ثنائيات التأليف والإخراج في السينما المصرية

تحقيق: نرمين حلمي
المنشور في عدد يوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2019 للعدد رقم (999) لجريدة "القاهرة" الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية.

نص التحقيق الصحفي:
حقق "الفيل الأزرق 2" نجاحًا ملحوظًا في فترة وجيزة؛ حيث تخطت إيراداته حاجز الـ40 مليون جنيه، منذ طرحه سينمائيًا في 25 يوليو المنصرم؛ أي بعد مرور 11 يومًا فقط على عرضه.

حقق الفيلم نجاحًا لافتًا حتى قبل دخوله حلبة المنافسة القوية بينه وبين بقية أفلام موسم عيد الأضحى في شهر أغسطس الجاري لعام 2019.

ويمثل "الفيل الأزرق 2" التعاون السينمائي الرابع بين مخرجه ومؤلفه،
بعد ثلاثة من أكثر الأفلام شهرة ونجاحًا في شباك التذاكر خلال السنوات الأخيرة، هم: الجزء الأول من فيلم "الفيل الأزرق" الذي عرض لأول مرة عام 2014، و"الأصليين" في عام 2017، و"تراب الماس" في عام 2018.

وهو ما دَفَع "القاهرة" لتتوجه بالسؤال للنقاد ومتخصصي أهم عنصرين في أي فيلم؛ الإخراج والسيناريو، والتطرق لماهية "ثنائيات" التأليف والإخراج في تاريخ السينما المصرية، وعما إذا كان "تكرار التعاون" بين رب العمل "المخرج" وعموده الفقري "السيناريست"، يعد بمثابة مكسب فني أم اَفة يجب تجنبها؟

إذا استرجعنا أعمال الشريط السينمائي وحتى المسرحي والتلفزيوني، منذ ثمانينات القرن العشرين وحتى الاَن، سنجد عدة منتجات فنية ناجحة؛ نتجت عن تعاون مثمر لعدة "ثنائيات"، أبرزهم كان تعاون الثنائيين: "وحيد حامد وشريف عرفة"، و"عاطف الطيب وبشير الديك"، والكثير ممن سبقوهم في أفلام الأبيض والأسود.

"هناك مبدعون أذكياء وهذه الثنائيات ليست دائمة ولكنها تُستثمر لنجاح العمل الفني"، كان هذا وصف الدكتور هشام جمال، وكيل المعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون، في حديثه لـ "القاهرة"، مستشهدًا بنتيجة التعاون الفني الهام بين "وحيد" و"عرفة"، مشيرًا إلى أنه بعد هذا الانسجام الفني ووصول الإبداع إلى ذروة التألق والنضج، انفصلا فنيًا؛ حينما لم يجدا ما يقدمانه على نفس وتيرة التميز والنجاح.

أشار إلى أن هناك شقين ساهما في خلق "الثنائيات"؛ الأول إبداعي، حيث إن العمل مع مَن يتفقون معك في "الهوية الفنية" ويعلمون اختياراتك وتوجهاتك، يوفر جهدًا كبيرًا في الجانب الإداري وييسر الفرصة أكثر نحو التركيز على العملية الإبداعية، أمًا الشق الثاني، فهو استثمار النجاح الأول، حتى لو لم يكن هناك توافق فني.

ويضيف: "وحيد حامد وجد "عرفة" مخرجًا واعدًا وجريئًا، يستطيع أن يفسر قضاياه ويجسدها بأدواته الفنية ولغته السينمائية، خاصة أنه "وحيد" يكتب ما بين السطور، وهو ما توافق بدرجة كبيرة مع الحالة السياسية التي كانت عليها البلاد وقتذاك. لذلك هو مخرجه المفضل، وقدما معًا أعمال عظيمة مثل: "الإرهاب والكباب"، و"المنسي"، و"طيور الظلام" ، وجميعها أفلام تتسم بالعمق والبُعد السياسي".

ويستطرد "عرفة" من أكثر المخرجين مهارة وذكاءً؛ وهو يملك زمام الأمور جيدًا؛ حيث إنه عمل مع السيناريست ماهر عواد أيضًا في ثنائية سينمائية أخرى، استمرت لفترة طويلة، في بدايات حياته المهنية، أمًا حاليًا فيكتب ويخرج لنفسه أفلامًا ناجحة أيضًا، مثل "الممر"، مشيرًا إلى أنه مخرج ينتقل برشاقة ويدرس جيدًا مستوى الأعمال التي سيقدمها، ويعلم التوقيت المناسب لتكرار التعاون أو الانفصال قبل أن يؤدي التعاون إلى نتائج غير محمودة العواقب.

عُمر التجربة

وتقول الدكتورة ثناء هاشم، مدرس السيناريو بالمعهد العالي للسينما، إن بعض الكتاب والمخرجين يكون لديهم نفس الميول والتوجهات السياسية والثقافية وهو ما يخلق بينهما دويتو خاص لفترة؛ وعُمر التجربة عامل مهم في الحكم على تلك الثنائيات الفنية؛ حيث إن بعضها يستمر مثل ما حدث مع نجيب الريحاني وبديع خيري حتى وفاتهما، وهناك ما يستمر لمدة فترة محددة مثل ثنائي "عرفة" و"وحيد".

وأضافت "هاشم" أن "مراد" و"مروان" وضعهما مختلف عن الثنائيات الشهيرة؛ لأنهما ما زالا في مرحلة البدايات ولم يقدما معًا سوى 4 أعمال حتى الاَن.

وأشارت إلى أن "مراد" ليس كاتبًا للسيناريو، لكنه خريج قسم تصوير، ولديه معرفة جيدة بالصورة، وهو يكتب للسينما "استثمارًا لروايته" بحسب وصفها، لكن الكتابة للرواية مختلفة عن كتابة السيناريو، وذلك اتضح في نموذج "تراب الماس".

وأشارت إلى أن الرواية أهم من الفيلم، "وبرأيي فإنه لو تمت الاستعانة بسيناريست اَخر معه، كان من الممكن أن يعطى نتيجة مختلفة إبداعيًا، ثم خطر جدًا إن كاتب الرواية ينقل كتابته للسينما"، مستشهدة بما فعله الأديب الراحل نجيب محفوظ، طيلة حياته، في مؤلفاته الأدبية عندما تحولت لشاشة السينما.

ويتفق الناقد أندرو محسن، المدير الفني لمهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، مع وجهة نظر "هاشم"، لافتًا إلى أن "مراد" يكتب قصصًا جيدة جدًا، لكن هذا لا ينطبق على كتابته للسيناريو والحوار، وأن عمله مع "مروان" استطاع أن يخرج فيلمًا "شكله حلو"، مغطيًا على عيوب سيناريو "الفيل الأزرق 2".

وأضاف أنه إذا عمل "مراد" مع أحد غيره، ربما يقدم فيلمًا أقل فنيًا بالفعل.

ولفت إلى أنه يرى ثنائي "عرفة" و"وحيد" شديد الخصوصية في السينما المصرية، وأن هناك عدة ثنائيات ناجحة في التأليف والإخراج لكنه يرى تجربتهما بالتحديد، ثرية ومميزة في تاريخ السينما.

ثقافة الثنائيات السينمائية

الثنائيات الفنية لا تقتصر على المخرجين والمؤلفين فقط، ولكنها جمعت عدة نماذج مختلفة في السينما المصرية، لكن لا يترك بريقًا خاص سوى المميز منهم، وما هو قادر على رؤية الخط الرفيع الفاصل بين الارتقاء لأعلى درجات النجاح أو السقوط في قاع الفشل.

الناقد الفني محمود عبد الشكور، قال لـ "القاهرة"، إن "الثنائيات الفنية تفيد السينما إذا كان الطرفان موهوبين"، وأن هناك بعض الثنائيات بدأت من على خشبة المسرح ومن ثمً انتقلت لشاشة السينما وقدمت أعمالاً ناجحة؛ مثل بديع خيري ونجيب الريحاني، وأبو السعود الإبياري وإسماعيل ياسين.

وأشار إلى أن السينما عمل جماعي، يقوم على الإبداع المشترك؛ لذا حينما يتواجد التكامل والتفاهم بين مخرج جيد وكاتب جيد، تصبح النتيجة "ممتازة" بحسب وصفه، خاصة لو استطاعا أن يطورا معًا أعمالهما وتنضج ما بين الحين والاَخر، وهذا التاَلف يمكن أن يحدث أيضًا بين مخرجين ومونترين، أو مديرين تصوير.

وأكد أن هذا التفاهم أيضًا يجب أن يكون تحت ظلال مدرسة فنية واحدة، مثل تيار الواقعية السينمائية الجديدة، الذي أسهم في ترسيخه، المصور السينمائي سعيد شيمي، والمونتيرة نادية شكري، مع المخرجين الراحلين: محمد خان وعاطف الطيب؛ لذا فتقارب الثنائيات لنفس الرؤية وانتمائهم لنفس المدرسة، هو ما يؤدي إلى انسجام وتوافق فني مميز.

وتأكيدًا على أهمية توافر عنصري "التفاهم" و"الموهبة"، قال "عبد الشكور" إنه يرى نجاحًا ملحوظًا في ثنائية "مراد" و"مروان"، مشيرًا إلى أن الجزء الثاني من فيلم "الفيل الأزرق" محكم الصنع وأكثر إبهارًا من الجزء الأول، ويرى أن التعاون بينهما يحتمل أفلامًا قادمة، إلا إذا وجدا أنهما لا يستطيعان تقديم شيء جديد، ويصح انفصالهما في أعمالهما المقبلة.

وقال إن الأفلام التي جمعتهما، مختلفة بدرجة كبيرة؛ "الأصليين" و"تراب الماس" كلا منهما نوع مختلف عن الاَخر، كما أنهما مختلفان عن نوعية فيلم "الفيل الأزرق" الذي تنتمي حبكته لنوع أكثر تعقيدًا؛ تتسم بالبوليسي والنفسي والغرائبي، لكن "تراب الماس" فيلم إجتماعي بوليسي وبه جريمة، موضحًا أنهما يقدمان معًا مشاريع مختلفة تمامًا في كل مرحلة؛ أي إنهما يهتمان بأهم عنصر هو "التطوير" وتقديم كل ما هو جديد، وهو الأمر ذاته الذي يحكم أي "ثنائيين" معًا.

يتفق "جمال" معه في هذا الأمر؛ ويرى أن موضوعات "مراد" تتسم بالخيال والخروج عن نطاق الواقع، وبالتالي يجد مع "مروان" ضالته في إمكانياته الفنية والإنتاجية الجيدة؛ خاصة أنه الأخير ينتمي لنمط المخرجين المقلين في أعمالهم، ولكنهم يقدمون عملاً مؤثرًا كلما قدموا فيلمًا للسينما.

واستطرد أن "مروان" جاد وبارع ومتاح له كافة الإمكانيات الفنية والمادية التي لا تتوفر مع غيره، وساعد ذلك "مراد" أن يطلق العنان لخياله.

أصل الظاهرة

من أين إذن جاءت فكرة "الثنائيات" الفنية؟ يقول الدكتور هشام جمال، إنه هناك مادة في معهد السينما، تسمى "تكاملية الفنون"، تعلم الطلبة كيف يستفيد كل مبدعِ من الاَخر؟ وكيف يستطيع أن يحقق نجاحه من الاَخر؟، وأساس تلك المادة هي مبدأ "الثنائيات"؛ أي الانسجام والتوافق " ”Matching في العمل، مشبهًا إياها بـ "العلاقة الزوجية" الناجحة، بحسب وصفه.

ولفت إلى أن صناعة السينما مهنة مكلفة، واضعًا نفسه في مكانة المبدعين اللذين يشكلان ثنائيًا فريدًا، قائلاً: "يأتي هنا السؤال، فلماذا لا نخاطر؟ ونحن نرى التوجه العام ميال لمشاهدة القضايا التي نعالجها..فلماذا لا نبحر في هذه السفينة؟".

وهو ما أكدته الناقدة ماجدة خير الله أيضًا لـ "القاهرة"، متعجبة مِن مَن ينزعج بتكرار التعاون، قائلة إن هذا قد يفسد ثنائيات قدمت أعمال ناجحة بالفعل، وإنهما حتمًا وجدا نوعًا من التوافق والتكامل في العمل، وهو ما يؤدي لنجاحها ويشجعهم على تكرار التجربة، مشيرة إلى أنها ظاهرة عالمية وليست مصرية فقط.

وأشارت "خير الله" إلى أنه هناك عدة نماذج في تاريخ السينما المصرية، تشهد على ثنائيات متنوعة بين مخرج ومجموعة مؤلفين مختلفين والعكس أيضًا، تستمر لفترة ثم تتوقف، واصفة المبدع بالـ "أناني"؛ وإنه عادة لن يستمر في ثنائية قد تؤدي إلى فشله، وتأكد طالاما شعر بنجاحه في وجود شخص ما، سيستمر بصحبته، حتى يفقد هذا الإحساس، سيبحث على ما يرضيه أو شخص اَخر يستطيع أن يترجم أفكاره.

وأضافت أن "مراد" أيضًا وجد "مروان" قادرًا على ترجمة أفكاره إلى الصورة، وسيستمر التعاون إلى أن يشعر أحدهما أن الأعمال لم تنجح في التعبير عنه، متفقة مع رؤية "عبد الشكور" أيضًا، في اختلاف أجواء الأربعة أعمال اللاتي قدماها معًا سينمائيًا.

وفي السياق ذاته، قالت "خير الله" إن "مراد" صاحب "كثافة إنتاجية"، لا يمكن أن يحولها كلها "مروان" إلى السينما، وهو ما سيدفع الأول للتعامل مع غيره في المستقبل، لترويج عمله جيدًا، موضحة أن المخرج عادة يقدم فيلمًا واحدًا في السنة، و"مراد" لديه عدة روايات ولديه سرعة في الكتابة، وبالتالي سيضطر في وقت ما للعمل مع غيره، مؤكدة أنه ما دام الجمهور يستفيد بأعمال جيدة، نظل نرحب بهذه الثنائية.

-مرفق صورة التحقيق من الجريدة المطبوعة:
https://www.facebook.com/photo.php?fb...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 07, 2019 04:06
No comments have been added yet.