“إن مصر خلال الخمسة والثلاثين قرنا التي استطالت لها الحضارة الفرعونية، لم تُحافظ على مستوى واحد من الحيوية والازدهار، فقد مرت بها عهود ازدهار وتوسع واشعاع كما عرفت عهودا أهرى من الانحطاط والخسف والسبات العميق. فقد تعاقبت على الوادي منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، ثلاث امبراطوريات، من الأسرتين الثالثة والرابعة، أي من بناة الأهرام، حتى أواخر القرن الثالث عشر قبل المسيح، تاريخ زوال السلالة التاسعة عشرة التي ينتمي إليها رعمسيس الثاني. وبعد ذلك في القرنين السابع والثامن، أي بين ذهاب سيادة آشور، والفتح الفارسي، عاد إلى مصر شئ من حيويتها مع أسرة ساييس. فإذا شئنا أن نرسم للحضارة المصرية رسما بيانيا لم يتبع الرسم خطا منحنيا، مديد الطول مع مدى الأزمنة التي استطالت لها هذه الحضارة، بل سار متعرجا ومتكسرا بين هبوط عظيم وارتقاء شاهق.

فالحديث، والحالة عن حضارة مصرية "واحدة"، ووضع صورة بيانية لها عملية رهان ومجازفة، ولكن المحاولة لها ما يُبررها فيما اعتقد به المصريون واستقر في أذهانهم وما جاهروا به عاليا أن حضارتهم حضارة استمرت دون انقطاع.”