عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية – خاتمة الجزء الثاني

سادسا ـــ العقل واللاعقل الدينيان

تشكل العقلُ الديني الإسلامي العام فوق تطورات اجتماعية مركبة متضادة، فهناك جهود لجعل البنية الاجتماعية في خدمة الإنسان، برغم إن هذه الجهود جرت في معية رموز غيبية عديدة، حيث لا عقل ممكن بدونها في ذلك الحين، ولهذا فإن كافة الرموز الغيبية والإرث الجاهلي المُعاد السيطرة عليه لخدمة هذه اللحظة المؤنسنة، توجهت لخدمة الأكثرية العربية، فحدث توازنٌ بين الإرث الغيبي الواقعي واللحظة التاريخية، فكأن التاريخ حينئذٍ يعبر عن عقل واقعي متحكم في سيرورته، وليس ذلك سوى مظهر لهيمنة الأكثرية على الثروة والمصير.
لكن هذه المسيرة اختلت عبر سيطرة الأشراف على العملية التاريخية، فلم يعد ذلك التوازن موجوداً بين العقل الديني العام وبين التطورات الاجتماعية، فتم نزع قدرة العقل الديني على خلق اللحمة بين النص والجمهور، وبين النص والواقع، ومع احتدام التناقضات بين الأقلية والجمهور فإنها ارتكزت على أشكاله الغيبية التي راحت تتوسع.
إن انهيار العقل الديني عبر فقدانه الأرضية الموضوعية لتماسكه، ومع تنامي العناصر الأشد تطرفاً في الغيبيات القديمة والمعاد اكتشافها وإنتاجها، فإن مرحلة جديدة قد تشكلت هي مرحلة اللاعقل الديني، وهي مرحلة الصوفية والإسماعيلية الخ..
إننا نلمح بدايات هذه المرحلة هنا، لكنها بعد لم تغدُ كلية وتحتاج إلى درسٍ معمق ومع كافة الطاهرات الجديدة المنوعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر:
(1): يقول أبن خلدون:[العلوم كثيرة والحكماء في أمم النوع الإنساني متعددون، وما لم يصل غلينا من العلوم أكثر مما وصل، فأين علوم الفرس التي أمر عمر رضي الله عنه، بمحوها عند الفتح، وأين علوم الكلدانيين والسريانيين وأهل بابل وما ظهر عليهم من آثارها ونتائجها، وأين علوم القبط ومن قبلهم، وإنما وصل إلينا علوم أمة واحدة، وهم يونان خاصة، لكلف المأمون بإخراجها من لغتهم واقتداره على ذلك بكثرة المترجمين وبذل الأموال فيها، ول نقف على شيء من علوم غيرهم]، [المقدمة، الكتاب الأول، ص 42].
(2): ( الموسوعة العربية العالمية، المصدر السابق، ص 489، جزء 16).
(3): (نلاحظ في ِتطور ثقافة معتزلة العصر العباسي الأول صراعاً مع شخصيات يهودية ومسيحية كما حدث لأبي هذيل العلاف في جدالهِ مع إحدى الشخصيات اليهودية، وهو أمرٌ يؤدي للاحتكاك والتأثر ولا شك).

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 11, 2022 18:29
No comments have been added yet.