دليلة Quotes

Rate this book
Clear rating
دليلة دليلة by محمد سالم عبادة
2 ratings, 4.00 average rating, 1 review
دليلة Quotes Showing 1-2 of 2
“هذا بيت (دليلة) ليسَ قصرَ العيني" .. هكذا كانت تقولُ لأبيها (شهاب الدين بن أحمد العَينيّ) إذا ما عنَّفَها قليلًا لأي سببٍ يعنِّفُ لهُ الأبُ ابنتَه، وهي بعدُ لم تتجاوز السابعة .. تقولُها فيضحكُ القاضي ويرفعُها بيديه إلى كتفيه ويقبّلُ خدَّيها في نهَمٍ أبَوِيٍّ لا تملك الصغيرةُ بعدَهُ إلّا مسحَ رطوبةِ القبلاتِ من على خدّيها .. يُجَنُّ القاضي حين تفعلُ، فينهالُ على خدَّيها تقبيلًا من جديدٍ ونفَسُهُ منقطعٌ بين الضحكات ..
لا يعرفُ القاضي من أين جاءت ابنتُهُ بهذه اللهجةِ الرقيقة، وهي بنتُ الرجلِ الحلبيِّ والمرأةِ الحلبيةِ ذوَي اللهجةِ الفخمةِ المنتفخةِ المقاطع المهيمنةِ على كل لهجاتِ الشآم .. حتى قهرمانةُ البيتِ - الّتي هي مُرَبّيَتُها في ذاتِ الوقتِ بعد وفاةِ أمِّها – امرأةٌ موصِلِيَّةٌ قريبةُ اللهجةِ إلى الحلبيين .. أمّا (دليلةُ) فهي فقط (عينيّةٌ) كما كان يقول أبوها، بانتسابِها إلى قصر (العَينيّ)، فلا هي حلبيةٌ كأبوَيها، ولا هي موصِلِيّةٌ كمُرَبّيتِها، ولا هي قاهريةٌ رغم نشوئها وترعرُعِها في القاهرة، فهي لم ترَ القاهرةَ إلّا بقدر ما اقتضت الحاجةُ خروجَها من القصر رغم وصولها سِنَّ الثامنة عشرة .. لا لا .. ليست لهجتُها الرقيقةُ قاهريةً، فالقاهريّون أصحابُ لهجةٍ يصعُبُ وصفُها بالرِّقّة كما يصعبُ وصفُها بالفخامة إذا تجاوزتُ وقلتُ إنّهم أصحابُ لهجة. هم أصحابُ وجودٍ دون لهجة! مجرّد وجودِهم كفيلٌ بالتحدث وإيصال المعاني التي تعتملُ في صدورهم، ولذا تبدو لهجتُهم التي لا صفةَ لها زائدةً من زوائدهم. حتى منذ أكثرَ من خمسة قُرون ..”
محمد سالم عبادة, دليلة
“والعمارةُ مطليّةُ الواجهةِ بالجير، ومُطَرطشةٌ باللونِ الأخضر الباهتِ في تناسقٍ جميلٍ، خاصةً إذا قُورِنَت بالعماراتِ التي صعدت من العدمِ على جانبيها ابتداءً من منتصفِ الثمانينيات، والّتي لم يكلّف بُناتُها أنفُسَهم عَناءَ سَتر عورةِ الطوب الأحمر، حتى بخِرقةِ الأسمنت .. هذا إذا استُثنِيَ من هذه العماراتِ مَبنَيانِ أحدهما ثمانينيٌّ كذلك وهو المسجدُ الصغير، والآخرُ عمارةٌ شاهقةٌ بُنِيَت منذ سنتين قرب مدخل الشارع .. فأمّا العمارةُ الشاهقةُ فشهقتُها كفَلَت لها طلاءً يميزُها من أقزامِ العماراتِ الأخرى .. وأمّا المسجدُ فهو المسجد .. ليضرب القبحُ كلَّ شيءٍ في شارع المواصلة، إلّا المسجد، فينبغي أن يُحفظَ ماءُ وجهِه ولو بالمتواضع من الطلاءِ والقليل من الزخارف الإسلامية .. وللأمانة لم تكن زخارفُ هذا المسجد ممّا يمكن أن يوصفَ بالقليل .. لم يبخل عليه بُناتُه من الأهالي الذين شيّدوه بالجهود الذاتية بالزينة المعروفة .. الشرّافات التي يذكر (أحمد) الاسم الذي كان المرحوم أبوه يطلقها عليها (العرائس) مازالت تمثّل له بناتٍ حجريّاتٍ مجرّداتٍ يقفن فوق أسطح المساجد مشتبكات الأيدي محيطاتٍ بالأسطح .. يشعرُ أنّ هذه العرائس أو الشرّافات هي ما تبقى من تسمية الملائكة تسميةَ الأنثى! يستغفرُ كلّما عنّ له الخاطرُ لكنه يبتسم في دَعَة! أمّا المقرنصات في جهات المسجد الأربع فيُوحي إليه الواحدُ منها حيثُما حَلَّ أنّه عودٌ معلَّقٌ بأعلى جدار المسجد، يُوشِكُ أن يلعب بأوتاره من تلقاء ذاتِه ليردد الأذان خلف المؤذِّن!”
محمد سالم عبادة, دليلة