Samar Abdel Jaber's Blog, page 8
August 20, 2011
لست على جزيرة
نشرت في ملحق النهار
يومٌ سيّء
ورغبةٌ للفّ العالم في سيجارة واحدة
وتدخينه إلى أن يغدو رماداً
*
الإعتذار بعد الخطأ لا يجدي دائماً
معظم الأحيان
بعض الصّمت
وبعض الوقت
أكثر بلاغةً
*
رغبةٌ برمي العالم
في حاوية النفايات
والمضيّ نحو وجهةٍ جديدة
*
الإعتذار للّه
في يوم القيامة
قد لا يجدي أيضاً
*
أرسل إعتذاري في رسالةٍ هاتفيّةٍ
قلبي يخفق بسرعةٍ
في انتظار الجواب
*
من القلق ومن الخوف ومن الّتعب
يخفق القلب بسرعةٍ أيضاً
لماذا إذن
معظم الأحيان
نربط خفقاته بالحبّ؟
*
هل كتابة قصيدة من أجل الإعتذار
تجعل احتماليّة قبول الإعتذار
أكثر ارتفاعاً؟
*
هل سيصرخ كلّ منّا يوم القيامة
وهو مكبّلٌ من يديه
ومنساقٌ إلى جهنّم:
"بريء..
أقسم أنّي بريء"
*
ولا ينفع الإعتذار لسمكةٍ
بعد اصطيادها
أو لقتيلٍ
بعد دهسه
أو لحبيبة
كُسِر قلبها مراراً
*
رغبةٌ بتفجير العالم
بقنبلةٍ نوويّة هائلة القدرات
*
سعيدة بقلبي
الّذي لم يزل يشعر بالذنب وبالألم
حين يخطئ
*
لست على جزيرة
ولم أرسم وجهاً على كرةٍ لأصنع صديقاً
لكنّي كثيراً ما أشعر
كما توم هانكس في
"Cast Away"
*
هل تشاؤمٌ
أن أفكّر في بداية حبّنا
بأنّي سأحاول أن أحبّك أقلّ الآن
لكي أتألّم أقل لاحقاً؟
*
هل غباءٌ
في بداية حبّنا
أن أقرأ لك المقطع السّابق؟
*
سعيدة لأن الّله خبّأ القلب عن النظر
سعيدة
لأنّك لا تستطيع أن ترى
كلّ تلك الندوب
*
كم من الأخطاء تتّسع
أطول حياة بشريّة
على وجه الأرض؟
*
هل سأكون على قيد الحياة
حين يكتشفون سرّ ما يحدث بعد الموت؟
*
هل سيكتشفون سرّ ما يحدث بعد الموت؟
*
سعيدة بقلبي
الّذي وجد لنفسه موسيقى
لا يملّ من سماعها
*
صديقي الّذي يعيش في القدس
وصف لي
كيف أنّه لا يستطيع بتاتاً
أن يعيش خارجها
*
ثمّة فرقٌ كبير
بين كلمتي "يقطن"
و"يعيش"
*
حزينةٌ لسببٍ لا أعرفه
أتمنّى أن يصلني خبرٌ جيّدٌ
على الفور
*
هل تحزن حين لا أتّصل
كما أحزن
حين لا تتّصل؟
*
ماذا لو اتّصلتُ بك
ولم تجب؟
قلبي الآن لا يحتمل
ذلك الصّوت المتقطّع
والطّويل والقاسي
كالمسافة الّتي ما بيننا
*
تمّ قبول اعتذاري بنجاح
رغم ذلك
وربّما بسبب ذلك
أصبحت أشعر بالذنب أكثر
*
وحين جاءت أغنية مفرحة
أوقفتها
ووضعت واحدةً حزينة
*
رغبةٌ في ركل العالم
ككرة قدمٍ
إلى مكانٍ بعيد
*
أحزن المصابيح
تلك الّتي انطفأت
ولم ينتبه أحد قط
*
أجمل الأغاني
تلك الّتي نتمنّى لو لا تنتهي
*
محدّقة في ورود الإناء الميتة
تحصين عدد الصداقات الّتي ذبلت
أمام عينيك
*
لو تشتري لي
إناء زهورٍ جميلاً
في عيد ميلادي
*
كأنّي سمعته يلهث
الوقت
الّذي لم يتوقّف قط
*
أغنيةٌ طويلةٌ
كما هذا الّليل
*
ليلٌ شديد القساوة
كصلاةٍ
لا تستجاب
*
ما أحتاجه الآن فقط
بعض أزهار الجاردينيا
الّتي للأسف
لا تنبت في هذه المدينة
*
أشعر برغبة الإستقالة من العمل
وإمضاء الوقت
في تشذيب الزّهور
في حديقة منزلي الزجاجيّ الكبير
*
أجمل ما في الشّعر أيضاً
أنّك تستطيع، مجازاً،
امتلاك منزل زجاجيّ كبير
والإستقالة من العمل قدر ما تريد
*
صلاةٌ
لا تستجاب
كليلٍ شديد القساوة
*
ليلٌ شديد القساوة
كقلبك
الّذي لم ينبئك أن تتّصل
*
صورة عبد النّاصر
بالأبيض والأسود
تثير فيّ حنيناً إلى زمنٍ أجهله
*
بين كلّ الّذين أعرفهم في الحياة
وفي الفايسبوك
أعرف شخصاً واحداً
لا يحبّ فيروز
*
لو قرأ قصيدتي رجلٌ من القرن التاسع عشر
هل كان ليفهم شيئاً؟
*
لو يمكننا أن نبقى
إلى الأبد
في بداية الحبّ
*
هل ذاك الموّال لم يعد يبكيني
لأنّني مللته؟
أم لأنّ قلبي أصبح أكثر قساوةً؟
*
يعود إليّ ذاك الشّعور
حين ودّعتك منذ وقتٍ بعيد
حزينةٌ لأنّ روحي تتألّم إذ تتذكّر
كما لو أنّك رحلت توّاً
*
جروحٌ كثيرةٌ ظننتها شفيت
أحداث كثيرة
ظننت أنّي نسيتها
*
عتمة الّليل
ضوءٌ على الجروح
*
الشريط الإخباري
أسفل الشاشة
يلهث كذلك
*
لا يكفي الآن بتاتاً
أن أصنع
بنقطتين وقوس
وجهاً حزيناً على الشاشة
يومٌ سيّء
ورغبةٌ للفّ العالم في سيجارة واحدة
وتدخينه إلى أن يغدو رماداً
*
الإعتذار بعد الخطأ لا يجدي دائماً
معظم الأحيان
بعض الصّمت
وبعض الوقت
أكثر بلاغةً
*
رغبةٌ برمي العالم
في حاوية النفايات
والمضيّ نحو وجهةٍ جديدة
*
الإعتذار للّه
في يوم القيامة
قد لا يجدي أيضاً
*
أرسل إعتذاري في رسالةٍ هاتفيّةٍ
قلبي يخفق بسرعةٍ
في انتظار الجواب
*
من القلق ومن الخوف ومن الّتعب
يخفق القلب بسرعةٍ أيضاً
لماذا إذن
معظم الأحيان
نربط خفقاته بالحبّ؟
*
هل كتابة قصيدة من أجل الإعتذار
تجعل احتماليّة قبول الإعتذار
أكثر ارتفاعاً؟
*
هل سيصرخ كلّ منّا يوم القيامة
وهو مكبّلٌ من يديه
ومنساقٌ إلى جهنّم:
"بريء..
أقسم أنّي بريء"
*
ولا ينفع الإعتذار لسمكةٍ
بعد اصطيادها
أو لقتيلٍ
بعد دهسه
أو لحبيبة
كُسِر قلبها مراراً
*
رغبةٌ بتفجير العالم
بقنبلةٍ نوويّة هائلة القدرات
*
سعيدة بقلبي
الّذي لم يزل يشعر بالذنب وبالألم
حين يخطئ
*
لست على جزيرة
ولم أرسم وجهاً على كرةٍ لأصنع صديقاً
لكنّي كثيراً ما أشعر
كما توم هانكس في
"Cast Away"
*
هل تشاؤمٌ
أن أفكّر في بداية حبّنا
بأنّي سأحاول أن أحبّك أقلّ الآن
لكي أتألّم أقل لاحقاً؟
*
هل غباءٌ
في بداية حبّنا
أن أقرأ لك المقطع السّابق؟
*
سعيدة لأن الّله خبّأ القلب عن النظر
سعيدة
لأنّك لا تستطيع أن ترى
كلّ تلك الندوب
*
كم من الأخطاء تتّسع
أطول حياة بشريّة
على وجه الأرض؟
*
هل سأكون على قيد الحياة
حين يكتشفون سرّ ما يحدث بعد الموت؟
*
هل سيكتشفون سرّ ما يحدث بعد الموت؟
*
سعيدة بقلبي
الّذي وجد لنفسه موسيقى
لا يملّ من سماعها
*
صديقي الّذي يعيش في القدس
وصف لي
كيف أنّه لا يستطيع بتاتاً
أن يعيش خارجها
*
ثمّة فرقٌ كبير
بين كلمتي "يقطن"
و"يعيش"
*
حزينةٌ لسببٍ لا أعرفه
أتمنّى أن يصلني خبرٌ جيّدٌ
على الفور
*
هل تحزن حين لا أتّصل
كما أحزن
حين لا تتّصل؟
*
ماذا لو اتّصلتُ بك
ولم تجب؟
قلبي الآن لا يحتمل
ذلك الصّوت المتقطّع
والطّويل والقاسي
كالمسافة الّتي ما بيننا
*
تمّ قبول اعتذاري بنجاح
رغم ذلك
وربّما بسبب ذلك
أصبحت أشعر بالذنب أكثر
*
وحين جاءت أغنية مفرحة
أوقفتها
ووضعت واحدةً حزينة
*
رغبةٌ في ركل العالم
ككرة قدمٍ
إلى مكانٍ بعيد
*
أحزن المصابيح
تلك الّتي انطفأت
ولم ينتبه أحد قط
*
أجمل الأغاني
تلك الّتي نتمنّى لو لا تنتهي
*
محدّقة في ورود الإناء الميتة
تحصين عدد الصداقات الّتي ذبلت
أمام عينيك
*
لو تشتري لي
إناء زهورٍ جميلاً
في عيد ميلادي
*
كأنّي سمعته يلهث
الوقت
الّذي لم يتوقّف قط
*
أغنيةٌ طويلةٌ
كما هذا الّليل
*
ليلٌ شديد القساوة
كصلاةٍ
لا تستجاب
*
ما أحتاجه الآن فقط
بعض أزهار الجاردينيا
الّتي للأسف
لا تنبت في هذه المدينة
*
أشعر برغبة الإستقالة من العمل
وإمضاء الوقت
في تشذيب الزّهور
في حديقة منزلي الزجاجيّ الكبير
*
أجمل ما في الشّعر أيضاً
أنّك تستطيع، مجازاً،
امتلاك منزل زجاجيّ كبير
والإستقالة من العمل قدر ما تريد
*
صلاةٌ
لا تستجاب
كليلٍ شديد القساوة
*
ليلٌ شديد القساوة
كقلبك
الّذي لم ينبئك أن تتّصل
*
صورة عبد النّاصر
بالأبيض والأسود
تثير فيّ حنيناً إلى زمنٍ أجهله
*
بين كلّ الّذين أعرفهم في الحياة
وفي الفايسبوك
أعرف شخصاً واحداً
لا يحبّ فيروز
*
لو قرأ قصيدتي رجلٌ من القرن التاسع عشر
هل كان ليفهم شيئاً؟
*
لو يمكننا أن نبقى
إلى الأبد
في بداية الحبّ
*
هل ذاك الموّال لم يعد يبكيني
لأنّني مللته؟
أم لأنّ قلبي أصبح أكثر قساوةً؟
*
يعود إليّ ذاك الشّعور
حين ودّعتك منذ وقتٍ بعيد
حزينةٌ لأنّ روحي تتألّم إذ تتذكّر
كما لو أنّك رحلت توّاً
*
جروحٌ كثيرةٌ ظننتها شفيت
أحداث كثيرة
ظننت أنّي نسيتها
*
عتمة الّليل
ضوءٌ على الجروح
*
الشريط الإخباري
أسفل الشاشة
يلهث كذلك
*
لا يكفي الآن بتاتاً
أن أصنع
بنقطتين وقوس
وجهاً حزيناً على الشاشة
Published on August 20, 2011 02:12
July 12, 2011
هنا القاهرة
نشرت في شباب السفير
في الطريق إلى "وسط البلد"
أنصتّ إلى سائق التاكسي
يروي عن المدينة
قصصاً
لا ينقلها التلفزيون
*
لو كتبت في قصيدتي مجازات جميلة
قالها صديقي في وصفه للقاهرة
هل يعتبر ذلك سرقة؟
*
على أيّة حال
سأنتظر إلى أن يكتب طارق حمدان
مجازاته بنفسه
*
وأشار إلى بنايةٍ قديمةٍ
شوّهتها بعض الطّوابق التي بنيت مؤخّراً
وقال: هذه هي القاهرة
*
وبحزنٍ تأمّلنا
استديو عبد الحليم
ومسرح نجيب الريحاني
اللذين تحوّلا إلى مكانين مهجورين تماماً
*
في غرفة بضوء خافت
ردّد كلمة تراجيديا كثيرا
*
شعرت في لحظةٍ ما
برغبة البقاء في ذاك المكان
إلى الأبد
*
صديقي الفلسطيني
كان يرتدي
في القاهرة
قميصاً كتب عليه:
عطش للحرّية
*
أتذكّر
قصيدة أحمد شوقي
عن الحرّية
*
"ودمعٌ لا يكفكف يا دمشق"
*
أصوات الشارع
في القاهرة
تدخل البيوت
دون استئذان
*
في مقهى قريب من ميدان التحرير
تحدثنا مطوّلاً عن فلسطين
*
ووصف لي شعوره
يوم رأى جدار الفصل العنصري
للمرّة الأولى
*
وفكّرت:
كم أخاف أن أذهب إلى فلسطين ذات يوم
وأشعر بالغربة
*
رغبتي للبكاء في تلك اللحظة
أخفيتها
بصعوبة شديدة
في الطريق إلى "وسط البلد"
أنصتّ إلى سائق التاكسي
يروي عن المدينة
قصصاً
لا ينقلها التلفزيون
*
لو كتبت في قصيدتي مجازات جميلة
قالها صديقي في وصفه للقاهرة
هل يعتبر ذلك سرقة؟
*
على أيّة حال
سأنتظر إلى أن يكتب طارق حمدان
مجازاته بنفسه
*
وأشار إلى بنايةٍ قديمةٍ
شوّهتها بعض الطّوابق التي بنيت مؤخّراً
وقال: هذه هي القاهرة
*
وبحزنٍ تأمّلنا
استديو عبد الحليم
ومسرح نجيب الريحاني
اللذين تحوّلا إلى مكانين مهجورين تماماً
*
في غرفة بضوء خافت
ردّد كلمة تراجيديا كثيرا
*
شعرت في لحظةٍ ما
برغبة البقاء في ذاك المكان
إلى الأبد
*
صديقي الفلسطيني
كان يرتدي
في القاهرة
قميصاً كتب عليه:
عطش للحرّية
*
أتذكّر
قصيدة أحمد شوقي
عن الحرّية
*
"ودمعٌ لا يكفكف يا دمشق"
*
أصوات الشارع
في القاهرة
تدخل البيوت
دون استئذان
*
في مقهى قريب من ميدان التحرير
تحدثنا مطوّلاً عن فلسطين
*
ووصف لي شعوره
يوم رأى جدار الفصل العنصري
للمرّة الأولى
*
وفكّرت:
كم أخاف أن أذهب إلى فلسطين ذات يوم
وأشعر بالغربة
*
رغبتي للبكاء في تلك اللحظة
أخفيتها
بصعوبة شديدة
Published on July 12, 2011 12:36
July 1, 2011
نقصٌ في روحي
نشرت في شباب السفير
صخرة طانيوس
عليّ فقط أن أبحث جيّداً
فلا بدّ في هذه المدينة التي تسوّرها الجبال
لا بدّ من صخرةٍ ما
أتسلّقها ذات يوم
وأختفي بعد ذلك
إلى الأبد
*
كرسيّ فارغ
كما يتردّد في الرّأس لحن انتهى للتوّ
أو كما تلمع أوراق شجرةٍ من أثر هطول المطر
كان ثمّة روحٌ متبقّية
على ذلك الكرسيّ الفارغ
المواجه للبحر تماماً
وكم شعرت بالحزن إذ حسبت أنّ الّذي كان هنا
ليس سوى كافكا
وقد غادر الشاطئ
قبل أن أصل بوقتٍ قليل
*
حياة ثقيلة
متأمّلة أشعة الشمس تعبر بخفّة بين أوراق الأشجار،
أحاول أن أعود بذاكرتي إلى الوقت الّذي كانت فيه الحياة
تعبر الروح بالخفة نفسها
أحاول أن أتذكّر متى أًصبحت ثقيلة
كسقفٍ من الإسمنت
*
نقص
كما تصير لوحة ما جزءاً من الغرفة
هكذا صار غيابكم
وحدهم الغرباء الزائرون
يلحظون وجودها على الحائط
ويلمسون نقصاً في روحي
*
ذاكرة
مضى من الوقت ما يكفي
ساعة اليد اهترأت
والمعطف الجلديّ بهت لونه
والطريق المعبّدة بات يلزمها إصلاحات جديدة
ذاكرتي فقط
بقيت طازجة
كثمرةٍ قطفت للتوّ
*
انتظار
لو ثمة محطة قطارات في هذه المدينة
لذهبت إليها وأمضيت يومي على مقعدٍ ما
مدّعية أنّي أنتظر أحداً
أو لركبت قطاراً
إلى مدينةٍ أخرى
مدّعية أنّ أحداً في انتظاري
*
مثلّث برمودا
في الرأس أيضاً
حيث تختفي الأحلام
التي نعجز عن تذكّرها صباحاً
يحدث كذلك أن تسقط
وجوهٌ وأماكن وأحداث
دون أن نجد لها أثراً بعد ذلك
*
الحنين
حنينٌ كثير
لأنّه الليل
ويحدث في العتمة
أن يتعثّر القلب
في طريقه نحو النّهار
بالكثير من الذكريات
*
Arna's Children continues
الصّوت خلف الكاميرا يقول:
"هذا هو جوليانو خميس –
في نيسان من عام 2011
سيستشهد على أيدي مسلّحين مجهولين
بالقرب من مسرح الحريّة"
صخرة طانيوس
عليّ فقط أن أبحث جيّداً
فلا بدّ في هذه المدينة التي تسوّرها الجبال
لا بدّ من صخرةٍ ما
أتسلّقها ذات يوم
وأختفي بعد ذلك
إلى الأبد
*
كرسيّ فارغ
كما يتردّد في الرّأس لحن انتهى للتوّ
أو كما تلمع أوراق شجرةٍ من أثر هطول المطر
كان ثمّة روحٌ متبقّية
على ذلك الكرسيّ الفارغ
المواجه للبحر تماماً
وكم شعرت بالحزن إذ حسبت أنّ الّذي كان هنا
ليس سوى كافكا
وقد غادر الشاطئ
قبل أن أصل بوقتٍ قليل
*
حياة ثقيلة
متأمّلة أشعة الشمس تعبر بخفّة بين أوراق الأشجار،
أحاول أن أعود بذاكرتي إلى الوقت الّذي كانت فيه الحياة
تعبر الروح بالخفة نفسها
أحاول أن أتذكّر متى أًصبحت ثقيلة
كسقفٍ من الإسمنت
*
نقص
كما تصير لوحة ما جزءاً من الغرفة
هكذا صار غيابكم
وحدهم الغرباء الزائرون
يلحظون وجودها على الحائط
ويلمسون نقصاً في روحي
*
ذاكرة
مضى من الوقت ما يكفي
ساعة اليد اهترأت
والمعطف الجلديّ بهت لونه
والطريق المعبّدة بات يلزمها إصلاحات جديدة
ذاكرتي فقط
بقيت طازجة
كثمرةٍ قطفت للتوّ
*
انتظار
لو ثمة محطة قطارات في هذه المدينة
لذهبت إليها وأمضيت يومي على مقعدٍ ما
مدّعية أنّي أنتظر أحداً
أو لركبت قطاراً
إلى مدينةٍ أخرى
مدّعية أنّ أحداً في انتظاري
*
مثلّث برمودا
في الرأس أيضاً
حيث تختفي الأحلام
التي نعجز عن تذكّرها صباحاً
يحدث كذلك أن تسقط
وجوهٌ وأماكن وأحداث
دون أن نجد لها أثراً بعد ذلك
*
الحنين
حنينٌ كثير
لأنّه الليل
ويحدث في العتمة
أن يتعثّر القلب
في طريقه نحو النّهار
بالكثير من الذكريات
*
Arna's Children continues
الصّوت خلف الكاميرا يقول:
"هذا هو جوليانو خميس –
في نيسان من عام 2011
سيستشهد على أيدي مسلّحين مجهولين
بالقرب من مسرح الحريّة"
Published on July 01, 2011 08:41
June 17, 2011
وكان القمر مكتملاً
نشرت في ملحق النهار تقول أم كلثوم: "هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا" ويقول عمر الخيّام: "إنّما الجنّة و الّنار في ذات نفسك" – الربط ما بين مجازين جميلين مجازٌ أيضاً.
*
الآن فرحٌ كثيرٌ كما في "أغداً ألقاك" حزنٌ كثيرٌ كما في "الأطلال".
*
كم جميلٌ أن ننسى كلَّ شيء فجأةً أن يصبح دماغ كلًّ منّا خالياً تماماً كأنّنا طفلان ولدا توّاً.. كم جميلٌ، بعد منتصف الّليل، أن نغنّي معاً كصديقين.
*
لم أخبرك من قبل أنّ أجمل الأشياء التي قد تحدث لي أن تهمس شعر محمود درويش في أذني ونحن نغفو.
*
رأيت محمود درويش ثلاث مرّات في حياتي وكان قلبي في كلّ مرّة يخفق بشدّة كما لو أنّي واقعة في الحبّ.
*
أفتقد محمود درويش، ليس بالمعنى المجازيّ بل بالمعنى الحقيقيّ.. لكن ذلك لا يعني أن لا أكتب مجازاً عنه.
*
جميلٌ أيضاً أن تضع رأسك بين كفّيك و أنت تفكّر – لسببٍ ما، تصبح المشاهد سينمائيّة أكثر بعد منتصف الّليل.
*
أجمل ما في الشّعر أنّك تستطيع أن تكذب بسهولةٍ مثل أن تقول: "منتصف الّليل" مع أنّ الوقت ظهرٌ ولن يكون في مقدور أحد أن يثبت أنّك تكذب.
*
قد أكون كذبت في المجاز الأخير.
*
لسببٍ ما، المجاز حين يكون في الرّأس يكون أجمل لذلك نشعر أنّ المجازات التي خطرت لنا ذات مرّة ثمّ نسيناها هي أجمل المجازات.
*
كانت أشبه بحلمٍ جميلٍ تلك اللّيلة حين استمعت إلى سيمون شاهين وريما خشيش معاً في عرضٍ حيّ في مسقط – أذكر جيّداً أنّ القمر في تلك اللّيلة كان مكتملاً.
*
ربّما ما أحتاجه فقط عشاءٌ على ضوء الشّموع.
*
أفكّر: كيف تتقلّص السّعادة فجأةً لتصبح في غاية البساطة كعشاءٍ على ضوء الشّموع.
*
أفكّر أيضاً: كيف الحزن يكبر ويصبح ثقيلاً كعشاءٍ عائلي على ضوء الشموع تحت قصفٍ اسرائيلي في أحد بيوت غزّة.
*
محزنةٌ الحروب التي تنهي حياة الكثيرين وتصبح، بعد مرور بضع سنوات، مجرّد حدثٍ يُذكر في حديثٍ عابرٍ.
*
النسيان يحدث حين الحاضر يحكم قبضته على عنق الماضي.
*
قد تكتب مجازاً وتنسى حين تقرأه لاحقاً ما قصدته حين كتبته لكنك قد تنسى أيضاً أنّك نسيت.
*
منغمسَيْن في قراءة "جداريّة" محمود درويش طلع الصّباح من دون أن ننتبه.
*
وجب التوضيح: ليس دائماً الشّيطان ثالثهما.
*
لاحظت الآن أنّه منذ زمنٍ طويل لم تمرّ ساعة من دون أن أتفقّد السّاعة.
*
فقط لو أنّ "إسرائيل" كلمة عابرة في حديثٍ عابر.
*
منذ فترةٍ طويلةٍ لم أتأمّل الألوان جيّداً ولم أفكّر في اختلاف وقعها عليّ بحسب اختلاف الّلون منذ فترةٍ طويلةٍ وكلّ الألوان لونٌ واحد.
*
لأسبابٍ قصصيّة ربّما كلمة "سِحر" يصبح لها وقعٌ سحريٌّ أكثر في الّليل.
*
هل يحقّ للشّاعر رفع المفعول به ونصب الفاعل من منطلق أنّه يحقّ له ما لا يحق لغيره حتّى وإن كان "غيره" مدقّقاً لغويّاً.
*
أكره اسرائيل أكثر من كرهي للعقارب والصراصير والفئران والقطط – ولا أستطيع أن أصف لكم مدى كرهي للقطط – أكثر من الذباب على وجبة طعام والبعوض في ليلةٍ صيفيّة و"الأم أربع وأربعين" في حذاء والسّحليّات أعلى السّقف في ليلة أرق والعناكب – ومن لا يكره العناكب – وأكثر من الجراد الّذي سمعت مؤخّراً أنّه يؤكل مقليّاً أو مشويّاً في مدنٍ كثيرة.
*
أتذكّر فجأة السّنفور الّذي كان يقول دوماً: "أنا أكره كلّ شيء".
*
على سيرة السّنافر، ثمّة تشابه بين اللغة الخطابيّة للقذّافي واللغة الخطابيّة لشرشبيل: "سأقضي عليكم ولو كان هذا آخر عملٍ في حياتي".
*
اعتراف شخصيّ قد أندم عليه غداً: أعتقد أنّي كنت، في صغري، واقعة في حبّ الكابتن ماجد.
*
كم أفتقد ذاك الوقت الّذي كانت فيه أكبر همومي أن أحفظ عن غيب أسباب الحرب العالميّة الأولى.
*
تُرى كيف كانت حال العالم لتكون الآن لو لم يُغتل ولي عهد النّمسا؟
*
الآن فرحٌ كثيرٌ كما في "أغداً ألقاك" حزنٌ كثيرٌ كما في "الأطلال".
*
كم جميلٌ أن ننسى كلَّ شيء فجأةً أن يصبح دماغ كلًّ منّا خالياً تماماً كأنّنا طفلان ولدا توّاً.. كم جميلٌ، بعد منتصف الّليل، أن نغنّي معاً كصديقين.
*
لم أخبرك من قبل أنّ أجمل الأشياء التي قد تحدث لي أن تهمس شعر محمود درويش في أذني ونحن نغفو.
*
رأيت محمود درويش ثلاث مرّات في حياتي وكان قلبي في كلّ مرّة يخفق بشدّة كما لو أنّي واقعة في الحبّ.
*
أفتقد محمود درويش، ليس بالمعنى المجازيّ بل بالمعنى الحقيقيّ.. لكن ذلك لا يعني أن لا أكتب مجازاً عنه.
*
جميلٌ أيضاً أن تضع رأسك بين كفّيك و أنت تفكّر – لسببٍ ما، تصبح المشاهد سينمائيّة أكثر بعد منتصف الّليل.
*
أجمل ما في الشّعر أنّك تستطيع أن تكذب بسهولةٍ مثل أن تقول: "منتصف الّليل" مع أنّ الوقت ظهرٌ ولن يكون في مقدور أحد أن يثبت أنّك تكذب.
*
قد أكون كذبت في المجاز الأخير.
*
لسببٍ ما، المجاز حين يكون في الرّأس يكون أجمل لذلك نشعر أنّ المجازات التي خطرت لنا ذات مرّة ثمّ نسيناها هي أجمل المجازات.
*
كانت أشبه بحلمٍ جميلٍ تلك اللّيلة حين استمعت إلى سيمون شاهين وريما خشيش معاً في عرضٍ حيّ في مسقط – أذكر جيّداً أنّ القمر في تلك اللّيلة كان مكتملاً.
*
ربّما ما أحتاجه فقط عشاءٌ على ضوء الشّموع.
*
أفكّر: كيف تتقلّص السّعادة فجأةً لتصبح في غاية البساطة كعشاءٍ على ضوء الشّموع.
*
أفكّر أيضاً: كيف الحزن يكبر ويصبح ثقيلاً كعشاءٍ عائلي على ضوء الشموع تحت قصفٍ اسرائيلي في أحد بيوت غزّة.
*
محزنةٌ الحروب التي تنهي حياة الكثيرين وتصبح، بعد مرور بضع سنوات، مجرّد حدثٍ يُذكر في حديثٍ عابرٍ.
*
النسيان يحدث حين الحاضر يحكم قبضته على عنق الماضي.
*
قد تكتب مجازاً وتنسى حين تقرأه لاحقاً ما قصدته حين كتبته لكنك قد تنسى أيضاً أنّك نسيت.
*
منغمسَيْن في قراءة "جداريّة" محمود درويش طلع الصّباح من دون أن ننتبه.
*
وجب التوضيح: ليس دائماً الشّيطان ثالثهما.
*
لاحظت الآن أنّه منذ زمنٍ طويل لم تمرّ ساعة من دون أن أتفقّد السّاعة.
*
فقط لو أنّ "إسرائيل" كلمة عابرة في حديثٍ عابر.
*
منذ فترةٍ طويلةٍ لم أتأمّل الألوان جيّداً ولم أفكّر في اختلاف وقعها عليّ بحسب اختلاف الّلون منذ فترةٍ طويلةٍ وكلّ الألوان لونٌ واحد.
*
لأسبابٍ قصصيّة ربّما كلمة "سِحر" يصبح لها وقعٌ سحريٌّ أكثر في الّليل.
*
هل يحقّ للشّاعر رفع المفعول به ونصب الفاعل من منطلق أنّه يحقّ له ما لا يحق لغيره حتّى وإن كان "غيره" مدقّقاً لغويّاً.
*
أكره اسرائيل أكثر من كرهي للعقارب والصراصير والفئران والقطط – ولا أستطيع أن أصف لكم مدى كرهي للقطط – أكثر من الذباب على وجبة طعام والبعوض في ليلةٍ صيفيّة و"الأم أربع وأربعين" في حذاء والسّحليّات أعلى السّقف في ليلة أرق والعناكب – ومن لا يكره العناكب – وأكثر من الجراد الّذي سمعت مؤخّراً أنّه يؤكل مقليّاً أو مشويّاً في مدنٍ كثيرة.
*
أتذكّر فجأة السّنفور الّذي كان يقول دوماً: "أنا أكره كلّ شيء".
*
على سيرة السّنافر، ثمّة تشابه بين اللغة الخطابيّة للقذّافي واللغة الخطابيّة لشرشبيل: "سأقضي عليكم ولو كان هذا آخر عملٍ في حياتي".
*
اعتراف شخصيّ قد أندم عليه غداً: أعتقد أنّي كنت، في صغري، واقعة في حبّ الكابتن ماجد.
*
كم أفتقد ذاك الوقت الّذي كانت فيه أكبر همومي أن أحفظ عن غيب أسباب الحرب العالميّة الأولى.
*
تُرى كيف كانت حال العالم لتكون الآن لو لم يُغتل ولي عهد النّمسا؟
Published on June 17, 2011 23:18
April 19, 2011
قلب كرقعة شطرنج
مجموعة قصائد نشرت في ملحق النهار ذهولٌ أقلّ
لا بدّ من ذهولٍ أقلّ عند نهاية الأشياء. لا بدّ من ذهولٍ أقلّ. حين الصداقات تخفت تدريجياً، كما لو مياهٌ أخذت تتدفّق فجأةً لتفصل ضفّتين، لتصنع نهراً بارداً بينهما. حين الحبّ يتحوّل من نسمةٍ إلى رياحٍ عاصفة، من دفءٍ إلى قيظٍ شديد. حين الموت يأخذ قريباً ما، فجأةً، خاطفاً إياه من دون أن يطلب فديةً، رافضاً كل مساومات الألم، متجاهلاً مفاوضات الدموع. حين نغادر أمكنةً، موجِّهين أنظارنا إلى الخلف لوقتٍ طويل، بحنينٍ يجعلها، كلّما ابتعدنا، أقرب من ذي قبل. لا بدّ من حزنٍ أقلّ. الصداقات التي تبهت فجأةً. الأسماء التي لم تعد تظهر على الشاشة. الأبواب التي لم تعد تُطرَق. الحبّ الذي لم يبق منه سوى ذكرى تحفّزها أغنية في سيّارةٍ عابرة في الطريق. الموت الذي يأتي ويذهب على غفلة، أسرع من أن تلتقطه عين، أسرع من أن تشكوه شفاهٌ إلى السماء. الأمكنة التي نحدّق في تفاصيلها ونحن على بعد أميالٍ منها. الوجوه التي نأتي بها إلى أحلامنا كلّ ليلة، كأننا عصافير لا تريد أن تغادر أقفاصها ذات الأبواب المفتوحة.
ميتات كثيرة
(إلى جدتي)
خمس سنوات مرّت وما زلتُ، مناماً تلو آخر، أرى وجهها يتلاشى أمامي خلف ضباب الموت. أراه يختفي، كلّ مرة، كما لو أنه لم يختفِ من قبل. كما لو أنه يختفي إلى الأبد. لا يحزنني أنني أخوض الألم نفسه، بقلبٍ ملتئم، مرة تلو أخرى، بقدر ما يؤلمني ذاك الحزن الذي يبدو كلّ مرة أوضح في ملامحها وهي تخوض، بسببي، الكثير من الميتات.
سقوط
لكنّ تعليمات السلامة التي تردّدونها في كل رحلة لا تعنيني. تلك التي تردّدونها، بكلّ جدية، كما لو أنها الرحلة الأولى. كما لو أنها الرحلة الأخيرة. لا أبالي بها بتاتاً. لأن روحي سقطت منذ وقتٍ طويل. سقطت في تلك الرحلة حين غادرت بيروت للمرة الأولى. سقطت بدون أن تجد سترة نجاة أو قناع أوكيسجين... روحي، التي لا تزال آخذة في السقوط حتى الآن.
حياة كشريطٍ مصوّر
كثيراً ما تمرّ حياتي بكاملها أمامي. تمرّ كشريطٍ مصوّر. كفيلمٍ وثائقي لمخرج رديء. أرى سنواتها قليلة أحياناً. أقلّ بكثير من عدد حبّات المنوّم التي وجدت طريقها إلى حلقي. أراها كثيرة أحياناً أخرى. أكثر بكثير من الأمنيات التي تمكنتُ من تحقيقها. أرى أحلاماً أخذت تتسرّب منها شيئاً فشيئاً، كما يتسرّب المطر من صدعٍ في الحائط، غير تاركٍ سوى رائحة عفنة وبقع سوداء تلطّخ البياض. أرى الاحتمالات البديلة لأحداث أخذتني في طرقٍ لم أمتلك خريطةً لها. أرى الاحتمالات الصحيحة لأخطاء أسقطتني في أودية معتمة، لم أمتلك نوراً لاجتيازها. أرى أوقاتاً ظننتها سيئة حينذاك. وأخرى ظننتها رائعة في ذلك الحين. أرى أوقاتاً كانت سيئة حقّاً. أرى أشخاصاً ظننتهم يبقون. أرى ليالي ظننتها لن تمرّ. وأيّاماً ثقيلةً ظننتها لن تمضي. أرى عناقات، كنت لأجعلها أقوى لو علمت أنها عناقات وداع. ووجوهاً، لحدّقت فيها أكثر لو عرفت أني أراها للمرّة الأخيرة. أرى من الحبّ ما يكفي ليوقف حرباً، ومن الألم ما يكفي ليبدأ أخرى. أرى من الندم ما يكفي لأستحقّ فرصاً ثانيةً.
كثيراً ما تمرّ حياتي أمامي. كمشهدٍ مبتذل يجسّد اللحظات الأخيرة قبل موت أحدٍ ما في فيلمٍ أميركيّ.
أن تقع في الحبّ
أن تقع في الحبّ يعني أن ترى هالة ضوئيّة تحيط بالآخر. ضوءٌ ساطعٌ الى درجة يجعل ما هو سيّئ مقبولاً، وما هو مقبول جميلاً، وما هو جميل جميلاً جدّاً. أن تقع في الحب يعني أن تجد، بسهولة، أعذاراً لأخطاء الآخر، يعني أن ترى أحياناً زهرةً في غابة من الأشواك، يعني أن ترى فراشة في حقل من الأفاعي. أن تقع في الحبّ يعني أن تعطي كثيراً، أن تتبرّع بكامل ثروتك من المشاعر، من قلبٍ جيوبه لا تفرغ أبداً. أن تقع في الحبّ يعني أن تتألّم مراراً، يعني أن تكون اليد نفسها التي تلكمك في قلبك هي اليد التي تمنحك مسكّنات الألم. يعني أن تجد نفسك في زنزانة، سجّانها يسكن في رأسك، ومفتاحها لا يمكن العثور عليه. أن تقع في الحبّ يعني أن تعيش في عالمٍ افتراضي، تقسم للجميع بأنه موجود، لكن لا أحد يراه غيرك. أن تقع في الحبّ يعني أن تقع في الأخطاء نفسها مرة تلو أخرى، يعني أن تتعثّر بالحجر نفسه مرة تلو أخرى، عاجزاً عن إزاحته من طريقك. أن تقع في الحبّ يعني أن يصبح قلبك رقعة شطرنج. حركة صغيرة تعطيك الكثير من الأمل، حركة تليها تأخذ منك كلّ شيء. يعني أن يصبح قلبك قطعة نقدية تُرمى في الهواء في كلّ لحظة وأنت تراقبها عاجزاً. تراقبها مذهولاً بعينيك المأخوذتين بهالةٍ ضوئية شديدة السطوع.
هل تدرك نفسها جيّداً؟
ترى هل تدرك نفسها جيّداً هذي الجبال؟ هل تعرف أشجارها واحدةً واحدة؟ هل تمضي عصر يومٍ ما وهي تتذكّر كيف نمت كلّ واحدةٍ منها؟ هل تشعر بكلّ نسمة هواء تحرّك حصاها؟ هل تدرك أنّ ما يدغدغها مرور الثعابين بين أعشابها؟ هل تعرف أن ما تسمعه طنين نحل يحوم حول زهورها؟ هل تعرف زهورها وتشعر بها وهي تتفتّح ورقةً ورقة؟ هل تغفو ليلاً أم أن عويل الذئاب على قممها دليلٌ على أرقها الدائم؟ ترى هل تدرك نفسها جيّداً هذي الجبال، التي بكلّ ما تحفل به من حيوات، تغدو، للحظات، محض لمحةٍ لفتاة تعبر الشارع الرئيسيّ للمدينة، وتفكّر كيف أنها، ربّما مثلها، تشعر بكلّ ما يحدث في داخلها لكنها لا تدرك نفسها جيّداً.
لا بدّ من ذهولٍ أقلّ عند نهاية الأشياء. لا بدّ من ذهولٍ أقلّ. حين الصداقات تخفت تدريجياً، كما لو مياهٌ أخذت تتدفّق فجأةً لتفصل ضفّتين، لتصنع نهراً بارداً بينهما. حين الحبّ يتحوّل من نسمةٍ إلى رياحٍ عاصفة، من دفءٍ إلى قيظٍ شديد. حين الموت يأخذ قريباً ما، فجأةً، خاطفاً إياه من دون أن يطلب فديةً، رافضاً كل مساومات الألم، متجاهلاً مفاوضات الدموع. حين نغادر أمكنةً، موجِّهين أنظارنا إلى الخلف لوقتٍ طويل، بحنينٍ يجعلها، كلّما ابتعدنا، أقرب من ذي قبل. لا بدّ من حزنٍ أقلّ. الصداقات التي تبهت فجأةً. الأسماء التي لم تعد تظهر على الشاشة. الأبواب التي لم تعد تُطرَق. الحبّ الذي لم يبق منه سوى ذكرى تحفّزها أغنية في سيّارةٍ عابرة في الطريق. الموت الذي يأتي ويذهب على غفلة، أسرع من أن تلتقطه عين، أسرع من أن تشكوه شفاهٌ إلى السماء. الأمكنة التي نحدّق في تفاصيلها ونحن على بعد أميالٍ منها. الوجوه التي نأتي بها إلى أحلامنا كلّ ليلة، كأننا عصافير لا تريد أن تغادر أقفاصها ذات الأبواب المفتوحة.
ميتات كثيرة
(إلى جدتي)
خمس سنوات مرّت وما زلتُ، مناماً تلو آخر، أرى وجهها يتلاشى أمامي خلف ضباب الموت. أراه يختفي، كلّ مرة، كما لو أنه لم يختفِ من قبل. كما لو أنه يختفي إلى الأبد. لا يحزنني أنني أخوض الألم نفسه، بقلبٍ ملتئم، مرة تلو أخرى، بقدر ما يؤلمني ذاك الحزن الذي يبدو كلّ مرة أوضح في ملامحها وهي تخوض، بسببي، الكثير من الميتات.
سقوط
لكنّ تعليمات السلامة التي تردّدونها في كل رحلة لا تعنيني. تلك التي تردّدونها، بكلّ جدية، كما لو أنها الرحلة الأولى. كما لو أنها الرحلة الأخيرة. لا أبالي بها بتاتاً. لأن روحي سقطت منذ وقتٍ طويل. سقطت في تلك الرحلة حين غادرت بيروت للمرة الأولى. سقطت بدون أن تجد سترة نجاة أو قناع أوكيسجين... روحي، التي لا تزال آخذة في السقوط حتى الآن.
حياة كشريطٍ مصوّر
كثيراً ما تمرّ حياتي بكاملها أمامي. تمرّ كشريطٍ مصوّر. كفيلمٍ وثائقي لمخرج رديء. أرى سنواتها قليلة أحياناً. أقلّ بكثير من عدد حبّات المنوّم التي وجدت طريقها إلى حلقي. أراها كثيرة أحياناً أخرى. أكثر بكثير من الأمنيات التي تمكنتُ من تحقيقها. أرى أحلاماً أخذت تتسرّب منها شيئاً فشيئاً، كما يتسرّب المطر من صدعٍ في الحائط، غير تاركٍ سوى رائحة عفنة وبقع سوداء تلطّخ البياض. أرى الاحتمالات البديلة لأحداث أخذتني في طرقٍ لم أمتلك خريطةً لها. أرى الاحتمالات الصحيحة لأخطاء أسقطتني في أودية معتمة، لم أمتلك نوراً لاجتيازها. أرى أوقاتاً ظننتها سيئة حينذاك. وأخرى ظننتها رائعة في ذلك الحين. أرى أوقاتاً كانت سيئة حقّاً. أرى أشخاصاً ظننتهم يبقون. أرى ليالي ظننتها لن تمرّ. وأيّاماً ثقيلةً ظننتها لن تمضي. أرى عناقات، كنت لأجعلها أقوى لو علمت أنها عناقات وداع. ووجوهاً، لحدّقت فيها أكثر لو عرفت أني أراها للمرّة الأخيرة. أرى من الحبّ ما يكفي ليوقف حرباً، ومن الألم ما يكفي ليبدأ أخرى. أرى من الندم ما يكفي لأستحقّ فرصاً ثانيةً.
كثيراً ما تمرّ حياتي أمامي. كمشهدٍ مبتذل يجسّد اللحظات الأخيرة قبل موت أحدٍ ما في فيلمٍ أميركيّ.
أن تقع في الحبّ
أن تقع في الحبّ يعني أن ترى هالة ضوئيّة تحيط بالآخر. ضوءٌ ساطعٌ الى درجة يجعل ما هو سيّئ مقبولاً، وما هو مقبول جميلاً، وما هو جميل جميلاً جدّاً. أن تقع في الحب يعني أن تجد، بسهولة، أعذاراً لأخطاء الآخر، يعني أن ترى أحياناً زهرةً في غابة من الأشواك، يعني أن ترى فراشة في حقل من الأفاعي. أن تقع في الحبّ يعني أن تعطي كثيراً، أن تتبرّع بكامل ثروتك من المشاعر، من قلبٍ جيوبه لا تفرغ أبداً. أن تقع في الحبّ يعني أن تتألّم مراراً، يعني أن تكون اليد نفسها التي تلكمك في قلبك هي اليد التي تمنحك مسكّنات الألم. يعني أن تجد نفسك في زنزانة، سجّانها يسكن في رأسك، ومفتاحها لا يمكن العثور عليه. أن تقع في الحبّ يعني أن تعيش في عالمٍ افتراضي، تقسم للجميع بأنه موجود، لكن لا أحد يراه غيرك. أن تقع في الحبّ يعني أن تقع في الأخطاء نفسها مرة تلو أخرى، يعني أن تتعثّر بالحجر نفسه مرة تلو أخرى، عاجزاً عن إزاحته من طريقك. أن تقع في الحبّ يعني أن يصبح قلبك رقعة شطرنج. حركة صغيرة تعطيك الكثير من الأمل، حركة تليها تأخذ منك كلّ شيء. يعني أن يصبح قلبك قطعة نقدية تُرمى في الهواء في كلّ لحظة وأنت تراقبها عاجزاً. تراقبها مذهولاً بعينيك المأخوذتين بهالةٍ ضوئية شديدة السطوع.
هل تدرك نفسها جيّداً؟
ترى هل تدرك نفسها جيّداً هذي الجبال؟ هل تعرف أشجارها واحدةً واحدة؟ هل تمضي عصر يومٍ ما وهي تتذكّر كيف نمت كلّ واحدةٍ منها؟ هل تشعر بكلّ نسمة هواء تحرّك حصاها؟ هل تدرك أنّ ما يدغدغها مرور الثعابين بين أعشابها؟ هل تعرف أن ما تسمعه طنين نحل يحوم حول زهورها؟ هل تعرف زهورها وتشعر بها وهي تتفتّح ورقةً ورقة؟ هل تغفو ليلاً أم أن عويل الذئاب على قممها دليلٌ على أرقها الدائم؟ ترى هل تدرك نفسها جيّداً هذي الجبال، التي بكلّ ما تحفل به من حيوات، تغدو، للحظات، محض لمحةٍ لفتاة تعبر الشارع الرئيسيّ للمدينة، وتفكّر كيف أنها، ربّما مثلها، تشعر بكلّ ما يحدث في داخلها لكنها لا تدرك نفسها جيّداً.
Published on April 19, 2011 02:36