الناظرون Quotes

Rate this book
Clear rating
الناظرون الناظرون by محمد سالم عبادة
4 ratings, 3.75 average rating, 4 reviews
الناظرون Quotes Showing 1-4 of 4
“ابتدرني (11) الذي يرفع رأسه إلى السقف كلما تكلّم كعادة المقرئين العميان:
- أكيد عرفتنا كلّنا. أكيد!
هززتُ كتفيّ وقلت:
- نعم! وهذا ما يدهشني!
أضاف مقهقهًا:
- هذا فقط ما يدهشك؟
- لا بالتأكيد، فما يدهشني أكثر هو أنكم موجودون! أعني كيف يمكن أن أراكم هكذا كأنكم حقيقيون؟ ومجتمعون معي مرّةً واحدةً عند طبيب الأسنان؟!
تنحنح (10) وأمال جذعه ناحيتي قليلاً وقال بصوته الهادئ:
- يا صديقي أمامك الكثير لتعرفه في جلستنا هذه. أول ما ينبغي عليك معرفته هو أننا جميعًا نعاني آلام ضرس العقل!
غلبني الضحك حينئذٍ فابتسم في هدوئه المعتاد وأردف:
- نعم صدّقني. لك أن تتوقع أننا لا نَشِيخُ بالطبع. إلاّ أن الوُجودَ استبقَى لنا مِن شيخوخةِ البشَرِ آلامَ ضِرسِ العَقل!
نَظَرَ المُقرِئُ الضرير في السقف من جديدٍ وهو يضحك، وقال بين ضحكاته:
- نعم يا صاحبي. صدّق (راغب دميان) فهو لا يقول إلا الصدق!
.....................
من قصّة (الناظرون عَبرَ الوَرَق)”
محمد سالم عبادة, الناظرون
“حكى جدّي لأبي أنه كان يخرج من باب الدار في عز الظهيرة، فيجد (عوض) تارةً ممسكًا جرسًا صغيرًا يقربُه من إحدى عُقَد بطنه ويهزُّه بسرعاتٍ مختلفة، وتارةً يفرك على إحدى العُقَد سنبلةَ قمح، ويدعك بها جلده في إصرارٍ وبُطء، وثالثةً يجد بين يديه يمامةً مستكينةً تدفن منقارها بين عقدتين قرب عانته. كانت ملامحُه تفضحُ ألَمًا يكتنز به جسدُه مع كل فعلةٍ من هذه، لكنّه كان ألَمًا غريبًا تتخلله سكينةٌ تفضحها ملامحُه كذلك! كانت تَنِدُّ منه بين الحين والحين صرخةٌ ملؤها اللوعة، وربما دمعت عيناه في هدوءٍ وربما بكى حتى تشنَّج وهو يَفرُكُ سنبلةَ القمحِ أو يهزُّ الجرسَ أو يربّتُ ظَهرَ اليمامة، لكنّه بين الصرخات يضحكُ حتى يَسيلَ لعابُه، وبين دموعه يبتسم في رضًا، ووسطَ بكائه يقوم ليقفِزَ في الهواء مرتين ويخبط الأرض بقدميه فرِحا!”
محمد سالم عبادة, الناظرون
“أشارت إلى موضعٍ وراء ظهري بالضبط في حائط المسجد ورفعت حاجبها فبدت أكثر فتنة:
- "هل يعجبك هذا الحَجَر؟"
- "آه! هذا الحجَر؟"
قلتُها ولم ألتفت إلى الخلف، فاتسعت ابتسامتُها وتابعَت:
- "أنا أعرف أنه يعجبُك! لكنك لم تكن لِتَعرِفَ قِيمَتَه لولا اللوحةُ الإرشاديةُ المكتوبةُ تحتَه"
- "لا أنكر بالطبع. لستُ خبيرًا أثريًّا لأعرف هذه الأشياء، لكن الخط الذي نُقِشَ به الحجَر كان بالتأكيد سيثير فضولي في غياب اللوحة. أنا أستطيع أن أميّز الخطّ المسند. خطّ حِميَري قديم، يعني عربي قديم".
هزت رأسها في لا مبالاة:
- "أنا أعرف بالطبع تاريخ الحجَر. وأعرف حتى ما لم تقُله من أسباب إعجابك به!"
تركتُ مكاني مرغمًا ونظرتُ في عينيها في فضول. كانت عيناها ثَمِلَتين وحزينتين. أحسستُ بريقَهما مُوشِكًا على الانطفاء في أية لحظة.
.......................
من قصّة (الناظرون إلى السَّماء)”
محمد سالم عبادة, الناظرون
“خرج (شندلر) محزونًا حاملاً دفاتر المستقبل، وظلّ الشقاقُ بينهما عامًا كاملاً، انقضى فيه ما كان (شندلر) كتبه من حوار، لكنّه لم يكُفّ عن الكتابة وهو بعيد. كان الأمرُ فوقَ إرادته، لا يجدُ له دَفعا. ظلّ الصمَمُ والألمُ يَقتُلان (بيتهوفن) ببطء. كانت سيمفونيتُه التاسعةُ التي قادَها بنفسه قبل الجراحة بأشهرٍ قليلةٍ تتلوى في وعيه وهو محاصَرٌ بالطنين والأصوات البحريةِ الهادرةِ الرهيبةِ التي استعمرَته منذُ زُرِع الأخطبوطُ في أذُنه. عاد (شندلر) لخدمته بعد عِدَّةِ أشهُر، بعد أن تصالحا على أن يحاول الأخيرُ كتابة نهايةٍ تليقُ بالموسيقار العظيم.
لم يحاول بعد ذلك (بيتهوفن) مراجعة سكرتيره فيما كتبه، حتى حانت لحظةُ مَوتِه، فقال جملته الشهيرة "هنا تنتهي المسرحية يا سادة"، وبَصَقَ في وَجهِ السَّماءِ تلك البَصقَةَ الشهيرةَ التي ارتدّت إليه فملأَت وَجهَه! كانت هذه البصقةُ آخِرَ ما كتبه (شندلر) في دفترِه الملعون! بعدها أخذ (شندلر) دفاتره واستعان بها في كتابة تاريخ حياة (بيتهوفن)، ولم تُخالِج أحدَهم فكرةٌ بشأن حقيقة ما جرى بالطبع!”
محمد سالم عبادة, الناظرون