استشارات رقمية للمشكلات الزوجية
تتغير أولويات المرء واهتماماته مع تغير ظروفه المهنية أو الاجتماعية أو الصحية، ولهذا لم يبدأ اهتمامي بزيارة المواقع التي تهتم بالحياة الزوجية والأسرية إلا في الفترة التي تلت
خطوبتي وزواجي، رغبة في الاستفادة من خبرات الآخرين، لسهولة الإبحار في الإنترنت من جهة، ولافتقار المكتبة العربية لكتب جيدة وحديثة في هذا المجال من جهة ثانية.
لو بدأنا بمواقع الإنترنت الزوجية العربية، فقد لفت انتباهي بداية أن صفحة الحجب من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لم تظهر لي، وهي التي تظهر باستمرار مزعج حتى في مواقع لا تفعل شيئاً سوى بيع الزهور! بالرغم من أن الأقسام الخاصة بالحياة الزوجية في غرفة النوم تحتوي على جرأة ملحوظة ومبالغ فيها أحياناً، بحجة أنه لا حياء في الدين، وأن الغرض هو خلق حياة سعيدة بين الزوجين. ولهذا يتبادل أعضاؤها من النساء والرجال من العامة أحاديث ونصائح "زوجية" بكل أريحية، وقد يضع أحدهم موضوعاً يجعل المرء يتصبب عرقاً، فتدخل إحداهن وتردد جزاك الله خيراً على هذه الموضوعات القيمة، وكأنه كان موضوعاً عن فوائد التمر!
ومصدر استغرابي ليس وجود مثل هذه المواقع، ففي مجتمع لا يعترف بالثقافة الجنسية الصحيحة المستمدة من الدين والعلم، سيلجأ الناس إلى أي مصدر للحصول على المعلومات، ولكن أن يكون هذا المجتمع العربي المحافظ نفسه، الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها على سهوة أو هفوة كاتب أو مذيع، هو نفسه لا يمانع من مناقشة أشد الموضوعات خصوصية على هذا النحو، ما دام الأمر يتم تحت أسماء مستعارة.
وإذا أتينا إلى موضوع آخر أكثر أهمية وخطورة، وهو موضوع مناقشة المشكلات الزوجية والأسرية، فسنجد أنه في المنتديات والمواقع العربية المرأة تكاد تكون دائماً صاحبة
الشكوى، وكأن الرجل العربي ليست لديه مشكلات أو لا يحتاج للبحث عن حلول لها، أما في المواقع الإنجليزية مثلاً، فمع أن المرأة هي أيضاً من يشتكي غالباً، لكن هناك أيضاً مساهمات رجالية واضحة.
وفي المنتدى أو الموقع العربي تكرر الشكوى نفسها: الزوج لا يهتم بزوجته أو أسرته إما مادياً أو معنوياً، وقد تكون هناك حالات فيها عنف أسري أو إهانة أو تجاهل تام أو خيانة، وللأسف فإن النصيحة ذاتها تتكرر: عليك بأن تصبري عليه، وهل الأفضل أن تطلقي وتعودي ضيفة ثقيلة في بيت أهلك؟ ثم لماذا لا تكون المشكلة أساساً فيكِ أنتِ؟ للأسف الشديد لا فرق في هذا الجواب بين استشاري نفسي ودكتور يقدم نفسه "كحلال" للمشكلات، وبين شخص من العامة يرغب في تقديم النصيحة، فتخرج المسكينة منهم بخفي حنين، لا بل بإحساس بالذنب بأن الخطأ في الأصل منها. مع أن بعض هذه النصائح يمكن أن تفاقم المشكلة، فحين تشتكي امرأة من سهر زوجها المتكرر، وإدمانه للعمل أو للقات أو للتدخين أو للشراب أو للعب الورق، وكيف أن ذلك الأمر يجعله لا يؤدي لها حقها الزوجي جسدياً وعاطفياً، فنحن هنا أمام امرأة لم يشبعها زوجها، وهي بالتالي معرضة للانحراف. وانحراف الأم وربة المنزل أسوأ بمراحل من انحراف الشابة غير المتزوجة. فبدلا من أن يتم نصحها بمصارحة زوجها أو استشارة طبيب أو طلب مساعدة أسرية، يتم الطلب منها أن تتجاهل الموضوع، لعل المشكلة تُحل من تلقاء نفسها، فلعل الله يهديه!
أما الأسوأ من هذا، حين تتعلق الشكوى بجريمة، مثل تلك السيدة التي لاحظت أن الزوج يتحرش بطفلتهما، فلا تدري ماذا تفعل، فيقال لها ألا تفضح الأب وتسكت من أجل ألا يخرب
بيتها ويتشتت بقية الأطفال، فنحن هنا أمام دعوة صريحة للتستر عن مجرم ومغتصب!
بالمقابل، فإن المواقع باللغة الإنجليزية تقدم صورة مختلفة، فالبيئة الشبكية ليست في النهاية إلا انعكاسا للثقافة على أرض الواقع، ففي مجتمعات تنظر بمساواة للرجل والمرأة، وتتعامل معهما كنديين محاسبين بشكل كلي عن أفعالهما، وعن تقاسمهما المسؤولية فيما يتعلق بأمور الأسرة، فمن الطبيعي أن نجد الطرح يتضمن حلولاً منطقية لمعظم القضايا، ليس من قبل أهل الاختصاص فحسب بل ومن مشاركات العامة أيضاً.
فيتم النظر للمشكلة الرئيسية، وطرح الأسئلة على صاحبة الشكوى، ومحاولة تقديم رؤى وخيارات مختلفة لها، وتكون النصائح عبارة عن دعوة لاتخاذ خطوات عملية، مثل مصارحة الزوج بالمشكلة، أو نصيحة للزوجين بأن يذهبا لمستشاريين متخصصين في حل المشكلات الأسرية، أو تغيير سلوك ما وانتظار ردة الفعل، وغيرها من الاقتراحات التي تبدو منطقية وقد تساهم في حل المشكلة أو على الأقل جعل الشاكية تفهم أسباب تصرف الشخص الثاني بشكل أفضل.
وتتعدى منافع الشبكات الغربية الاجتماعية موضوع الاستشارات، فهي تطرح موضوعات متنوعة مفيدة عن كل ما يتعلق بالحياة الزوجية، سواء ما يتعلق بعلاقة الزوجين مع بعضهما أو علاقتهما مع محيطهما من الأهل والأصدقاء والجيران وزملاء العمل وغيرهم. وعن كيفية التغلب على مشكلات الطباع في السنة الأولى وما بعدها، والمشكلات المادية، والتغييرات النفسية المصاحبة لكل ذلك، ثم ظهور الأطفال في الأسرة وتقاسم الأبوين للمهام بشأنهم، بل وحتى الأغذية والنشاطات التي يمكن أن تساعد في تجاوز كل هذه الصعوبات. أمورٌ مهمة تكاد تكون المعلومات عنها شبه معدومة في المواقع العربية.
من نافلة القول أن المحتوى الرقمي العربي على الشبكة هو دون المستوى المأمول، لا كماً ولا كيفاً، وهذه مسؤولية الأفراد المتخصصين كما هي مسؤولية الحكومات العربية التي تحتاج أن تقدم المزيد من الدعم المادي والمعنوي لتشجيع المبادرات الفردية المتميزة. وبالرغم من أنه يستحيل أن نغير من ثقافة المجتمع بين يوم وليلة، ولكن يمكن أن نحاول توظيف التقنية من أجل تثقيف أفراد هذا المجتمع ونشر الوعي. شريطة أن يكون القائمون على هذه المواقع والمنتديات قد حازوا التأهيل العلمي والثقافي اللازمين، مع شيء من الحكمة، بحيث تؤهلهم كل هذه الأمور لصناعة الفرق في حياة الآخرين.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

