بابٌ يغلق..بابٌ يفتح – القافلة الأسبوعية
كثيرة هي اللحظات التي تضعنا فيها الحياة أمام مسارات متعددة، وعلينا أن نختار واحداً منها فقط، فتمر علينا تلك اللحظات عصيبة ونحن نحاول الوصول إلى القرار الذي نظنه الأصوب، حتى إذا ما اتخذناه فعلاً وعشنا نتائجه حتى نبدأ بالتفكير بيننا وبين أنفسنا ماذا لو؟ لاسيما إذا كانت النتائج المترتبه عليه غير مرضيه. فلماذا لو اخترنا القسم العلمي بدلاً من الأدبي في الثانوية؟ أو الهندسة بدل الطب في الجامعة؟ أو الزواج بهذا الرجل أو تلك المرأة؟ أو قبول هذا العرض الوظيفي أو ذاك؟ أو السفر للخارج على البقاء في الوطن؟
وفي أحيان أخرى كثيرة هي بدورها فإن الحياة لا تترك لنا حرية الاختيار، بل تختار لنا نيابة عنا طريقاً دون آخر، كأن تصل متأخراً للمطار بسبب الزحام المروري فتفوتك الرحلة وتضطر لإلغاءها أو تأجيلها، أو يفوتك موعد التسجيل للجامعة التي اخترتها فتدفعك للالتحاق بجامعة أخرى، أو تصل رسالتك للشخص الخطأ وهكذا، ومع ذلك نجد أنفسنا من حين لآخر نتساءل أيضاً، سواء كان ما ترتب على هذا التغيير المفاجيء في الخطة سلبياً أو إيجابياً، بأنه ماذا لو سارت الأمور على نحو مختلف؟
في العالم ١٩٩٨عرضت صالات السينما فيلماً مميزاً بعناوان (Sliding Doors) أو "الأبواب المنزلقة"، وتظهر فيه بطلة الفيلم، التي فُصلت للتو من وظيفتها، وهي تغادر مكتبها مسرعة وغاضبة وتتجه إلى إحدى محطات المترو في مدينة لندن، فتنزل السلالم مسرعة باتجاه القطار الذي مازالت أبوابه مفتوحة لكنها توشك أن تغلق..وهنا تأتي الحركة الذكية في الفيلم، إذ يقدم لنا نسختين متوازيتين للكيفية التي ستسير بها حياة بطلتنا. النسخة الأولى تحكي لنا قصتها فيما لو أدركت القطار وعادت لمنزلها في ذلك الوقت تحديداً لتجد مفاجأة كبيرة في انتظارها، أما في النسخة الأخرى فسيفوتها القطار الحالي ثم تعلن المحطة عن توقف جزئي في عملها اليوم، فتضطر لمغادرة المحطة وتحاول العودة للمنزل بطريقة أخرى، فتتعرض لحادث بسيط تصل بعده للبيت متأخرة بضع ساعات، وستأخذ حياتها الأسرية كما المهنية منحيين مختلفين في كلتا الحالتين.
إحدى نقاط القوة والجمالية الكثيرة في هذا الفيلم المميز تمثيلاً وإخراجاً هو أنه يجيب على السؤال الذي كثيرآً ما يؤرقنا كبشر: ماذا لو سارت الأمور على نحو مغاير..أي شخص سأكون عليه هذا اليوم؟ وليس ذلك فحسب بل هو يقدم جرعة مكثفة من الأمل والتفاؤل بالمستقبل، فهنا إثبات لحقيقة أن الحياة لا تقفل في وجهنا باباً حتى تفتح آخر، وإنه ليس ثمة طريق واحدٍ للوصول إلى الأهداف أو تحقيق الرغبات. وهناك لقطة مهمة في نهاية الفيلم توضح بأنه إذا كان مقدراً لنا أن نفارق أحدهم فسنفارقه وإن اختلفت الطريقة التي سيتم بها هذا الفراق، والأمر صحيح أيضاً فيما يتعلق بالالتقاء بآخرين جدد. فما من داعٍ إذن للحسرة والبكاء على اللبن المسكوب، فحين يخيب أملنا تجاه أمر ما فيمكن أن نحزن قليلاً ثم نمضي للإمام باحثين عن ما هو متاح الآن، فبجانب الباب المغلق ولاشك بابٌ آخر مفتوح ينتظر أن نعبره.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

