Status Updates From الكليات الأساسية للشريعة ال...

ص١٦٩
فالدين والإكراه لا يمكن اجتماعهما، فمتى ثبت الإكراه بطل الدين؛ فالإكراه لا ينتج دينًا، وإن كان قد ينتج نفاقًا وكذبًا وخداعًا، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة.

وإذا كان الإكراه باطلًا حتي في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية؛ حيث إنه لا يصح معه زواج ولا طلاق، ولابيع، ولا بيعة، فكيف يمكنه أن ينشئ دينًا وعقيدة وإيمانًا وإسلامًا!؟

إن التقوى هي الرقابة الداخلية والانضباط الذاتي والإرتقاء الإرادي ظاهرا وباطنا.

هذه التقوى، حينماتنعدم أوتنهزم، تسودالمغالبة والمخادعة، والاستكبار والاستئثار، والاستبداد والإفساد. وحينهاتشتد الحاجة إلى كثرةالقوانين والتدابيرالزجرية، وكثرة الاحتياطات والمحاذير، وكثرةالولاة والقضاة، وكثرةالمحاكم والمحاكمات، وكثرةالأجهزةالأمنية والمؤسسات الرقابية.

ومن هنا قال عمر بن عبدالعزيز:
"تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور"

فما التقوى إن لم تكن الاحترام البالغ العمق للشرع"


-محمد عبد الله دراز

والأخلاق عبارة عن الخصال النفسية المعبر عنها بواسطة السلوك العملي المستمر. فلابد في الأخلاق من تحقق هذين الجانبين: الجانب النفسي، والجانب العملي.

فالجانب النفسي يتضمن الرسوخ الباطني للخلق والاقتناع بقيمته وفائدته.

والجانب العملي، هوالترجمة والثمرة الفعلية للإيمان بالخلق ومحبته والرغبة فيه.

فبدون تحقق عملي مستمر، تكون الأخلاق مجرد تمنيات وادعاءات، وبدون اقتناع وتعلق نفسي، تكون الأخلاق مجرد تصنع وتظاهر ونفاق.

فرغم أن ما يجمعه الناس من أموال ومتاع، إنما هو نعمة وفضل من الله (وابتغوا من فضل الله)، فإنه حينما يقارَن مع فضل الله في هداية القلوب وشفاء الصدور وطمأنينة النفوس، يكون هذا هو فضل الله الحقيقي الذي يستحق أن نفرح به ونعض عليه بالنواجذ.

المعتاد أن يعلل تحريم الخمربإفساد العقل، ويعلل تحريم الميسر بمافيه من أكل المال بالباطل. وكلا التعليلين صحيح، ولكنه قاصربسبب الغفلةعن التعليل القرآني الذي نص ع مفاسدأخرى معنوية وهي مفاسدمشتركة بينهما، لذلك جاءتحريمهما ف سياق واحد وبتعليل واحد

فعلةالتحريم هي ماينجم(عنهما)من شحناء وخصومة وعداوة وكذلك مافيهمامن الاستغراق القلبي والعقلي الذي يصرف عن ذكر الله، ويحول دون أداءالصلاة ف وقتها، ويفسد الانتباه والخشوع ف أدائها

أرقي وأجمع ما تحققه العبادات المحددة والمنتظمة، هو أنها تجعل السلوك الإحساني خُلقًا راسخًا ومنهجًا عامًّا في الحياة، وهذه هي درجة التقوى، التي وضعت العبادة لأجل تحقيقها.


قلت: والغاية من التقوى، هي أن يكون الإنسان أحسن، وأن يتصرف بما هو أحسن له ولغيره.

ما أعنيه بالكليات، أو الكليات الأساسية، هو المعاني والمباديء والقواعد العامة المجردة، التي تشكل أساسًا ومنبعًا لما ينبثق عنها وينبني عليها من تشريعات تفصيلية وتكاليف عملية ومن أحكام وضوابط تطبيقية.

فالكليات هنا هي مايقابل الجزئيات، ولوعبرنا عن الصنفين بالأصول والفروع لكان صحيحا ومطابقا...

الكليات أو الأصول هنا تعني معتقدات وتصورات عقدية، وتعني مباديء عقلية فطرية، وتعني قيمًا أخلاقية، ومقاصد عامة، وقواعد تشريعية

فالكليات ليس لها انتماء وطني أو قومي أو زمني.

فالتشريع أعني به كل ماله مقتضى عملي في حياة الإنسان، أيا كانت صفة هذا الإنسان، وأيا كان نوع هذا المقتضى ومجاله، فكل قاعدة كلية تقتضي أثرا أو فعلا أو سلوكًا في حياة الإنسان أفرادًا، أو جماعات، فهي عندي من"الكليات التشريعية"وهي نوع من التشريع. ولاتعنيني بعد ذلك التصنيفات الفقهية أوالقانونية، أو التاريخية.

فالتشريع والتشريعي هو ماله مقتضى عملي إذا صدرمن جهة لها حق الإلزام، وهذه الجهة في حالتنا هي الشرع وصاحب الشرع.