الحل الثاني


الحل الثاني
– أنا جائع.= لا يوجد طعام الآن.– إذن سأضرب رأسي في الحائط.= ولكن بهذا لن تشبع.– هل لديك حل ثانٍ؟= مهلًا، ما تفعله ليس حلًا أولًا.أحد أهم المغالطات التي تُمارس بشكل متزايد حاليًا هي إنكار الحق في إنكار الحلول غير المجدية لمن لا يملك بعدُ حلًا مجديا.فتخبر أحدهم أن ما يفعله لا يجدي نفعًا، فيبادر بسؤالك عن اقتراحك، الذي قد تكون لم تصل إليه بعد، ولكنك وصلت لعدم جدوى – بل وربما ضرر – ما يحدث.المشكلة أن صاحبنا افترض أنه لكي تكون قادرًا على وصف الخطأ بكونه خطأ فإن هذا يعني بالضرورة أنك تعرف الصواب. وهذا افتراض ليس له ما يقيمه ويرفعه لمستوى الحقائق.لنأخذ مثالًا شهيرًا، من أشهر القضايا التي كانت مثار نقاش حتى وقت قريب وكان يُمارَس في نقاشها تلك المغالطات قضية التظاهر في أماكن معروف مسبقًا أنها فخاخ من الأنظمة المستبدة.–   يا سيدي أنتم تقتلون أنفسكم.= هل لديك حل آخر؟– لا ، ولكن…=  إذن فلتصمت، لقد قُتل منا كثيرون ولن نتوقف احترامًا لدمائهم.هناك أكثر من مغالطة منطقية حدثت هنا، أولها مغالطة منطقية تسمى (التكلفة الغارقة – Sunk Cost Fallacy)، والتكلفة الغارقة اقتصاديًا هي تكلفة تم دفعها بالفعل، ولا يمكن استرجاعها بأي حال.كيف نقع في مغالطة التكلفة الغارقة؟ مثلًا: حجزت تذكرة سينما لفيلم سيعرض قريبًا، ولكن إعياء شديد أصابك يوم العرض، ورغم ذلك تقرر الذهاب لمشاهدة الفيلم لأنك دفعت أموالًا بالفعل، ولا تريدها أن تذهب هباءً، ما يحدث أنك بمغادرتك الفراش حالتك تزداد سوءً، ويتدهور مرضك، ولا يمكنك الاستمتاع بالفيلم، وفي النهاية تتمنى لو أنك لم تذهب. ببساطة لقد وقعت ضحية لمغالطة التكلفة الغارقة.المغالطة الأخرى التي حدثت تسمى (المصادرة على المطلوب – Begging the question) وهي كما يعرفها دكتور عادل مصطفى «هي التسليم بالمسألة المطلوب البرهنة عليها من أجل البرهنة عليها، وذلك بأن تفترض صحة القضية التي تريد البرهنة عليها وتضعها بشكل صريح وضمني في إحدى مقدمات الاستدلال جاعلًا النتيجة مقدمة والمشكلة حلًا».مثلًا: أن ينادي أحدهم بحظر العمل في مهنة كذا لأنها غير مفيدة، ولا أحد يقبل انتشار المهن غير المفيدة للمجمتع، ومن ثم فحظر العمل بها واجب.قد نتفق على إن المجتمع لا يقبل المهن غير المفيدة، ولكنك لم تقدم ما يثبت أن مهنة كذا هي غير مفيدة بالفعل.كيف وقع صاحبنا الأول في هذه المغالطات إذن؟ وقع في مغالطة التكلفة الغارقة حين افترض أنه بسبب دماء الأبرياء التي أريقت بالفعل، فإنه لزامًا عليه أن يموت بنفس الطريقة، وإلا يعتبر خائنًا وإن الدم قد ذهب هباءً. وهذا افتراض خاطئ لأن هناك حلولًا كثيرة للقصاص للشهداء، قد يكون التظاهر أحدها، ولكن ليس بالتأكيد حين تعرف أن هناك فخًا منصوبًا للمتظاهرين من نظامٍ فاسدٍ وحشي، وأن التظاهر في ذلك المكان وذلك الوقت لن يعني سوى دماء جديدة.ووقع في مغالطة المصادرة على المطلوب حين أخبر أنه لن يتراجع حفاظًا على قيم ورسالة الشهداء، دون أن يثبت أن ذلك يخدم رسالتهم بالفعل.إن التوجه لخيار آخر من شأنه أن يراعي الوضع النهائي من ناحية المكاسب والخسائر قد يكون أنفع للرسالة التي قدم الشهداء أرواحهم من أجلها، وحتى إن لم يكن أحد هذه الحلول متاحًا الآن، فهذا لا يعني غض البصر عن ضرر الخيار المتاح، ولا يعني كونه الوحيد المتاح أنه بالضرورة صحيحًا ومُجديًا. ولا يجب على منكر جدوى الحل القائم الآن بالضرورة أن يمتلك حلًا، هو ببساطة يدعوك أن تتوقف عن أن تضر بالقضية التي تناضل من أجلها أو أن تتوقف عن أن تضر نفسك بلا مقابل، وأن تفكر معه في حل مُجدٍ.أخيرًا، إن اختياري لمسألة التظاهر ليس رفضًا للتظاهر أو الاعتصام في ذاته بل هو لتوضيح الأمر على مثال ثري ونوقش كثيرًا وجوبه كثيرٌ ممن ناقشوه بالرد «اصمت طالما لا تملك حلًا ثانيًا».والتظاهر قد يكون حلًا مجديًا جدًا ولكن حين يأخذ منظموه أرواح المتظاهرين بعين الاعتبار، وأن يكون قصد التظاهر ممارسة ضغط ما، أو التعبير عن موقف ما، أو رفض أو تضامن … إلخ، ولكن أن يكون لتقديم قرابين بشرية، فهذا لا يصح شرعًا ولا حتى عقلًا، وليس من السياسة في شيء.
رابط المقال على موقع ساسة بوست : http://www.sasapost.com/opinion/the-second-solution/
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 24, 2016 01:23
No comments have been added yet.