الفكرة ونارها : عبـــــــدالله خلــــــــيفة
الفكرة ونارها لا يمكنك أن تلغي الفكرة بالإجراء، بالموقف الإداري، أو حتى بالعصا!
الفكرة تقاومها فكرة، والكلمة تدحضها كلمة.
في العالم التقليدي الدينار يكبر الرؤوس والسياط تشل الألسنة، والكهوف تقوي الأبصار، ولهذا فإن جرجرة الصحف والكتاب للقضاء ومراكز الشرطة لن يفت في عضد الكلمة بل سيغمر أصحاب الدعاوى بالعار. الكلمة تنمو بالجدل، واحتكاك الكلمات وتصادم الأفكار يولد شرارات المعرفة.
ألا ترى صحفاً في العالم الشرقي المتكلس هي عبارة عن نشرة واحدة؟
ولم تحدث هذه الصحف عقلاً بل جهلاً وتصادماً وانهيارات؟
لقد تداخلت قوى التخلف والمحافظة خلال عقود لشل الكلمة وتحنيطها، وملء صفوفها بالمبتذل والسطحي، وبالتالي تجميد المجتمعات عن التطور.
مرت عقود منذ أن نشأت الصحافة البحرينية نشأة متفردة ترتقي إلى مستوى هام للصحافة العربية، فكانت سياسة وأدباً وتحقيقات عميقة وتشكيلاً لرموز ثقافية وطنية كبيرة كتاباً يصنعون كتباً في شتى الآداب والفنون لا معقوين بالكاد يفكون الخط.
ولهذا فقد ماتت كل الأفكار لأن الفكرة لا تستيقظ إلا بخلافها، والمطبوعة لا تتجلى بدون منافسها.
أما أن كل كلمة تستدعي ناطوراً، وكل مطبوعة تقف خلف سطورها كشافات الاستادات الرياضية فهي تغدو معوقة ونزيلة مستشفى عظام.
أما أن تتزايد القوى الأهلية التي تراقب الكلمة وتطاردها وتتفاقم تدخلاتها فهذا دليل على ضعف فكري لغوي سياسي، فلن يغير الفكرة الأجراء الإداري، أو الخطب العصماء في المؤسسات الأهلية الدينية التي كان ينبغي أن تنتج مثقفين ومبدعين ومتغلغلين في الثقافة العربية.
الفكرة شرارة تتغذى بالفكرة وتغدو ثقافة وعلوماً وحضارة، أما العصا فهي تصنع المستنقعات.


