Badr El-Serwy's Blog, page 2
February 10, 2020
أفئدة تهوي إليهم: ما وثقه أدب الرحلة عن الحج
توثيق الأسفار بالكتابة عنها ووصف ما شاهد فيها سُمي بأدب الرحلة، والذي يعد من أهم فنون الأدب العربي، وأكثرها تسلية للقاريء وقربًا لنفسه، وكان من أهم أغراض السفر والتنقل قديمًا في عصر ما قبل الحداثة؛ الحج. كتب الأدباء والمستشرقين عن رحلتهم للأراضي المُقدسة، حكوا في هذه الكتابات عن جغرافيا المكان وطبيعته، وكيف يتطور الأمر من كاتب لآخر بحسب الفترة الزمنية التي حج فيها البيت، من حيث الطريق وافتقاده للأمن قديمًا، ثم تيسير سُبُله حديثًا، ووسيلة السفر وتقدم المرافق، وكذلك البيئة وثقافتها، وعاداتها، ولكن أهم ما وثقوه، كان الأثر العميق، والعجيب للمكان في قلوبهم..
منذ ألفي عام قبل الميلاد، رجل بأمة، استقر في قلبه إيمان شديد، حين اطمأن قلبه أن القادر على جمع أجزاء الطير المذوحة من قمم جبال مختلفة، قادر على أن يستجيب دعوته حين ترك زوجته ورضيعها بوادٍ غير ذي زرع بأن يجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم، وقد كان، بدعاء امرأة صالحة اسمها هاجر، وسعيها بين جبلين لعل أحد يغيثها، وبمعجزة، ضرب طفلًا الأرض بقدمه، فكان زمزم. بامرأة وطفل ودعاء ومعجزة قامت حضارة..
الكاتبة المصرية نعمات أحمد فؤاد تنقلت عبر دول العالم، أوروبا وأمريكا وتركيا والمغرب وليبيا وغيرها، ووثقت هذه الرحلات في كتابها (رحلة الشرق والغرب) وأهم ما تناولته في كتابها رحلتها إلى الحجاز عام 1982م، ومما ترويه في كتابها: "في هذا البيت الله وحده الأكبر، وهو وحده الأعلى، وهو وحده الأعظم، هنا تسقط الأقنعة، كل الأقنعة تسقط الزيوف، حيث الإنسان كل الإنسان، لا يستثنى غني أو متعلم أو ملك أو أمير، الكل فب هذا البيت صغير صغير، والعظمة لك، ضعيف ضعيف، والقوة لك، عاجز عاجز، والحول والطول لك.."، وتقول في وصفها للسعي بين الصفا والمروة: "المكان نهران، أحدهما للسعي والآخر للعودة، وفي الوسط نهران آخران للمرضى وأصحاب الكراسي، وهنا.. رأيت ألوانا من البر، ابنا يدفع الكرسي سعيا بأمه بين الصفا والمروة، وأبا يحمل ثلاثة من صغاره في الكرسي ويدفعه أمامه، إنه لون من العطاء، وما أقدر الآباء على العطاء.. ليت الأبناء يعرفون."
أكثر ما يثير في الحجاج الشجن والوجد، أن في كل أثر يمرون به وقف نبي، فيقول الكاتب أنيس منصور عن رحلته إلى الأراضي المقدسة: "من الذي لا يحاول أن يسير في نفس الطريق الذي سار فيه الرسول العظيم ، في هذا الطريق إلى غار حراء سار الرسول أكثر من ألفي يوم، طالعا نازلا، متفكرا متأملا خفيفا بصفاء روحه وثقيلا بهموم قومه وكل الناس.. أريد أن أرى، أن ألمس، أن أتذكر، أن أسترجع، أن أكون على مقربة من مكان تغيرت فيه الدنيا، فهناك كان الرسول وحده..مع الله .." كذلك يصف أحمد حسن الزيات شعوره وهو يقتفي أثر النبي وأصحابه فيقول: "إن في كل بقعة من بقاع الحجاز أثرا للفداء ورمزًا للبطولة، فالحج إليها إيحاء بالعزة، وحفز إلى السمو، وحث على التحرر، وتذكير بالوحدة.. هنا غار حراء مهبط الوحي، وهنا دار الأرقم رمز التضحية، وهنا غار ثور منشأ المجد، وهذا هو البيت الذي احتبى بفنائه أبوبكر وعمر وعلي وعمرو وسعد وخالد، والغطاريف من بني هاشم وبني أمية، وتلك هي البطحاء التي درج رمالها قواد العالم وهداة الخليقة."
ومن الصور العظيمة التي وصفت المكان، هو وصف عباس العقاد، الذي سافر إلى أرض الحجاز عام 1946م، لحمام الحرم، فيقول: "منظر ثالث أخذني بجماله في جوار البيت الحرام، هو منظر الحمام الآمن الوداع في ذلك المقام، لا يخشى ولا يفزع، بل يظل طوال نهاره في طواف على الأرض وطواف في الهواء. وأعجب ما سمعت ورأيت أنه يطوف حول الكعبة ولا يعلو عليها فرادى ولا جماعات. وقد سمعت بهذه الخاصية في حمام البيت قبل أن أراه، فلما رأيته في طواف العمرة وطواف الوداع، تحريت أن أتعقبه، في كل مذهب من مذاهب مطاره، فإذا هو كما سمعت، يطوف ولا يتعدى المطاف إلى العبور. أدب الناس في هذا المقام المهيب نعرف سره ونعرف مصدر الوحي منه إلى القلوب الآدمية، أما أدب الطير في هذا المقام فسره عند الله.."
أنيس منصور، عباس العقاد، أحمد حسن الزيات، علي الطنطاوي، ابن القيم، ابن عساكر، كلهم ذهبوا إلى هناك ووثقوا رحلاتهم، فيما نسميه أدب الرحلة، لكن أحدهم وصف رحلته بالخيال، هوى فؤاده، فكتب:"دعاني لبيته.. لحد باب بيته
وأما تجلى لي.. بالدمع ناجيته"
"مكة وفيها جبال النور
طالة على البيت المعمور
دخلنا باب السلام
غمر قلوبنا السلام
بعفو رب غفور
فوقنا حما الحِمى
عدد نجوم السما طاير علينا يطوف
ألوف تتابع ألوف
طاير يهني الضيوف بالعفو والمرحمة"
هذا جزء من القصيدة التي كتبها بيرم التونسي، وغنتها السيدة أم كلثوم على ألحان رياض السنباطي.
الملايين ذهبوا إلى الأراضي المقدسة، وسواءًا كانوا أدباء وثقوا رحلاتهم، أو محبون عاديون، وثقوا رحلاتهم أيضًا بالحديث عنها مع أصحابهم وعائلاتهم وجيرانهم، لم يذذهبوا فقط لأداء أحد أهم أركان الإسلام الخمسة، ولكنه نداء غريب في النفس، يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى هناك..
تقرير لـ بدر السروي منشور في موقع اليوم الجديد.

Published on February 10, 2020 06:30
February 5, 2020
من رسائل محمود درويش ورسائلي..
يقول محمود درويش في إحدى رسائله إلى سميح القاسم، أنه أجرى حوارًا تليفزيونيًا مع كاتب فنلندي _يهودي_ شهير، يؤمن هذا الكاتب بحقه في العودة إلى فلسطين لمجرد أنه عاش هناك عشر سنوات في الوقت ذاته هو متأكد أنه ليس له حق. يقول هذا المحاور أنه بقرية ما هناك في فلسطين شجرة خروب ضخمه، يدعي صديقه المحتل ان المهاجرين هم من زرعوها، لكنه يعلم أن عمر هذه الشجرة أقدم من هؤلاء المهاجرون. فذيّّل درويش رسالته إلى سميح قائلًا:
"سلام عليك يا عزيزي، يا حارس الخروبة من أغاني الآخرين، أرجوك إن مررت بها غدًا أن تعانقها، وأن تحفر على جذعها اسمي واسمك.. ولا تتأخر".
عزيزي الغائب منذ منام وحرب، هل يفيد أن نمتلك الأشياء وجدانيًا من بعيد، يفصلها عنا عنا قرى وحدود؟ أنا لم أستطع الحفاظ على "شيء" أعطيته من روحي ووقتي وأحلامي، لم أكن أهذي أبدًا حين رسمت لهذا الشيء الصغير آمالًا كبيرة، وكأنه وليدي، كان بيتًا صغيرًا بلا سقف، فصنعت من كتبي وأصدقائي وكتابتي ودموعي وضحكاتي وكل الأغاني الجميلة سقفًا، وهدموه فوق رأسي، ولم يرى الجرح الخفي أحد غيري أنا..
ما جدوى أن يُحفر اسم درويش على الخروبة مادام لن يأتنس بظلها أو يعانقها حين يشاء أو يراها وهي تزهر كل يوم؟ ما جدوى أن يكتب الشيطان للنجمة رسائل الغزل وهو غير قادر على الإقتراب منها؟ ما الذي نجنيه من الحنين إلى الإنكسارات القديمة؟
كل شيء يخذلنا يا عزيزي، لذا لم أعد أطمح ٱلا في حياة هادئة و موت أليف، أما عن الوطن، فلازلت أرسم صدرًا.. وأسكنه
.26 أكتوبر 2017
"سلام عليك يا عزيزي، يا حارس الخروبة من أغاني الآخرين، أرجوك إن مررت بها غدًا أن تعانقها، وأن تحفر على جذعها اسمي واسمك.. ولا تتأخر".
عزيزي الغائب منذ منام وحرب، هل يفيد أن نمتلك الأشياء وجدانيًا من بعيد، يفصلها عنا عنا قرى وحدود؟ أنا لم أستطع الحفاظ على "شيء" أعطيته من روحي ووقتي وأحلامي، لم أكن أهذي أبدًا حين رسمت لهذا الشيء الصغير آمالًا كبيرة، وكأنه وليدي، كان بيتًا صغيرًا بلا سقف، فصنعت من كتبي وأصدقائي وكتابتي ودموعي وضحكاتي وكل الأغاني الجميلة سقفًا، وهدموه فوق رأسي، ولم يرى الجرح الخفي أحد غيري أنا..
ما جدوى أن يُحفر اسم درويش على الخروبة مادام لن يأتنس بظلها أو يعانقها حين يشاء أو يراها وهي تزهر كل يوم؟ ما جدوى أن يكتب الشيطان للنجمة رسائل الغزل وهو غير قادر على الإقتراب منها؟ ما الذي نجنيه من الحنين إلى الإنكسارات القديمة؟
كل شيء يخذلنا يا عزيزي، لذا لم أعد أطمح ٱلا في حياة هادئة و موت أليف، أما عن الوطن، فلازلت أرسم صدرًا.. وأسكنه
.26 أكتوبر 2017
Published on February 05, 2020 04:45
July 1, 2019
غسان كنفاني.. ومن حب "غادة" ما أذل
غسان كنفاني.. ومن حب "غادة" ما أذل
مئات المقالات كتبها غسان كنفاني في الأدب والسياسة، ثمانية عشر كتابًا مترجمين إلى سبعة عشر لغة أجنبية، لم تخل من تجذر قضية فلسطين ونضال شعبها، لاحقه الموساد والاغتراب والنقرس والسكري وحب غادة السمان،الأول قتله، أما الأخير فأذله.
نشرت الكاتبة غادة السمان في يوليو 1992 مراسلات غرامية، شخصية بالطبع، من غسان لها، تقول في مقدمة الكتاب أن هذا لم يكن لغرض شخصي، فحتى ربح الكتاب تنازلت عنه لصالح مؤسسة كنفاني الأدبية، إنما كان بناء على رغبة غسان نفسه، إشهارا لصوته ووفاءا لعهد قطعاه سويًا أن ينشرا رسائلهما، فتنشرها بصفتها عملًا أدبيًا لا رسائل شخصية، ولنزعة نرجسية منها أن يحبها رجل مثل غسان كنفاني حسب قولها.
"رسائل زمن الحماقات الجميل" هكذا تصف غادة الرسائل راقصة على فجيعة الرجل، هذا ليس غريبًا، ففي كل رسائله لها تمتزج حروفه بالذل والألم، والرجاء أن تكتب له، وأن تكف عن تعذيبه: "كفي ن تعذيبي، فأنا وأنتي لا نستحق أن نُسحق على هذه الصورة"
مناضلًا بحجم غسان أظهرت رسائله الجانب الضعيف منه، الرجل الأبي الذي لم تخضعه السلطه والمال، أخضعته غادة، فيقول لها في إحدى كتاباته: "بسهولة تستطيعين أن تدرجي اسمي في قائمة التافهين، وتدوسي علي وأنت تصعدين إلى ما تريدين، ولكنني أقبل، أقبل حتى النهاية التعيسة"، "تعرفين أنني أتعذب وأغار، وتحولينني إلى مجرد تافه آخر".
لم تتوقف مشاعر غسان بالدونية من غادة عند حد التفاهة، فرغم أنها زعمت في مقدمة الرسائل فخرها وتيهها برسائل غسان، إلا أنه في مجمل ما كتب لها يشعر أنه غير جدير بحبها فيقول: "متى ستشعرين أني أستحقك؟" وفي رسالة أخرى: لا أستحقك ليس لأني لن أستطيع إعطائك حبات عيني ولكن لأني لن أستطيع الاحتفاظ بك"، ربما لو كانت نشرت غادة هي الأخرى رسائلها، كان يمكن تفهم أسباب هذا الشعور.
قيس لم يكن مجنونًا وحده، أو أن قوله: "لو كان لي قلبان عشت بواحد وأفردت قلبا في هواكِ يُعذب" لم يكن جنونا أصلا، فرغم ما زاع في الوسط الثقافي وبلغ غسان وقتها أنه يحب غادة من طرف واحد، حتى قيل حرفيا "سيتعب من لعق حذائها البعيد" سألها إن كان هذا حقيقيا، إن كان ما بينهما هو الوجه الغير براق للحب، فكتب لها: "يقولونَ أنّ علاقتنا هي علاقة من طرف واحد، وأنّني ساقطٌ في الخيبة، قيلَ إنّني سأتعبُ ذاتَ يوم من لعقِ حذائك البعيد. يُقال إنّك لا تكترثينَ بي، وأنّكِ حاولتِ أن تتخلّصي منّي، ولكنّني كنتُ مِلْحاحاً كالعَلَق! يشفقونَ عليّ أمامي، ويسخرونَ مني ورائي، ويقرأونَ لي كما يقرأونَ نماذجَ للشاعر المجنون.."
ولد غسان كنفاني في عكا، وخرج منها مع أسرته لاجئًا إلى لبنان ثم إلى سوريا، يعرف معنى فقدان الوطن، لكن يبدو أن فقدان فلسطين يعدل فقدان غادة عنده، فيقول لها: "إذا بدلك شيء ما في لندن، ونسيت ذات يوم اسمي ولون عيني، فسيكون ذلك موزيا لفقدان وطن. وكما صار في المرة الأولى، سيصير في المرة الثانية: سأظل أناضل لاسترجاعه". غسان الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان يناضل في معركتين، واحدة لاسترداد القدس وواحدة لاسترداد غادة: "إن كان علي أن أناضل من أجل استرداد الأرض فقولي لي أنتِ أيها الجنية التي تحيك كل ليلة كوابيسي، كيف أستردك؟" الفلسطيني المقاوم لم يبكِ أيام الجوع والعطش، لم يبك حين انهالت السياط على جلده، لكنه يبكي في غربته شوقا لحبيبته البعيدة، التي مع هذا الحب وصفها بجهنم التي يشتاق لها.
"عزيزتي غادة.. يلعن دينك!" غسان يكتب ويكتب، و غادة لا تجيب، حتى طفح كيله منها حين كان مسافرًا مع صديقه سليم اللوزي وأخيره أن غادة السمان تراسله وأخيه، كما أخبره أيضا كمال طعمه عن مراسلاتهم. فكتب إليها : "عزيزتي غادة يلعن دينك! ما الذي حدث؟ تكتبين لكل الناس إلا لي؟معلش! ولكن انتبهي جيداً لما تفعلين: ذلك سيزيدني تعلقاً بك !"
مئات المقالات كتبها غسان كنفاني في الأدب والسياسة، ثمانية عشر كتابًا مترجمين إلى سبعة عشر لغة أجنبية، لم تخل من تجذر قضية فلسطين ونضال شعبها، لاحقه الموساد والاغتراب والنقرس والسكري وحب غادة السمان،الأول قتله، أما الأخير فأذله.
نشرت الكاتبة غادة السمان في يوليو 1992 مراسلات غرامية، شخصية بالطبع، من غسان لها، تقول في مقدمة الكتاب أن هذا لم يكن لغرض شخصي، فحتى ربح الكتاب تنازلت عنه لصالح مؤسسة كنفاني الأدبية، إنما كان بناء على رغبة غسان نفسه، إشهارا لصوته ووفاءا لعهد قطعاه سويًا أن ينشرا رسائلهما، فتنشرها بصفتها عملًا أدبيًا لا رسائل شخصية، ولنزعة نرجسية منها أن يحبها رجل مثل غسان كنفاني حسب قولها.
"رسائل زمن الحماقات الجميل" هكذا تصف غادة الرسائل راقصة على فجيعة الرجل، هذا ليس غريبًا، ففي كل رسائله لها تمتزج حروفه بالذل والألم، والرجاء أن تكتب له، وأن تكف عن تعذيبه: "كفي ن تعذيبي، فأنا وأنتي لا نستحق أن نُسحق على هذه الصورة"
مناضلًا بحجم غسان أظهرت رسائله الجانب الضعيف منه، الرجل الأبي الذي لم تخضعه السلطه والمال، أخضعته غادة، فيقول لها في إحدى كتاباته: "بسهولة تستطيعين أن تدرجي اسمي في قائمة التافهين، وتدوسي علي وأنت تصعدين إلى ما تريدين، ولكنني أقبل، أقبل حتى النهاية التعيسة"، "تعرفين أنني أتعذب وأغار، وتحولينني إلى مجرد تافه آخر".
لم تتوقف مشاعر غسان بالدونية من غادة عند حد التفاهة، فرغم أنها زعمت في مقدمة الرسائل فخرها وتيهها برسائل غسان، إلا أنه في مجمل ما كتب لها يشعر أنه غير جدير بحبها فيقول: "متى ستشعرين أني أستحقك؟" وفي رسالة أخرى: لا أستحقك ليس لأني لن أستطيع إعطائك حبات عيني ولكن لأني لن أستطيع الاحتفاظ بك"، ربما لو كانت نشرت غادة هي الأخرى رسائلها، كان يمكن تفهم أسباب هذا الشعور.
قيس لم يكن مجنونًا وحده، أو أن قوله: "لو كان لي قلبان عشت بواحد وأفردت قلبا في هواكِ يُعذب" لم يكن جنونا أصلا، فرغم ما زاع في الوسط الثقافي وبلغ غسان وقتها أنه يحب غادة من طرف واحد، حتى قيل حرفيا "سيتعب من لعق حذائها البعيد" سألها إن كان هذا حقيقيا، إن كان ما بينهما هو الوجه الغير براق للحب، فكتب لها: "يقولونَ أنّ علاقتنا هي علاقة من طرف واحد، وأنّني ساقطٌ في الخيبة، قيلَ إنّني سأتعبُ ذاتَ يوم من لعقِ حذائك البعيد. يُقال إنّك لا تكترثينَ بي، وأنّكِ حاولتِ أن تتخلّصي منّي، ولكنّني كنتُ مِلْحاحاً كالعَلَق! يشفقونَ عليّ أمامي، ويسخرونَ مني ورائي، ويقرأونَ لي كما يقرأونَ نماذجَ للشاعر المجنون.."
ولد غسان كنفاني في عكا، وخرج منها مع أسرته لاجئًا إلى لبنان ثم إلى سوريا، يعرف معنى فقدان الوطن، لكن يبدو أن فقدان فلسطين يعدل فقدان غادة عنده، فيقول لها: "إذا بدلك شيء ما في لندن، ونسيت ذات يوم اسمي ولون عيني، فسيكون ذلك موزيا لفقدان وطن. وكما صار في المرة الأولى، سيصير في المرة الثانية: سأظل أناضل لاسترجاعه". غسان الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان يناضل في معركتين، واحدة لاسترداد القدس وواحدة لاسترداد غادة: "إن كان علي أن أناضل من أجل استرداد الأرض فقولي لي أنتِ أيها الجنية التي تحيك كل ليلة كوابيسي، كيف أستردك؟" الفلسطيني المقاوم لم يبكِ أيام الجوع والعطش، لم يبك حين انهالت السياط على جلده، لكنه يبكي في غربته شوقا لحبيبته البعيدة، التي مع هذا الحب وصفها بجهنم التي يشتاق لها.
"عزيزتي غادة.. يلعن دينك!" غسان يكتب ويكتب، و غادة لا تجيب، حتى طفح كيله منها حين كان مسافرًا مع صديقه سليم اللوزي وأخيره أن غادة السمان تراسله وأخيه، كما أخبره أيضا كمال طعمه عن مراسلاتهم. فكتب إليها : "عزيزتي غادة يلعن دينك! ما الذي حدث؟ تكتبين لكل الناس إلا لي؟معلش! ولكن انتبهي جيداً لما تفعلين: ذلك سيزيدني تعلقاً بك !"
Published on July 01, 2019 08:35
June 24, 2019
فزاعة السامية: زولا يحتج!
معاداة السامية، هي أحد أهم التهم التي توجه لكارهي اليهود، أو منكري محرقة الهولوكست، أو حتى من يرونها مبالغ في التعبير عن مأساتها، واختلفت الآراء حول أسباب المحرقة، فأخرجها البعض من فئة الاضطهاد العرقي إلى أسباب طبيعية للحداثة في الغرب، واختلفت أيضا الآراء حول مبدأ معاداة السامية الذي اعتبره البعض يحجر على الرأي، ويجرم النقاش في هذه القضية الحساسة.
قضية مهمة أثيرت في نهايات العام 1894 حين اتهم نقيب في الجيش الفرنسي ، يهودي الديانة، بإرسال معلومات هامة وملفات سرية إلى الجيش الألماني، الأمر الذي قسم المجتمع وقتها إلى جزء يعتقد بخيانة المتهم، وهو الفريق الذي أشيرت إليه أصابع الاتهام بمعاداة السامية، القسم الثاني كان يدافع عن المتهم، أحد هؤلاء الذين تبنوا الدفاع كان الروائي الفرنسي إيميل زولا، والذي كتب مقالا هاما هو "إني أتهم"، والذي وزعت الجريدة التي كُتب بها 300 ألف نسخة في غضون ساعات من صدورها.
"إميل زولا يكتب: إني أتهم، بعد مرور مائة عام ماذا فعل؟ زولا يحتج!".. هكذا تحدث محامي دفاع المفكر الفرنسي روجيه غارودي، حين وقف في ساحة المحكمة متهما بمعاداة السامية، وفقا لقانون غيسو الذي يعاقب على إنكار أي جرائم ضد الإنسانية، وأضاف المحامي في دفاعه، الذي أورده روجيه غارودي في كتابه: هذه وصيتي للقرن ال21، أن أحدا لم يتحدث عن شعب "الأبورجين" المواطنين الأصليين الذين كانوا يسكنون استراليا، والأثيوبيين ضحايا الحرب العالمية الثانية، وضحايا هيروشيما واناجزاكي، والكتيبة اليابانية 137 التي أبادت الصينين، ومائة ألف ماتو في مدغشقر والجزائر أثناء الحرب العالمية الثانية، من يفكر في هؤلاء الضحايا؟ يذكرون المحرقة ويهملون الآخرين الذين ماتوا في معسكرات النازية.
قريبا من هذا المفهوم عرضت +AJ التابعة لقناة الجزيرة، الجمعة 17 مايو/آيار، مقطعا مصورا على منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي للمدونة منى حوا تتحدث فيه عن محرقة الهلوكوست، لكن بطريقة ما، وبعد السرد التاريخي للواقعة، تتحدث المدونة الشابة، عن أطراف آخرين تعرضوا للاضطهاد من هتلر وأنه، أي هتلر، لم يكن يعادي اليهود ويضطهدهم عرقيًا وحدهم، ثم تستطرد بأن اليهود اتخذوا من المحرقة قصة تراجيدية ساعدتهم في تحسين صورتهم عالميا، وتخلد ذكرى المأساة بمتاحف في دول متعددة، رغم هذا يشهد العالم وحشيتهم مع الشعب الفلسطيني بنفس مبررات النازية التي ينكرونها، فكيف إذن يطلب من الفلسطينيون التعاطف مع الهولوكوست؟
المقطع قلل من شأن المحرقة وكأنها جريمة عابرة أخذت أكبر من حجمها، كما وردت به بعض المغالطات، فعلى سبيل المثال قالت ضمن ما قالت أن اليهود إنما هاجروا إلى فلسطين بسبب اضطهاد هتلر النازي لهم، في حين أن هذه لم تكن الهجرة الأولى لليهود، فالاستطيان الأول لهم كان في العام 1881 هربا من الحكومة القيصرية في روسيا، بحسب ما يورد أحمد زكي الدجاني في كتابه مأساة فلسطين بين الانتداب البريطاني ودولة إسرائيل، وأن هؤلاء اليهود هاجروا تحت نظر الدولة العثمانية في حكم السلطان عبدالحميد الثاني للعمل كمزارعين، لكن لم تكن تلك الأخطاء هي أزمة الجزيرة مع المنتج، والتي دعتها إلى إيقاف" منى حوا" مقدمة المقطع و"عامر السيد عامر" المشرف عليه عن العمل.
ردود الفعل الإسرائيلية على المقطع..
في تغريدة لوزارة خارجية إسرائيل استنكرت فيها ما جاء بالمقطع، واعتبرته أسوأ أنواع الشر، بحسب وصفها، كما جاء بالتغريدة أن بهذه الطريقة تقوم الجزيرة بغسل دماغ الشباب في العالم العربي وتديم كراهية إسرائيل واليهود، وجاءت هذه الهجمة بعد أن نشر معهد الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية (ميمري) في واشنطن، تغريدة للمقطع مترجمة بالإنجليزية، كل هذا أثار هلع القناة التي تم تهديدها في 2017 بأن تغلق إسرائيل مكتبها في البلاد، فقامت على الفور بحذف المقطع من جميع منصاتها، وأصدرت بيان تعلن فيه إيقاف مقدمة المقطع والمشرف عليه عن العمل.
وأضافت في بيانها أن المقطع المصور تضمن إساءة واضحة، وأن الشبكة تتبرأ منه تماما، وأعلن الدكتور ياسر بشر المدير التنفيذي للقطاع الرقمي بالجزيرة عن برنامج تدريبي إلزامي، يعزز الوعي بحساسية بعض القضايا لدى منتجي المحتوى الرقمي للشبكة، واعتذرت الشبكة في بيانها عن أن المقطع لم يمر على قنوات المراجعة اللازمة.في حوار معه يقول مصطفى عبدالظاهر، الباحث في تاريخ الشرق الأوسط: كعرب قضية فلسطين والصراع مع الصهيونية عندنا هي قضية مركزية، تلك القضية التي انخرط فيها عقول ودماء آلاف الشباب، لكن هذا لا يعني تجاوز كل الحجج المنطقية التي قيلت من قبل في العداء للصهيونية، فتتجاوز حقائق التاريخ وتخلط الأوراق ببعضها، فتضر بقضيتك التي تدافع عنها أكثر مما تفيدها، فحين تقول أن اليهود كاذبون وأن قتلهم بلا معنى وبالتالي لا شرعية لمشروعهم، إذن لو قتلوا فعلا هل هذا يشرع مشروعهم؟ لا، إذن لا بأس من أن نعترف بالحقيقة التاريخية، وهي أن اليهود تعرضوا للمحرقة، ومع هذا ظلوا قتلة.
الهولوكوست والحداثة..
عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان في كتابه الحداثة والهولوكست الصادر عام 1989 يرفض تفسير الهولوكست على أنها بلوغ معاداة اليهود مداها في أوروبا المسيحية، أو بأنها التدفق الطبيعي للتاريخ بسبب معاداة اليهود في ألمانيا بسبب الوحشية النازية، لكنها نافذة على الحداثة، فيقول: "تعود الرهبة الكامنة في ضميرنا والنافذة إلى ذاكرتنا الغربية الجمعية، على نحو يتجاوز مجرد الرغبة القاهرة في ألا نواجه هذه الذاكرة إلى الاعتقاد المؤلم بأن الهولوكوست يمكن أن تكون أكبر من مجرد شذوذ، وأكبر من مجرد انحراف عن الطريق المستقيم للتقدم، وأكبر من مجرد ورم سرطاني في الجسم السليم للمجتمع الغربي المتحضر."
ويرفض باومان في كتابه أن تستغل إسرائيل المحرقة وذكرياتها المأساوية كشهادة تؤكد بها على شرعيتها السياسية، ويعتبرها دفعة مالية تصرف مقدما لتبرير شتى ألوان العذاب والظلم الذي يرتكب ضد الفلسطينيين بوجه خاص والعرب بوجه عام.
قضية مهمة أثيرت في نهايات العام 1894 حين اتهم نقيب في الجيش الفرنسي ، يهودي الديانة، بإرسال معلومات هامة وملفات سرية إلى الجيش الألماني، الأمر الذي قسم المجتمع وقتها إلى جزء يعتقد بخيانة المتهم، وهو الفريق الذي أشيرت إليه أصابع الاتهام بمعاداة السامية، القسم الثاني كان يدافع عن المتهم، أحد هؤلاء الذين تبنوا الدفاع كان الروائي الفرنسي إيميل زولا، والذي كتب مقالا هاما هو "إني أتهم"، والذي وزعت الجريدة التي كُتب بها 300 ألف نسخة في غضون ساعات من صدورها.
"إميل زولا يكتب: إني أتهم، بعد مرور مائة عام ماذا فعل؟ زولا يحتج!".. هكذا تحدث محامي دفاع المفكر الفرنسي روجيه غارودي، حين وقف في ساحة المحكمة متهما بمعاداة السامية، وفقا لقانون غيسو الذي يعاقب على إنكار أي جرائم ضد الإنسانية، وأضاف المحامي في دفاعه، الذي أورده روجيه غارودي في كتابه: هذه وصيتي للقرن ال21، أن أحدا لم يتحدث عن شعب "الأبورجين" المواطنين الأصليين الذين كانوا يسكنون استراليا، والأثيوبيين ضحايا الحرب العالمية الثانية، وضحايا هيروشيما واناجزاكي، والكتيبة اليابانية 137 التي أبادت الصينين، ومائة ألف ماتو في مدغشقر والجزائر أثناء الحرب العالمية الثانية، من يفكر في هؤلاء الضحايا؟ يذكرون المحرقة ويهملون الآخرين الذين ماتوا في معسكرات النازية.
قريبا من هذا المفهوم عرضت +AJ التابعة لقناة الجزيرة، الجمعة 17 مايو/آيار، مقطعا مصورا على منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي للمدونة منى حوا تتحدث فيه عن محرقة الهلوكوست، لكن بطريقة ما، وبعد السرد التاريخي للواقعة، تتحدث المدونة الشابة، عن أطراف آخرين تعرضوا للاضطهاد من هتلر وأنه، أي هتلر، لم يكن يعادي اليهود ويضطهدهم عرقيًا وحدهم، ثم تستطرد بأن اليهود اتخذوا من المحرقة قصة تراجيدية ساعدتهم في تحسين صورتهم عالميا، وتخلد ذكرى المأساة بمتاحف في دول متعددة، رغم هذا يشهد العالم وحشيتهم مع الشعب الفلسطيني بنفس مبررات النازية التي ينكرونها، فكيف إذن يطلب من الفلسطينيون التعاطف مع الهولوكوست؟
المقطع قلل من شأن المحرقة وكأنها جريمة عابرة أخذت أكبر من حجمها، كما وردت به بعض المغالطات، فعلى سبيل المثال قالت ضمن ما قالت أن اليهود إنما هاجروا إلى فلسطين بسبب اضطهاد هتلر النازي لهم، في حين أن هذه لم تكن الهجرة الأولى لليهود، فالاستطيان الأول لهم كان في العام 1881 هربا من الحكومة القيصرية في روسيا، بحسب ما يورد أحمد زكي الدجاني في كتابه مأساة فلسطين بين الانتداب البريطاني ودولة إسرائيل، وأن هؤلاء اليهود هاجروا تحت نظر الدولة العثمانية في حكم السلطان عبدالحميد الثاني للعمل كمزارعين، لكن لم تكن تلك الأخطاء هي أزمة الجزيرة مع المنتج، والتي دعتها إلى إيقاف" منى حوا" مقدمة المقطع و"عامر السيد عامر" المشرف عليه عن العمل.
ردود الفعل الإسرائيلية على المقطع..
في تغريدة لوزارة خارجية إسرائيل استنكرت فيها ما جاء بالمقطع، واعتبرته أسوأ أنواع الشر، بحسب وصفها، كما جاء بالتغريدة أن بهذه الطريقة تقوم الجزيرة بغسل دماغ الشباب في العالم العربي وتديم كراهية إسرائيل واليهود، وجاءت هذه الهجمة بعد أن نشر معهد الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية (ميمري) في واشنطن، تغريدة للمقطع مترجمة بالإنجليزية، كل هذا أثار هلع القناة التي تم تهديدها في 2017 بأن تغلق إسرائيل مكتبها في البلاد، فقامت على الفور بحذف المقطع من جميع منصاتها، وأصدرت بيان تعلن فيه إيقاف مقدمة المقطع والمشرف عليه عن العمل.
وأضافت في بيانها أن المقطع المصور تضمن إساءة واضحة، وأن الشبكة تتبرأ منه تماما، وأعلن الدكتور ياسر بشر المدير التنفيذي للقطاع الرقمي بالجزيرة عن برنامج تدريبي إلزامي، يعزز الوعي بحساسية بعض القضايا لدى منتجي المحتوى الرقمي للشبكة، واعتذرت الشبكة في بيانها عن أن المقطع لم يمر على قنوات المراجعة اللازمة.في حوار معه يقول مصطفى عبدالظاهر، الباحث في تاريخ الشرق الأوسط: كعرب قضية فلسطين والصراع مع الصهيونية عندنا هي قضية مركزية، تلك القضية التي انخرط فيها عقول ودماء آلاف الشباب، لكن هذا لا يعني تجاوز كل الحجج المنطقية التي قيلت من قبل في العداء للصهيونية، فتتجاوز حقائق التاريخ وتخلط الأوراق ببعضها، فتضر بقضيتك التي تدافع عنها أكثر مما تفيدها، فحين تقول أن اليهود كاذبون وأن قتلهم بلا معنى وبالتالي لا شرعية لمشروعهم، إذن لو قتلوا فعلا هل هذا يشرع مشروعهم؟ لا، إذن لا بأس من أن نعترف بالحقيقة التاريخية، وهي أن اليهود تعرضوا للمحرقة، ومع هذا ظلوا قتلة.
الهولوكوست والحداثة..
عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان في كتابه الحداثة والهولوكست الصادر عام 1989 يرفض تفسير الهولوكست على أنها بلوغ معاداة اليهود مداها في أوروبا المسيحية، أو بأنها التدفق الطبيعي للتاريخ بسبب معاداة اليهود في ألمانيا بسبب الوحشية النازية، لكنها نافذة على الحداثة، فيقول: "تعود الرهبة الكامنة في ضميرنا والنافذة إلى ذاكرتنا الغربية الجمعية، على نحو يتجاوز مجرد الرغبة القاهرة في ألا نواجه هذه الذاكرة إلى الاعتقاد المؤلم بأن الهولوكوست يمكن أن تكون أكبر من مجرد شذوذ، وأكبر من مجرد انحراف عن الطريق المستقيم للتقدم، وأكبر من مجرد ورم سرطاني في الجسم السليم للمجتمع الغربي المتحضر."
ويرفض باومان في كتابه أن تستغل إسرائيل المحرقة وذكرياتها المأساوية كشهادة تؤكد بها على شرعيتها السياسية، ويعتبرها دفعة مالية تصرف مقدما لتبرير شتى ألوان العذاب والظلم الذي يرتكب ضد الفلسطينيين بوجه خاص والعرب بوجه عام.
Published on June 24, 2019 04:20
November 10, 2018
منذ سنوات بعيدة لم أكن أحب النبي..
منذ سنوات كثيرة لم أكن أحب النبي..
في سنوات الدراسة الأولى كان علي أن أحبه، يحكون لنا عن سيرته وكيف مات والده ثم أمه ثم جده، لم أكن أفهم وقتها معنى للموت، كان الموت عندي عبارة عن صديقتي التي دخلت غرفة العمليات لاستئصال اللوزتين ولم تخرج. كان الموت عندي مشهدًا سمعته خلسة من إحدى قريباتي عن شعر صديقتي الذي خرج من كفنها وقت الدفن وكان يلوح للجمع في وداع أخير. لم أكن أعرف _كما اعرف الآن_ معنى أن يرحل الناس، معنى يكون المرء وحيدًا.
كنت أسير في الطرقات أقدم قدمًا وأقفز بالأخرى، كنا _نحن الاطفال_ نمشي بهذه الطريقة، بالأحرى أطفال الحي، وكنت أقلدهم، أمر دائمًا على لافته مكتوب عليها: لا يؤمن أحدكم حتى اكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، كيف أحب أحدًا أكثر من والدي؟ صعب، هذا الأمر صعب. ذات مساء، جلست مع والدي أسأله لو كان بإمكانه أن يرى شخصًا واحدًا ميتًا، من يختار؟ توقعت الإجابة طبعًا، أمه أو أبيه، جدي وجدتي الذين يذكرهم دائمًا ويشرد. لكنه قال: سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم! ما هذا الحب؟
وقفت مرة في أحد شوادر المولد النبوي اغني ولد الهدى، قبلها ألقيت القصيدة في حفلة في معهد السنبلاوين النموذجي، متفاخرة بقدرتي على الإلقاء، لكنه كان إلقاءًا جافًا.
شيوخ القنوات صدروا له صورة مشوشة، المتشددون منهم أو مدعو التوسط، يجب أن أحب النبي لأنني يجب أن أحبه، هذا فقط ما يحكى عن النبي، غير ذلك يتحدثون عن النقاب والزكاة وإطلاق النظر والتعدد وابن حجر العسقلاني وأسماء من الصحابة غريبة علي، وتفسير الأحلام. في الصف الأول الإعدادي بدأنا دراسة السيرة، اسم النبي ونسبه كاملًا، وعلينا أن نحفظه. كله يا ميس؟ كله.. ثم ندرس الهجرة والفتح وغزوة بدر وأحد وخيبر والخندق وجلاء بني النضير وبني قينقاع، وأحفظ لأحصل الدرجات، أفهم كذلك، لكن لم أكن أشعر بشيء.
بعد سنوات كانت سيرة النبي تعرض علينا بشكل أكثر تشويشًا وتدليسًا، الإخوان رجعوا في كلامهم وسيترشحون للرئاسة، ماذا في الأمر؟ النبي أيضًا رجع في كلامه ولم يحج وعقد صلح الحديبية. إيه دخل الدين في السياسة؟ النبي كان قائد دولة. فشلوا في السياسة؟ النبي قال أنتم أعلم بشؤون دنياكم.
التحم ذلك الوقت بالوقت الذي التزمت فيه مع الشيخ، يحدثني عن النبي، وآل بيت النبي، وسيدي أبي الحسن الشاذلي وحميثرة وأبوالعباس المرسي. كان هذا أول عهدي بالحب، حبًا خالصًا، لكنه لم ينبني على قواعد، وسرعان ما خبا الوهج، وأخذتنا المناورات السياسية القبيحة، ورجعت للخلف خطوتين.
كل هذا يمر عليّ وأنا أحبه لأن عليّ أن أحبه، إلى أن حدث شيء ما، شيء وقع في قلبي، وقعت عيني على أبيات كتبت في مدحه طمعًا في شفاعته، أخذت أرددها ليلة كاملة وأبكي، كانت ليلة باردة على قلبي. في اليوم التالي ذهبت للشيخ وقلت اسمع:
" وأقرِأه من عبدٍ تقطع قلبه
شوقًا إلى ذاك المقام الأوحد
متضرع يرجو زيارة سيد
قد جاء بالدين الشريف الأمجد
أزكى سلاما لا يوازن قدره
وتحية شرفت بأشرف سيد
يا سيد الخلق العظيم مقامه
يا من لمن ناداه أعظم منجد "
وأصبح كل شيء مختلف بعدها، قراءتي عنه، وسماعي عنه. أنا لم أحب محمدًا الذي أرادوني أن أحبه، أحب هذا الرجل الذي فقد كل شيء وصبر، ذاك الصديق الذي كاد يدمع ويقول: دعوا لي صاحبي. أحب هذا الإنسان الوفي الذي رجع وطنه فاتحًا ومع حبه لها عاد إلى المدينة ولم ينس الفضل. أحب هذا الإنسان الملهم الذي أفضى لكل فتى بأن فيه نبيًا إن هو اجتهدا. أحب هذا السند، النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أحب هذا الكريم في ماله ومشاعره وتلقينه الناس الجَلَد.. أحب محمد الإنسان أولًا وأخيرًا.
قرأت منذ سنوات رواية عن شخص مسلم لكنه عاش مع خالته المسيحية وجده الملحد، فلم يعلم عن أي دين شيء، وبعد عشرين سنة أخذته الأقدار إلى مسجد، وقف ولم يكن يفهم حركات المصلين من حوله، ولا يدري ماذا يفعل، وكيف يتحدث مع الله، فبكى! كان هذا المشهد من الرواية، وإلى الآن، أكثر ما اخترق قلبي. وأنا أحب محمدًا، سيدنا النبي، لأنه علمني كيف أفعل ذلك.
أنا الآن أفهم! أفهم لماذا هذا الرجل عظيم، أفهم جيدًا كيف أحبه أكثر من والدي، وكيف يحبه والدي ويشتاق إليه اكثر من والديه، أفهم .. وأتمنى لو انشد ولد الهدى من جديد. أفهم وأريد أن احفظ اسمه ونسبه، كله كله. أفهم وأناديه دائمًا: يا رسول الله خذ بيدي!
في سنوات الدراسة الأولى كان علي أن أحبه، يحكون لنا عن سيرته وكيف مات والده ثم أمه ثم جده، لم أكن أفهم وقتها معنى للموت، كان الموت عندي عبارة عن صديقتي التي دخلت غرفة العمليات لاستئصال اللوزتين ولم تخرج. كان الموت عندي مشهدًا سمعته خلسة من إحدى قريباتي عن شعر صديقتي الذي خرج من كفنها وقت الدفن وكان يلوح للجمع في وداع أخير. لم أكن أعرف _كما اعرف الآن_ معنى أن يرحل الناس، معنى يكون المرء وحيدًا.
كنت أسير في الطرقات أقدم قدمًا وأقفز بالأخرى، كنا _نحن الاطفال_ نمشي بهذه الطريقة، بالأحرى أطفال الحي، وكنت أقلدهم، أمر دائمًا على لافته مكتوب عليها: لا يؤمن أحدكم حتى اكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، كيف أحب أحدًا أكثر من والدي؟ صعب، هذا الأمر صعب. ذات مساء، جلست مع والدي أسأله لو كان بإمكانه أن يرى شخصًا واحدًا ميتًا، من يختار؟ توقعت الإجابة طبعًا، أمه أو أبيه، جدي وجدتي الذين يذكرهم دائمًا ويشرد. لكنه قال: سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم! ما هذا الحب؟
وقفت مرة في أحد شوادر المولد النبوي اغني ولد الهدى، قبلها ألقيت القصيدة في حفلة في معهد السنبلاوين النموذجي، متفاخرة بقدرتي على الإلقاء، لكنه كان إلقاءًا جافًا.
شيوخ القنوات صدروا له صورة مشوشة، المتشددون منهم أو مدعو التوسط، يجب أن أحب النبي لأنني يجب أن أحبه، هذا فقط ما يحكى عن النبي، غير ذلك يتحدثون عن النقاب والزكاة وإطلاق النظر والتعدد وابن حجر العسقلاني وأسماء من الصحابة غريبة علي، وتفسير الأحلام. في الصف الأول الإعدادي بدأنا دراسة السيرة، اسم النبي ونسبه كاملًا، وعلينا أن نحفظه. كله يا ميس؟ كله.. ثم ندرس الهجرة والفتح وغزوة بدر وأحد وخيبر والخندق وجلاء بني النضير وبني قينقاع، وأحفظ لأحصل الدرجات، أفهم كذلك، لكن لم أكن أشعر بشيء.
بعد سنوات كانت سيرة النبي تعرض علينا بشكل أكثر تشويشًا وتدليسًا، الإخوان رجعوا في كلامهم وسيترشحون للرئاسة، ماذا في الأمر؟ النبي أيضًا رجع في كلامه ولم يحج وعقد صلح الحديبية. إيه دخل الدين في السياسة؟ النبي كان قائد دولة. فشلوا في السياسة؟ النبي قال أنتم أعلم بشؤون دنياكم.
التحم ذلك الوقت بالوقت الذي التزمت فيه مع الشيخ، يحدثني عن النبي، وآل بيت النبي، وسيدي أبي الحسن الشاذلي وحميثرة وأبوالعباس المرسي. كان هذا أول عهدي بالحب، حبًا خالصًا، لكنه لم ينبني على قواعد، وسرعان ما خبا الوهج، وأخذتنا المناورات السياسية القبيحة، ورجعت للخلف خطوتين.
كل هذا يمر عليّ وأنا أحبه لأن عليّ أن أحبه، إلى أن حدث شيء ما، شيء وقع في قلبي، وقعت عيني على أبيات كتبت في مدحه طمعًا في شفاعته، أخذت أرددها ليلة كاملة وأبكي، كانت ليلة باردة على قلبي. في اليوم التالي ذهبت للشيخ وقلت اسمع:
" وأقرِأه من عبدٍ تقطع قلبه
شوقًا إلى ذاك المقام الأوحد
متضرع يرجو زيارة سيد
قد جاء بالدين الشريف الأمجد
أزكى سلاما لا يوازن قدره
وتحية شرفت بأشرف سيد
يا سيد الخلق العظيم مقامه
يا من لمن ناداه أعظم منجد "
وأصبح كل شيء مختلف بعدها، قراءتي عنه، وسماعي عنه. أنا لم أحب محمدًا الذي أرادوني أن أحبه، أحب هذا الرجل الذي فقد كل شيء وصبر، ذاك الصديق الذي كاد يدمع ويقول: دعوا لي صاحبي. أحب هذا الإنسان الوفي الذي رجع وطنه فاتحًا ومع حبه لها عاد إلى المدينة ولم ينس الفضل. أحب هذا الإنسان الملهم الذي أفضى لكل فتى بأن فيه نبيًا إن هو اجتهدا. أحب هذا السند، النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أحب هذا الكريم في ماله ومشاعره وتلقينه الناس الجَلَد.. أحب محمد الإنسان أولًا وأخيرًا.
قرأت منذ سنوات رواية عن شخص مسلم لكنه عاش مع خالته المسيحية وجده الملحد، فلم يعلم عن أي دين شيء، وبعد عشرين سنة أخذته الأقدار إلى مسجد، وقف ولم يكن يفهم حركات المصلين من حوله، ولا يدري ماذا يفعل، وكيف يتحدث مع الله، فبكى! كان هذا المشهد من الرواية، وإلى الآن، أكثر ما اخترق قلبي. وأنا أحب محمدًا، سيدنا النبي، لأنه علمني كيف أفعل ذلك.
أنا الآن أفهم! أفهم لماذا هذا الرجل عظيم، أفهم جيدًا كيف أحبه أكثر من والدي، وكيف يحبه والدي ويشتاق إليه اكثر من والديه، أفهم .. وأتمنى لو انشد ولد الهدى من جديد. أفهم وأريد أن احفظ اسمه ونسبه، كله كله. أفهم وأناديه دائمًا: يا رسول الله خذ بيدي!
Published on November 10, 2018 06:17
October 8, 2017
التجاوز..
منذ أمدٍ _أظنه بعيدًا_ وأنا أفكر كيف أتجاوز كل ما يدور في عقلي، فقط أريد للأشياء أن تبقى "عادية" وأن لا أرى النملة فيلًا، ولا أقابل الإساءة بالتفكير في الإساءة حتى، وأن لا تُبكيني الأماكن أو الأغاني أو تذكر الأحاديث القديمة.
لطالما رغبت في أن ينمو لي جناحان أزرقان كي أطير، ودائمًا أنا غير قادرة على الطيران، فكل الأمور التي أفكر بها تشعرني بالإمتلاء، تشعرني بالثِقَل، وأنا أريد أن أكون أكثر خفة، أريد التحرر من الشعور بالمظلومية، وأتجاوز المحنة كناجية لا كضحية، الشعور بالظلم أصلًا يذكرني كم أنا ضعيفة، وهو أمر لا يستهويني، عدم القدرة على رد الظلم قهر، وهذا القهر تملكني وفعل بي ما فعل، ورأيت إن كان لا مفر من رده، فلنعتبر أن أحدًا لم يظلمني، وما حدث كان بُناءًا على رغبة مني، وأقدار من الله.
الآن أسامح الجميع، وأغفر لمن قلت لهم: لن أغفر لكم. الآن يتسع صدري للحديث مرة أخرى، الآن أشعر أني نجوت، وأرى جناحان صغيران أخذا في النمو، ربما يكبران غدًا..وأطير!
لطالما رغبت في أن ينمو لي جناحان أزرقان كي أطير، ودائمًا أنا غير قادرة على الطيران، فكل الأمور التي أفكر بها تشعرني بالإمتلاء، تشعرني بالثِقَل، وأنا أريد أن أكون أكثر خفة، أريد التحرر من الشعور بالمظلومية، وأتجاوز المحنة كناجية لا كضحية، الشعور بالظلم أصلًا يذكرني كم أنا ضعيفة، وهو أمر لا يستهويني، عدم القدرة على رد الظلم قهر، وهذا القهر تملكني وفعل بي ما فعل، ورأيت إن كان لا مفر من رده، فلنعتبر أن أحدًا لم يظلمني، وما حدث كان بُناءًا على رغبة مني، وأقدار من الله.
الآن أسامح الجميع، وأغفر لمن قلت لهم: لن أغفر لكم. الآن يتسع صدري للحديث مرة أخرى، الآن أشعر أني نجوت، وأرى جناحان صغيران أخذا في النمو، ربما يكبران غدًا..وأطير!
Published on October 08, 2017 08:31
حياة أخرى..
في حياةً أخرى، سيكون لي حق الإختيار، سوف أكون ما أحب أن أكون، لا كما يفترض أن أكون، أرتدي ما أشاء، وآكل ما أشاء، وأقول ما أشاء، أقول كل ما لا أستطيع قوله، أفرغ صدري مما يأتيني ليلًا ويخنقني..في حياة أخرى، سأنام..
في حياة أخرى، سأمشي كثيرًا، سوف أنثر شعري وأغني، سأحتضن كل من أراه، وأقول للجميع أني أحبهم..وربما، في حياةٍ أخرى، سيحبني أحد..
في حياة أخرى لن أخاف، لا من الفقر ولا الموت ولا الفقد، لن أبكي ولن أرتعد، ولن أتألم..
في حياةٍ أخرى، لن أقف بين أمرين، ولن أحيا نصف حياة، سآخذ كل حصتي من النور، وأنعم بالعتمة التي لن أخافها، سيكون لي جناحان أزرقان، وسأتعلم التحليق وحدي..وحدي تمامًا.
في حياة أخرى ستكون هناك مكتبة جميلة، مكتبة أجمل مما ظن بورخيس، وسنحتسي الشاي بالشكل الذي رأيته في المنامات، وسنقرأ كل ما كتبه الطيب الصالح، ونشاهد _وحدنا_ أفلامًا على شاشات كبيرة، تحملها طيور ملونة، في حياة أخرى ستكون هناك دور عرضٍ مذهلة.
في حياةٍ أخرى ستكون هناك كلماتٍ جميلة لا يستخدمها الناس هاهنا، كآسف، شكرً، أحبك، جميل. وسيكون الناس لطفاء، يبتسمون للعابرين، ولا يحدقون بهم.
ربما لا يأتي الغد، وهذا أفضل من انتظاره، فياإلهي إمنحني موتًا كاملًا، إمنحني حياة أخرى..
في حياة أخرى، سأمشي كثيرًا، سوف أنثر شعري وأغني، سأحتضن كل من أراه، وأقول للجميع أني أحبهم..وربما، في حياةٍ أخرى، سيحبني أحد..
في حياة أخرى لن أخاف، لا من الفقر ولا الموت ولا الفقد، لن أبكي ولن أرتعد، ولن أتألم..
في حياةٍ أخرى، لن أقف بين أمرين، ولن أحيا نصف حياة، سآخذ كل حصتي من النور، وأنعم بالعتمة التي لن أخافها، سيكون لي جناحان أزرقان، وسأتعلم التحليق وحدي..وحدي تمامًا.
في حياة أخرى ستكون هناك مكتبة جميلة، مكتبة أجمل مما ظن بورخيس، وسنحتسي الشاي بالشكل الذي رأيته في المنامات، وسنقرأ كل ما كتبه الطيب الصالح، ونشاهد _وحدنا_ أفلامًا على شاشات كبيرة، تحملها طيور ملونة، في حياة أخرى ستكون هناك دور عرضٍ مذهلة.
في حياةٍ أخرى ستكون هناك كلماتٍ جميلة لا يستخدمها الناس هاهنا، كآسف، شكرً، أحبك، جميل. وسيكون الناس لطفاء، يبتسمون للعابرين، ولا يحدقون بهم.
ربما لا يأتي الغد، وهذا أفضل من انتظاره، فياإلهي إمنحني موتًا كاملًا، إمنحني حياة أخرى..
Published on October 08, 2017 08:24
العودة للوطن..
من مليون ونصف المليون عام،كنت في الجنة، طُردت من موطني،ونفيت إلى مكانٍ موحش ، شهدت الجريمة الأولى، وقتل قابيل هابيل، وشعرت بحرارة دمعة الندم الثانية، ذات الحرارة التي شعرتها من أبيه، وتوسلت لأول مرة، قلت للغراب أن هابيل كان صالحًا، إجعل الأرض تضمه ضمة النهاية، هو يستحق مكانًا آمنًا، وكتبت له سيناريو مسرحية، ليؤديها أمام قابيل، ثم انتحيت جانبًا وبكيت..
أنا كنت هناك، حين أحرقوا إبراهيم، وحين صلبوا المسيح، نعم، لم يصلبوه ولكن شبه لهم، لكن إنسانًا صُلب، وأنا كنت حزينة لأجله، احتضنت مريم، وواسيتها، وانتحيت جانبًا وبكيت..
أنا كنت هناك، أمسك يد العجوز التي قصدها موسى، لتدله على قبر يوسف، وقبلها كنت تحت شباك زنزانة يوسف، وبعدها كنت أواسي زليخة البريئة، التي همت ولم تفعل..
أنا كنت هناك أجمع خواتم زواج كل الذين قتلوا في الحرب، وكنت ألعب الغميضة مع الأطفال الذين فقدوا آباءهم، وكنت أشد على أيديهم واريهم تجاعيد يدي، وأقول لهم أن الله خلقها لنا لنعلم أن هناك دائمًا طريقًا غير مسدودة..
أنا الآن هنا، أتعبتني الجرائم وبكاء الأطفال، والخواتم الفارغة من الأصابع، وآلام الإنسان الذي صلب، والغراب الذي قتلناه كي نقيم المسرحية، وكل يوسف لا يستطيع الخروج، لا نن الجُب ولا من السجن، وكل زليخة يرجمها الناس فقط لأنها همت، وكل عجوز تحفظ مواضع القبور حتى نسيت الحياة، وكل موسى يبحث ولا يصل، وإن وصل ضل من جديد، وكل مريم فقدت وحيدها..
أنا هنا أبكي لأنه بسبب أرعن متكبر نفيت عن وطني.. أنا هنا أبكي، وأريد الرجوع..
أنا كنت هناك، حين أحرقوا إبراهيم، وحين صلبوا المسيح، نعم، لم يصلبوه ولكن شبه لهم، لكن إنسانًا صُلب، وأنا كنت حزينة لأجله، احتضنت مريم، وواسيتها، وانتحيت جانبًا وبكيت..
أنا كنت هناك، أمسك يد العجوز التي قصدها موسى، لتدله على قبر يوسف، وقبلها كنت تحت شباك زنزانة يوسف، وبعدها كنت أواسي زليخة البريئة، التي همت ولم تفعل..
أنا كنت هناك أجمع خواتم زواج كل الذين قتلوا في الحرب، وكنت ألعب الغميضة مع الأطفال الذين فقدوا آباءهم، وكنت أشد على أيديهم واريهم تجاعيد يدي، وأقول لهم أن الله خلقها لنا لنعلم أن هناك دائمًا طريقًا غير مسدودة..
أنا الآن هنا، أتعبتني الجرائم وبكاء الأطفال، والخواتم الفارغة من الأصابع، وآلام الإنسان الذي صلب، والغراب الذي قتلناه كي نقيم المسرحية، وكل يوسف لا يستطيع الخروج، لا نن الجُب ولا من السجن، وكل زليخة يرجمها الناس فقط لأنها همت، وكل عجوز تحفظ مواضع القبور حتى نسيت الحياة، وكل موسى يبحث ولا يصل، وإن وصل ضل من جديد، وكل مريم فقدت وحيدها..
أنا هنا أبكي لأنه بسبب أرعن متكبر نفيت عن وطني.. أنا هنا أبكي، وأريد الرجوع..
Published on October 08, 2017 08:06


