“فإذا أتاحت الرشوة -على سبيل المثال- لمنتِج قليل الكفاءة أن يؤسس مصنعا للصلب ففي هذا نيل من كفاءة الاقتصاد. ولكني أعود فأقول إن هذه ليست نتيجة محتومة. فلقد ذهب البعض إلى أن المنتِج المستعد لدفع أعلى الرشاوي هو المنتِج الأكثر كفاءة، فالمنتِج الذي يتوقع تحقيق أموال أكثر من الترخيص هو قطعا الذي يستعد لدفع رشوة أكبر للحصول على الترخيص. ولو أن الأمر كذلك، فإعطاء الترخيص للمنتِج الذي يدفع الرشوة الأكبر يماثل في جوهره عرض الحكومة الترخيص للمزاد، ومن ثم فهي الطريقة المثلى لاختيار المنتِج الأكفأ، باستثاء أن العائد يذهب إلى المسئول معدوم الضمير، بدلا من الذهاب إلى خزينة الدولة في حالة إقامة مزاد شفاف. وبالطبع تتهاوى حجة "الرشوة بوصفها مزادا (كفئا) غير رسمي" لو أن منتجين أكثر كفاءة رفضوا لاستقامتهم الأخلاقية أن يدفعوا الرشاوي، ففي هذه الحالة تتيح الرشوة لمنتِج أقل كفاءة أن يحصل على الترخيص.
قد "يشوِّه" الفساد قرارات الحكومة بتعطيله القواعد التنظيمية. فلو أن شركة مياه توفر مياها دون المستوى وتستطيع الاستمرار في أعمالها برشوة المسئولين المعنيين، فالعواقب الاقتصادية سوف تكون وخيمة [....].
لكن لو كانت القواعد التنظيمية "غير ضرورية"، فالفساد هنا قد يزيد كفاءة الاقتصاد. وعلى سبيل المثال، قبل الإصلاح التشريعي في عام 2000، كانت إقامة مصنع في فييتنام تقتضي تقديم عشرات المستندات [...] فكانت إجراءات تجهيز المستندات للحصول على جميع الموافقات اللازمة تحتاج لستة أشهر في ما يقال. في وضع كهذا، قد يكون خيرا للمستثمر المحتمل أن يرشو المسئولين الحكوميين المعنيين فيحصل على الترخيص بسرعة. وقد يقال إن هذه الطريقة تجعل المستثمر يفوز بكسبه مزيدا من المال، والمستهلك يفوز بكسبه المزيد من الإشباع لطلبه بسرعة، [...]. لهذا السبب، غالبا ما يقال إن الرشوة قد تعزز الكفاءة الاقتصادية للاقتصاد شديد البيروقراطية بإدخال قوى إلى السوق وإن بوسائل غير مشروعة. وهذا ما قصده أستاذ العلوم السياسية الأمريكي المخضرم صمويل هنتنجتن في قوله الكلاسيكي: "في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي، ليس أسوأ من مجتمع ذي بيروقراطية صارمة، شديدة المركزية، فاسدة، إلا مجتمع ذو بيروقراطية صارمة، شديدة المركزية، وغير فاسدة". وأعود فأقول [...].”