحرب العصابات إلى ليبرالي وحصالة.
مشروعاتٌ حزبيةٌ وسياسية ثقافية وفكرية لم تكتمل، تشعرتْ ثم خَوتْ، ثم تراقصتْ على الحبال.
الأرضيةُ المحفورةُ بهذ الشكل يغيبُ عنها التراكمُ الاجتماعي الديمقراطي، فصراعُ الطوائف يعرقلُ تنامي البناءَ الاجتماعي صوب صراع الطبقات الديمقراطي المتصاعد نحو المزيد من التقدم، ولهذا فإن تيارات العمل السياسي لم يقدها مناضلون ناضجون، بعيدو النظر، أدركوا الفروقَ بين صراع الطوائف وصراع الطبقات، ولكيفيةِ البناءِ التراكمي الديمقراطي، وخلقِ الوحدةِ المؤدية للتنوع، لهذا تكون قراراتُهم الساذجة مدمرةً، وفجأة يُسكب الدمُ وتنهارُ مؤسساتٌ وتتفاقم حربٌ أهلية.
يحدثُ غيابٌ للتحليل المَوضعي للمشكلة المحورية، فلا تُفهم ما هي المشكلة المحورية، بل تتعدد مواقعها نظراً لمنهج السذاجة، ولتصادم عقليات السذاجات، لكون البناء الاقتصادي الاجتماعي غير مفهوم، وسيرورته غير مُدَّركة، وتحديد حل التناقض يضيع.
الرأسمالياتُ الحكوميةُ مسارُها الموضوعي إلى الرأسماليات الحرة بمخاطرها الجمة، وهذا يجري في موازين قوى كل دولةٍ بأشكالٍ مختلفة، وتفكيكُ الصلاتِ بين المال العام والمال الخاص هو بؤرةُ الموقف لكل مجتمع، وكل تيار له رؤية لهذا التطور، حين تنضج أدواته الفكرية السياسية، ويراكمُ المعرفةَ من تجارب القرن العشرين الخائبةِ الكثيرة والناجحةِ النادرة، ولهذا فإن هذا النظر يتحول من السذاجة المفتوحة على الانتهازيات المختلفة، إلى السير الموضوعي الوطني المتعاون من خلال أطراف عدة ذات مصالح مختلفة ومتوحِّدة لتجاوز مشكلات محورية تمثل عقبات التطور.
تجاوز السذاجة ومخاطرها بالدرس العميق والعمل التعاوني العريض.أفــــــــــــــق
عبــداللـه خلــــــــيفة

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 29, 2022 07:17
No comments have been added yet.