عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية – خاتمة الجزء الثالث

ثانيا ؛ المركز والوسائط

الروحُ ، النفسُ الكليةُ ، العقلُ الفعالُ ، إن كلَ هذه التسميات كلها تشيرُ إلى الثقافة الفاعلة ، أي إلى التراكم المعرفي والإيديولوجي ، أي إلى الوعي بمختلف أشكاله وطبقاته المتراكمة عبر القرون . إن هذه الثقافة تغدو خارج شكلها التعبيري أولاً ، أي تغدو آلهةً وأرواحاً ونفساً كلية مهيمنة ، وغير ذلك ، وهذه التسمياتُ هي تمظهرٌ غيبيٌ ومفارق ، أي تتحول إلى أشكالٍ تعميمية من المطلقات التي تنفصلُ عن جذورها وبُناها الاجتماعية التي تكونت فيها ، وعن تجارب الشعوب وخبرات الفئات المختلفة ، فتترمزُ في مسمياتٍ كلية .
ومن هنا لا بد من إنتاجِ أنظمةِ معرفيةٍ تحددُ منشأ كلِ مصطلحٍ وطريقةِ نموه ، واستخداماته المتعددة في البُنى الاجتماعية التي يعبرُ إليها ويستقرُ داخلَها ليعبر عن دلالات سابقة أو لاحقة ، بل أن المصطلحَ في كلِ منظومةٍ فلسفية يتخذُ دلالاته الخاصة ، لكن هذا الخاصَ المتمظهر هنا أو هناك له العام الذي يغورُ داخله .
وقد وجدنا كسمات عامة إن هذه المصطلحات تتحرك بين قطبين كبيرين هما قطب العلة الأولى ، أو الإله المطلق ، كبدايةٍ للوجود ، وبين المادةِ الخام ، التي تجثمُ في العالم المادي كنهاية للوجود .
إن صورَ الإله المطلق هي نتاج سيرورة تاريخية كبرى تبدأ منذ تشكل الحضارة في بلاد الرافدين ومصر، وقد عبرت عن بروز الدولة ككائنٍ مهيمنٍ أعلى ، وقد جاء الدينان المشكلان عبر البدو وهما اليهودية والإسلام كاستثمار فكري لتلك التطورات الفكرية العريقة ، في حين جاءت المسيحيةُ من الأقسام الزراعية . وعبر المركزية الشديدة ، أو عبر التعددية الثالثوية ، فإن الإلهَ المهيمن غدا تعبيراً تجريدياً عن المؤسسات المركزية ، في حين حاولت القوى الوسطى ، بعد هذه الهيمنة المركزية المترسخة ، أن توجد كائناتٍ تجريديةً ، تعبرُ عنها ، وهذا ما تجلى عبر نشاط الأرواح والعقول والعقال الفعال وغيرها ..
إن هذا الحراكَ الكبير يشير أولاً إلى التناقض غير المحلول بين الفكرة والمادة ، بين الروح والجسد ، بين السماء والأرض ، بين الإله والإنسان ، بين المالكين والمنتجين ، بين الحكام والمحكومين ، بين جذور المعرفة وتراكمها ، بين الثقافة والعمل .
إن الروحَ المجردة هنا الأولى تشيرُ إلى الوعي البشري وهو يتصورُ نفسه خالقاً للعالم ، باعتباره كائناً استمرارياً ومسَّبقاً ومهيمناً على الوجود ، إنه يطرحُ ذاته كقوة مهيمنةٍ على الأشياء ، إنه يعكسُ ذاته في المطلق ، ويجعلها خالدةً صانعة . ولكن التصور هنا مرتبطٌ بنمو سلطةِ الرجل ، شيخِ القبيلة ، وسيطرته . وهذا أمرٌ يجعله امتداداً للحضارات القديمة ، التي عاشت لحظةً تأسيسية مثله – أي للشيخ – ، بمعنى أنه يعيدُ إنتاجَ الفكرة الدينية العريقة بأشكالٍ جديدة حيث هو يصنعُ الوجود ويصنعُ السلطات المتعاقبة المهيمنة على العالم والمادة ، أي أن شيخَ القبيلة يغدو استمراراً سلالياً لآبائه ، كإبراهيم ، أو تمرداً واستمراراً معهم . إن الانتقال من الحضارات القديمة إلى الحضارات الوسيطة قد ترافق مع الدور الكبير للقبائل الرعوية في الصحاري العربية والإيرانية والشمال أفريقية .
ولهذا فإن أشكال تجلي الآلهة القديمة الصانعة المطلقة للوجود تستمرُ في الحضاراتِ التالية ، تتمركزُ أو تتعدد ، أو تغدو ملموسةً ، أو مجردة ، متدخلة أو نائية ، حسب تطور المجتمع وثقافته وصراعاته ، فتشيرُ إلى إسقاطِ الإنسان ذاته على الوجود ، وجعل مقياسه مهيمناً على الطبيعة . لقد صنع الإنسانُ صورَ الإلهة على مقاسه .
وإذ تغدو صورُ الإلهةِ محوريةً وابتدائية لأنها بداية النسق الفكري – الاجتماعي الذي تحمله كلُ فئة وجماعة وتريدُ هيمنته على الآخرين أو المجتمع أو الأمم التابعة لها أو الطبقات المحكومة لديها .
وتتمظهرُ في هذه الصورة درجات تطورها وفهمها وشكل علاقاتها مع المجموعات الأخرى .
ورغم أن الفردَ و الجماعات يصيغون هذه الصورَ إلا أنها نتاج تراكم طويل سابق ، وإضافات لاحقة ، ومن هنا كانت تعددية واختلاف هذه الصور الإلهية لدى الفرق الدينية عنها لدى الفلاسفة .
ولهذا فإن الفرق الدينية تطرح صورها عن الإله عبر فهمها للمفردات القرآنية ، حيث تتصور الإله شبه رجل يتحكم في الوجود والأشياء ويتدخل بصورةٍ كاملة ، وهو أمرٌ يعبر ُ عن صورة الحاكم المطلق القديم العريق في المشرق ، أي شيخ القبيلة الذي عكسَّ نفسَهُ على الطبيعة ، وعجن الطينَ ونفخ فيه وكونه ، وهو الحرفي الذي يسقطُ عمليةَ صناعته لأدواته الحرفية على صناعة الوجود ، فهو ينفخُ في النار ، ويشكلُ الطين ، ويصنعُ بيته في عدة أيام ، ويركّبُ المصابيحَ كما لو كانت نجوماً يعلقها في سقف بيته المعتم .
إن هذا المبدأ الخلقي الأول ينتقلُ إلى الفرق والفلاسفة ، ويتم تغيير الصور السابقة بصور جديدة أكثر تعقيداً أو تبسيطاً حسب البنية المعرفية الإيديولوجية لكلِ منتجٍ ، لكن الشأنَ الجوهري أن الرجلَ المسيطر يديم عملية هيمنته على الوجود والمجتمع ، طارحاً علاقة معينة فيها .
وإذ تبدو مفرداتُ كينونتهِ البشرية موجودةً في الصورة الإلهية الُمنتَّجة يحاولُ التخلصَ من هذه المفردات الدالة على الأنسنة وليست على الألوهية ، فشيخ القبيلة الذي صار حاكماً على العرش ، ولديه حرسه الملائكي ، وقصره المنيف ، وأدوات تعذيبه وأدوات أنسه ، تغدو هذه المظاهر السلطوية موجودات إلهية ، وهو يسيطرُ على الوجود والعامة . تبدو مفردة [ الجنة ] تعبيراً عن الأرض الزراعية التي هي مصدر وجوده ، وهدف عمله السياسي والاقتصادي ، ويغدو الوصول لها حلماً ، عبر المجاهدات البشرية النسبية المضنية فتصير المجاهدات رؤيةً خارقة مُنتزعةً من الألم التاريخي ، فتتحولُ إلى غيب آخروي . ومثل جهنم التي كانت محرقةً خارج مدينة القدس ، تصيرُ صورةً للعذاب والتعذيب ، معبرةً عن الصحراء ولهيبها ، وعن القمع والألم وإعادة تشكيل البشر بصورة عنيفة ، وهكذا يغدو الوجود تجريدياً من المظاهر البسيطة لذلك الرجل العام .
ومثل هذه اللوحاتُ تصيرُ وعياً بشرياً ، أي أنها تلتحم بحياةِ الناس المعيشية ، أي أن هذه المجردات المطلقات تغدو قوةً لإعادةِ تشكيل البناء الاجتماعي القديم ، وتصبحُ أساساً إيديولوجياً لبناء اجتماعي جديد ، تتخلقُ على أساسه الكثير من مفرداته ، فتصبحُ الحياةُ والموتُ ، والعادات الاجتماعية وتوزيع غنائم ومصالح الدولة ، تــُنسجُ على منوال كلماته .
فما كان فكرةً مخلوقة تصير أساساً خالقاً ، والفكرة تصير جزءً من نظام الطبيعة ونظام المجتمع ، فتتشكل الصراعات الاجتماعية على أساسها . وما كان بناءً فوقياً يصبح بناءً تحتياً ، وما كان نتاجُ التاريخ يصبح مُشكلاً للتاريخ .
ومن هنا فإن الإلهَ الملموس والمتدخل في الوجود بشكل مباشر ، يصيرُ في وعي بعض الفئات الوسطى متجَّاوزاً ، مثلما أن الحاكمَ المتدخلَ في كلِ شيءٍ يغدو مرفوضاً . ولكن هذا الوجود الفكري لهذه الفئات الوسطى يرتبطُ بإنتاجها المادي .
وتصيرُ عملياتُ إنتاجها للفكرِ النظري مرتبطةً بأفرادها ومستوياتهم العقلية ومواقفهم ولكن أيضاً بحدودِ فئاتهم وصراعاتها مع السلطة التي تؤدلجُ صورةً إلهية معينة وتجعلها تسود . ولهذا فإن صورةَ الإله تتغيرُ عن المرجعية الدينية السائدة ، وتبدأ هذه الفئاتُ في إنتاج صورٍ جديدة عن الإله .
ودخولها في عملية إنتاجِ صورٍ إلهيةٍ يعبر عن استمرارها مع النظام السائد ، حيث شيخ القبيلة ، الرجل المستبد ، مهيمنٌ على السلطة والثروة العامة . إنها تتواصلُ مع هذه الصورة الكلية العامة ، وتقومُ بتهذيبها أو بعملِ تغيراتٍ ما فيها ، لكنها لا تخرج من سيطرة شيخ القبيلة ، أي من تشكيل المؤسسات السياسية الحاكمة السائدة .
إن المبنى المفارقَ الغيبي المثالي يظلُ سارياً ، فتقعُ في تناقضات فكرية وسياسية لا حل لها .
إن تركيز الاعتزال مثلاً على صورة الإله بدرجة شبه كلية يعبرُ عن هذا المنحى وكيف تقطعت الجذورُ الحيةُ للنقد والعقل الموضوعي في هذا الاتجاه ، وكيف تبدلَّ من تيارٍ مرتبطٍ بفئات وسطى واسعة ، إلى أن صار مقتصراً على بضعة أفراد ، فهو فقد العلاقة بالعاملين ، وارتبط بالسلطات ، وفقد الاتصال بالعلوم .
أي أن ممثلي الفئات الوسطى هنا عجزوا عن الانفصال عن السلطة الدينية ، وعن النظام الإقطاعي ، وتحويل وعي هذه الفئات إلى مشروع سلطة حديثة .
ولهذا حين تركزُ المعتزلةُ باتساعٍ ضخم على الإله ، وتقزمُ بحثها عن العالم والمادة ، التي تأتي في هامشٍ صغير ، فهذا يرينا طبيعةَ وعي الفئة الوسطى المحددة هنا ، وفي حراكها الاجتماعي والسياسي . فهذا مقياسٌ كمي ونوعي موضوعي لعلاقاتها الواقعية .
فكلما تغيرت أشكال رؤية صورة الإله وتحجمت وازدادت البحوث المتعلقة بالعالم والكون والمادة ، كلما كان هذا تعبيراً عن حراك وعي الفئات المتوسطة تلك باتجاه الانفصال عن الصورة السائدة المعبرة عن النظام الإقطاعي الديني .
ولهذا حين بدأنا أولاً من صورةِ الإلهِ العامةِ الرسمية ، ورأينا كيف يقوم الوعيُّ المتعددُ الألوان بإنتاج صورٍ جديدة عن الإله ، فقد بدأنا من ركيزة الوجود الاجتماعي ، التي جــُعلت مفارقةً .
ثم إننا ثانياً ننطلقُ فيما بعد إلى تلك الصورة ، أي نتوجه إلى الوسائط التي جُـعلتْ بين تلك الصورة الإيجادية وبين القوى الوسيطة وتابعها العالم ، وهذه القوى الوسيطةُ هي المعبرةُ عن الفئات الوسطى المنتجةِ لهذا الوعي الديني .
لقد انقسم منتجو الصورِ الإلهية إلى عدة تيارات ، وأهمها تياران اثنان ؛ الأول هو الذي حافظ على بنيةِ الصور الإلهية القديمة ، حيث الإله المتدخل في كل شيء ، وتوابعه من الجوانب السحرية ، وجمود العلاقات الاجتماعية ، وحيث الآثار الأكبر للتقاليد الرعوية التي تنعكس في هيئة شيخ القبيلة المستمر منذ خيمته إلى قصره في المدينة والذي صار يتحكم في المدينة .
وستتكرسُ الصورةُ بشكلٍ سلبي مستمر متى ما تفاقمت أزمةُ هذه المدينة ، فإذا كانت في الفترة المحمدية تقوم بثورة نهضوية وتجعل مكة قائدةً لتحويل الرعاة إلى الحداثة ، فإنها في المرحلة الإمبراطورية ستعتمد على توسع هذه المدينة وسيرورتها عاصمةً كونية ، ومدى قدرتها على الانتقال من الاعتماد على فيضِ الفتوح والإنتاج الزراعي والحرفي المتطور أو أنها ستعجز عن ذلك .
وهي فعلاً عجزت عن ذلك فتقطعت [مستعمراتها ] وتفاقمت أزمتها ، فأخذت تلك الصورةُ تتشكلنْ وتتفرغُ من مضمونها النهضوي ، وتــُرفد بالإرث الرعوي والزراعي المتخلف وبموجات من السحر .
والاتجاه الثاني هو تغيير تلك الصورة الإلهية المتدخلة ، وعلى مدى ذلك التغيير في الصورة تتحددُ الاتجاهات الفرعية ، أي على مدى اتساع تشكلها والتحجيم من تدخلات تلك الصورة الكلية ، وعبر تشكيل صور سلبية ، غير متدخلة ، وتوسيع وجودِ الفلك والعالم والطبيعة والمادة .
و هذه الاتجاهاتُ هي التي ركزتْ على المفردات السابقة الذكر . أي على المفردات التي تحفرُ في الوسائط ولا تحفر في المفردة الأولى المصدرية بشكلٍ كلي .
إن التركيزَ على المصطلحات الوسطى كالعقول والنفس الكلية والعقل الفعال وغيرها ، ما يشيرُ إلى ذلك التحجيم للمصدر الأول ، للإله المطلق ، ومن إطلاق لقوى الطبيعة والفلك والعالم ، أي أن الفئات الوسطى هنا تقومُ بتكبير دورها وثقافتها ، ولكنها مع ذلك لم تخرج من العباءة الدينية المصدرية الأولى ، فتعطي ركائزها الترميزيةَ الاصطلاحيةَ مدىً في الوجود أكبر .
إن البـُنى التشكيلية لهذه المصطلحات الوسطى سيحفرها كلُ مفكرٍ وفيلسوف وداعية دينية حسب نظرته التي أنطلق منها ، أي أن نظرته هي ذاتها تعبيرٌ مسبق متوارٍ عن بنية اجتماعية تشكلُ نظرته . فهو حين يشكلُ نظرةً جديدة ينطلق من سيرورة الإرث الديني وقضايا البــُنى الاجتماعية في عصره وحلوله للمشكلات .
إنه يعالجُ القضايا الدينية بوعي ديني ، فلا يخرجُ عن مسار العصر ، ويظل شيخُ القبيلة مهيمناً على التاجر أو الطبيب فيه . ولكنه يعتمد على ثمارِ علومٍ جديدة وتراكم ثقافي كبير ، تشكل عبر العلاقة الإنسانية ، التي هي ذاتها تعبيرٌ عن تلاقح بنــُى اجتماعية عبر العصور ، وفي حين أجابت تلك الترجماتُ عن الأسئلةِ الأساسية للوجود والتطور حسب درجات تطورها وقضايا زمنها ، يقومُ هو باستثمارِ عناصر منها ، ليجيب على أسئلةِ عصره ، ومن داخل أبنيته الاجتماعية الخاصة .
وكذلك فإن هذا الاتجاه الكبير ينقسمُ إلى روافد بين المشرق الإسلامي والمغرب ، ففي حين ركز فلاسفةُ المشرق على دور العناصر الوسيطة من عقول وعقل فعال ونفس كلية ، حاول الفلاسفة القليلون الأستثنائيون في المغرب أن يزيحوا هذه العناصر الوسيطة المركزية في المنظومة الفلسفية الدينية العامة .
إن ضخامة العناصر الوسيطة في المشرق تعود للمستويات الاجتماعية السياسية المتعددة الكثيرة في أرضه الواقعية ، أي أن هذه الوسائط لم تنتج بشكل ذاتي فردي ، بل كانت تياراتٌ عميقةٌ في الأرض . وهي تعبر عن ضخامة دور الفئات الوسطى المكبوح والمعَّرقل في تاريخ المشرق ، ولنضالها الطويل داخل الأبنية الاستبدادية العريقة ، ومن فيض خزائنها المليئة بالتراث المصري والبابلي والإغريقي والمسيحي واليهودي والصابئي والآشوري والديلموني والفينيقي الخ .. ، والذي تمظهر بعضها في الأديان ذات الأهمية الكبرى في التاريخ البشري عامةً .
وهكذا فإن المشرق عرفَ تصادماً كبيراً بين البنيتين الاجتماعيتين الأساسيتين ، الرعوية والزراعية ، وتكونت تقاليدٌ اجتماعية وثقافية لهما .
ومن هنا توحدت الوسائطُ بالفلك والكواكب والنجوم ، وبالقبائل والدول ، أي توحدت بالمعرفة المتوارثة السابقة والراهنة ، والُمنتجة بشكل جديد ، وهكذا كانت الفئاتُ الوسطى من أطباءٍ وفلكيين وفلاسفة وفقهاء وقضاة تقومُ بتعميق إرثها المتوارث وتعيد إنتاجه على ضوء العصر .

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 11, 2022 18:31
No comments have been added yet.