“وَقَالَ الباقلاني من آخر السّفر الرَّابِع من كِتَابه الْمَعْرُوف بالانتصار فِي الْقُرْآن نَحن ننكر فعل النَّار للتسخين والإحراق وننكر فعل الثَّلج للتبريد وَفعل الطَّعَام وَالشرَاب للشبع والري وَالْخمر للإسكار كل هَذَا عندنَا بَاطِل محَال ننكره أَشد الْإِنْكَار وَكَذَلِكَ فعل الْحجر لجذب شَيْء أَو رده أَو حَبسه أَو إِطْلَاقه من جَدِيد أَو غَيره هَذَا نَص كَلَامه
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا تَكْذِيب مِنْهُم لله عز وَجل إِذْ يَقُول {تلفح وُجُوههم النَّار} وَلقَوْله تَعَالَى {ونزلنا من السَّمَاء مَاء مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جنَّات وَحب الحصيد} وَقَوله تَعَالَى {إِنَّا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز فنخرج بِهِ زرعا تَأْكُل مِنْهُ أنعامهم وأنفسهم} الْآيَة وَقَوله تَعَالَى {فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} وَقد صككت بِهَذَا وَجه بعض مقدميهم فِي المناظرة فدهش وبلد وَهُوَ أَيْضا تَكْذِيب لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ يَقُول كل مُسكر حرَام وكل سراب أسكر حرَام مَعَ مخالفتهم لكل لُغَة وَلكُل ذِي حس من مُسلم وَكَافِر ومكابرة العيان وَإِبْطَال الْمُشَاهدَة ثمَّ أظرف شَيْء احتجاجهم فِي هَذِه الطامة بِأَن الله عز وَجل هُوَ الَّذِي خلق ذَلِك كُله فَقُلْنَا لَهُم أوليس فعل كل حَيّ مُخْتَار واختياره خلقا لله عز وَجل فَلَا بُد من قَوْلهم نعم فَيُقَال لَهُم فَمن أَيْن نسبتم الْفِعْل إِلَى الْأَحْيَاء وَهِي خلق الله تَعَالَى ومنعتم من نِسْبَة الْفِعْل إِلَى الجمادات لِأَنَّهُ خلق الله تَعَالَى وَلَا فرق وَلَكنهُمْ قوم لَا يعْقلُونَ”
―
Ibn Hazm Al-Andalusi,
الفِصَلُ في الملل والأهواء والنحل