الأفيشات السينمائية المرسومة تتحدى الديجيتال والفوتوشوب
تحقيق: نرمين حلمي
المنشور في عدد يوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 للعدد رقم (1004) لجريدة "القاهرة" الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية.
نص التحقيق الصحفي:
منذ إطلاق العرض العالمي الأول للفيلم الروائي الطويل "لما بنتولد" للمخرج تامر عزت، ضمن فاعليات الدورة الثالثة لمهرجان "الجونة" السينمائي، في سبتمبر لعام 2019، لفت انتباه الكثيرين؛ فيما يخص نوعه كفليم غنائي أو أفيشه "المرسوم".
تكررت الملحوظة ذاتها بالمصادفة مع الإعلان عن أفيش فيلمي: "الفلوس" للمخرج سعيد الماروق، و"الطيب والشرس واللعوب" للمخرج رامي رزق الله. عودة سطوع "فن" الأفيشات السينمائية المرسومة، يطرح عدة تساؤلات حول العوامل الفنية والتجارية والتقنية المستخدمة، فضلاً عن جذوره التاريخية ومدى ارتباطه بها.
لذا وجهت "القاهرة" السؤال لصناع الأفلام ومتخصصي الفنون؛ حول إمكانية إحيائه في سوق السينما المصرية، ومراحل تطويره وتنفيذه، ومميزاته عن الأفيش السينمائي المصور السائد، وما يواجه من صعوبات بعد تاريخه الحافل منذ فجر الفن السينمائي في مصر؛ محاولة فهم كيف شق طريقه مجددًا في عصر التكنولوجيا؟ ولماذا وجد ضالته الاَن؟
على مدار 123 عامًا من العروض السينمائية في مصر، ارتبط فن "الأفيش" بعنصري الجذب والقبول لدى جمهور الشاشة الذهبية، ومرً بمراحل مختلفة سواء بالصعود أو الهبوط مثل أي فن اَخر قائم بذاته؛ ووثق عَبر عدة سنوات، حالات مختلفة ونادرة لتطور استخدام الريشة والألوان وتقنيات الكتابة والرسم، كما كان للعوامل الإقتصادية وتغير الذائقة الإجتماعية دورًا فعالاً بها.
يقول الدكتور أشرف رضا، وكيل كلية الفنون الجميلة بالزمالك، في حواره إلى "القاهرة"، "أفيشات الأفلام كانت تُرسم عن طريق رسامين محترفين، منذ الثلاثينات؛ أفيشات أفلام الأبيض والأسود؛ مثل: "يحيا الحب"، و"يوم سعيد"، و"غرام وانتقام"، حتى إن تكنولوجيا الطباعة كانت غير المتوفرة وقتذاك؛ ولذلك كانت الكتابات والعناوين واسم الفيلم وأسماء فريق العمل تُكتب عن طريق خطاط، ورسم بورتريه الممثلين؛ التي كانت مرسومة وليست مصورة".
وحينما بدء انتشار التصوير الفوتوغرافي في الخمسينات والستينات، كانوا يستعملون الصور الفوتوغرافية للممثلين، ويتم تركيبها يدويًا؛ بطريقة مونتاج يدوي أو بطريقة "الكولاج" كما نسميها الاَن، على خلفيات أو على مناظر مرسومة يدويًا بالريشة.
"يعني تُركب الفوتوغرافيا على خلفية مرسومة"، استكمل معطيًا أمثلة بأفيش فيلم "باب الحديد" للمخرج يوسف شاهين، بطولة فريد شوقي وهند رستم، و"خالد بن الوليد" لـ حسين صدقي، و"الخرساء" بطولة سميرة أحمد وعماد حمدي وإخراج حسن الإمام، و"عروس النيل" بطولة لبنى عبد العزيز ورشدي أباظة وإخراج فطين عبد الوهاب.
أمًا في أواخر الثمانينات، مع بدء تسهيل استخدام الكمبيوتر وتحميل برامج التصميمات مثل "فوتوشوب" وغيرها، فضلاً عن وجود الكاميرا الديجتال والصور والماسح الضوئي scanner”" ؛ بدأت تظهر تصميمات "جرافكية" منفذة بالكامل من خلال الكمبيوتر؛ كأداة للتنفيذ، بحسب قول "رضا".
وصف: "يجرى scanning للصور أو يأخذ مناظر كاملة "لقطات" من الفيلم، ويبدأ يضيف إليها اسم الفيلم وأسماء الممثلين وفريق العمل بالكمبيوتر أيضًا، ومن هنا بدأ الرسامون والخطاطون يرفعون أياديهم عن تنفيذ الأفيش، وبذلك يتم تصميمه كله من قِبل مصممي الجرافيك على الكمبيوتر".
وعن أثره على واجهات دور العرض السينمائي، أضاف "رضا" أنه قديمًا كان هناك اهتمام بإنشاء "أفيش الواجهة"؛ وهو عبارة عن أفيش بعرض المبنى كله، كانوا يرسمون الأفيش حتى وقت قريب، حتى ظهرت طباعة ” Digital" على Banner”” خلال العشر سنوات الأخيرة، فأصبح الأفيش مطبوعًا على خامة الـ Banner، بحسب ما كان أصله منفذًا بالكامل من خلال الكمبيوتر.
اختلافات القرنين
ومع بداية القرن الحالي، يقول الناقد الفني محمود قاسم لـ "القاهرة"، بعد ما كان يرسمها فنانون كبار مثل الفنان حسن جسور، تغيرت شكلاً ومضمونًا؛ أصبحت عبارة عن "لقطات صور مجمعة بدون ابتكار"، مثل أفيش فيلم "عايز حقي"، كما ابتعد مصمموها عن وضع أسماء الممثلين، بل أصبح التركيز على أسماء المشاركين في العمل من الناحية الإنتاجية الفنية وطاقم التصوير والإخراج والتأليف.
"تغيرت الأحوال نهائيًا"..هكذا عَلق "رضا" على تلك النوعية من الأفيشات السينمائية، "أرى أن الأفيش فَقد الحس الجمالي والرسم اليدوي، الذي كان ينشر التفاصيل الفنية ورسم البورتريه وأحداث الفيلم على هذا الأفيش".
يؤكد على أهميته لدى المشاهدين: "كان شيئًا مهمًا، والعلاقة بين المتلقي والأفيش كانت علاقة راقية جدًا، على عكس حاليًا؛ حيث يرى الجمهور الأفيش مطبوعًا أو مصنوعًا "ديجتال" بالكمبيوتر، بدون الإحساس الفني، وأصبح مثل إعلان الجريدة أو المجلة".
سبب التغيير
يشير "قاسم"، صاحب أول موسوعة صادرة عن تاريخ الأفيشات السينمائية المصرية ومصمميها، لـ "القاهرة" إلى أن من أهم العوامل المسببة لإهماله وفقدان الحِس الإبداعي؛ هي أن "المنتجين كانوا يحرقون المخرجين"، ولا يهتمون بفن الأفيش.
حيث كانوا يأتون بالمخرجين المتخرجين في معهد السينما، ويعطون لهم فرصة واحدة للإخراج ثم الاستغناء عنهم، بغض النظر عن جودتهم، كان هذا يمثل 80% من السينما المصرية في تلك الفترة، القليل منهم، هم من استطاعوا أن يستمروا ويقدموا أكثر من عمل، مثل المخرجين: مروان حامد، وشريف عرفة، ومجدي أحمد علي.
أمًا الفنان محمد مصطفى، رسام أفيش فيلم "لما بنتولد"، يرى أن هناك "بوستر" جيد و أخر غير الجيد؛ سواء كان مرسومًا أو مصورًا؛ "لأن التقنية أو الوسيط البصري مجرد عنصر واحد من ضمن عناصر كثيرة و هو مجرد أداة للتعبير، المهم إن مجموع القرارت التي يأخذها الفنان تكون متسقة و نابعة من رؤية واضحة واستخلاص ذكي و حساس للموضوع الذي يعبر عنه".
يضيف: "في نفس الوقت أنا ضد أي قصور في إدراك القيمة الفنية للرسم التوضيحي كوسيط أو أسلوب للتصميم"، مشيرًا إلى أن ذلك وراء تجاهل الكثير مِن صناع الأفلام العربية له؛ "هذا الذي أريد تغييره، ومتفائل أنه هيتغير بسرعة".
كيف عادت الأفيشات المرسومة؟
رُشح "مصطفى" للمنتج معتز عبد الوهاب والمخرج تامرعزت، من قِبل الفنان أمير عيد، أحد أبطال الفيلم الرومانسي "لما بنتولد"، والذي جمعته معه عدة تعاونات فنية سابقة، ومن ثمً أُختير لرسم الأفيش وأشترك معه في التصميم الفنان إسلام حسن، الذي قام بتصميم عنوان الفيلم والتنسيق الجرافيكي، موضحًا: "كنا نعمل بشراكة من المراحل الأولى".
يفسر الفنان الحائز علي عدة جوائز عالمية في مجال الرسوم التعبيرية لـ "القاهرة"،
سبب اختيار صناع الفيلم الأفيش الدعائي المرسوم، " بحكم ما دار بيننا من نقاشات في فترة الإعداد للعمل، كان عندهم رغبة في اتخاذ إتجاه فني جديد ومختلف عن السائد ولأن المحتوي السينمائي للفيلم نفسه كان جديدًا ومختلفًا أيضًا عن السائد المعروض، كما أن البوستر المرسوم للأفلام كوسيط بصري، عاد بشكل كبير في أوروبا و أمريكا من سنوات وأصبح دوره أذكي بصريًا عما كان في الماضي"، مشيرًا إلى أن العودة اتأخرت كثيرًا في إقليم الشرق الأوسط بشكل عام، لافتًا إلى أنه ذلك تحديدًا الذي جعله يتحمس فنيًا لخوض تلك التجربة؛ نظرًا لرغبته في المساهمة في تغذية هذا الاتجاه الفني إن أتيحت له الفرصة.
ويضيف: بدأت مراحل الإعداد بقراءة مختصرة عن قصة الفيلم و لقاء مع "تامر" و"معتز"؛ حيث كانوا أنتهوا من تصوير الفيلم وأستطاع أن يشاهد "مصطفى" نسخة أولية قبل التلوين ووضع الموسيقي، وهو ما ساعده إلى جانب بقية المعطيات التي شاركوه بيها، على وضع الفكرة، و رسم كروكي لشكل البوستر.
وفي ضوء تعليقاتهم، قام ببعض التعديلات بالإضافة الي وضع حل بصري إضافي لنفس الفكرة و تم اختيار الإتجاه الذي آنتهي به شكل الأفيش الحالي، "كان في نقاش خاص بكل مرحلة، أمًا بخصوص التقنية أنا لم أتبع أسلوب فني واحد ولكن أحب يكون عندي مرونة في اختيار ما يناسب الموضوع الذي أعبر عنه"؛ موضحًا أنه أستخدم في هذا الأفيش مزيجًا من الأساليب التقليدية والرقمية في إخراج هذا الرسم، ومضي ما يقارب الشهر للانتهاء من العمل.
على صعيد اَخر، شارك الفنان أحمد نادي، مصمم أفيش فيلم "الفلوس"، في حضور بعض المشاهد أثناء تصوير الفيلم، وهذا الذي ساعده على التفاعل مع الأحداث، إلى جانب حضور بعض جلسات المونتاج، مشيرًا إلى أن هذا ما كان يحرص عليه المخرج؛ حيث يقول لـ "القاهرة": "كان عايزنا نحس ونفهم الفيلم مش مجرد نرسم وخلاص".
سعيد الماروق مخرج فيلم "الفلوس"، فكر في إنشاء أفيشين؛ أحدهما مرسوم والاًخر مُصور مثل السائد، لذا لجأ للفنان وليد الشيشينى، مصمم أفيشات أفلام شهيرة؛ أخرها كان "الفيل الأزرق"، الذي رشح "أحمد"، نجل مصمم أفيشات التسعينات الشهير، الفنان الراحل محمد نادي.
قدم فريق "نادي استوديو" عدة أفكار، لكن التكوين النهائي للأفيش كان بناءً على ما طلبه "الماروق"؛ ومن ثمً قام "أحمد" بتقديم المعالجة الخاصه به، ثم العمل بمشاركة فريقه، هم: جورج نبيل، ومنة أشرف، ومروان مصطفى، وهبة السيد، وبدر محمد، وشاك شولي؛ حيث يوضح لـ "القاهرة" أن الرسم تم توزيعه بينهم؛ كان البعض يصمم الممثلين، واَخرون مسئولون عن السيارات أو العمارات وهكذا، فضلاً عن تولى "أحمد" مسئولية التلوين والإشراف على العمل كله.
قصة الفيلم المرتبطة بالرسم وعمل بطله الذي يجسد دوره النجم تامر حسني هي التي جعلت صناعه يتجهون إلى الأفيشات المرسومة. لم ينتهي دور فريق "استوديو نادي" عند رسم الأفيش فقط، بل قاموا برسم مقدمة الفيلم "”Intro بستايل "كوميكس"، إلى جانب بعض الرسومات التي تظهر وسط مشاهد عرضه، بحسب رواية "أحمد"، لافتًا إلى أنه فترة العمل على الأفيش استغرقت شهرين، تشمل المناقشات والاقتراحات، فيما كان التنفيذ الفعلي في خمسة أيام تقريبًا.
وعن اشتراك أكثر من شخص في رسم أفيش واحد؛ يشير "نادي" إلى أن العمل الجماعي يساعد في إنجاز المهام؛ "عملي في مجال الإعلانات الخارجية وغيره من المشاريع الضخمة؛ يتطلب فريق عمل بالفعل لإتمام المهمة سريعًا"، لافتًا إلى أن فريق الاستوديو يشمل متدربين إلى جانب فنانين محترفين، موضحًا أنه يقوم بالإشراف “Finishing” النهائي ورسم البورترية الأساسي؛ وهو ما "يجعل الشغل ماية واحدة".
أمًا صناع "الطيب والشرس واللعوب"، قدموا 3 أفيشات سينمائية مرسومة "يدويًا" لنفس الفيلم، من تصميم فنانين مختلفين؛ حيث إن أفيشين منهم تصميم ورسم الفنان محمد صالح شحاتة وإضافة تأثيرات مروان صالح شحاتة، فيما جاء الأفيش الثالث من تصميم الفنان ريمون مجدي، ورسم الفنان أندرو عاطف.
يقول إيهاب السرجاني، منتج الفيلم الكوميدي "الطيب والشرس واللعوب" لـ "القاهرة"، إن قرار اختيار الأفيش المرسوم مثل بوسترات أفلام زمان؛ مرتبطًا بأحداث الفيلم التي تدور حول ثلاثة ممثلين كانوا نجوم شباك في الثمانينات والتسعينات، موضحًا أن فكرته جاءت من قِبل المخرج وجهة الإنتاج أيضًا؛ على أن يكون متوافقًا مع قصته.
يشير إلى أنه من الطبيعي أن يكون سعره أغلى؛ "أي شيء مصنوع يدويًا، يصبح سعره أعلى"، لافتًا إلى أنه أفيش مميز عن بقية الأفيشات المعتمدة على الصور فقط، "الفكرة يكون مختلف عن المعروض، ويتضح من خلاله الاختلاف في الفكرة المقدمة أو الجهد المبذول"، مضيفًا أن كل أفيش استغرق في تنفيذه من ثلاثة أسابيع لشهر تقريبًا.
تقييم العودة
من جانبه، أثنى "رضا" على تصميمات ورسم أفيشات "لما بنتولد" و"الفلوس" و"الطيب والشرس واللعوب"؛ لافتًا إلى أن أكثر ما أعجبه من أفيشات الأخير هو الثالث الذي رسمه "أندرو" وصممه "ريمون"؛ مفسرًا: "هو الأفضل لأنه مرسوم بطريقة جيدة مثل أفيشات زمان".
أشار إلى أنهن يمثلن عودة لنشر الفنون الجميلة أو التشكيلية في الأفيشات السينمائية؛ وهي أفضل بكثير من استخدام الصور الفوتوغرافية، بحسب وصفه، فيما أعرب "قاسم" عن سعادته، مشيرًا إلى أنها "محاولة" لعودة هذا الفن، متمنيًا عودة التقاليد القديمة في تصميمه مع إضافة اسم المصمم عليه مثلما كان يحدث قديمًا.
"عدم الاهتمام بأصالة الفكرة، فضلاً عن عدم وجود الحرفة الفنية اليدوية أو الإبداعية، أصبحت مجرد صور وقص ولزق؛ خاصة لما تكون الفكرة مقتبسة من أفيش أجنبي أو السينما العالمية، فوقتها لا يجرؤ المصمم أن يضع اسمه على إبداع ليس إبداعه"..هكذا فسر "رضا" سبب عدم اكتراث بعض المصممين الحالين برسم إمضائهم أو كتابة أسمائهم على الأفيش، على غرار ما كان يفعله رسامو الأفيش القدامى، وهو ما اتفق معه "قاسم".
تابع: "مع الأسف معظم مَن يقومون بتصميم الأفيشات حاليًا، يضطرون لذلك مع ظروف شغل الأفيش"، موضحًا: "لأن شغل الأفيش ليس سهلاً، فيلجأون مع صعوبة تنفيذه إلى اقتباس الأفكار أو الأوضاع أو تصميم الأفيش من أفيشات أو أفلام أجنبية".
وعما إذا كان ظهور الأفيشات المرسومة مجددًا قد يحد من سرقة أو اقتباسات الأفكار من ملصقات سينمائية عالمية، يقول "مصطفى" لـ "القاهرة"، "لا تستطيع معالجة تلك المشكلة؛ فالمحتوي الفني إن لم يكن أصيلاً أو هناك عدم أمانة فنية في صناعته، سيظل مزيفًا حتي لو تم تنفيذه بأي أسلوب".
سبب اندثار فن الأفيش المرسوم
مَنْ المقصر إذن؟.. يقول "قاسم" لـ "القاهرة" إن البعض ورث عن أبائهم الفنانين ما يمكنهم من استكمال هذا الفن ولكنهم لم يضيفوا له شيئًا، ضاربًا مثل بإبنة "جسور"، كما يوضح أن الفنانين التشكيليين تهاونوا في حقهم؛ بعدم الاهتمام بخلق تواجد لهم داخل نقابة السينمائيين، وهو ما أدى إلى تلاشي وجودهم في السوق السينمائي رويدًا رويدًا.
يتفق "رضا" مع هذا الرأي، قائلاً: "صحيح إلى حد ما، أخر واحد كان مهتمًا بهذا الموضوع أستاذنا الفنان الكبير الراحل ناجي شاكر، كان يصر على رسم الأفيش بنفسه، والوضع ذاته مع أستاذنا الراحل سامي رافع، وهما لهما باع طويل في صناعة تصميم الأفيش أو البوستر عمومًا".
يضيف: "كان يتم هذا كله يدويًا، سواء أفيش لفيلم سينمائي أو بوستر لمناسبة ما أو لمهرجانات السينما أو معرض الكتاب أو أي فعالية ثقافية كانت تدور في البلد في فترة السبعينات أو الثمانينات وحتى أواخر التسعينات كانت من خلال الأساتذة يدويًا، سواء كان للتصميم أو الرسم، ثم يدخل الأفيش في مرحلة تقنيات الطباعة والإنتاج".
أمًا مصممي الأفيشات المرسومة للأفلام المصرية الحديثة، يرجحان أن سبب اندثاره يعود لعدم اهتمام صناع السينما به.
يقول "نادي" إن هناك فنانين تشكيليين متواجدين بالفعل في السوق، لكنهم لا يتجهون للأفيش المرسوم بحسب متطلبات السوق ورغبة شركة الإنتاج، موضحًا أن أسعار الأفيشات المرسومة ليست محددة حاليًا، ومتفاوتة بين الفنانين؛ نظرًا لكونه فن غير منتشر في السوق المصري الحالية.
فيما يقول "مصطفى": "بحكم سنوات عملي كفنان بصري ورسام تعبيري، رأيت وقابلت مواهب كبيرة في مصر و بقية البلاد العربية، يمكنها أن تساهم فنيًا بشكل متميز جدًا في مجال تصميم ملصقات الأفلام السنيمائية والسواد الأعظم من صناع الأفلام العربية لم يكتشفوا هذا بعد، لكن أأكد إنني متفائل بتحقيقه وأأمل أنه لا يستغرق وقتًا طويلاً".
يضيف "قاسم" أن المشكلة لا تقتصر على عدم رغبة شركات الإنتاج في الوصول إلى رسامي الأفيشات فحسب، بل أنه لا يوجد شركات إنتاج الأفيش، مثل شركة "سارة عبد المنعم" التي كانت تتواجد ولكنها اختفت ولا يحل محلها أحدًا، مشيرًا إلى أنه "لا يتحمس أحدًا لذلك"، موضحًا أنهم يقبلون على "فوتوشوب" كحل أسهل لهم.
فضيلة الاستمرار
"كان الأفيش له طعم وفيه تصميم ويراعون به أصول التشكيل الفني وأسس التصميم داخل البوستر"..هكذا استهل "رضا" وصفه لمدى الترابط بين دراسة الفنون التشكيلية وميزات الأفيشات الفنية المرسومة.
وتابع: "الأصول والأسس التي نعلمها لأبنائنا مصممي المستقبل طلاب كلية الفنون الجميلة؛ مثل كيفية الالتزام "بالنسبة الذهبية" للتصميم، ومراعاة عناصر التصميم ومكان تواجد رسالة الأفيش، وتحديد البطولة لأي عنصر في الأفيش هل ستكون البطولة للصورة ولا الكتابة ولا العنوان؟" وحتى يومنا هذا يتعلمون كيف ينفذون التصميم "يدويًا"، حيث يقول: "صحيح لما يخرج لسوق العمل يُطلب منه يشتغل كله ديجتال وتصميمات باستخدام الكمبيوتر، لكن على الأقل خريجي الفنون الجميلة عندهم القدرة على التصميم بالقلم والفرشة والأدوات اليدوية الأصلية".
في السياق ذاته، يشير "نادي" إلى أن أكثر ما يميز الأفيشات المرسومة، أن كل فنان له ستايله والتكنيك الخاص الذي يظهر في كل أفيش يرسمه؛ وهو ما يخلق "الهوية" الخاصة بكل عمل؛ وعيوب الفنان في الرسم هي التي تعطي روحًا به"، وشخصية كل فنان جزء منها انطباعاته وتشكيله النفسي وبنيته الفكرية وهو ما ينعكس على عمله.."إذا عاد فن الأفيشات المرسومة بقوة من جديد؛ سيساهم في توفير فرص عمل لكثير من الفنانين".
المنشور في عدد يوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 للعدد رقم (1004) لجريدة "القاهرة" الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية.
نص التحقيق الصحفي:
منذ إطلاق العرض العالمي الأول للفيلم الروائي الطويل "لما بنتولد" للمخرج تامر عزت، ضمن فاعليات الدورة الثالثة لمهرجان "الجونة" السينمائي، في سبتمبر لعام 2019، لفت انتباه الكثيرين؛ فيما يخص نوعه كفليم غنائي أو أفيشه "المرسوم".
تكررت الملحوظة ذاتها بالمصادفة مع الإعلان عن أفيش فيلمي: "الفلوس" للمخرج سعيد الماروق، و"الطيب والشرس واللعوب" للمخرج رامي رزق الله. عودة سطوع "فن" الأفيشات السينمائية المرسومة، يطرح عدة تساؤلات حول العوامل الفنية والتجارية والتقنية المستخدمة، فضلاً عن جذوره التاريخية ومدى ارتباطه بها.
لذا وجهت "القاهرة" السؤال لصناع الأفلام ومتخصصي الفنون؛ حول إمكانية إحيائه في سوق السينما المصرية، ومراحل تطويره وتنفيذه، ومميزاته عن الأفيش السينمائي المصور السائد، وما يواجه من صعوبات بعد تاريخه الحافل منذ فجر الفن السينمائي في مصر؛ محاولة فهم كيف شق طريقه مجددًا في عصر التكنولوجيا؟ ولماذا وجد ضالته الاَن؟
على مدار 123 عامًا من العروض السينمائية في مصر، ارتبط فن "الأفيش" بعنصري الجذب والقبول لدى جمهور الشاشة الذهبية، ومرً بمراحل مختلفة سواء بالصعود أو الهبوط مثل أي فن اَخر قائم بذاته؛ ووثق عَبر عدة سنوات، حالات مختلفة ونادرة لتطور استخدام الريشة والألوان وتقنيات الكتابة والرسم، كما كان للعوامل الإقتصادية وتغير الذائقة الإجتماعية دورًا فعالاً بها.
يقول الدكتور أشرف رضا، وكيل كلية الفنون الجميلة بالزمالك، في حواره إلى "القاهرة"، "أفيشات الأفلام كانت تُرسم عن طريق رسامين محترفين، منذ الثلاثينات؛ أفيشات أفلام الأبيض والأسود؛ مثل: "يحيا الحب"، و"يوم سعيد"، و"غرام وانتقام"، حتى إن تكنولوجيا الطباعة كانت غير المتوفرة وقتذاك؛ ولذلك كانت الكتابات والعناوين واسم الفيلم وأسماء فريق العمل تُكتب عن طريق خطاط، ورسم بورتريه الممثلين؛ التي كانت مرسومة وليست مصورة".
وحينما بدء انتشار التصوير الفوتوغرافي في الخمسينات والستينات، كانوا يستعملون الصور الفوتوغرافية للممثلين، ويتم تركيبها يدويًا؛ بطريقة مونتاج يدوي أو بطريقة "الكولاج" كما نسميها الاَن، على خلفيات أو على مناظر مرسومة يدويًا بالريشة.
"يعني تُركب الفوتوغرافيا على خلفية مرسومة"، استكمل معطيًا أمثلة بأفيش فيلم "باب الحديد" للمخرج يوسف شاهين، بطولة فريد شوقي وهند رستم، و"خالد بن الوليد" لـ حسين صدقي، و"الخرساء" بطولة سميرة أحمد وعماد حمدي وإخراج حسن الإمام، و"عروس النيل" بطولة لبنى عبد العزيز ورشدي أباظة وإخراج فطين عبد الوهاب.
أمًا في أواخر الثمانينات، مع بدء تسهيل استخدام الكمبيوتر وتحميل برامج التصميمات مثل "فوتوشوب" وغيرها، فضلاً عن وجود الكاميرا الديجتال والصور والماسح الضوئي scanner”" ؛ بدأت تظهر تصميمات "جرافكية" منفذة بالكامل من خلال الكمبيوتر؛ كأداة للتنفيذ، بحسب قول "رضا".
وصف: "يجرى scanning للصور أو يأخذ مناظر كاملة "لقطات" من الفيلم، ويبدأ يضيف إليها اسم الفيلم وأسماء الممثلين وفريق العمل بالكمبيوتر أيضًا، ومن هنا بدأ الرسامون والخطاطون يرفعون أياديهم عن تنفيذ الأفيش، وبذلك يتم تصميمه كله من قِبل مصممي الجرافيك على الكمبيوتر".
وعن أثره على واجهات دور العرض السينمائي، أضاف "رضا" أنه قديمًا كان هناك اهتمام بإنشاء "أفيش الواجهة"؛ وهو عبارة عن أفيش بعرض المبنى كله، كانوا يرسمون الأفيش حتى وقت قريب، حتى ظهرت طباعة ” Digital" على Banner”” خلال العشر سنوات الأخيرة، فأصبح الأفيش مطبوعًا على خامة الـ Banner، بحسب ما كان أصله منفذًا بالكامل من خلال الكمبيوتر.
اختلافات القرنين
ومع بداية القرن الحالي، يقول الناقد الفني محمود قاسم لـ "القاهرة"، بعد ما كان يرسمها فنانون كبار مثل الفنان حسن جسور، تغيرت شكلاً ومضمونًا؛ أصبحت عبارة عن "لقطات صور مجمعة بدون ابتكار"، مثل أفيش فيلم "عايز حقي"، كما ابتعد مصمموها عن وضع أسماء الممثلين، بل أصبح التركيز على أسماء المشاركين في العمل من الناحية الإنتاجية الفنية وطاقم التصوير والإخراج والتأليف.
"تغيرت الأحوال نهائيًا"..هكذا عَلق "رضا" على تلك النوعية من الأفيشات السينمائية، "أرى أن الأفيش فَقد الحس الجمالي والرسم اليدوي، الذي كان ينشر التفاصيل الفنية ورسم البورتريه وأحداث الفيلم على هذا الأفيش".
يؤكد على أهميته لدى المشاهدين: "كان شيئًا مهمًا، والعلاقة بين المتلقي والأفيش كانت علاقة راقية جدًا، على عكس حاليًا؛ حيث يرى الجمهور الأفيش مطبوعًا أو مصنوعًا "ديجتال" بالكمبيوتر، بدون الإحساس الفني، وأصبح مثل إعلان الجريدة أو المجلة".
سبب التغيير
يشير "قاسم"، صاحب أول موسوعة صادرة عن تاريخ الأفيشات السينمائية المصرية ومصمميها، لـ "القاهرة" إلى أن من أهم العوامل المسببة لإهماله وفقدان الحِس الإبداعي؛ هي أن "المنتجين كانوا يحرقون المخرجين"، ولا يهتمون بفن الأفيش.
حيث كانوا يأتون بالمخرجين المتخرجين في معهد السينما، ويعطون لهم فرصة واحدة للإخراج ثم الاستغناء عنهم، بغض النظر عن جودتهم، كان هذا يمثل 80% من السينما المصرية في تلك الفترة، القليل منهم، هم من استطاعوا أن يستمروا ويقدموا أكثر من عمل، مثل المخرجين: مروان حامد، وشريف عرفة، ومجدي أحمد علي.
أمًا الفنان محمد مصطفى، رسام أفيش فيلم "لما بنتولد"، يرى أن هناك "بوستر" جيد و أخر غير الجيد؛ سواء كان مرسومًا أو مصورًا؛ "لأن التقنية أو الوسيط البصري مجرد عنصر واحد من ضمن عناصر كثيرة و هو مجرد أداة للتعبير، المهم إن مجموع القرارت التي يأخذها الفنان تكون متسقة و نابعة من رؤية واضحة واستخلاص ذكي و حساس للموضوع الذي يعبر عنه".
يضيف: "في نفس الوقت أنا ضد أي قصور في إدراك القيمة الفنية للرسم التوضيحي كوسيط أو أسلوب للتصميم"، مشيرًا إلى أن ذلك وراء تجاهل الكثير مِن صناع الأفلام العربية له؛ "هذا الذي أريد تغييره، ومتفائل أنه هيتغير بسرعة".
كيف عادت الأفيشات المرسومة؟
رُشح "مصطفى" للمنتج معتز عبد الوهاب والمخرج تامرعزت، من قِبل الفنان أمير عيد، أحد أبطال الفيلم الرومانسي "لما بنتولد"، والذي جمعته معه عدة تعاونات فنية سابقة، ومن ثمً أُختير لرسم الأفيش وأشترك معه في التصميم الفنان إسلام حسن، الذي قام بتصميم عنوان الفيلم والتنسيق الجرافيكي، موضحًا: "كنا نعمل بشراكة من المراحل الأولى".
يفسر الفنان الحائز علي عدة جوائز عالمية في مجال الرسوم التعبيرية لـ "القاهرة"،
سبب اختيار صناع الفيلم الأفيش الدعائي المرسوم، " بحكم ما دار بيننا من نقاشات في فترة الإعداد للعمل، كان عندهم رغبة في اتخاذ إتجاه فني جديد ومختلف عن السائد ولأن المحتوي السينمائي للفيلم نفسه كان جديدًا ومختلفًا أيضًا عن السائد المعروض، كما أن البوستر المرسوم للأفلام كوسيط بصري، عاد بشكل كبير في أوروبا و أمريكا من سنوات وأصبح دوره أذكي بصريًا عما كان في الماضي"، مشيرًا إلى أن العودة اتأخرت كثيرًا في إقليم الشرق الأوسط بشكل عام، لافتًا إلى أنه ذلك تحديدًا الذي جعله يتحمس فنيًا لخوض تلك التجربة؛ نظرًا لرغبته في المساهمة في تغذية هذا الاتجاه الفني إن أتيحت له الفرصة.
ويضيف: بدأت مراحل الإعداد بقراءة مختصرة عن قصة الفيلم و لقاء مع "تامر" و"معتز"؛ حيث كانوا أنتهوا من تصوير الفيلم وأستطاع أن يشاهد "مصطفى" نسخة أولية قبل التلوين ووضع الموسيقي، وهو ما ساعده إلى جانب بقية المعطيات التي شاركوه بيها، على وضع الفكرة، و رسم كروكي لشكل البوستر.
وفي ضوء تعليقاتهم، قام ببعض التعديلات بالإضافة الي وضع حل بصري إضافي لنفس الفكرة و تم اختيار الإتجاه الذي آنتهي به شكل الأفيش الحالي، "كان في نقاش خاص بكل مرحلة، أمًا بخصوص التقنية أنا لم أتبع أسلوب فني واحد ولكن أحب يكون عندي مرونة في اختيار ما يناسب الموضوع الذي أعبر عنه"؛ موضحًا أنه أستخدم في هذا الأفيش مزيجًا من الأساليب التقليدية والرقمية في إخراج هذا الرسم، ومضي ما يقارب الشهر للانتهاء من العمل.
على صعيد اَخر، شارك الفنان أحمد نادي، مصمم أفيش فيلم "الفلوس"، في حضور بعض المشاهد أثناء تصوير الفيلم، وهذا الذي ساعده على التفاعل مع الأحداث، إلى جانب حضور بعض جلسات المونتاج، مشيرًا إلى أن هذا ما كان يحرص عليه المخرج؛ حيث يقول لـ "القاهرة": "كان عايزنا نحس ونفهم الفيلم مش مجرد نرسم وخلاص".
سعيد الماروق مخرج فيلم "الفلوس"، فكر في إنشاء أفيشين؛ أحدهما مرسوم والاًخر مُصور مثل السائد، لذا لجأ للفنان وليد الشيشينى، مصمم أفيشات أفلام شهيرة؛ أخرها كان "الفيل الأزرق"، الذي رشح "أحمد"، نجل مصمم أفيشات التسعينات الشهير، الفنان الراحل محمد نادي.
قدم فريق "نادي استوديو" عدة أفكار، لكن التكوين النهائي للأفيش كان بناءً على ما طلبه "الماروق"؛ ومن ثمً قام "أحمد" بتقديم المعالجة الخاصه به، ثم العمل بمشاركة فريقه، هم: جورج نبيل، ومنة أشرف، ومروان مصطفى، وهبة السيد، وبدر محمد، وشاك شولي؛ حيث يوضح لـ "القاهرة" أن الرسم تم توزيعه بينهم؛ كان البعض يصمم الممثلين، واَخرون مسئولون عن السيارات أو العمارات وهكذا، فضلاً عن تولى "أحمد" مسئولية التلوين والإشراف على العمل كله.
قصة الفيلم المرتبطة بالرسم وعمل بطله الذي يجسد دوره النجم تامر حسني هي التي جعلت صناعه يتجهون إلى الأفيشات المرسومة. لم ينتهي دور فريق "استوديو نادي" عند رسم الأفيش فقط، بل قاموا برسم مقدمة الفيلم "”Intro بستايل "كوميكس"، إلى جانب بعض الرسومات التي تظهر وسط مشاهد عرضه، بحسب رواية "أحمد"، لافتًا إلى أنه فترة العمل على الأفيش استغرقت شهرين، تشمل المناقشات والاقتراحات، فيما كان التنفيذ الفعلي في خمسة أيام تقريبًا.
وعن اشتراك أكثر من شخص في رسم أفيش واحد؛ يشير "نادي" إلى أن العمل الجماعي يساعد في إنجاز المهام؛ "عملي في مجال الإعلانات الخارجية وغيره من المشاريع الضخمة؛ يتطلب فريق عمل بالفعل لإتمام المهمة سريعًا"، لافتًا إلى أن فريق الاستوديو يشمل متدربين إلى جانب فنانين محترفين، موضحًا أنه يقوم بالإشراف “Finishing” النهائي ورسم البورترية الأساسي؛ وهو ما "يجعل الشغل ماية واحدة".
أمًا صناع "الطيب والشرس واللعوب"، قدموا 3 أفيشات سينمائية مرسومة "يدويًا" لنفس الفيلم، من تصميم فنانين مختلفين؛ حيث إن أفيشين منهم تصميم ورسم الفنان محمد صالح شحاتة وإضافة تأثيرات مروان صالح شحاتة، فيما جاء الأفيش الثالث من تصميم الفنان ريمون مجدي، ورسم الفنان أندرو عاطف.
يقول إيهاب السرجاني، منتج الفيلم الكوميدي "الطيب والشرس واللعوب" لـ "القاهرة"، إن قرار اختيار الأفيش المرسوم مثل بوسترات أفلام زمان؛ مرتبطًا بأحداث الفيلم التي تدور حول ثلاثة ممثلين كانوا نجوم شباك في الثمانينات والتسعينات، موضحًا أن فكرته جاءت من قِبل المخرج وجهة الإنتاج أيضًا؛ على أن يكون متوافقًا مع قصته.
يشير إلى أنه من الطبيعي أن يكون سعره أغلى؛ "أي شيء مصنوع يدويًا، يصبح سعره أعلى"، لافتًا إلى أنه أفيش مميز عن بقية الأفيشات المعتمدة على الصور فقط، "الفكرة يكون مختلف عن المعروض، ويتضح من خلاله الاختلاف في الفكرة المقدمة أو الجهد المبذول"، مضيفًا أن كل أفيش استغرق في تنفيذه من ثلاثة أسابيع لشهر تقريبًا.
تقييم العودة
من جانبه، أثنى "رضا" على تصميمات ورسم أفيشات "لما بنتولد" و"الفلوس" و"الطيب والشرس واللعوب"؛ لافتًا إلى أن أكثر ما أعجبه من أفيشات الأخير هو الثالث الذي رسمه "أندرو" وصممه "ريمون"؛ مفسرًا: "هو الأفضل لأنه مرسوم بطريقة جيدة مثل أفيشات زمان".
أشار إلى أنهن يمثلن عودة لنشر الفنون الجميلة أو التشكيلية في الأفيشات السينمائية؛ وهي أفضل بكثير من استخدام الصور الفوتوغرافية، بحسب وصفه، فيما أعرب "قاسم" عن سعادته، مشيرًا إلى أنها "محاولة" لعودة هذا الفن، متمنيًا عودة التقاليد القديمة في تصميمه مع إضافة اسم المصمم عليه مثلما كان يحدث قديمًا.
"عدم الاهتمام بأصالة الفكرة، فضلاً عن عدم وجود الحرفة الفنية اليدوية أو الإبداعية، أصبحت مجرد صور وقص ولزق؛ خاصة لما تكون الفكرة مقتبسة من أفيش أجنبي أو السينما العالمية، فوقتها لا يجرؤ المصمم أن يضع اسمه على إبداع ليس إبداعه"..هكذا فسر "رضا" سبب عدم اكتراث بعض المصممين الحالين برسم إمضائهم أو كتابة أسمائهم على الأفيش، على غرار ما كان يفعله رسامو الأفيش القدامى، وهو ما اتفق معه "قاسم".
تابع: "مع الأسف معظم مَن يقومون بتصميم الأفيشات حاليًا، يضطرون لذلك مع ظروف شغل الأفيش"، موضحًا: "لأن شغل الأفيش ليس سهلاً، فيلجأون مع صعوبة تنفيذه إلى اقتباس الأفكار أو الأوضاع أو تصميم الأفيش من أفيشات أو أفلام أجنبية".
وعما إذا كان ظهور الأفيشات المرسومة مجددًا قد يحد من سرقة أو اقتباسات الأفكار من ملصقات سينمائية عالمية، يقول "مصطفى" لـ "القاهرة"، "لا تستطيع معالجة تلك المشكلة؛ فالمحتوي الفني إن لم يكن أصيلاً أو هناك عدم أمانة فنية في صناعته، سيظل مزيفًا حتي لو تم تنفيذه بأي أسلوب".
سبب اندثار فن الأفيش المرسوم
مَنْ المقصر إذن؟.. يقول "قاسم" لـ "القاهرة" إن البعض ورث عن أبائهم الفنانين ما يمكنهم من استكمال هذا الفن ولكنهم لم يضيفوا له شيئًا، ضاربًا مثل بإبنة "جسور"، كما يوضح أن الفنانين التشكيليين تهاونوا في حقهم؛ بعدم الاهتمام بخلق تواجد لهم داخل نقابة السينمائيين، وهو ما أدى إلى تلاشي وجودهم في السوق السينمائي رويدًا رويدًا.
يتفق "رضا" مع هذا الرأي، قائلاً: "صحيح إلى حد ما، أخر واحد كان مهتمًا بهذا الموضوع أستاذنا الفنان الكبير الراحل ناجي شاكر، كان يصر على رسم الأفيش بنفسه، والوضع ذاته مع أستاذنا الراحل سامي رافع، وهما لهما باع طويل في صناعة تصميم الأفيش أو البوستر عمومًا".
يضيف: "كان يتم هذا كله يدويًا، سواء أفيش لفيلم سينمائي أو بوستر لمناسبة ما أو لمهرجانات السينما أو معرض الكتاب أو أي فعالية ثقافية كانت تدور في البلد في فترة السبعينات أو الثمانينات وحتى أواخر التسعينات كانت من خلال الأساتذة يدويًا، سواء كان للتصميم أو الرسم، ثم يدخل الأفيش في مرحلة تقنيات الطباعة والإنتاج".
أمًا مصممي الأفيشات المرسومة للأفلام المصرية الحديثة، يرجحان أن سبب اندثاره يعود لعدم اهتمام صناع السينما به.
يقول "نادي" إن هناك فنانين تشكيليين متواجدين بالفعل في السوق، لكنهم لا يتجهون للأفيش المرسوم بحسب متطلبات السوق ورغبة شركة الإنتاج، موضحًا أن أسعار الأفيشات المرسومة ليست محددة حاليًا، ومتفاوتة بين الفنانين؛ نظرًا لكونه فن غير منتشر في السوق المصري الحالية.
فيما يقول "مصطفى": "بحكم سنوات عملي كفنان بصري ورسام تعبيري، رأيت وقابلت مواهب كبيرة في مصر و بقية البلاد العربية، يمكنها أن تساهم فنيًا بشكل متميز جدًا في مجال تصميم ملصقات الأفلام السنيمائية والسواد الأعظم من صناع الأفلام العربية لم يكتشفوا هذا بعد، لكن أأكد إنني متفائل بتحقيقه وأأمل أنه لا يستغرق وقتًا طويلاً".
يضيف "قاسم" أن المشكلة لا تقتصر على عدم رغبة شركات الإنتاج في الوصول إلى رسامي الأفيشات فحسب، بل أنه لا يوجد شركات إنتاج الأفيش، مثل شركة "سارة عبد المنعم" التي كانت تتواجد ولكنها اختفت ولا يحل محلها أحدًا، مشيرًا إلى أنه "لا يتحمس أحدًا لذلك"، موضحًا أنهم يقبلون على "فوتوشوب" كحل أسهل لهم.
فضيلة الاستمرار
"كان الأفيش له طعم وفيه تصميم ويراعون به أصول التشكيل الفني وأسس التصميم داخل البوستر"..هكذا استهل "رضا" وصفه لمدى الترابط بين دراسة الفنون التشكيلية وميزات الأفيشات الفنية المرسومة.
وتابع: "الأصول والأسس التي نعلمها لأبنائنا مصممي المستقبل طلاب كلية الفنون الجميلة؛ مثل كيفية الالتزام "بالنسبة الذهبية" للتصميم، ومراعاة عناصر التصميم ومكان تواجد رسالة الأفيش، وتحديد البطولة لأي عنصر في الأفيش هل ستكون البطولة للصورة ولا الكتابة ولا العنوان؟" وحتى يومنا هذا يتعلمون كيف ينفذون التصميم "يدويًا"، حيث يقول: "صحيح لما يخرج لسوق العمل يُطلب منه يشتغل كله ديجتال وتصميمات باستخدام الكمبيوتر، لكن على الأقل خريجي الفنون الجميلة عندهم القدرة على التصميم بالقلم والفرشة والأدوات اليدوية الأصلية".
في السياق ذاته، يشير "نادي" إلى أن أكثر ما يميز الأفيشات المرسومة، أن كل فنان له ستايله والتكنيك الخاص الذي يظهر في كل أفيش يرسمه؛ وهو ما يخلق "الهوية" الخاصة بكل عمل؛ وعيوب الفنان في الرسم هي التي تعطي روحًا به"، وشخصية كل فنان جزء منها انطباعاته وتشكيله النفسي وبنيته الفكرية وهو ما ينعكس على عمله.."إذا عاد فن الأفيشات المرسومة بقوة من جديد؛ سيساهم في توفير فرص عمل لكثير من الفنانين".
Published on October 14, 2019 08:12
No comments have been added yet.


